الجزء الخامس

ومن حوله القواد والجنود فعند ذلك سارت المواكب قاصده الذئاب وما زال العسكر يقطع البر الاقفر اشرف إلى تلك الديار في اليوم الثالث عند نصف النهار ولما قرب وانكشف البيان وراه الامير مرة ومن معه من الرجال والفرسان قالوا وحق الاله القدير المتعال لقد اقبل علينا سالم الزير بالجموع والجماهير والفرسان المشاهير واليوم تباع الارواح بيع السماح في عاجل الحال

 

الامير مرة الف من الابطال وارسلهم لملاقاة الاعداء في تلك البيداء وكان المقدم عليهم ابنه جساس وجماعه من علماء الناس فسار الجحفل طالبا جيش الهلهل ثم فرق مائه الف اخرى في الصحراء وقدم عليهم ابنه همام وحثهم على الحرب والصدام واقام هو بباقي العسكر على الجانب الايسر حتى اذا انكسرت الفرقتان يحمل بمن معه من الفرسان ولما شاهد المهلهل تلك الحال وانقسام الرجال والابطال فقسم عسكره إلى ثلاثة اقسام وتقدم ولما اقتربت العساكر من بعضها البعض وانتشر جموعه في تلك الارض حملت الفرق على الفرق وهجم الجيش على بعضه وانطبقوا وقصد المهلهل فرقه الامير مرة بعشره الاف من اهل الشجاعة والقدرة وفي الحال اشتبك القتال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال وارتحب الوديان والتلال من قعقعه النضال فكان يوما مريعا وحربا فظيعا يشيب منه راس الغلام قبل الفطام فما كنت ترى الا رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسان غابرة فلله در المهلهل وما فعل ذلك اليوم من العمل فانه هجم هجوم الاسود وفرق المواكب والجنود ونكس الرايات والبنود وقتل كل جبار ونمرود وكان كلما قتل فارس منتخب يقول يا لثارات كليب ملك العرب ويلقى نفسه في مهاوي العطب املا بالنصر وبلوغ الارب ومازال على تلك الحال حتى قتل خمسمائة من الابطال ولما اشتدت الاهوال تأخرت عنه الرجال خوفا من الهلاك والوبال وهو يجول ويدور ويهدر كالأسود والنمور ويقول كليبا قتيل الجور اين عيناك اليوم تراني وتشاهد حربي وطعاني فيا ليتني كنت فداك ولا كان من يسلاك ( قال الراوي ) وكانت نيران المعامع والحروب والوقائع مشتبكه في ثلاثة مواضع واستظهرت جيوش المهلهل على اعدائها وبلغت غاية مناها وفعلت باقي الفرق كما فعل سيدها واستمر القتال على هذا الحال من الظهر إلى غروب الشمس وكان قد قتل من بني بكر أوفى من ثلاثين الف نفس ومن جماعة المهلهل نحو خمس الاف بطل فعند ذلك دقت طبول الانفصال فارتدت عن بعضها الفرسان ونزلوا في الخيام والمضارب ورجع المهلهل وهو قاهر وغالب كأنه أرجوان مما سال عليه من أدميه الفرسان فاجتمع بالسادات والاعيان في الصيوان فهنوه بالسلامة وقالوا مثلك تكون الشجعان يا زينة الاكوان وجوهرة هذا الزمان فشكرهم على هذا الكلام ووعدهم بالخير والانعام ثم أكلوا الطعام وأخذوا يتذاكرون بأمر الحرب والصدام وكان المهلهل صديق يركن اليه ويعتمد في أموره عليه قوي الجنان فصيح اللسان يقال له امرؤ القيس ابن ايان وكان يقاربه بالفروسية ويساويه بالفصاحة والهمه العالية فقاتل معه في ذلك اليوم وفتك في صناديد القوم وكان لا يفارق الزير في القتال ويحمي ظهره من غدر الرجال فقال له المهلهل أمام الفرسان ما هو رأيك يا ابن ايان في الهجوم على الاعداء اللئام تحت جنح الظلام فاني والله كلما اذكر قتل كليب تتوقد بقلبي النيران وليس لي عنه صبر ولا سلوان فقال تمهل يا أمير مهلهل فان النهار قد اقترب ولابد لنا من بلوغ الارب لان القتال في الليل يجلب علينا الهم والويل فتختلط الاحزاب بالأحزاب  ولا تعود تعرف الاعداء من الاحقاب لان الظلام يحجبنا بعضنا البعض ونتشتت في هذه الارض فاستصوب كلامه الزير فقال هكذا اشارت فرسانه :

 

( قال الراوي ) وبات الجيشان يتحارسان وأوقد النيران فكانت بنو بكر وباقي قبائل العرب قد باتت في شدة وتعب وأيقن الامير مرة انه يغلب ويقهر من سيف الزير الاسد الاسود ولما اصبح الصباح واضاء بنوره ولاح تبادرت العساكر إلى ميدان الحرب والكفاح واصطفت الفرق إلى صفوف وترتبت المئات والالوف وتأهب المهلهل للحرب واستعد للطعن والضرب فركب ظهر الحصان وتقدم إلى معركة الطعان وتبعه امرؤ القيس بن ايان وقواد الابطال والفرسان بقلوب أقوى من الصوان وكذلك ركب الامير مرة وبقية الفرق واعتقلوا بالسلاح والدروع فعند ذلك دقت الطبول وصهلت الخيول وارتفعت الرايات على رؤوس الامراء والسادات من جميع الجوانب والجهات وهجم كل فريق على فريق وتقاتلوا بالسيف والمزارق والتفت الامم بالأمم وقام الحرب على ساق وقدم وما مضى ساعة من النهار حتى اشتد لهيب النار وطلع للقتال الغبار وانذل الجبان وحار وارتفع الصياح وعلا وارتجت أقطار الفلا ولبست الارض من الدماء حللا وعظم بنيهم البلا والويل وعاد النهار كسواد الليل وقال المهلهل في ذلك اليوم وما قصر وفعل افعالا تبقى وتذكر فانه أقتحم صفوف الاعادي كانه ليث الوادي وحال الميامن والمياسر وطعن فيها طعنا يذهل النواظر ويحير العقول والبصائر وهو يقول يا لثارات كليب مهجه فؤادي ومن كان سندي واعتمادي ولما طال المطال واشفى غليله من قتال الابطال قال :

 

 

ذهبت الصلح او تردوا كليبا او نبيذ اليين نطرا ذهلا

ذهبت الصلح او تردوا كليبا او نعم السيوف شيبان

ذهبت الصلح او تردوا كليبا او أزهق الرجال قهرا وذلا.

 

 

فتعجب الفرسان من شعره ومقاله وانذهب من هول قتاله وكذلك اندهشت باقي ابطاله باقي ومازال الحرب يعمل الدم يبذل والرجال تقتل إلى ان ولى النهار وارتحل ودخل الليل واقبل فعند ذلك رجع الامير المهلهل وباقي الجيش والجحفل وجميع أكابر عشيرته وأهله وأخوته يتحادثون فيما يجري ويكون فاستقر الرأي على سرعة الانجاز والجهاد في الحرب والبراز قبل أن يطول الامر وتفوتهم الغلبة والنصر ثم انهم اكلوا الطعام باتوا في الخيام ولما طلع النهار واشرقت الشمس والانوار تأهبوا للحرب والكفاح فتقلدوا بالسيوف والرماح ودقوا الطبول وركبوا ظهور الخيل وتقدمت الفرسان والابطال إلى ساحة القتال وكذلك فعل الامير مرة والامير جساس ومن يلوذ بهم من عظماء الناس والتقت العساكر بالعساكر وتقاتلوا بالسيوف والخناجر وكان الامير المهلهل في أول الجحفل فصاح وحمل والتقى الفرسان بقلب أقوى من الجبل وهو يهدر كالأسد ويضرب فيهم بالسيف المهند ويقول يالثارات كليب ليث الصدام وزينة الليالي وكان كلما قتل فارسا يعيد هذا الكلام فقصدته الابطال من اليمين والشمال وهو يضرب فيهم الضرب الصائب ولا يبالي بالعواقب حتى مزق الصفوف بحملاته وفرق الالوف بتواتر طعناته وما تنصف النهار حتى قتل مائه بطل كرار من الابطال والفرسان المذكورة كذلك فعل امرؤ القيس ابن ايان وباقي القواد والشجعان ومازالوا على تلك الحال إلى ان ولى النهار بارتحال فارتدوا عن الحرب والصدام ورجعوا إلى المضارب والخيام وكان قد قتل من عرب جساس في ذلك النهار عشرون الف بطل كرار ومن عرب المهلهل نحو ثلاثة الاف بطل ولما اصبح الصباح استعد الفرسان للحرب والكفاح فركبوا ظهور الخيول وتقاتلوا بالسيوف والنصول وهجم المهلهل على الفرسان الفحول كأنه الغول وهو ينشد ويقول :

 

 

هلموا اليوم نلتقي يا آل مرة ولو كانوا ثلاثين الف كرة

وسيف الهند يقطع في يميني فلا تخشى المهالك والمضرة

فاحموا يا بني عمي لظهري فتحظوا بالأماني والمسرة

فكل الناس ترهب من قتالي اذا ما جلت في الميدان كره

سوف ابيد جساسا وقومه واسقيهم في حربي كاس مرة

 

 

ثم انه لما حمل على الكتائب والمواكب واظهر بأفعاله الغرائب والعجائب وقتل كل شجاع غالب : (قال الراوي ) وما زال القوم في حرب وصدام وقتل وحصام مدة ثلاثة شهور حتى اشفى الزير غليله من بني بكر وقتل منهم كل سيد جليل وفارس نبيل وكان عدد من قتلهم في تلك المواقع نحو مائه الف مقاتل ما بين فارس وراجل وقتل من جماعه الزير نحو عشرة الآف بطل فلما رأى جساس ما حل بقومه من النوائب خاف من العواقب وعلم انهم اذا ثبتوا امامهم يهلكون هلاك الابد لا يبقى منهم أحد فولى وطلب لنفسه الهرب مع باقي طوائف العرب وغنم الزير غنائم كثيرة واموال غزيره ثم رجع يمن معه من الفرسان إلى الاطلال وهو في احسن حال وانعم بال ونزل في قصر اخيه وصارت ملوك العرب تكاتبه وتهادنه وكان يترقب الاوقات للحرب والغزو فشكرته اليمامة على ما فعل وقالت لا عدمتك ايها البطل فانك اخذت الثأر وطغيت لهيب النار ورجعت بالعز والانتصار فشكرها على هذا الكلام وقال حق رب الانام لا يشفى فؤادي ولا يطيب لذيذ رقادي حتى اقتل الامير جساس واجعله مثلا بين الناس وهذا الامر سيتم عن قريب بأذن الله السميع المجيب .

 

(قال الراوي ) بينما هو يترقب الاخبار ويقتفي الاثار اذ دخل عليه العبد نعمان الذي تقدم ذكره قبل الان وكان من اصحاب الزير واصدقائه المشاهير فسلم عليه وتمثل بين يديه فنهض له على الاقدام واكرمه غايه الاكرام وبعد ان جلس قال للزير اعلم يا امير قد جيت الان من ابعد مكان اولا لاهئأك بالانتصار واعزيك على فقد ذلك البطل الكرار وثانيا لا علمك بانه ظهر لي المنام من مده عشرة ايام رؤيا عجيبة تشير إلى احوال غريبه وهو النهار ان تحارب أحد من ملوك الاقطار بل تجنب وقوع الفتن وتبقى مرتاح في الوطن فمتى تمت هذه الليالي رافقك السعد والاقبال بأذن الاله المتعال فأن حاربت انتصرت وان قاتلت ظفرت وقهرت.  فشكره الزير على ذلك الاهتمام وغمره بجزيل الانعام ومن ذلك اليوم اخذ لنفسه الحذر وتجنب مخالطه البشر وكان يصرف ايامه بشرب المدام واكل الطعام واشتهر الخبر في القبائل ان الزير اوقف الحرب مدة سبع سنين كوامل (قال الراوي ) وكانت بني مرة قد هامت في الاقطار خوفا من الهلاك والدمار وندم جساس غايه الندم بقتل كليب الاسد العشمشم وما زال هو وقومه في خوف وحذر من عواقب الامور إلى ان بلغهم خبر توقيف القتال فزالت عن قلوبهم الهموم والاهوال ورجعوا إلى الاطلال .

 

 هذا ما كان من بني مرة وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه استمر على تلك الحال وهو في رغد عيش وانعم بال ان كانت نهاية السنه السادسة فركب إلى الصيد والقنص في جماعه من فرسانه وابتعد عن الديار نحو ثلاثة ايام ومن الاتفاق الغريب فان الامير جساس رأى حلما في بعض الليالي وهو انه رقد في قرب صيوانه حوض من الماء فبينما كانت قومه تشرب منه فاذا بذئب كاسر قد جاء إلى الحوض بصفه جمل كبير وله ثمانية انياب فشرب من الماء ثم ضرب الحوض بنابه فانشق من جانبه وتهور ذلك الماء حتى كادت قومه ان تهلك من شده العطش والظمأ ثم رأى النسوان والاولاد بثياب السود والدم جاري مثل المجاري والجمال تنهش بعضها البعض ودماها تسيل على وجه الارض فاستيقظ جساس خائفا من هول ذلك المنام فاستدعى اليه اخوته وبنى الاعمال وقص عليهم ما رأى وابصر فاستعظموا ذلك الامر وقالوا لا يوجد من يقدر على تفسيره سوى المنجمين فان حسن عندك ارسل استدعى عمار الرياحي فانه يفسره لك على يقين.

 

 فارسل اليه وحضر وقص عليه الخبر فضرب ورسم الاشكال فبانت له حقائق الاحوال ثم التفت على جساس ومن حضر هناك من الناس وقال لهم هذا المنام من عجائب الايام وهو يدل على شر عظيم وخطب جسيم سوف يحل عليكم من سالم بوقت قصير وقد اظهر لي ايضا بان اخ المهلهل عنده مهر ادهم اسمه عندما قوي العصب والحيل عديم المثال في الخيل وسعد الزير مقرون بهذا الحصان وبه وينتصر في الحرب والطعن فاذا ملكتم هذا الجواد نلتم المراد وأسرتموه في القتال والطراد . فلما سمع جساس هذا الكلام استبشر ببلوغ المرام وقال لهم قد بلغنا بان الزير غائب عن القبيلة وما في الحي غير النساء والحصان موجود في الديار وهذه ازالة الغصة ثم انه ارسل رجلا ليكتشف الخبر ثم رجع واخبره بصحه الكلام فعند ذلك ركب جساس في ثلاثة الاف بطل وطرق باب المهلهل على عجل واحاط بساحه الدار من اليمين واليسار فاستعظم بنات كليب ذلك الامر ولم يعلن ذلك السبب فطلت اليمامة براسها من الشباك وقالت له اركب على ظهر الفرس ما هو الداعي يا خالي بقدومك إلى الحي بالأبطال والحي خالي من الرجال فقال لها جئنا بطلب المهر الادهم المدعو بعندم فقالت له اهلا وسهلا بك مهما طلبت فلا نمسكه عنك غير انه لا خفاك بان المهر خاصه بعمي عديه فلا يمكننا ان نسمح فيه ثم اشارت تقول: بكم قد حلت البركة علينا وزال الشر عنا مع نكال فمهما تطلبوا مني تشوفوا خيولا مع بغال وجمال ولكن مهر عمي غير ممكن اسلمه فان المهر غالي.

 

(قال الراوي) فلما سمع جساس كلامها أجابها يقول على كلامها بهذين البيتين:

 

 

تعالوا اسمعوا قول اليمامة تقول المهر لا أعطيه غالي

فأني قاصد أخذه سريعا ولا أخشى العداة ولا أبالي

 

 

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من شعره نزل عن ظهر الفرس ودخل إلى الاصطبل فوجد المهر فوضع عليه العدة وركبه وقال لليمامة قد أخذت الحصان وغدا أطاردكم على ظهره . سار وهو فرحان حتى وصل إلى الاوطان فقال لأخيه قد اتيت بالحصان ومرادي اجربه في الميدان فانتخبوا ثلاثين راسا من الخيل الصوافن فأركبوها واكمنوا في عشر مكامن وأنا أمر عليكم أسرع من الريح فاتبعوني في البر الفسيح فان سبق هذا الجواد بلغنا به المراد في الحرب والطراد فأجابوه إلى ما طلب وأراد وركبوا الخيول الجياد وركب سلطان أخو جساس القميرة ووقف في آخر كمين وركب جساس ذلك الحصان واطلق له العنان فسار في تلك القفار اسرع من الطير اذا طار ، ولما اقترب من الخيل تبعته فسبقها جميعا ماعدا القميرة ففرح جساس ثم نزل عن ظهره وامر العبيد ان يربطوه بقرب صيوانه ووكل به مئة عبد وقال لقد اقبل علينا السعد فسوف نقتل ذلك الوغد .

 

( قال الراوي ) هذا ما كان من جساس واما الزير فانه عند رجوعه من الصيد استفقد ذلك الحصان فلم يجده مع الخيل فصعد إلى القصر وسأل اليمامة واشار يقول :

 

 

يقول الزير أبو ليلى المهلهل بدمع قد جرى مني بداد

يمامة رحت انا لصيد قانص وقومي واخوتي ثم الجياد

لنا عشرون يوما في فلاوة ودرنا من بلاد إلى بلاد

وصدنا طيورا ووحوشا كثيرة ودرينى رجعنا للبلاد

وجيت لمهر أخي فما لقيت شرد عقلي وعني عاد

فأين المهر فوطر يا يمامة عدم صبري وفارقني رشادي

امات المهر أم أحد أخذه من الاوباش والناس الاعادي

 

 

فلما سمعت اليمامة شعر عمها اجابته تقول:

 

 

تقول اليمامة يا عم اسمع الا يا عم جاؤوا الاعادي

ابي جساس أخذه غصب عني انا حرمة ومالي منه جلادي

فقلت تأخذه يا خال تندم يجوكم غدا على خيل جيادي

وقال غدا الاقيكم بعزمي وقد زادت همومي بازدياد

له يا عم ثلاث ايام غائب وقد زاد حزني بازدياد

فقم يا عم شد الخيل وركب بعسكر كأنهم رف الجراد

وميل على بني مرة بسيفك واحصد جمعهم مثل الحصاد

يا عمي عدية اليوم يومك يا عزي وفخري واعتمادي

وهاتوا راس جساس سريعا اجبر خاطري واشفي فؤادي

 

 

فلما فرغت من شعرها ونظامها اجابها الزير يقول:

 

 

يقول الزير قهار الاعادي انا السبع الجسور في كل وادي

غدا لابد اجد في لقاهم واحصد جمعهم يوم الجهاد

وأخذ ثأرنا من آل بكر واطفي النار من طي الفؤادي

وأخذ مهرنا المدعو بعندم ويظهر ذكرنا بين العبادي

فمن يذهب يقول لأولاد مرة اتاكم اليوم ذباح الاعادي

اتاكم المهلهل مع آل تغلب اسود الحرب في يوم الطراد

الا يا آل مرة سوف اشفي بقتل ساداتكم فؤادي

ولا يخفاكم يا آل مرة بقتل كليب صرتم لي أعادي.

 

 

فلما فرغ الزير من شعره دخل وجلس في الديوان وجمع اخواته والامراء والاعيان واخبرهم بواقعة الحال وقال لهم ما رايكم في استجلاب الحصان فقالوا له الراي رايك ونحن طوع يديك قال متى كان الصباح تركبوا في ثلاثة الاف فارس وتكمنوا في وادي الهجين وانا اكمن في وادي المطلا وكان هذا المكان يبعد عن بني مرة مسافة ميل ثم قال لأخيه عديه وانت قم الان وغير ثيابك وزيك والبس ثياب ممزقه حتى لا أحد يعود يعرفك واذهب لحي بني مرة وتجلس بقرب صيوان جساس فاذا سألوك عن بلادك ومهنتك فقل لهم من بلاد الصعيد ومهنتي هي سياسة الخيل وانا قد بلغني ان جساس من محبته في الحصان كل يوم يسلمه إلى سايس فاذا قال لك هل تريد ان تخدم عندي وتسوس هذا المهر فقل نعم حتى اذا تمكنت منه تركب ظهره وتلحقنا إلى ذلك المكان فمتى صرت هناك لا تخف ولا تحسب لهم حساب ولو كانوا بعدد التراب فاني سأبيد جمعهم بعون رب العالمين واخذ ثأرنا من جساس العنيف استصوب رايه ولبس ثياب ممزقه وتعمع بعمامه والتحف بحرام عتيق وغير زيه وتنكر وسار يقطع البر الاقفر إلى ان حي بني مرة فقصد صيوان جساس وكان قد اقبل الليل فرقد بين اطناب الخيام ولما كان الصباح جلس الامير جساس واجتمعت حوله اكابر الناس ثم وضعوا موائد الطعام واخلوا يتذكرون بالكلام فبينما هم كذلك اذ حانت من جساس التفاته فرأى عديه وهو على تلك الصفات فشفق عليه وقال لبعض غلمانه اطعم هذا الفقير واساله عن حاجته فأحذ له الغلام طبق الطعام وسأله عن بلاده فقال انني من بلاد الصعيد ومهنتي سياسه خيل الأماجد فقد جار على الزمان فأتيت منا لأوطان قاصدا اهل الفضل والاحسان إلى ان وصلت الى هذا المكان فطيب الغلام خاطره واعلم مولاه بحاله فقال جساس اذا كان من بلاد الصعيد فهو ادرا بسياسه الخيل من العبيد فدعوة يسوس لنا عندهم المهر الجديد وانا اعطيه كل ما يريد وان وجدته من الماهرين سلمته جميع خيلي وجعلته رئيس اصطبلي فلما قال له الغلام هذا الكلام دعا لجساس بطول العمر ثم ان تحزم وتقدم إلى المهر ففك قيود رجليه وقبله بين عينيه وقال هذا يومك يا جوادي فقد بلغت الات مرادي وكان المهر لما رأى صاحبه عرفه فمال اليه وألفه فتعجب جساس وباقي الناس لان الجواد كان لا يألف احد من العبيد الموكلين عليه من قاربه ضربه بيده ورجله فقال جساس وحق رب الانام ان هذا السائس يستحق الاكرام والانعام وكان عديه لما تمكن من المهر ركب على ظهره ثم لكزه برجليه وصاح فسار مثل هبوب الرياح وجد في قطع البطاح كأنه طير بلا جناح فلما رأى جساس تلك الحال تغيرت منه الاجوال وعلم انها حيله قد تمت عليه ولطم على خديه ووجهه وصاح على الابطال والفرسان وقال دونكم هذا الشيطان فقد احتال علينا وخدعنا بالمكر والاحتيال حتى نال طلبه بلغ قصده واربه فعند ذلك ركبت الفرسان ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتبعوه في تلك السهول وهم يصيحون وراءه ويجدون في قطع الفلاة إلى ان وصل إلى ذلك الوادي الغدير فوجد احاه الزير وهو كامن هناك في جماعه من الابطال صناديد الرجال فاعلمه بواقعة الحال فقال خذ حذرك الان فقد اتتك الفرسان من كل جانب ومكان فابتسم المهلهل وقال سوف ترى ما افعل ثم انه نزل عن ظهر حصانه واعطاه لأخيه واخذا المهلهل الادهم ووضع عليه عدة جواده ثم ركب وتلملم واذا بالخيل والمواكب قد احاطت به من كل جانب وصاح عليهم وحمل بقلب اقوى من الجبل ومال عليهم بالحسام كانه ليث الاجام فطير الرؤوس عن الاجسام وفتك فيهم فتك الذئاب بالأغنام وفي اقل من ساعه ادركته بقيه الجماعة الذين كانوا مكمنين في وادي الهجين انصبوا عليهم كالشواهين من الشمال واليمين وكان قد وصل الحبر إلى جساس فأخذه القلق والوسواس فركب بباقي الابطال ومن يتمدد عليهم من الرجال وقصد ذلك المكان وقاتل قتال الشجعان واتقت الرجال بالرجال والابطال بالأبطال وعظمت الاهوال وجرى الدم وسال وكثر القيل والقال وتزلزلت الارض من هول القتال وكانت واقعه عظيمه لم يسمع بمثلها في الايام القديمة انهزم فيها جساس اقبح هزيمه وغنم المهلهل غنيمه جسيمه لها قدر وقيمه ورجع إلى الديار والعز والانتصار فالتقته النساء بالدفوف والمزامير ثم طلع إلى القصر وهو منشرح الصدر فشكرته بنت اخيه على ما فعل وقلن لله درك من بطل فقد اخذت الثأر وطفيت من القلوب لهيب النار فالله يحفظك ويبقيك وينصرك على حسادك واعاديك فشكرهن على هذا الكلام وبعد ان خلع ثيابه جلس للطعام وشرب المدام ثم دخلت امه فقبلته بين عينيه وهنأته بذلك الانتصار وطلبت منه ان يرفع عن بني مرة السيف البتار فاستقبلها بالوقار والاعتبار وقال لها والله اني لا أصالحهم يا أماه حتى يعود كليب إلى قيد الحياة ثم تذكر تلك الواقعة وما جرى له في تلك الايام مع القوم فأنشد يقول وعمر السامعين يطول :

 

 

يقول الزير أبو ليلى المهلهل وقلب الزير قاسي ما يلينا

وان لان الحديد ما لان قلبي وقلبي من حديد القاسي فينا

تريدي يا أميه أن أصالح وما تدري بما فعلوه فينا

فسبع سنين قد مرت علي أبيت الليل مغموما حزينا

أبات الليل أنعى في كليب أقول لعله يأتي الينا

كان كليب في رؤوس المعلا تغشاه الذئاب الجائعينا

أتتني بناته تبكي وتنعي تقول اليوم صرنا حائرينا

فقد غابت عيون أخيك عنا وخلانا يتامى قاصرينا

سللت السيف في وجه اليمامة وقلت لها أمام الحاضرينا

وانت اليوم يا عمي مكانه وليس لنا بغيرك معينا

وقلت لها ما تقول أنك عمك حماة الخائفينا

كمثل السبع في صدمات قوم أقلبهم شمالا مع يمينا

فدوسي يا يمامة فوق راسي على شاشي أذا كنا نسينا

فان دارت رحانا مع رحاهم طحناهم وكنا الطاحنينا

أقاتلهم على ظهر المهر أبو حجلان مطلوق اليمينا

فشدي يا يمامة المهر شدي وأكسي ظهره السرج المتينا

وهاتي حربتي رطلين وازود وحطيها على عدد متينا

ونادي على عدية وكل قومي صناديد الحرب المانعينا

ونادي أخوتي يأتوا سريعا لنلقي جيش بكر أجمعينا

فنادتهم أتوا كأسود غاب وقالوا قد اتينا يا أخينا

ويأتوا يحرسون الليل كله وقضوا الليل كله وساهرينا

 

 

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من شعره ونظامه شكره الجميع على مقاله وباتوا تلك الليلة في سرور وانشراح ولما اصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح أمر الزير قومه بالاستعداد للحرب فركب ظهر الجواد وتبعته الفرسان والقواد وقصدوا بني مرة بقلوب قويه وهمم عليه فالتقاهم جساس مع أخوته وأهله واشتبك بينهم القتال وعظمت الاهوال وابتلت بني مرة بالبلاء والويل وكان الزير يحصد فيهم بالنهار والليل واستمر القتال بين الفريقين مدة سنتين حتى فقد من بني مرة في هذا الحرب الاخير نحو اثني عشر الف أمير عدا السادات والاكابر والجيوش والعساكر وكان الزير يأمر قومه بقطع الرؤوس ووضعها في المخازن لأنه كان قد اقسم بالله العظيم ان سيملي البيوت من جماجمهم وباقي الاماكن فلما طال المطال واشتدت على بكر الاهوال اجتمعت اكابر الناس مع الامير جساس واخذوا يتفاوضون كيف يتخلصون لان الزير لا يقبل منهم فدى وجميع وسائطهم التي استعملوها في توقيف الحرب راحت سدى فقال سلطان لأخيه جساس أعلم يا أخي بأن الزير في كل صباح يمر على قبر أخيه فيجيبه بالسلام ويقول له قد قتلت في ثأرك فلان وفلان فهل اكتفيت أم لا فلا يجيبه أحد فالرأي عندي ان انتخبوا رجلا وتضعوه داخل القبه بحيث لا يراه أحد فإذا مر الزير على القبر حسب عادته وسأل أخاه ذلك السؤال فيجيبه الرجل بصوت خفيف من قلب ضعيف لقد اكتفيت يا أخي فاغمد سيفك من هذا اليوم عن قتال القوم واياك أذية البشر فان ذلك مما يجلب علي الضرر فاذا سمع هذا المقال فلربما ينطلي عليه المحال فيكف عن الحرب والقتال فنستريح من القيل والقال فاستصوب جساس وباقي الاعيان رأي الامير سلطان ( قال الراوي ) وكان في القبيلة رجل فقير الحال عديم الاشغال فاستدعاه جساس اليه وقص ذلك الكلام عليه وقال له اذا بلغنا الارب ولكن الطريقة خطره قبيحة فأخذ جساس يحسه بالكلام ويرغبه في هذا بالشعر والنظام :

 

على ما ال جساس بني مرة الا يا فارغ الاشغال اسمع فلي عندك حاجه صغيرة فتقضيها سريعا لم ترجع فان الزير لا شانا جميعا وفرق جمعنا في كل موضوع ولا يقبل رجاء ولا عطايا وعن الافعال ما كان يرجع بثأر كليب صرنا شرايد أعدم في الوغى كل ليث أروع يمر في قبره في كل صباح ويزعق بصوت للأكباد يصدع يقول الا نعمت أخي صباحا ايكفي ما قتلت تريد ارجع فاذهب واختبي بالقبر حالا اذا صاح المهلهل انت تسمع اذا سألك أحارب أو اصالح اجيبه انت محفوظ ارجع ان رضيت منهم نلت ثأري وانت بقتلهم لا عدت تطمع لعله يظن انك انت اخيه فيصفح عن مآلنا ويرجع

 

( قال الراوي ) فلما فرغ جساس من هذا المقال قال له عديم الاشغال على الراس والعين ولما كان الليل حفروا سردابا وصلوه إلى القبر وادخلوا ذلك الرجل فيه ولما كان الصباح ركب الزير ظهر الحصان وتبعه الابطال والفرسان ومر على قبر اخيه حسب عادته ونادى بصوت عال نعمت صباحا يا أخي كليب فقد قتلت في ثأرك نهارا امس خمسة آلاف نفس أيكفي ما قتلت منهم او ارجع افنيهم عن بكرة ابيهم فأجابه ذلك الرجل من القبر بصوت خفيف وانت انعمت صباحا يا أخي الحنون يا ساقي الضد كاس المنون كف الحرب فقد اكتفيت وان قاتلتهم بعد اليوم تكون قد تعديت وبغيت فتزيدني ضررا وغما وكدرا فان نفسي قد بلغت مناها ونالت مشتهاها فكثرت خير اتك وزادت في الدنيا مسرتك .

 

(قال الراوي ) فلما سمع الزير هذا الكلام زالت اتراحه وزاد فرحه وانشراحه وقال سبحان الرحمن الرحيم الذي يحي العظام وهي رميم انت يا أخي بخير ونحن بعدك نقاسي الضنك والضير ثم نزل عن ظهر الحصان ودخل إلى القبر وهو فرحان وقال اذا كنت بخير يا أبا اليمامة فما هي هذه السكتة والإقامة بعد العز والكرامة فقم إلى عند بناتك فأنهن في حزن وكدر ثم تقدم اليه وتأمل فيه بالنظر فراه انه ذلك الرجل المعهود فغاب المهلهل من الوجود فجذبه من لحيته واخرجه من السرداب وقال له اصدقني بالحطاب فمن انت ومن تكون قبل ان تشرب كاس المنون فأعلمه بواقعه الحال وحقيقة الاعمال فسل السيف ليقتله وقد اغاظه فعله فقال انا بجيرة كليب اخيك فلا كان من يعاديك وقد جرني جهلي من قله عقلي حتى جرى ما جرى يا فخر الورى . فلما سمع الزير كلامه ابدى ابتسامه فصفح عنه واعطاه جوادا من اطايب خيل العرب والف دينار من الذهب فدعا له بطول العمر وخرج من القبر وهو يقول : والله ان الامير كليب يحمي اليوم الخائف في مماته كما كان يحميه في ايام حياته ثم راجع إلى القبيلة وهو يتعجب من تلك الحيله وفي الغد ركب فرقه من الابطال وقصدوا بنو مرة واشتبك بينهم القتال وعظمت الاهوال وما زالوا في قتال وصدام مدة عشر ايام فانكسرت بنو مرة انكسار وقتل الزير مقتله عظيمه المقدار وكان يأتي براس سادات الجماعة فيضعها على قبر كليب مدة ساعه ثم يدفنها تحت الثرى ويبني فوقها القصور والقرى وكان كما اقبل منا لحرب في المساء تلتقيه اليمامة مع جماعه من النساء فتقول يا سيد الناس هل اتيت براس جساس حتى نخلع السواد ويطيب الفؤاد فيقول كوني براحه بال فسوف تبلغين الآمال بأذن الاله المتعال هذا ما كان من المهلهل.

 

 واما جساس فانه قد استقبل ولما ضاق به الحال اجتمع اهله وعشيرته وعقدوا بينهم ديوانا فاستقر رايهم على ان يذهبوا إلى بلاد الحبشة والسواد ويلجؤوا بالملك الرعيني ابن احت التبع حسان فركب في ثاني الايام اخوته واكابر عشيرته واحذ معه اخته  الجليله لتشفع لهم عند حريم الملك الرعيني وبقي اخوة شاويش في الحي وكان هذا الرجل يحب الزير من ايام صباه فعند رجيل جساس حضر شاويش الى عند الزير واعلمه بما جرى وكان من مسير الزير احواته عند ملك الحبشة والسودان فأعطاه الزير الامان وقال له انيما عدت احاربكم من الان حتى تحضر اخواتك إلى الاوطان بالأبطال والفرسان وتوقف الزير من ذلك اليوم عن محاربه القوم وصار يصرف اوقاته في بالصيد والقنص هذا ما كان من المهلهل.

 

 واما جساس فانه قد جرى في قطع القفار حتى وصل إلى بلاد الحبشة وتلك الديار ودخل على الملك الرعيني ووقع عليه بعد ما اعلمه بحالتهم الحاضرة وطلب منه النجدة والمساعدة على حرب الزير ايضا بان كليب قتل خاله تبع حسان وقتله هو بقتله قام اخوه الزير يحاربهم حتى كاد ان يفنيهم.

 

 فلما سمع ا لرعيني هذا الكلام قال لقد بلغت اليوم منكم المرام ولابد من ذبحكم بحد الحسام لأنكم من قوم لئام قتلتم خالي واتيتم تستجيرون بي ثم امر بقبضهم وكانت الجليله واقفه على باب الصيوان وهي مثل الطاووس لابسه افخر الملبوس كأنها العروس فلما شاهدت ما جرى على قومها خافت من العواقب فشقت المواكب وتمثلت امام الرعيني فقبلت اياديه ودعت له بطول العمر فلما راها الرعيني تعجب منفرط حسنها فمال قلبه اليها ووقع في شرك هواها فقال لها  من تكونين يا مهجة الفؤاد وبغيه المراد فقالت له اخت القوم الذين امرت بقبضهم بدون ذنب ثم اشارت تقول ما قالت الجليله بنت مرة أيا أبو فهد اصحى دير بالك وانظر يا سياج البيض فينا وانظر الذي وقفوا قبالك انا لقيتك يا ملك البوادي يا من بالملا شاعت فعالك ملوك الارض كنا يا مسمى فانت نظيرنا ونحن مثالك فالذي جرى كله مقدر أيا فخر الورى من قتل خالك قتل خالك كليب في حسامه وقام أخي الذي واقف قبالك قتل لكليب خالك بسيفه كرمت خاطرك واصفي بالك ظهر لكليب اخ اسمه المهلهل حرمنا النوم زاد الله مالك قتل منا أماجد كتبره اتيننا واقفين على ديارك فهذا اليوم يومك يا مسمى فدق الطبل واركب في رجالك وسر معنا إلى الزير المهلهل فقتله ودسه في نعالك وحكم سائر العربان يا ملك على امولهم تبقى حلالك ولا تشمت العدا يا امير فينا اتينا لك وصرنا من عيالك وانت صميدع شهم كريم جميع الخلق تفزع من خيالك

 

(قال الراوي) فلما فرغت الجليله من نظامها وفهم فحوى قصدها ومرامها ثارت في راسه الحميه وقال قد فهمت قولك يا صبيه ثم اشار يقول عمر السامعين يطول:

 

 

قال الرعيني أبو فهد قال الا يا جليله اسمعي المقال وأنتم افهموا قولي

يا ملوك اولاد مرة تروني الهم زايل اتيتم تلتجوا في الجميع وقعتم على وقع العيال

من جور الزير يا أهل الكرم دهاكم ضناكم رماكم بحال

فو حياه راسي ورحمت ابي من خلق الارض وارسى الجبال

لأركب عليه بكل الفحول واجرد عساكر شبه الرمال

واقتل اعداكم بجاه السيوف وانا ادع الزير في سوء حال

جليله طيبي انت وابشري انا فداء أخوك بحد النصال

أيا أخي غطاس انهض الان واجمع الفوارس والابطال

نادي على الجيش ان يركبوا يلبسوا الزرد والنصول الصقال

ودقوا الطبول وشدوا الخيول وامشوا الفحول شبه العذال

فدعنا نسير نزيل عسير عن اولاد مرة هذا النكال

 

 

( قال الراوي ) فلما فرغ الرعيني من كلامه نهض أخو غطاس الوزير وجمع الابطال والفرسان والعساكر السودان ونادى المنادي ان السفر يكون بعد ثلاثة ايام ولما تجهزت العساكر للمسير لحرب الزير كان عندهم ستمائة الف بطل ففرح جساس ومن معه من الناس فلما رأوا تلك السهول قد امتلات بالخيول وفي اليوم الثالث دقت الطبول ولمعت النصول وسارت العساكر كالبحور الزواخر في أولهن الملك الرعيني واكابر دولته وجساس وباقي عشيرته ومازالوا يقطعون البراري والاكام حتى وصلوا إلى بلاد الشام فارسل جساس يعلم قومه بقدوم هذا العسكر وأن يهيئوا لهم الأطعمة والذخر فلما سمعوا هذا الخبر فرحوا فرحا عظيما وهيئوا لهم ما يحتاجون اليه من الطعام والمدام وخرجت النساء والرجال للقائهم فلما وصلوا إلى الديار نزلوا في المضارب وقد تباشر قوم جساس بالنجاح والضفر وبلوغ الامل .

 

 (قال الراوي) كل هذا يجري والزير ليس عنده خبر بشيء من هذا الامور بل كان مواظبا على السرور وشرب الخمور فبينما هو كذلك اذ دخل عليه أخوه عدي وقال انت جالس في صفاك ولا تدري فيما دهاك من اعدائك واشار ينشد ويقول:

 

 

لقد قال الفتى المدعو عدي ودمع العين فوق الخد ساجم

اراك اليوم في زهو ولهو تنبه يا أخي ان كنت نائم

فقم على ما سوف يجري من الاعداء يا ابن الاكارم

اتونا قوم مرة بالرعيني ملك جبار بالأحكام ظالم

لقد ذهبوا اليه يا مهلهل فجاء بست كرات عوالم

بهم من كل قوم ليث اروع وهو من بينهم مثل الصقر حائم

تبدى الزير حال ثم قال له تخاف من العدى واخوك سالم

انا وحدي الاقيهم بعزمي انا الدعاس في يوم الزحايم

واني سوف اقتل الرعيني واقطع راسه والله عالم

وافني جيشه مع جيش مرة انا المقدام ما بين المعالم

 

 

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من نظامه وفهمت قومه فحوى كلامه تعجبوا من هذا المقال وشكروه على تلك الفعال واخذوا يستعدون للحرب والقتال واما الزير فانه صبر إلى الليل وغير زيه وتنكر حتى لم يعد يعرفه أحد من البشر وجعل نفسه كأحد شعراء العرب الذين يقصدون الامراء وارباب المناصب والرتب طمعا في الفضة والذهب ثم ركب الحصان وتقلد بالحسام من تحت الثياب واخذ معه بعض الغلمان وسار إلى قبيلة بني مرة ولم يعلم به انسان ولم اقترب من الحلة نزل عن ظهر الجواد وسلم إلى الغلام وقصد المضارب والخيام حتى وصل إلى صيوان الرعيني فوجده جالس وحده فدخل وسلم عليه وتمثل بين يديه فلما راه الرعيني في ذلك المنظر خاف وانذعر وسأله عن مهنته فقال انني شاعر اطوف على الامراء والاكابر فاحصل منهم على الانعام ومزيد الاكرام وقد سمعت انك في بني مرة فأتيت قاصدك من مدينة البصرة إلى ان تشرفت بطلعتك وتمثلت امام حضرتك .

 

 (قال الراوي) وكان للرعيني زوجه تدعى بدور كانت خلف الستار فسمعت ما دار بينهم من الايراد فأرسلت جاريتها تقول للملك ان يأمر الشاعر بالإنشاد فقال الرعيني انشد يشاعر فانشد يقول:

 

قال الاديب الذي طالب احسانك يرجي بوسط الحشا والقلب بزار

يا أبو فهد يارعيني استمع ما أقول يا من قلوب العداء بالروع هزار

قد كنت قبلا في خير وفي نعم مستور ما بين اهلي ما أنا معتزا

فصرت شاعر على الاجواد أطوي الارض ماشي على عكاز

قالوا فسر للرعيني مقصد الشعر فذاك جواد يعطي كل معتاز

فجئت طالب احسانك واكرامك يامن حويت المكارم بالعطا المعتاز.