باب الأسد والثور - مثل الرجل الهارب من الموت

كالذي قيل إن رجلاً سلك مفازة فيها خوف من السباع وكان الرجل خبيراً بوعث تلك الأرج وخوفها. فلما سار غير بعيد اعترض له ذئب من أحد الذئاب وأضراها. فلما رأى الرجل أن الذئب قاصد نحوه اشتد وجعله ونظر يميناً وشمالاً ليجد موضعاً يتحرّز فيه من الذئب فعاين قرية على شاطئ نهر خلف واد فقصدها.

فلما انتهى إلى النهر لم يجد عليه قنطرة ليقطعه والذئب كان يدركه فقال: كيف أمتنع من الذئب والنهر عميق وأنا لا أحسن السباحة على أني ألقي نفسي في الماء. فلما نزل في النهر كاد يغرق فرآه قوم من أهل القرية فأرسلوا إليه من استخرجه وقد أشرف على الهلكة فنجا من الذئب ومن الغرق. ثم رأى على شاطئ الوادي بيتاً منفرداً فقال أدخل هذا البيت فأستريح فيه. فلما دخله وجد جماعة من اللصوص قد قطعوا الطريق على رجل من التجار وهم يقتسمون ماله ويريدون قتله. فخاف الرجل على نفسه ومضى نحو القرية فأسند ظهره إلى حائط من حيطانها ليستريح مما حل به من الهول والإعياء، فسقط الحائط عليه فقتله. قال التاجر: صدقت وقد بلغني هذا الحديث.

ثم إن الثور المدعو شتربة انبعث من مكانه فلم يزل يدب حتى انتهى إلى مرج مخصب كثير الماء والكلإ فأقام فيه، فلم يلبث أن سمن وأمن فجعل يزأر ويخور ويرفع صوته بالخوار.

وكان قربه أسد هو ملك تلك الناحية، ومعه سباع كثيرة من الذئاب وبنات آوى والثعالب وسائر السباع. وكان الأسد مزهواً منفرداً برأيه، ورأيه غير كامل. فلما سمع الأسد خوار الثور، ولم يكن رأى ثوراً قط ولا سمع خواره، رعب وكره أن يفطن لذلك جنده فأقام بمكانه ذلك لا يبرح وجهاً. وكان ممن معه ابنا آوى يقال لأحدهما كليلة وللآخر دمنة، وكلاهما ذو أدب ودهاء. وكان دمنة شرّهما نفساً وأشدّهما تطلعاً إلى الأشياء، ولم يكن الأسد عرفهما. فقال دمنة لكليلة. ما ترى يا أخي شأن هذا الأسد مقيماً بمكان واحد لا يبرح ولا ينشط فيأتيه جنده كل يوم بطعامه؟ فقال كليلة: ما لك والمسألة عما ليس من شأنك؟ أما حالنا نحن فحال صدق ونحن بباب ملك واحد واجدين ما نأكل ولسنا من أهل الطبقة التي يتناول أهلها كلام الملوك وينظرون في أمورهم. فاسكت عن هذا واعلم أنه من تكلف من القول والفعل ما ليس من شأنه أصابه ما أصاب القرد.

قال دمنة: وكيف كان ذلك؟