الغالية

هؤلاء هم الذين غالوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقية وحكموا فيهم بأحكام الإلهية فربما شبهوا واحداً من الأئمة بالإله و ربما شبهوا الإله بالخلق‏.‏

وهم على طرفي الغلو والتقصير‏.‏

وإنما نشأت شبهاتهم من مذاهب الحلولية ومذاهب التناسخية ومذاهب اليهود والنصارى إذ اليهود شبهت الخالق بالخلق والنصارى شبهت الخلق بالخالق‏.‏

فسرت هذه الشبهات في أذهان
الشيعة الغلاة حتى حكمت بأحكام الإلهية في حق بعض الأئمة‏.‏

وكان التشبيه بالأصل والوضع في الشيعة، وإنما عادت إلى بعض أهل السنة بعد ذلك وتمكن الإعتزال فيهم لما رأوا أن ذلك أقرب إلى المعقول وأبعد من التشبيه والحلول‏.‏

وبدع الغلاة محصورة في أربع‏:‏ التشبيه والبداء والرجعة والتناسخ‏.‏

ولهم ألقاب وبكل بلد لقب‏:‏ فيقال لهم بأصبهان‏:‏ الخرمية والكوذية وبالري‏:‏ المزدكية والسنباذية وبأذربيجان‏:‏ الدقولية وبموضع‏:‏ المحمرة وبما وراء النهر‏:‏ المبيضة‏.‏

وهم أحد عشر صنفاً‏:‏ السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي كرم الله وجهه‏:‏ أنت أنت يعني‏:‏ أنت الإله فنفاه إلى المدائن‏.‏

زعموا‏:‏ أنه كان يهودياً فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وصي موسى عليهما السلام مثل ما قال في علي رضي الله عنه‏.‏

وهو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي رضي الله عنه‏.‏

ومنه انشعبت أصناف الغلاة‏.‏

زعم ان علياً حي لم يمت ففيه الجزء الإلهي ولا يجوز أن يستولي عليه وهو الذي يجيء في السحاب والرعد صوته والبرق تبسمه‏:‏ وأنه سينزل إلى الأرض بعد ذلك فيملأ الرض عدلاً كما ملئت جوراً‏.‏

وإنما أظهر ابن سبا هذه المقالة بعد انتقال علي رضي الله عنه واجتمعت عليع جماعة وهو أول فرقة قالت بالتوقف والغيبة والرجعة وقالت بتناسخ الجزء الإلهي في الأئمة بعد علي رضي الله عنه‏.‏

قال‏:‏ وهذا المعنى مما كان يعرفه فيه حين فقأ عين واحد بالحد في الحرم ورفعت القصة إليه‏:‏ ماذا أقول في يد الله فقأت عينا في حرم الله فأطلق عمر اسم الإلهية عليه لما عرف منه ذلك‏.‏

الكاملية أصحاب أبي كاملز أكفر جميع الصحابة بتركها بيعة علي رضي الله عنه‏.‏

وطعن في علي أيضاً بتركه طلب حقه ولم يعذره في القعود قال‏:‏ وكان عليه أن يخرج ويظهر الحق على أنه غلا في حقه‏.‏

وكان يقول‏:‏ الإمامة نور يتناسخ من شخص لى شخص وذلك النور‏:‏ في شخص يكون نبوة وفي شخص يكون إمامة وربما تتناسخ الإمامة فتصير نبوةز وقال بتناسخ الأرواح وقت الموت‏.‏

والغلاة على أصنافها كلهم متفقون على‏:‏ التناسخن والحلول‏.‏

ولقد كان التناسخ مقالة لفرقة في كل ملة تلقوها من‏:‏ المجوس المزدكية والهند البرهمية ومن الفلاسفة والصائبة‏.‏

ومذهبهم‏:‏ أن الله تعالى قائم بكل زمان ناطق بكل لسان ظاهر في كل شخص من أشخاص البشر وذلك بمعنى الحلول‏.‏

وقد يكون الحلول بجزء وقد يكون بكل‏:‏ أما الحلول بجزء فهو كإشراق الشمس في كوة أو كغشراقها على البللور أما الحلول بكل فهو كظهور ملك بشخص أو شيطان بحيوان‏.‏

ومراتب التناسخ أربع‏:‏ النسخ والمسخ والفسخ والرسخ‏.‏

وسيأتي شرح ذلك عند ذكر فرقهم من المجوس على التفصيل‏.‏

وأعلى المراتب‏:‏ مرتبة الملكية أو النبوة وأسفل الوراتب‏:‏ الشيطانية أو الجنية‏.‏

وهذا أبو كامل كان يقول بالتناسخ ظاهراً من غير تفصيل مذهبهم‏.‏

العلبائية أصحاب‏:‏ العلباء بن ذراع الدوسي وقال قوم‏:‏ هو الأسدي‏.‏

وكان يفضل علياً على النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أنه الذي بعث محمداً يعني علياً وسماه إلهاً‏.‏

وكان يقول بذم محمد صلى الله عليه وسلم وزعم أنه بعث ليدعو إلى علي فدعا إلى نفسه‏.‏

ويسمون هذه الفرقة‏:‏ الذمية‏.‏

ومنهم من قال بإلهيتهما جميعاً ويقدمون علياً في أحكام إلهية ويسمونهم‏:‏ العينية‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ بإلهيتهما جميعاً ويفضلون محمداً في الإلهية ويسمونهم‏:‏ الميمية‏.‏

ومنههم من قال بالإلهية لجملة أشخاص أصحاب الكساء‏:‏ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين‏.‏

وقالوا خمستهم شيءواحد والروح حالة فيهم بالسوية لا فضل لواحد منهم على الآخر وكرهوا أن يقولوا‏:‏ فاطمة بالتأنيث بل قالوا‏:‏ فاطم بلا هاء وفي ذلك يقول بعض شعرائهم‏:‏ توليت بعد الله في الدين خمسة‏:‏ نبياً وسبطية وشيخلً وفاطماً‏.‏
المغيرية أصحاب‏:‏ المغيرة بن سعيد العجلي‏.‏

ادعى أن الإمامة بعد محمد بن علي بن الحسين في‏:‏ محمد النفس الزكية بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن الخارج بالمدينة وزعم أنه حي لم يمت‏.‏

وكان المغيرة مولى لخالد بن عبد الله القسري وادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام محمد وبعد ذلك ادعى النبوة لنفسه واستحل المحارم وغلا في حق علي رضي الله عنه غلواً لا يعتقده عاقل‏.‏

وزاد على ذلك قوله بالتشبيه فقال‏:‏ إن الله تعالى صورة وجسم ذو أعضاء على مثال حروف الهجاء وصورته صورة رجل من نور على رأسه تاج من نور وله قلب تنبع منه الحكمة‏.‏

وزعم أن الله تعالى لما أراد خلق العالم تكلم بالأسم الأعظم فطار فوقع على رأسه تاجاً قال‏:‏ وذلك قوله‏:‏ سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى‏.‏

ثم اطلع على أعمال العباد وقد كتبها على كفه فغضب من المعاصي فعرق فاجتمع من عرقه بحران‏:‏ أحدهما مالح والآخر عذب والمالح مظلم والعذب نير‏.‏

ثم اطلع في البحر النير فأبصر ظله فانتزع عين ظله فخلق منها الشمس والقمر كله من البحرين فخلق المؤمنون من البحر النير وخلقالكفار من البحر المظلم وخلق ظلال الناس أول ما خلق وأول ما خلق هو ظل محمدج عليه السلام وظل علي قبل خلق ظلال الكل‏.‏

ثم عرض على السموات والأرض والجبال أن يحملن الأمانة وهي أن يمنعن علي بن أبي طالب من الإمامة فأبين ذلك ثم عرض ذلك على الناس فأمر عمر بن الخطاب أبا بكر أن يتحمل منعه من ذلك وضمن له أن يعينه على الغدر به على شرط أن يجعل الخلافة له من بعده فقبل منه وأقدما على المنع متظاهرين فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وحملها الإنسان إنه طكان ظلوماً جهولاً‏:‏‏.‏

وزعم أنه نزل في حق عمر قولع تعالى‏:‏ ‏"‏ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك ‏"‏‏.‏

ولما أن قتل المغيرة اختلف أصحابه‏:‏ فمنهم من قال بانتظاره ورجعته ومنهم من قال بانتظار إمامة‏:‏ محمد كما كان يقول بانتظاره‏.‏

وقد قال المغيرة بإمامة أي جعفر محمد بن علي رضي اللع عنهما ثم غلا فيه وقال بإلهيته فتبرأ منه الباقر ولعنه‏.‏

وقد قال المغيرة لأصحابه‏:‏ انتظروه فإنه يرجع وجبريل وميكائيل يبايعانه بين الركن والمقام وزعم‏:‏ أنه يحيي الموتى‏.‏

المرجع: الملل والنحل للشهرستاني



أهل السنة