جحدر والأسد

جحدر .. اللص المخيف !

 

في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ... كان هناك فتى صغير ، خفيف الحركة ، شجاع اسمه " جحدر بن ربيعة " ... لكنه للأسف كان لصاً ، يقطع الطريق ...

 

وشيئاً فشيئاً اشتهر أمر " جحدر " بين الناس ، وزاد شره بانضمام بعض اللصوص إليه وكونوا عصابة سكنت الكهوف والجبال ، وصارت تطارد المسافرين والرعاة وسكان القرى المجاورة ، فتسلب أموالهم وأمتعتهم ومواشيهم، وتهدد أمنهم ....

 

وباءت كل محاولات أهالي البلدة للقبض عليه بالفشل .. حتى أن " جحدر " تمكن من هزيمة مجموعة كبيرة من الرجال الشجعان كانت قد توجهت للقضاء عليه .. وهكذا صار ذكر اسم " جحدر " مثيراً للرعب في كل نفس ، ولم يعد الناس يخرجون من بيوتهم إلا للضرورة القصوى ، خشية أن يتعرض لهم " جحدر " أو أحد أتباعه ، فيسرقهم أو يهلكهم !..

 

وغَضِب الوالي 

 

زادت ثقة جحدر بنفسه ، فازداد إجرامه مع عصابته ، وسرى الرعب من قرية إلى قرية ، ومن مدينة إلى مدينة ، حتى وصلت أخباره إلى الوالي حاكم البلاد ، فغضب أشد الغضب ...

 

فَكَّر الوالي في أمر جحدر ، ووجد أن شخصاً قوياًّ وشجاعاً مثله لن يُهزم إلا بالحيلة والذكاء ، .. .. فتوصل إلى حيلة ذكية ، إذ جمع مجموعة من الشباب وشرح لهم خطته .. ثم أرسلهم إليه ..

 

واتجه الشباب فوراً إلى نواحي كهوف الجبال باحثين عن جحدر ، وبعد عناء وجهد فوجئوا به ينقض عليهم كالأسد محاولاً سلبهم ، إلا أنهم استجمعوا قواهم وقالوا له " لا تعجل ، إنما نحن شباب شجعان تضايق منا أهالينا ، لأننا تعودنا على السرقة والنهب ، فأردنا أن نكون تحت أمرك لما سمعناه عنك من الشجاعة والذكاء " ... كان العرض مغرياً بالنسبة إلى جحدر .. فهم مجموعة شبان أقوياء .. وسيكونون خير معين له .. فقال لهم : " سأجربكم " ..

 

القبض على جحدر 

 

اختبر جحدر الشباب عدة أيام وبدأ يعجب بشجاعتهم وذكائهم ، وشيئاً فشيئاً أصبح يثق بهم ، حتى صار ينام بينهم آمناً مطمئناً ، بعد أن يبعد سيفه ورمحه عنه ، كأنه بين حرسه الذين يحبونه ويمحونه من الخطر .. وفي إحدى الليالي بينما كان يغط في نوم عميق ويعلو شخيره إذ بالشباب يهجمون عليه ويقيدونه بالحبال .. استيقظ جحدر مرتبكاً مما رآه وحاول أن يفلت من القيود ، ولكنه لم يتمكن من عمل أي شيء .. فأخذه السباب وأوصلوه مقيداً إلى الوالي ...

 

جحدر .. الشجاع 

 

تفاجأ الوالي عندما رأى جحدر ؛ فقد وجده وجده صغير الجسم خفيف الوزن مقيداً بقيود أثقل منه !... فأجاب بقلب ثابت : " نعم .. أنا جحدر بن ربيعة " ، فسأله الوالي " مالذي دفعك إلى ارتكاب جرائمك " ؟.. فأجاب : " الظلم ، وجرأة القلب ، و إفلاس الجيب ، وجبن الناس " .

 

دُهش الوالي من جرأة هذا اللص وفصاحة لسانه وصراحته ، على رغم اقترابه من العقاب والهلاك ..

 

لذلك استمر في سؤاله : " هل تدرك عاقبة أمرك ونتيجة أفعالك " ؟ .. فإذا بذلك اللص يقول :

 

.. " لو جعلتني أيها الأمير من فرسانك ، لرأيت مني ما يعجبك " !... ضحك الوالي ساخراً مستنكراً وقال : " ماذا ؟!..أنت؟!.. أجعلك فارساً من فرساني ؟!.. أيها المجرم .. إن اللصوص لا يحسنون غير السرقة ، ولا ينالون غير العقاب الشديد فالترزم حدودك " .. كرر جحدر بجرأة " لو جربت حكمتي وحيلتي في المأزق والمصاعب لغيرت رأيك ، وستجدني مفيداً لك وللناس " ...

 

فكر الوال برهة ثم قال : " حسناً .. سنجرب " ..

 

في قفص الأسد 

 

أصدر الوالي أمراً غريباً ؛ إذ أمر بوضع جحدر في قفص مع أسد ! ... وقال له : " سندخلك إلى قفص هذا الأسد ونعطيك سيفاً ، فإن قضي عليك فهو جزاؤك ، وإن قضيت عليه فسنعفو عنك " .. ودُهش الجميع برد جحدر إذ قال : " لقد دنا الفرج ، وقرب العفو " ! ...

 

ان الناس مشفقين على هذا اللص الذي لا يقدر عاقبة الأمور ، ولا يتخيل ضراوة أسد جائع يمكن أن يقضي عليه بعضَّة واحدة . وفعلاً نزل جحدر بثبات إلى قفص الأسد ، وبينما كان الأسد يزأر متلهفاً لوجبة طالما انتظرها كان جحدر ينشد : " هو ليث وأنا ليث .. هو ليث وأنا ليث " ..

 

انقض الأسد عليه ، فأفلت منه بقفزة رشيقة مسلطاً سيفه على جسم الأسد الضخم ، فنال منه وجرحه جرحاً مؤلماً ...

 

زاد الأسد شراسة وهجوماً ، بينما انقض جحدر عليه بضرب رقبته بالسيف مراراً حتى .. قضى عليه ! .. فرفع سيفه منتصراً وسط ذهول المتفرجين وتكبيرهم ، وأمنياتهم بأن يستفاد من هذه الشجاعة وهذه المهارة وهذا الذكاء في الخير لا في الشر ..

 

الجزء الأخير من القصة

 توبة جحدر

 

أعجب الوالي بما حصل كثيراً .. تقدم وفتح باب القفص بنفسه وأمسك بيد جحدر وقال له :

 

" لقد كسبت وأثبتَّ أنط خير من ينجو من المأزق والمهالك بشجاعتك وإقدامك ، فهل تهادني على أن تستغل صفاتك النادرة في الخير وتبتعد عن الشر " ؟ .. رد جحدر : " إنني أعاهدك على ذلك أيها الأمير ، وأشهد أنني تبت توبة صادقة " .

 

قال الوالي : " إنني أخيرك بأن تقيم عندي مكرماً ، وتعمل بين جنودي مقرباً ، أو أن تعود إلى بلدك ، فتثبت لأهلك وعشيرتك حسن سيرتك وسلوكك " .. فقال جحدر : " أيها الأمير ، أفضل أن أكون معك جندياًّ من

جنودك ، وأعاهدك أن أكون سيفك على العصاة والمجرمين ..

 

وأنا أتوب إلى الله الذي نجاني وأكرمني ، توبةً نصوحاً " .

 

صار جحدر من خيرة المدافعين عن الحق والخير ، ومن أحسن الناس عبادةً وطاعةً لله تعالى راجياً عفوه

ورضاه .