باب الأسد والثور - مثل الخب والمغفل

قال كليلة: زعموا أن خباً ومغفلاً أصابا في طريق بدرة فيها ألف دينار، وكانا شريكين في تجارة. فبدا لهما أن يرجعا إلى منازلهما. فلما دنوا من مدينتهما قعدا لاقتسام الدنانير. فقال المغفل للخب: خذ نصفها واعطني النصف. وكان الخب قد وطّن نفسه على أن يذهب بها كلها. فقال: لا نقتسمها، فإن الشركة والتفاوض أقرب إلى المخالصة والصفاء. ولكن خذ منها نفقة وآخذ أنا مثلها وندفن البقية في مكان حريز، فإذا احتجنا إلى النفقة جئنا جميعاً فأخذنا حاجتنا.

قال المغفل: نعم. فأخذا من الدنانير شيئا يسيراص ودفنا البقية في أصل شجرة عظيمة من شجر الدوح. ثم إن الخبّ خالفه إلى الدنانير وأخذها وسوّى الأرض على موضعها. فقال المغفل بعد ذلك بأشهر للخب: قد احتجنا إلى نفقة فانطلق بنا إلى الدنانير نأخذ منها نفقة. فانطلقا جميعا حتى أتيا الشجرة فاحتفرا المكان الذي كانت فيه الدنانير فلم يجدا فيه شيئاً، فأقبل الخب على شعره وينتفه وعلى صدره يضربه وصاح وقال: لا يثقنّ أحد بأحد ولا يغترّن بأخ ولا صاحب. خالفت إلى الدنانير فأخذتها. فجعل المغفل يتنصّل ويلعن، ولا يزداد الخب إلى شدة عليه فيقول له: من أخذها غيرك؟ هل شعر بنا أحد سوانا؟

ثم إن الخب أخذ المغفل فانطلق به إلى القاضي فاقتص عليه قصته وزعم أن المغفل هو الذي أخذ الدنانير. فقال له القاضي: هل لك بيّنة؟ قال الخب؟ نعم تشهد لي الشجرة التي كانت الدنانير في أصلها. فعجب القاضي من ادعائه شهادة الشجرة وأنكر ما قال فأمر به أن يكفل نفسه. وقال للكفيل: وافني به غدا ليطلعنا على ما ادعى من شهادة الشجرة.

فانصرف الخبّ إلى بيته فقصّ على أبيه القصة وقال: يا أبت إني لم أستشهد الشجرة لما كنت رأيت فيها وإنما اتكلت عليك فيما ادعيت به. فإن شئت ققد أحرزنا الدنانير وكسبنا مثلها من قبل المغفل. قال أبو الخب. وما ذلك الذي تأمرني به: قال الخب: إني قد توخيت بالدنانير شجرة عظيمة من شجر الدوح جوفاء فيها مدخل لا يُرى فدفنتها في أصلها في خالفت إليها فأخذتها وادعيت على المغفل زوراً. فأنا أحب أن تذهب الليلة فتدخل في ذلك المكان، فإذا جاء القاضي فسأل الشجرة شهادتها تكلمت من جوفها وقالت: المغفل أخذ الدنانير. قال أبو الخب: يا بني إنه رُبّ متحيل أوقعته حيلته في شر فإياك أن يكون تمحلك شبيهاً بتمحل العلجوم. قال الخب: وكيف كان ذلك يا أبت؟