باب الأسد والثور - مثل العلجوم والحية

قال أبو الخب: زعموا أن علجوماً جاورته حية وكان إذا أفرخ العلجوم ذهبت الحية إلى عشه فأكلت فراخه. وكان العلجوم قد وافقه مكانه فلم يتسطع تركه وحزن لما لقي من الحية. ففطن لذلك سرطان دنا منه فسأله: ما يحزنك؟ فأخبره ما لقي. فقال له السرطان: أفلا أدلك على أمر تستفي به من الحية. قال: وما ذلك؟ فأومأ السرطان إلى جحر قبالته فقال: أترى ذلك الجحر؟ فإن فيه ابن عرس وهو عدو للحيات. فاجمع سمكاً كثيراص ثم ضع شيئاً منه عند جحر الحية إلى جحر ابن عرس. فإن ابن عرس يأكل من السمكات الأول فالأول حتى ينتهي إلى جحر الحية فيقتلها. ففعل العلجوم ذلك وانتهى ابن عرس إلى الحية فقتلها. ثم جعل يرجع إلى ذلك المكان للعيادة يلتمس طعاما حتى وقع على عش العلجوم لقرب جواره من جحر الحية فأكل العلجوم وفراخه.

وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن من لم يتثبت في حيلته ويدبرها أوقعته في أشد ما يحتال لغيره. قال الخب: قد سمعت هذا المثل فلا تهابنه لأنه أيسر أمراً مما تظن. فتابع الشيخ ابنه وانطلق إلى الشجرة فدخل فيها، وغدا القاضي والخب والمغفل إلى الشجرة وسألها القاضي: هل عندك شهادة؟ فأجابه الشيخ من جوف الشجرة أن نعم، المغفل صاحب الدنانير. فاشتد عجب القاضي واستنكره وجعل ينظر ويتفطن، هل طاف بالشجرة أحد. وبصر بذلك الجوف فنظر فيه فلم ير شيئاً لأن الرجل قد كان ارتفع عن المكان الذي تناله فيه العين. فأمر القاضي بالحطب فجمع، ودعا النار فدخّن في ذلك الجوف وتصبّر أبو الخبر ساعة ثم نزل به الجهد فصاح ونادى واستغاث. فأمر القاضي فأخرج بعد ما أشفى على الموت. فعوقب الخب ثم غرّم ثم انقلب بأبيه على ظهره ميتاً وانطلق المغفل بالدنانير.

وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن صاحب المكر والخديعة ربما كان هو المغبون. وأنت يا دمنة جامع للخب والخديعة والعجز من ثمرة مكرك هذا الذي ترى، مع أنك لست بناج من العقوبة. وكذلك تكون عاقبة أمر من كان مثلك، فإنك ذو وجهين ولسانين. وإنما عذوبة ماء الأنهار ما لم تنته إلى البحور، وصلاح أهل البيت ما لم يفسد بينهم مفسد، وبقاء الإخاء بين الأخوان ما لم يدخل بينهم ذو لسانين. فإن ذا اللسانين ليس شيء أشبه منه بالحية لأن الحية ذات لسانين، ويجري من لسانك بينهم كسمّها. ولم أزل لذلك السم من لسانك خائفاً مشفقاً أن يعرّني بشيء كارهاً لقربك، ذاكراً لموعزة قرابة وصحبة ومواصلة. فإن الفاجر من الأصحاب كالحية يربيها صاحبها ويمسحها ثم لا يكون له منها إلا اللسع. وكان يقال: الزم ذا العقل والكرم واسترسل إليه وإياك وفراقه، ولا بأس عليك أن تصحبه وإن كان غير محمود الخلقة. ولكن احترس من شين أخلاقه وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك، وفرّ الفرار كله من اللئيم الأحمق. وإني بالفرار منك والاجتناب لك لجدير. وكيف يرجو أحد غيرك وفاء وكرماً وقد صنعت لملكك الذي أكرمك وشرّفك ما صنعت. بل مثلك في ذلك مثل التاجر القائل: إن أرضاً يأكل جرذها مئة منّ حديداً غير مستنكر فيها أن تختطف بزاتها الفيلة.

قال دمنة: وكيف كان ذلك؟