لا ألجأ إلا إلى الله

وصل أبو مسلم إلى بيته، فقالت له زوجته: بيتنا ليس فيه حطب نستدفىء من هذا البرد القارس.. وليس فيه طعام ولا شراب.. ولا به فرش ولا غطاء.. فلماذا لم تشتر الأشياء الّتي طلبتها منك ؟.

 

أجاب الزوج في حزن وألم : لأن جيبي ليس فيه دينار ولا درهم!.

 

قالت الزوجة: كيف تشكو الفقر وأنت أعزّ الناس لدى الخليفة، وهو أعزّ الناس عندك.. اذهب إليه واشرح له حالنا وما نحن فيه من حاجة وفقر، وأنا متأكّدة من أنّه لن يتركك بلا مساعدة أو عون.

 

قال الزوج لزوجته:معاذ الله أن أفعل هذا، فأنا أخاف أن يراني الله وقد لجأت إلى عبد من عباده ولم ألجأ إليه!.

 

خرج أبو مسلم من البيت، وذهب إلى المسجد، وصلّى ركعتين، ثم رفع يديه إلى السّماء، وأخذ يدعو ربه ويقول: اللّهمّ يا رب.. يا عارفا بالأسرار، انت تعلم أنني أخجل وأستحي أن ألجأ إلى أحد غيرك.. يا واسع الكرم.. اللّهم ارزقني قمحا وشعيرا وعدسا وزيتا وحطبا، وارزق زوجتي - أم مسلم – كساء وخمارا، وارزق أطفالي أثوابا وبقرة يشربون لبنها.. اللّهم فاستجب دعوتي... آمين!

 

وتصادف أن كان في المسجد – في ذلك الوقت – رجل من أعوان الخليفة، فسمع دعاء أبي مسلم، وانطلق مسرعا إلى قصر الخليفة، ليذكر له، ما رأى وما سمع.

 

ودخل على الخليفة وقال له:رأيت الآن رجلا في المسجد يدعو ربّه ويطلب أشياء عجيبة... ثم ذكر للخليفة الأشياء التي طلبها الرجل. ضحك الخليفة عندما سمع الطلبات وقال: أعتقد أنّني أعرف هذا الرجل الذي رأيته في المسجد.. إنه أبو مسلم.. وهو شديد الحياء من الله.. والآن أعد عليّ ما قاله الرجل في دعوته بالحرف الواحد، لأرسل إلى بيته كل شيء اثنين قبل أن يخرج من المسجد.

 

بقي أبو مسلم في المسجد ساعات يقرأ القرآن ويدعو ربّه، ثم خرج من المسجد عائدا إلى بيته، وهناك قابلته زوجته بالفرح والسّرور، ورحّبت به أجمل ترحيب، وقالت: تأمل ما نحن فيه من خيرات ونعمة – يا أبا مسلم – وما هذا إلاّ لأنّك سمعت نصيحتي أخيرا وذهبت إلى صديقك الخليفة!

 

تعجّب الرجل من كلام زوجته، وأقسم لها أنّه لم يذهب إلى الخليفة، ولم يره طوال الأسبوع. عندئذ سألت الزوجة:أخبرني إذا إلى أين ذهبت ؟ وإلى من شكوت ؟ .

 

أجابها أبو مسلم: ذهبت إلى المسجد، وشكوت حالنا إلى الله سبحانه وتعالى؛ فأنا – كما تعلمين – يا أم مسلم أستحي من الله أن يراني وقد لجأت إلى أحد غيره... شكرت الزّوجة ربّها، وقالت لزوجها:ما أعزّ نفسك! وما أحسن ما فعلت.. يا أبا مسلم!

 

وما أرحم الله الذي لا ينسى عباده!.