باب البوم والغربان - مثل التاجر وامرأته واللص

قال الوزير: زعموا أنه كان تاجر كثير المال وهو شيخ مسن له امرأة شابة وكان كلفاً بها يعتني بأمرها وأمر ولدها. وكانت هي قالية له لكبر سنه فتعرض عن خدمته. وكان التاجر يعلم ما في نفسها فلا يزيده ذلك إلا حباً لها. ثم إن سارقاً أتى بيت التاجر ليلة، فلما دخل البيت وجد التاجر نائماً وامرأته مستيقظة، فذعرت من السارق ووثبت إلى زوجها واستجارت به والتزمته. فاستيقظ التاجر بالتزامها فقال: من أين لي هذه النعمة؟ ثم بصر السارق وعلم أن فرق امرأته من السارق دعاها إلى للياذ به، فناداه فقال: أيها السارق أنت في حلّ مما أردت أخذه من مالي ومتاعي ولك الفضل بما عطفت عليّ قلب زوجتي.

ثم إن الملك سأل الثالث من وزرائه عن الغراب، فقال: "أرى أن تستبقيه وتحسن إليه فإنه خليق أن يناصحك. فإن ذا العقل يرى ظفراً حسناً معاداة بعض معدوّه بعضاً، ويرى اشتغال بعض العدوّ ببعض واختلافهم نجاة لنفسه منهم كنجاة الناسك من اللص والشيطان لما اختلفا عليه".

قال الملك: وكيف كان ذلك؟

 الناسك واللص والشيطان

قال الوزير: زعموا أن ناسكاً أصاب من رجل بقرة حلوباً، فانطلق بها يقودها إلى منزله فتبعه لصّ يريد سرقتها، وصحبته شيطان في صورة إنسان. فقال اللص للشيطان: من أنت؟ قال: أنا شيطان أريد أن أختطف نفس هذا الناسك إذا نام الناس فأخنقه وأذهب بنفسه. وسأل الشيطان اللص: وأنت من أنت؟ قال: أنا لص. فإني أريد أن أتبعه إلى منزله لعلي أسرق هذه البقرة. فانطلقا مصطحبين حتى انتهيا مع الناسك إلى منزله ممسيين. فدخل الناسك وربط البقرة في زاوية المنزل ثم تعشى ونام. فأشفق اللص إن بدأ الشيطان بأخذ نفس الناسك قبل أن يأخذ البقرة أن يصيح الناسك فيجتمع الناس لصوته فلا يقدر على سرقة البقرة، فقال له: انتظرني حتى أخرج البقرة ثم عليك بالرجل. فأشفق الشيطان إن بدأ اللص أن يستيظ الناسك فيصيح ويجتمع الناس إليه فلا يقدر على أخذه، فقال: بل انتظرني حتى آخذ الناسك وشأنك وبالبقرة. فأبى كل واحد على صاحبه، فلم يزالا باختلفافهما حتى نادى اللص الناسك أن استيقظ أيها الناسك فهذا شيطان يريد أخذك. وناداه الشيطان أن استيقظ أيها الناسك فهذا اللص يريدد أخذ بقرتك. فانتبه الناسك وجيرانه بصوتهما فنجا منهما ولم يقدرا على ما أرادا وهرب الخبيثان خائبين.

فلما فرغ الثالث من كلامه قال الأول الذي كان قد أشار بقتل الغراب: "أراكنّ قد غرّكن هذا الغراب وخدعكن بكلامه وتضرّعه، فأنتن تردن تضييع الرأي والتغرير بجسم الأمر، فمهلاً مهلاً عن هذا الرأي، وانظرن ذوي الألباب الذي يعرفون أمورهم وأمور غيرهم، فلا يلقكنّ عن رأيكن فتصبحن كالمعجزة الذين يغترون بما يسمعون أشد تصديقاً منه بما يعلمون، وكالنجار الذي كذّب ما ر أى وعلم وصدّق ما سمع فاغترّ وانخدع".

قال الملك: وكيف كان ذلك؟