باب برزويه - مثل المصدق المخدوع

زعموا أنه ذهب سارق حتى علا بيت رجل من الأغنياء ليلاً ومعه أصحابٌ له فاستيقظ صاحب البيت فأحسّ بهم، وعرف أنهم لم يعلوا ظهر البيوت تلك الساعة إلا لريب، فنبّه امرأته وقال لها رويداً، إني لأحسّ باللصوص قد علوا ظهر بيتنا فإني متناومٌ، فأيقظيني بصوت يسمعه مَن فوق البيت ثم نادي: يا صاحب البيت ألا تخبرني عن أموالك هذه الكثيرة وكنوزك من أين جمعتها. فإذا أبيت عليك فألحّي في السؤال. ففعلت المرأة ذلك وسألته كما أمرها واستمع اللصوص حديثهما فقال الرجل: يا أيتها المرأة قد ساقك القدر إلى رزق كثير فكلي واسكتي ولا تسألي عما لو أخبرتك به لم آمن أن يسمعه سامع فيكون في ذلك ما أكره وتكرهين. قالت المرأة: أخبرني أيها الرجل فلعمري ما يقربنا أحد يسمع كلامنا. قال: فإني أخبرك أني لم أجمع هذه الأموال وهذه الكنوز إلا من السرقة. قالت: وكيف جمعت هذه الأموال وهذه الكنوز من السرقة وأنت في أعين الناس عدل رضاً لا يتهمك أحد ولم يرتب بك.

قال: ذلك لعلم أصبته في علم السرقة فكان الأمر أوفق وأيسر من أن يتهمني أحد ويرتاب بي. قالت: وكيف ذلك؟ قال: كنت أذهب في الليلة المقمرة ومعي أصحابي حتى أعلوا ظهر البيت الذي أريد أن أسرق أهله وأنتهي إلى الكوّة التي يدخل منها ضوء القمر فأرقي بهذه الرقية "شولم شولم" سبع مرات ثم أعتنق الضوء فأنهبط به إلى البيت فلا يحس بوقعتي أحد، ثم أقوم في أصل الضوء فأعيد الرقية سبع مرات فلا يبقى في البيت مال ولا عِلقٌ إلا بدا لي وأمكنني أن أتناوله فآخذ من ذلك ما أحببت. ثم أعتنق الضوء وأعيد الرقية سبع مرات فأصعد إلى أصحابي وأحملهم ما معي ثم ننسلّ.

فلما سمع اللصوص ذلك فرحوا فرحاً شديداً وقالوا: لقد ظفرنا من هذا البيت بما هو خير لنا من المال الذي نحن مصيبوه منه، لقد أصبنا علما أذهب الله به عنا الخوف وأمّننا من السلطان. ثم أطالوا المكث حتى استيقنوا في أنفسهم أن صاحب البيت وامرأته قد ناما، فتقدم رئيسهم إلى مدخل الضوء من الكوة ثم قالك "شولم شولم" سبع مرات، ثم اعتنق الضوء لينزل به كما زعم فوقع في البيت منكّساً، ووثب الرجل بهراوة فضربه حتى أثخنه ثم قال له: من أنت؟ قال: أنا المصدق المخدوع وهذه ثمرة التصديق.

فلما تحرّزت من التصديق بما لا آمن أن يوقعني في الهلكة عدت للبحث عن الأديان والتماس العدل منها، فلم أجد عند أحد جواباً عما سألته عنه ولا فيما ابتدأني به شيئاً يحق عليّ في عقلي أن أصدق به فأتبعه. فقلت لما لم أجد ثقة آخذ منه فالرأي أن أتبع دين آبائي الذين وجدتهم عليه. فلما ذهبت ألتمس العذر لنفسي في ذلك لم أجد الثبوت على دين الآباء لي عذرا وقلت: إن كان هذا عذراً، فالساحر الذي وجد أباه ساحراً في عذر مع أشباهه، وذلك مما لا يحتمله العقل. وذكرت رجلاً كان فاحش الأكل يُعاب ذلك عليه فاعتذر بأن قال: هكذا كان يأكل آبائي وأجدادي.

فلم أجد على الثبوت على دين الآباء سبيلاً ولا في ذلك عذراً ورأيت التفرع للبحث عن الأديان مشكلاً تخوفت قرب الأجل وسرعة انقطاع الأمل، فقلت: أما أنا فلعلي أفارق الدنيا وشيكاً دون صالح الأعمال فيشغلني ترددي عن خير كنت أعمله ويكون أجلي دون بلوغ ما ألتمس به فيصيبني مثل الخادم والرجل.