عرض كتاب كليلة ودمنة - مثل الجوز الصحيح والصحيفة الصفراء

وكذلك من يقرأ هذا الكتاب ولم يعلم غرضه ظاهراً وباطناً لم ينتفع بما بدا له من خطّه ونقشه، كما لو قدّموا لرجل جوزاّ صحيحاً لم ينتفع به إلا أن يكسره وينتفع بما فيه. وكان كالرجل الذي طلب علم الفصيح فرسم له بعض أصدقائه صحيفة صفراء فيها فيصيح الكلام وتصاريفه ووجوهه، فانصرف المتعلم إلى منزله وجعل يكثر قراءتها فلا يقف على معانيها ولا يعرف ما فيها. ثم أنه جلس ذات يوم في محفل من أهل العلم والأدب والفطنة وهو يظن أنه قد اكتفى بما فازه من تلك الصحيفة فأخذ في محاورتهم، فجرت له كلمة أخطأ فيها فقال به عضهم: إنك قد أخطأت فيها والوجه غير ما تكلمت به. فقال: كيف أخطئ وقد قرأت الصحيفة الصفراء وهي في منزلي. فكانت مقالته أوجب الحجة عليه وزاده ذلك توهاً من الجهل وبعداً من الأدب.