ابن آوى المحتـال

التقى ابن آوى بجملٍ فقال له: صباح الخير يا جَمَلي العزيز!

 

أهلاً وسهلاً، صباح الخير يا ابن آوى.

 

ماذا تفعل يا جَملي العزيز اليوم؟

 

أبحثُ عن طعامي.

 

أنّها فكرة. أنا أحبّ الأصداف والسّراطين وهي كثيرةٌ على الضّفة الأخرى من النهر... ما رأيك يا جَمَل؟

 

رأيي في ماذا؟

 

على الضّفة الثانية من النّهر زرعٌ كثيرٌ. لماذا لا نذهب إلى هناك فتأكل أنتَ وتشبع وآكل أنا من الأصداف والسّراطين؟

 

أذهب؟ لماذا لا تذهب أنتَ؟

 

أنا لا يهمّني ذلك. إنّ طعامي وافر. ولكنّ هناك قصب السّكر اللّذيذ. بإمكانك أن تأكله وتهنأ بطعمه اللّذيذ.

 

صحيح؟ أتقول الحقيقة يا إبن آوى؟

 

طبعًا، طبعًا يا جَملي الطّيب. ألم تذهب من قبل إلى هناك؟

 

لا.. للحقيقة لم أذهب.

 

ماذا تنتظر إذن؟ هيّا اذهب. اقطع النهر، الماء ضحل فتصل إلى الضفة الأخرى.

 

تعال معي يا إبن آوى، دلّني على مكان القصب.

 

أنا؟ أنا لا أستطيع أن أجتاز النهر. إنه عميق! اسمع! أنا لا أحسن السّباحة.

 

لا بأس.. لا بأس.. إذن اعتَلِ ظهري وأنا أجتاز بك النهر.

 

إذا كان الأمر كذلك، فلا بأس عندي، أجاب إبن آوى.

 

هيّا اقفز على ظهري، ولنمضِ.

 

حين وصل الإثنان ضفّة النّهر الثانية قفز ابن آوى إلى الأرض، وسأله الجَمل: أين القصب؟ أين قصب السكر يا أبن آوى؟

 

إنّه هناك في ذلك الحقل. إذهب إليه.

 

حسنًا.. حسنًا.. سأذهب إليه. ولكن قُل لي: إلى أين ستذهب أنتَ؟

 

أنا سألعب على ضفّة النهر وأتسلّى، وأصطاد بعض الأصداف والسّراطين.

 

هه.. لا بأس. لا بأس عندي، قال الجمل.

 

ذهب الجمل إلى حقل قصب السكر، ولم يكد يمضغ ثلاثة أعوادٍ من القصب حتى كان أبن آوى قد شبع من أكل الأصداف والسّراطين، وصاح: لقد انتهيت من الطعام ويجب أن أعود. فكيف العمل إذن؟ فالجمل يأكل من الحقل، وهو سيبقى وقتًا طويلاً. يجب أن أجعله يترك الحقل ويرجع إلى الضفة الأولى.

 

سمع إبن آوى صوت عصفورٍ فبدأ يعوي. فقال الجمل لنفسه: لماذا يعوي ابن آوى؟ ما سبب عوائه؟ غريب أمره. إنّه يطوف بالحقل في كلّ جوانبه ويعوي. ثم نادى إبن آوى: هيه! هيه! أنتَ ابن آوى! لماذا تعوي؟ اخفض صوتك لئلا يسمعك أصحاب الحقل، فيتنبّهون إلى وجودي هنا، فيُهاجمونني.

 

سمع أهل القرية صوت ابن آوى، فقال أحدهم: في حقل قصب السّكر أحد بنات آوى. إنّه سوف يحفر الأرض ويلحق بالمحصول ضررًا بالغًا، فلا بُدّ لنا من صيده.

 

سمع الجمل صوت القادمين من القرية، فقال: يبدو أنّ أهل القرية قادمون إلى الحقل بهراواتهم وعصيّهم وحجارتهم... وها هم قد بدأوا بمُهاجمتي.. إنّهم يقذفونني بالحجارة. آه يا أبن آوى!

 

وصاح بهم: أرجوكم أتركوني.. آه.. أكاد أموت.. آه.. سأموت من كثرة ضربكم!

 

ثم سمع أحد سكّان القرية يقول: إنّه يموت... بعد قليلٍ سيلفظ أنفاسه!

 

فقال الجمل لنفسه: آه.. آه.. يا للمصيبة! ضربوني.. ضربوني.. كادوا يقتلونني!

 

أقبل ابن آوى وسأل الجمل: ما بك جالس هنا؟ هيّا بنا.. آن لنا أن ننصرف.

 

كل ذلك بسببك. حسنًا سنذهب الآن، الآن عرفتك عن كُثُبٍ.

 

كيف وجدتَني؟

 

أوه! أنتَ نِعمَ الرّفيق (مُتهكّمًا)! هل لك أن تخبرني ما الذي دعاك إلى العواء والقفز حول الحقل على هذا النّحو؟

 

يضحك ابن آوى وهو يقول: للحقيقة لستُ أدري يا صديقي. إنّما عادتي أن أُغنّي بعد الطعام. وغنائي كما تعلم، عواء.

 

فأجاب الجمل: مِن عادتك أن تغنّي بعد الطّعام!؟

 

نعم... نعم. يا جَملي العزيز! هيا بنا نرجع.

 

صحيح... صحيح... سنرجع.. سنرجع. إذن هكذا فعلتَ، لأن من عادتك الغناء بعد الطعام.

 

نعم، وذلك حتّى أسهّل عملية الهضم.

 

حسنًا، حسنًا، لنعد الآن إلى مكاننا حيث كُنّا على الضفة الأخرى.

 

هذا ما أنتظره، قال إبن آوى.

 

حسنًا، هيّا اقفز فوق ظهري، ولنمض. هيا بنا.

 

ها قد قفزتُ. هيا. انطلق. ثم سأل آبن آوى الجمل: كيف وجدتَ الرّحلة؟

 

لا بأس.

أكلتَ جيّدًا؟

 

نعم.

 

هنيئًا مريئًا يا جَمل. ما بالك توقّفت عن السّير؟

 

الجمل: ألتقط أنفاسي (يضحكان). يا ابن آوى، هل تعلم؟

 

ماذا؟

 

تراودني فكرة يا صديقي. تراودني رغبة مُلحّة يا صديقي.

 

ما هي أيّها الجمل؟

 

يضحك الجمل ويقول: رغبةٌ ملحّةٌ (يضحك) لأتقلب في الماء!

 

خاف ابن آوى وصاح: إيّاك أن تفعل يا أخي لئلا تتسبّب في إغراقي. ماذا دعاك إلى هذه الفكرة؟ لماذا تريد أن تتقلّب؟

 

لستُ أدري! ولكن من عادتي أن أتقلّب بعد الطعام.

 

ماذا؟

 

صاح الجمل: نعم.. أنتَ من عادتك يا أيّها الأناني العابث أن تُغنّي بعد الطعام، وتسبَّبتَ في ضربي وطردي لكي تعود بسرعةٍ بعد أن أكلتَ وشبعتَ. والآن (يضحك) أقول لك، أنا، من عادتي أن أتقلّب بعد الطعام!

 

صاح ابن آوى (خائفًا): لا.. أرجوك.. أرجوك.. أرجوك..

 

فضحك الجمل طويلاً وقال: هذا جزاء العابث يا ابن آوى. ثم تقلّب في الماء، فغرق ابن آوى.