أبو بكر الصديق

أبو بكر الصّديق
573-634م

هو عبد الله بن عثمان من بني سعد بن تميم، يُلقّب العتيق ويُكنّى بأبي بكر، ويُعرَف بالصّديق، ويُلقّب أبوه عثمان بأبي قحافة، وأمّه أم الخير سلمى بنت صخر، مِن بَني تميم أيضًا، وهي ابنة عم أبيه. وبنو تميم هم أحد بطون قريش الإثني عشر. أول الخلفاء الراشدين، دامت ولايته سنتين وربع السنة (632-634م)، وكان من أول من أسلم ومن أقرب الصحابة، وقد أنشأ مع رفاقه مؤسسة الخلافة الأولى. وهو أصغر من النّبي بحدود سنتين وبضعة أشهرٍ. وكان من وجهاء قريش وأشرافها وأحد رؤسائها. وكان عارفًا لأنساب العرب وتاجرًا كبيرًا. وكان قد حرَّم على نفسه الخمرة في الجاهلية ولم يسجد لصنمٍ قط.

كان أبو بكر الصّديق صديق رسول الله قبل البعثة. فما إن بُعِثَ محمد بن عبد الله حتّى آمن به أبو بكر وصدّّقه. وصحب رسول الله حتّى وفاته فلم يفارقه سفرًا ولا حضرًا إلاّ فيما أذن له الرّسول في الخروج من حجٍ أو غزوٍ. وهاجر معه من مكة إلى المدينة المنوّرة، وترك عياله وأمواله وتجارته رغبةً في رسول الله.

لازم أبو بكر الرّسول في المعارك، لا يحيد عنه خطوةً. وكان كريمًا سخيًا. وقد أنفق جُل ماله في سبيل الله ورسوله.

أسلم عددٌ من كبار الصّحابة على يد أبي بكر، ومنهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وَقَاص، وأبو عبيدة بن الجراح... وغيرهم الكثير. وكان قد ابتنى بفناء بيته مسجدًا يُصلي فيه ويقرأ القرآن فيجتمع عليه الناس ويستمعون إلى قراءته وصلاته.

كان أبو بكر إذا مرّ على أحد العبيد يُعذَّب اشتراه وأعتقه. وكان إلى جانب الرّسول في غزوة بدر. وثبّت يوم أحد بجانبه أيضًا يدافع عنه ويُكافح. وفي صلح الحديبيّة شَعَر بعض المُسلمين بالإنقباض منه إلاّ أبا بكر فكان مُصدقًا واثقًا من النصر. ويوم حنين كان أبو بكر أحد أولئك القلّة الذين ثبتوا مع النبي حتّى رجع المسلمون إلى القتال.

بعث النّبي أبا بكر أميرًا على المسلمين للحجّ في السّنة التاسعة للهجرة. وقد غاب النّبي عن المسجد النّبوي فأوصى بلالاً أن يؤذّن ويقدّم أبا بكر إذا حانت الصلاة، فقال:«مُرُوا أبا بكر فليصل بالنّاس».

توفّي الرسول في يومه ذاك. وكانت وفاته صدمةً قويةً للصّحابة جميعهم حتى أنّ عمر بن الخطاب زجر وهدّد كل مَن يقول أنّ رسول الله مات، حتّى جاءه أبو بكر ودخل بيت ابنته السّيدة عائشة زوجة الرّسول وكشف عن وجه النّبي وقبّله. ثم خرج إلى النّاس وقد غصّ بهم المسجد، وبينهم عمر بن الخطاب يخطب بالناس، مُنكرًا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال أبو بكر كلمته المشهورة: «أيّها الناس مَن كان يعبد محمّدًا فإن محمدًا قد مات؛ ومَن كان يعبد الله فإن اللهّ حيّ لا يموت».

بعد وفاة الرّسول شعر الأنصار أنّهم بحاجةٍ ماسةٍ إلى اختيار خليفةٍ منهم، يحمي المدينة والمُسلمين من الأعراب ورجال القبائل، لأنّ المهاجرين ربما تركوا المدينة ورجعوا إلى ديارهم في مكة. لذلك التقوا في سقيفة بني ساعدة وحدهم واتّفقوا على بيعة سعد بن عبادة زعيم الخزرج. ووصل الخبر إلى عمر، وكان منشغلاً بتجهيز رسول الله فذهب إلى السّقيفة وأخذ معه أبا بكر الصّديق وأبا عبيدة بن الجراح فوصلوا إلى السّقيفة والناس مجتمعون فجلسوا يستمعون خطيب الأنصار، فعرض الخطيب الأنصاري أن يكون هناك رجلين من الأنصار والمهاجرين يليان الحكم. ثم قام أبو بكر، فخطب فذكر مآثر الأنصار ثم قال: لكنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلاّ لقريش، هم أواسط العرب دارًا وأنسابًا. وقد رضيتُ لكم أحد هذين الرّجلين، فبايعوا أيّهما شئتم، وأخذ بيد عمر وأبي عبيدة.

ثم تكلّم رجلٌ من الأنصار، وأظهر حبّهم للمهاجرين واقترح أن يكون الخليفة الأوّل للمهاجرين والثّاني من الأنصار وهكذا. فقال لهم عمر بن الخطاب:«ألستم تعلمون أنّ رسول الله قد قدّم أبا بكر للصّلاة؟ قالوا نعم. قال أفلا ترضون لدُنياكم مَن ارتضاه رسول الله لديكم؟ فقام زيد بن ثابت الأنصاري وأيّد القول بأنّ الخلافة للمهاجرين فقام أبو بكر وشكرهم وأراد مبايعة عمر بن الخطاب فرفض. وقال عمر وأبو عبيدة: لا ينبغي لأحدٍ بعد رسول الله أن يكون فوقك يا أبا بكر وأنت صاحب الغار مع رسول الله وثاني اثنين وأمَرَك الرّسول أن تصلّي بالناس فأنت أحقّ بهذا الأمر. ووثب عمر وبايع الخليفة وتسابق الناس لمبايعته. وفي اليوم التالي بايع النّاس بيعةً عامةً بعد بيعة سقيفة بني ساعدة التي بايعه فيها أهل الحلّ والعقد.

على الرّغم من قصر خلافة أبي بكر الصّديق التي دامت سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيّامٍ إلاّ أنّها كانت مليئةً بالأعمال الجليلة التي تحتاج إلى السّنوات الطويلة. فأوّل عملٍ قام به هو إنفاذ وصية رسول الله في إرسال جيش أسامة بن زيد لمحاربة الرّوم. وبعد ذلك قام الخليفة بمحاربة المُرتدّين بعد أن اتّسعت دائرتهم وكبر شأنهم وزاد عددهم.

وعندما انتهت حروب الرّدة، أكمل الخليفة أبو بكر تنفيذ وصية رسول الله في نشر الدّعوة الإسلامية وتكملة ما بدأ فيه من إرسال جيش أسامة بن زيد. فأرسل الجيوش الإسلامية لنشر الإسلام ومحاربة الدولتين القويتّين آنذاك الفرس على الجبهة الشرقية والرّوم على الجبهة الغربية.

وعندما مرض أبو بكر الصديق وشعر بدنو الأجل، استشار كبار الصّحابة بتولية الخلافة لعمر بن الخطاب من بعده. فرضوا به. فكتب العهد عثمان بن عفان وقرأه على أبي بكر ففرح بذلك. وأرسل إلى عمر ووعظه وأوصاه بالمسلمين خيرًا.