زينب بنت رسول الله

زينب بنت النبي

صاحبة القلادة

السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها السيدة خديجة بنت خويلد -رضى الله عنها- ولدت قبل بعثة والدها صلى الله عليه وسلم بعشر سنوات. وكانت أول أولاده من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضى الله عنها-، وتزوجت من ابن خالتها أبى العاص بن الربيع فأنجبت له عليَّا وأمامة، فمات علي وهو صغير، وبقيت أمامة فتزوجها الإمام علي بن أبى طالب -رضى الله عنه-.

وفى ذلك الحين بدأت ملحمة الصراع بين المسلمين وكفار قريش، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وهاجرت معه رقيَّة وفاطمة وأم كلثوم، وبقيتْ زينب وحيدة في مكة بجوار زوجها الذي ظل متمسكًا بوثنيته، ثم تطورت الأحداث فخرج المسلمون لاسترداد حقهم الذي تركوه بمكة فتعرَّضوا لقافلة أبى سفيان، فخرجت قريش برجالها، وبدأت الحرب بين الفريقين، وكانت غزوة بدر الكبرى.

وانتصر المسلمون وانهزم الكفار والمشركون. فوقع أبو العاص أسيرًا عند المسلمين، فبعثت قريش لتفديه، وأرسلت "زينب" بأخي زوجها "عمرو بن الربيع" وأعطته قلادتها التي أهدتها لها أمها "خديجة" يوم زفافها، فلما وصل عمرو ومعه تلك القلادة التي أرسلتها لفداء زوجها الأسير، ورأى الصحابة القلادة أطرقوا مأخوذين بجلال الموقف، وساد الصمت الحزين برهة، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم والدموع حبيسة عينيه، وقال لهم في رقة رقّت لها أفئدة المسلمين: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا". قالوا: نعم يارسول اللّه. فأطلقوه، وردّوا عليها الذي لها. [أبو داود وأحمد والحاكم].

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا العاص أن يترك زينب، وأن يرسلها إليه في المدينة، ففعل رغم حبه الشديد لها.

رجع أبو العاص وأرسل أخاه كنانة؛ ليقود بعير زينب وهي في طريقها إلى المدينة. لكن قريشًا تصدَّت لهما فأصاب هبار بن الأسود الأسدي بعيرها برمحه، فوقعت "زينب" على صخرة جعلتها تنزف دمًا وأسقطت على إثرها جنينها. فهدَّد كنانة بن الربيع قريشًا بالقتل بسهامه، إن لم يرجعوا ويتركوا زينب فرجع الكفار عنهما.

ورأى كنانة ألم زينب فحملها إلى بيت أخيه. وظلت هناك حتى بدأت تستعيد قواها بجانب أبى العاص زوجها الذي لا يكاد يفارقها لحظة... فخرج بها كنانة مرة أخرى، حتى سلمها إلى زيد ابن حارثة، الذي صحبها حتى أتت بيت أبيها صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فاستقبلها المسلمون استقبالا طيبًا حافلا.

ومرت الأيام، ووقع "أبو العاص" مرة أخرى في الأسر، حين هاجم المسلمون قافلته العائدة من الشام، وبعد صلاة الفجر دخلت زينب إلى أبيها، تطلب منه أن تجير "أبا العاص"، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين قائلا: "أيها الناس هل سمعتم ما سمعتُ؟" قالوا: نعم. قال: "فوالذي نفسى بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم، المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليُّهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت" [الحاكم وابن سعد وابن هشام].

وأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زينب أن لا يقربها زوجها أبو العاص، لأنها لا تحل له مادام مشركًا.

ورحل أبو العاص بتجارته عائدًا إلى مكة وأعاد لكل ذي حق حقه، ثم أعلن إسلامه على الملأ ورجع مهاجرًا في سبيل اللّه إلى المدينة، وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة. فالتأم شمل زينب بزوجها مرة أخرى.

لكن سرعان مانزلت مصيبة الموت بزينب فماتت متأثرة بالألم الذي أصابها بالنزف عند هجرتها إلى المدينة، وكانت وفاتها -رضى الله عنها- في السنة الثامنة للهجرة، فبكاها زوجها أبوالعاص بكاءً مرّا. وحزن عليها الرسول صلى الله عليه وسلم حزنًا كبيرًا، ثم ودعها إلى مثواها الأخير.

ورد في "سير أعلام النبلاء" للذهبي عن زينب بنت النبي:

"بنت صلى الله عليه وسلم وأكبر أخواتها من المهاجرات السيدات.

تزوجها في حياة أمها ابن خالتها أبو العاص فولدت له أمامة التي تزوج بها علي بن أبي طالب بعد فاطمة وولدت له علي بن أبي العاص الذي يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه وراءه يوم الفتح وأظنه مات صبياً.

وذكر ابن سعد: أن أبا العاص تزوج بزينب قبل النبوة وهذا بعيد.

أسلمت زينب وهاجرت قبل إسلام زوجها بست سنين.

فروي عن عائشة بإسناد واه أن أبا العاص شهد بدراً مشركاً فأسره عبد الله بن جبير الأنصاري فلما بعث أهل مكة في فداء أساراهم جاء في فداء أبي العاص أخوه عمرو وبعثت معه زينب بقلادة لها من جزع ظفار أدخلتها بها خديجة في فداء زوجها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة عرفها ورق لها وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فعلتم". قالوا: نعم فأخذ عليه العهد أن يخلي سبيلها إليه ففعل.

وقيل: هاجرت مع أبيها ولم يصح.

البزار: حدثنا سهل بن بحر: حدثنا الحسن بن الربيع: حدثنا ابن المبارك عن ابن لهيعة: أخبرنا بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وكنت فيهم فقال: "إن لقيتم هبار بن الأسود ونافع بن عبد عمرو فأحرقوهما". وكانا نخسا بزينب بنت رسول الله حين خرجت فلم تزل ضبنة حتى ماتت.

ثم قال: "إن لقيتموهما فاقتلوهما فإنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله".

ابن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الصبح فلما قام في الصلاة نادت زينب: إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما علمت بهذا وإنه يجير على الناس أدناهم".

قال الشعبي: أسلمت زينب وهاجرت ثم أسلم بعد ذلك وما فرق بينهما.

وكذا قال قتادة وقال: ثم أنزلت براءة بعد. فإذا أسلمت امرأة قبل زوجها فلا سبيل له عليها إلا بخطبة.

وروى حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بنكاح جديد ومهر جديد.

وقال ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته إلى أبي العاص بعد سنين بنكاحها الأول ولم يحدث صداقاً.

وعن محمد بن إبراهيم التيمي قال: خرج أبو العاص إلى الشام في عير لقريش فانتدب لها زيد في سبعين ومئة راكب فلقوا العير في سنة ست فأخذوها وأسروا أناساً منهم أبو العاص فدخل على زينب سحراً فأجارته ثم سألت أباها أن يرد عليه متاعه. ففعل وأمرها ألا يقربها ما دام مشركاً. فرجع إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه ثم رجع مسلماً مهاجراً في المحرم سنة سبع فرد عليه زينب بذاك النكاح الأول.

الزهري عن أنس: رأيت على زينب بنت رسول الله برد سيراء من حرير.

توفيت في أول سنة ثمان.

عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور فإذا غسلتنها فأعلمنني". فلما غسلناها أعطانا حقوه فقال: "أشعرنها إياه".

أما في كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير المؤرخ:

"زينب بِنْت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

هي أكبر بناته، ولدت ولرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثون سنة، وماتت سنة ثمان في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمها خديجة بِنْت خويلد بن أسلم. وقد شذّ من لا اعتبار به أنها لم تكن أكبر بناته، وليس بشيء؛ إنما الاختلاف بين القاسم وزينب: أيهما ولد قبل الآخر؟ فقال بعض العلماء بالنسب: أول ولد وُلد له القاسم، ثم زينب. وقال ابن الكلبي: زينب ثم القاسم. وهاجرت بعد بدر، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة أبي العاص بن الربيع، وفي لقيط؛ فإن لقيطاً اسم أبي العاص. وولدت منه غلأما اسمه علي، فتوفي وقد ناهز الاحتلام، وكان رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح، وولدت له أيضاً بِنْتاً اسمها أمامة، وقد تقدم ذكرهما، وأسلم أبو العاص. أخبرنا أبو جعفر بإسناده عن يونس بن بُكير، عن مُحَمَّد ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عبّاد بن عَبْد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: وكان الإسلام قد فرّق بين زينب وبين أبي العاص حين أسلمت، إلا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان لا يقدر على أن يفرق بينها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مغلوباً بمَكَّة، لا يُحلّ ولا يُحرم.

قيل: أن أبا العاص لما أسلم ردّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زينب، فقيل: بالنكاح الأول. وقيل: ردها بنكاح جديد.

أخبرنا أبو أحمد عَبْد الوهاب بن علي بن علي الامين، أخبرنا أبو الفضل بن ناصر بن علي، أخبرنا الخطيب أبو طاهر مُحَمَّد بن أحمد بن مُحَمَّد بن أبي الصقر الأنباري، أخبرنا أبو البركات أحمد بن عَبْد الواحد بن الفضل بن نظيف الفراء، أخبرنا أبو مُحَمَّد الحسن بن رشيق، أخبرنا أبو بشير مُحَمَّد بن أحمد بن حمّاد الأنصاريّ الدولابي، أخبرنا إبراهيم بن يعقوب، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا مُحَمَّد بن ابن إسحاق، عن داود بن الحُصين عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم ردّ زينب على أبي العاص بعد سنين بالنكاح الأول، لم يحدث صَدَاقا.

قال: وحدثنا الدولابي، حدثنا إبراهيم بن يعقوب، أخبرنا يزيد بن هارون، عن الحجاج بن أرطأة، عن عَمْرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ردّ زينب على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد.

وتوفيت زينب بالمدينة في السنة الثامنَة، ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قبرها وهو مهموم ومحزون، فلما خرج سُري عنه وقال: "كنت ذكرتُ زينب وضعفها، فسألت الله تعالى أن يُخفف عنها ضيق القبر وغمّه، ففعل وهوّن عليها". ثم توفي بعدها زوجها أبو العاص.

أخرجها الثلاثة".