زيارة الملك بن مرة وابنه والحاشية "مملكة الياسمين"-الجزء الثالث من الفصل الثالث من القصة الاولى

ومرّت الأيام وجاء اليوم الموعود وكانت كل الترتيبات لإستقبال الضيوف الملوك قد تمت  وأُفرِدَت القصور وأُفرغت لينزلوا فيها واصطَفَّ الحرس على طرقاتها لا خوفا من أحد إنما تكريما للضيوف واحتفاءا بقدومهم ومشاركة من القوى الأمنية ومن شعب جزيرة الياسمين. كما أن "ورد" و"المحارب" إشتركا مع المضيف في ترتيب الأمور وبذلا الجهد اللازم ليكون الإستقبال على أحسن ما يكون آخذين في الإعتبار حاجات وتفضيلات الضيوف وهم يعرفون ما ينتظر الآتون من بلاد الجان رؤيته وما يفضلونه. وكان أن ساعدا أيضا بترتيب الخدمة التي جاؤوا ببعضها من بلادهم ليس لضرورة وجود الخدم بل لتعريفهم بمن يستضيفون من كبار الضيوف قريباً في بلادهم فيخدموهم كما يجب.

 

وجاء الضيوف صباح ذلك النهار وانتقلوا إلى الجزيرة كما ينتقل الجان دون حاجة إلى مركبة أو وسيلة نقل وكما علمنا سابقاً فإنهم ينوون السفر ويقطعون المسافات ويحضرون إلى مقصدهم في لمح البصر. أما ما إحتاج إلى نقل فقد جاء به الرخُّ إلى الجزيرة ،حاملا المنقولات على ظهره ورآه ناس الجزيرة والحرس والمضيفون وكان كما قلنا هو طيرٌ  كبيريحجب نور الشمس  وهي لم تعد مرئية لبضع دقائق،  إلى أن  أنزلت الحمولة ثم رجعت إلى مربَضها في عاصمة الملك الضيف أي مدينة "فوردو" التي تقع شمالا بين دجلة والفرات ويسمِّيها البشر من أهلها ب"الموصل".

 

وما إن ظهر الضيوف أمام الملك "مرداح" والملكة "رونق" والأميرة "ياسمين" حتى كان سلام حارّ وكلام جميل وشكر للمضيفين على دعوتهم  واعتلى كلٌ جواده وساروا إلى القصر الملكي ألذي أُفرد لهم وكان العسكر والناس يتسابقون لإستقبالهم و يرشقونه بالياسمين وبالزغاريد والرقص فكان الإستقبال عظيماً .

 

والملك "بن مُرَّة" ظهر بلباس جميل ، عليه تطريز خفيف وملون ، قماشه مصنوع من حرير ناعم يغلب عليه البياض وإن إستشعر المتفرِّج  أنه مزيج من ألوان صعبٌ تَبَصُّرُها وقريبة إلى القلب. وهو يظهر كرجل يلفت النظر بهيئته وهيبته وطول قامته. والأهم أنه يجلب الإنتباه والإحترام ويعرف الناظر إليه بأنه من علية القوم إن لم يكن أعلاهم ، نبيل ، شريف وقوي البنية وقائد لشعبه ولا لبس في مركزه. والدة الأمير "مازر" لم تصاحب الوفد لإنشغالها في الإعداد لإستقبال ملوك جزيرة الياسمين وأميرتها الجميلة.

 

أما "مازر" فإنه شابٌّ جميل المنظر أنيق في لبسه وله من ما  لأبيه من الصفات الحميدة كلها يضاف اليها أنه عاشق مغرم ب"ياسمين" والتي لها من صفاتها الخاصة ما يتناسب وصِفات "مازر" وكأنهما خُلِقا ليكونا معاً. لا نغالي إذا ما قلنا أن هذا الشعور هو شعور عامة الناس الذين إصطفوا مُستَقبلين على جنبات الطرق ولا نعرف حقيقة ما قد يبان مستقبلاً.

 

ودخل الجميع القاعة فقدمت لهم المشروبات وجرى التعريف المياشر بين الملوك والأمراء وبعض أفراد حاشية الطرفين وبعد الإستراحة الٌقصيرة تفرقوا ، فأدخل المرافقون إلى قاعة مجاورة واختلى المضيفون بضيوفهم وتحدثوا معا وربما تسامروا وكان الكل على أحسن ما يكون من التصرُّف واللياقة وأيضاً الحذر لأن الموضوع هامٌّ جداً للطرفين ولا يريد أحد إفساد جوّ  اللقاء. وكانت الأحاديث عامة عن كلٍ من البلدين وما فيهما وتاريخهما ،مما سبق وذكرناه، والعاداات والتقاليد كما حاول الملك "مرداح" أن يبقي الحديث بهذا الإطار ليبقى حديث طلب يد " الأميرة" لوقت آخر ويكون قد فهم عن بلاد قاصديه ما يكفي، لهذا أطال في الحديث والسؤال عن ممالك الجن وثم وخصيصا مملكة ضيفه.

 

كانت الجلسة طريفة بالمعلومات التي أسفرت عنها وقد بدا أن الطرفين كانا على مستوى عالي من النضج وأنهم أُعجبوا ببعضهم مما مهد لحديث حُرٍ فيما بعد. وعليه فقد إختلى كل ملك بعائلته في جناحه المخصص له،  للتشاور والإستراحة ثم المشاركة فيي طعام الغذاء وبعده جولة في الجزيرة يليها عشاء عام يشمل رجال الدولة الحاضرين وكبار المرافقين ثم تعود العائلتان إلى مجلس خاص للتحدث في الأمور التي من أجلها أتى الجزيرة ضيوفها الكبار. 

 

وهكذا كان ، وبعد الإستراحة والجولة في الجزيرة وعشاء ذلك اليوم ولا أظن انه من الضروري أو المفيد أن نصِف الموائد وأصناف الطعام التي مُدت فكل ذلك أصبحت نوعيته معروفة ولم يُقَصِّر المضيفين في شيء على الإطلاق. ولكن الجولة إكتسبت أهمية خاصة إذ كان ركوب "مازر" على جوادٍ أتى به معه من بلاده وركوب "ياسمين" على "أركان" قد جمعهما أثناء الجولة فتحدثا مليًّا وتبيَّن أن لهما طبائعا واهتمامات متشابهة فكان مجرى الكلام سهلا لا تعقيد فيه وبالتالي كان حُرًا وإن بتحفظ.

 

و"مازر" لم يتمكن من كبح جماح نفسه فأنشد للأميرة سائلاً:

مسألةٌ جئتك مستفتياً عنها.... وأنت العالم المستشار

علام تحمرُّ وجوه الظبا  ...وأوجه العشّاق فيها اصفرار؟

فردَّت "ياسمين " فوراً:

 

احمرّ وجه الظبي اذ لحظه.. سيفٌ على العشاق، فيه احورار

واصفرّ وجه الصب لمّا نأى،.. والشمس تبقي للمغيب اصفرار

وهكذا إكتشفا مَلَكَة الشعر عند كل منهما وزادت شاعريتهما من نقاط لقاء بينهما.

 

وعند العودة إلى العشاء روى "مازر" وروت "ياسمين" كل إلى  أهله ما تحدثا به مما مهَّد إلى لقاءات مرتاحة بين الأهلين. ولا نُخفي سرّا إذا ما قلنا أن "المحارب" روى لي في أحد أحلامي السابقة أنه قَدَّرَ أن الأميرين لاقا بعد يوم من تعارفهما رغبة في التقارب، ولم يقل في ذلك الحين أكثر.

 

وكان العشاء خاصًّ هذا المساء فلم يُدع إليه أحدٌ وقد رُتِّبَت للحاشية حفلة خاصة بهم يتعارفون خلالها ويفرحون بما بدا من حلم يتحقق لأن الكل أُخِذ ب"ياسمين" و "مازر" لجمالهما وقدرتهما وأهمية ما هما قادمان عليه للمملكتين.

 

أما في الجلسة الخاصة فقد تصارح الطرفان فيما يريدان وإتفقا على السفر معا لزيارة مملكة ملك الجن الأعظم بعد أن تبين أن طلب يد الأميرة ل"مازر" قد رُحِّب به من الملكين "مرداح" و "رونق" مع ترك القرار طبعا بيد "ياسمين". وفي هذا الحفل قدَّم الملك "بن مُرَّة" الهدايا للملكة والأميرة وقد شملت أنواعا جميلة وقَيِّمة من الأحجار الكريمة من ألوان مختلفة فيها الماس والزمرد والياقوت والمصاغ المصنوع بأيدي مهرة  من الجن، وبعض المصاغ مصنوع من مئات السنين وقد أصبحت له قيمة تراثية.

 

ولم يقتصر ما أهدوه على الأحجار الكريمة بل جاؤوهم بخيل أصيلة وفيلين وبعض الطيور النادرة والببغوات الناطقة وأقمشة من الحرير والدمقس والموسلين وثياب لم يُرى مثلها جمالا وخياطة لكلٍّ ما الملكين والأميرة، كما أحضروا معهم هدايا لكبار القوم والحاشية.

 

وهكذا تَمَت هذه الزيارة بفرح عظيم. ولم تكن الأميرة و"مازر" وما تحدثا به معلوما لأحد فالقرار يُعلن عندما يحين وقت إعلانه.