الجزء الثامن

افلما انتهى الزير من شعره ونظامه ارسل الكتاب إلى ابن اخته شيبون فلما فتحه وعرف ما احتوى عليه من المضمون مزقه ولم يكترث ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح ودقت طبول الحرب والكفاح وركب شيبون وجساس وكذلك الزير الفارس الدعاس والتقوا با بطالهم ورجالهم وتشددا في قتالهم وكان شيبون قد برز إلى ساحه الميدان وتبعه الابطال والفرسان والتقى بفرسان تغلب وفعل بهم العجب فما صدم فارسا الا اعطبه وعن ظهر جواده اقلبه ثم صاح وحمل بقلب اقوى من جبل وطلب براز خاله المهلهل وكان الزير لما شاهد افعال ابن اخته وما فعل بأبطاله ورفقه حمل عليه واحمرت اماق عينيه وقال اذهب يا وجه العرب قبل ان تهلك وتعطب فقال إلى اين اذهب يا خالي وانت غايه بغيتي وآمالي فو الله لا قتلك في هذا النهار واطفى اخبارك من بين القوم لأنك طغيت وتجبرت وافتريت فاغتاظ الزير من هذا الكلام والتهديد والتقاه بقلب شديد وجرى بينهما في القتال وقائع واهوال تشيب الاطفال ولما طال المطال قال له الزير امام الابطال ارجع يا ابن اختي بأمان قبل ان يحل بك الهوان وتلحق بأخيك شيبان فارجع إلى اهلك وامك وارسل لي ابطال قومك مع جساس عمك فلم يجبه شيبون بكلام بل كان يتقايل كسبع الاجام وكان الزير كلما حكم عليه بالضرب في الحرب تمنع عن اذاه شفقه عليه واكرام لخاطر والديه وما زال يقاتله ويداريه وينصحه بالرجوع عما فيه إلى ان اقبل الظلام فعند ذلك توقف القتال ورجعت الفرسان الابطال عن ساحه المجال ثم والتقوا في اليوم الثاني وكان أول من برز إلى ساحة الميدان الامير شيبون فصاح وطلب براز المهلهل فالتقاه الزير ونهاه عن قتا له فلم ينتصح بمقا له بل تقد م ا ليه وهجم عليه واشار يقول متهددا اياه امام الفرسان والفحول :

 

أنا شيبون ابن همام الامير فارس الفرسان في يوم النكير

استمع يا زير قولي وافهم لابد من قتالك يا وغدا حقير

ما بقالك مخلص مني ولا من حسامي اليوم لو انك تطير

ثم آخذ ثار اعمامي الجميع كم بطل صنديد صيرته حقير

ليس لك قلب على اختك يحن وأولاد عمك ذاقوا منك النكير

كم قتلت منهم خلق كثير كم يتمت كل طفل صغير

سوف ترى حربي يا مهلهل في لقاء الابطال ما لي نظير

قد أخبروني يوم جئت بانك يا قليل العقل تركب للحمير

ما يقنى الحمار الا الحمار ما انا مثلك ولا عقلي صغير

هات لي سيفك ورمحك والثياب هات أبو حجلان كالطير

يطير حتى اقتلك من حسامي والقنا وتطلب الجير ومثلى من يجير

ان كنت لا تنصح فهذا حربنا ويكون النصر من رب القدير

 

فلما سمع الزير هذا الكلام وقع عليه اشد من ضرب الحسام فأجابه يقول:

 

قال أبو ليلى المهلهل ثم قال انت يا شيبون ما عاد لك بعير

هرجت يا شيبون ما في قولك كثير الجحش لا تخطل كما يحمل بعير

لو سقيت الجحش من سكر وسمن ولو خلطت له الصنوبر والشعير

لا عاش أصله ما ينفع منه الجميل اكيد هو مجنون من يقني الحمير

وانت يا شيبون لو لم تكن حمار ما رجعت اليوم إلى حربي تغير

فاني قد عفوت عنك البارحة من امك وابوك نعم النصير

وانت تعلم انني سبع الرجال قتلت منكم أثني عشر ألف امير

هذا من غير التوابع والغريب تاه فيهن العدد ناس كثير

كم نصيحة نصحتك لا تنتصح جاهل سوف تقع في وسط نير

لم يبق لي ذنب ان اتك مني ضرب بهدى الابدان ما عاد لك مجير

دونك الميدان يا شيبون قم وقو عزمك لا يكون باعك قصير

 

( قال الراوي ) فلم يلتفت شيبون إلى كلامه ولا أكترث بالتوبيخ والملام بل حمل عليه حملة أسد الغاب واخذ معه في الطعان والضرب فالتقاه مهلهل بالعجل بقلب اقوى من الجبل واشتد القتال وعظمت الاهزال حتى تعبت من تحتها الخيل وارتخى منهما العزم والحيل ومالا على بعضهما البعض كل الميل وكان الزير يطاوله ويحاوله واستمر يقاتلان ثلاث ساعات من الزمان حتى استعظمت من قتالهما الفرسان وشخصت اليهما عيون الشجعان وكان الامير شيبون يود ان يقتل خاله ويعدمه الحياة ويفتخر بقتله على اهله واقرباه إلى ان غنم الفرصة عليه فهز الرمح وطعنه بين ثديه فخلى المهلهل منها فراحت خائبة بعد ما كانت صائبة فزاد الزير غضبا وتوقد قلبه والتهب وصمم على ان يسقيه كأس العطب فجذب سيف حكمون وقال اليوم اريك يمجنون كيف الضرب يكون لأني نصحتك فما انتصحت ولقد خسرت وما ربحت ثم تقدم اليه وهجم عليه وضربه على مفرق راسه فسقه إلى تكه لباسه فوقع على الارض يتخبط بعضه ببعض فلما رآه المهلهل وهو قتيل يتململ ندم على ما فعل فتحسر وهطلت الدموع من عينيه فلما قتل الامير شيبون احمرت من بني مرة العيون وزادت عليهم الحسرات وايقنوا بالهلاك والشتات ولكنهم اخفوا الكيد واظهروا الصبر والجلد وقاتلوا قتال الاسود وطلبوا الرايات والبنود فالتقاهم الزير بالعساكر وضرب فيهم بالسيف البواتر واحاط بهم احاطة الخواتم بالخناصر وقتل منهم مقتلة عظيمه واصاب غنائم جسيمه فلما رأى جساس ضعف حاله وقتل فرسانه فولى يطلب الهرب خوفا من العطب وتبعه فرسان وقد ابصروا ان ذلك اليوم العجيب من قتال بني تغلب فرجع عنهم الزير وهو حزنان على فقد ابن اخته الامير شيبون فنزل في الصيوان مع الامراء والاعيان ولم يكن له داب الا البكاء والانتحاب ولما اتى وجلس وانشد هذه الابيات وهو من الحزن على آخر نفس :

 

الزير انشد شعرا من ضمايره العز بالسيف ليس العز بالمال

شيبون ارسل نهار الحرب يطلبني يريد حربي وقتلي دون ابطال

نصحته عن قتالي ولم يطاوعني بارزته فتجندل في الارض بالحال

المال يبني بيوتا لا عماد لها والفقر يهدم بيوت العز الغالي

دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن الا خالي البالي

ما بين لحظه عين انت راقبها يغير الله من حال إلى حال

فكن مع الناس كالميزان معتدلا ولا تقولن ذا عمي وذا خالي

عم الذي انت مغرور بنعمه خال الذي انت من اضراره خال

لا يقطع الراس الا من يركبه ولا تريد المنايا كثرة المال

 

( قال الراوي ) فلما فرغ الزير من كلامه وانطرح على فراشه من شدة حزنه على ابن اخته ولما بلغ قتل شيبون ابوه همام وامه ضباع احترق قلبها عليه لأنه كان ابنها الوحيد بعد اخيه شيبان وكانت الفرسان قد اتت بجثته اليهما فيبكيا بكاء شديدا ومزقا عليه الثياب وبعد ذلك دفنوه في التراب وفي اليوم الثاني ركب الامير لقتال الزير وتبعه جساس وباقي الابطال والفرسان وبلغ المهلهل الخبر فركب في ابطاله وفرسانه ولما التقى الفريقان وتقاتل الجمعان برز الامير همام إلى معركة الصدام وطلب براز الزير المهلهل وكان قد غير صفاته ووضع لثاما على وجهه حتى لا يعرفه أحد فبرز اليه وهو لا يعلم بأنه الامير همام فاقتتلا ساعة من الزمان وكان همام قد ضرب الزير بالحسام قاصدا ان يسقيه كأس الحمام فخلى الزير منها فراحت خائبة فهجم عليه وطعنه بالرمح في صدره خرج يلمع من ظهره فوقع عن ظهر الجواد كأنه طود من الاطواد فالتقت على الزير وقال له وهو على آخر رمق آه يا مهلهل لقد قتلت ابن اختك نهار امس واليوم تقتل صهرك همام قال نعم قال ما عاهدتني انك لا تقاتلني ابدا واننا نكون اصحاب على طول المدى فلماذا خاطرت بنفسك وطلبت قتالي وانت تعلم بأنك لست من رجالي فقال لقد جرى القلم بما حكم فانقضت حياتي ودنت وفاتي وهذا الامر مقدر بأمر رب البشر ومادام الامر كذلك يا فارس المعارك فكف اذاك ودواهيك واجعلني فدى اخيك فقال والله يعز على فقدك ولا عاد يطيب لي عيش من بعدك لكنني لا أكف الحرب والصدام حتى لا يبقى من بني بكر شيخ ولا غلام ثم انه من بعد هذا الكلام هجم على المواكب ففرقها وطعن في أبطالها فمزقها فتأخرت عنه الفرسان ورجعت إلى الاوطان وهي في حالة الذل والهوان ولما بلغ ضباع قتل بعلها غابت عن عقلها وقد عظم مصابها وسارت إلى بني تغلب ودخلت على أخيها الزير وقلبها يلتهب وقالت له بكلام الغضب هكذا تفعل يا أخبث العرب تقتل اولادي وبعلي وتحرمني أهلي وتتركني حزينة طول الدهر أقاسي الذل والقهر هكذا تكون الاخوان الذين يدعون الفضل والاحسان فوحق الاله القادر الفاحص القلوب والضمائر ان موتى الذ عندي من الحياة وافضل فانت نسيت الجميل والمعروف وقابلتني بالغدر والمتلوف بعد ان خلصتك من الحريق وكشفت عنك ذلك الضيق فلما سمع الزير منها ذلك الخطاب اظهر الحزن والاكتئاب وتلقاها بالإكرام والترحاب ثم اعتذر لها بالغلط واخذ يطيب خاطرها ويعزيها عما فرط وامرها بأن تسكن عنده بخدمها وحواشيها فامتثلت كلامه وقامت في بيت أخيها .

 

( قال الراوي ) فلما عظم الامر على جساس وبني بكر وكثرت فيها السبي والقتل ارسلوا يستنجدون اهل اليمامة فأمدوهم برجل منهم يقال له الفند بن سهل ( الحارث ابن عباد ) وكان من جبابرة الزمان وفرسان الاوان لا يبالي بالأهوال ولا يخاف كثرة الرجال وكان يلقي نفسه على المخاطر ويصيد الكواسر فسار إلى مساعدة القوم من ذلك اليوم وقد انتخب من الشجعان سبعون فارسا مثل العقبان يقاربون في الشجاعة والفروسية والهمه العليا وكانت اهله قد كتبت اليهم تقول قد امددناكم بعشرة آلاف فارس من الفحول وبهم تنالوا من أعداءكم القصد والمأمول فلما قدموا إلى تلك الاوطان وراهم جساس وباقي الابطال فاعتراهم الانذهال لانهم لم يروا أكثر من سبعين تحت رايه الفند الاسد فقالوا اين جماعتك الباقين فقال الفند انا بسبعة آلاف فارس واصحابي ثلاثة الاف مداعس فتبسموا من هذا الكلام والتقوهم بالإكرام والاحترام فذبحوا النوق والاغنام ونصبوا لهم المضارب والخيام ثم استعدوا للحرب وسمع بهم المهلهل وتزيد في الخيل والرجال وزحف من يومه في فرسان قومه فالتقته بني بكر في مكان يدعي عقبة الريحان فلما اقترب العسكران قال الحارس بن عباد وكان من الفرسان الاجواد إلى جساس قائد القواد هل تطيعني ايها الامير فيما اقول واشير فقال قل ما بدا لك فاني لا أخاف مقالك قال أعلم ان القوم مستخفين بقتالنا وذلك لضعفنا وقلة عدد رجالنا فقاتلهم بالنساء مع الرجال فتبلغ منهم القصد والآمال فقال جساس وقد اعتراه الانذهال ما معنى وكيف قتال النساء مع الرجال قال انك تحلق رؤوس الفرسان وتجمع النسوان اللواتي اتصفن بالشجاعة وقوة الجنان فتحملهن الماء بالقرب وتعطي كل منهن مطرقه من خشب وتصفهن خلف الرجال وقت الحرب والقتال فان هذا المجال يزيد الابطال نشاطا في ساحة المجال فإذا خرج منكم أحد الناس يعرفنه من حلق رأسه فتسقيه الماء فينعشه واذا مررن بعدوكم عرفته فتقتله فاستصوب جساس هذا الراي واستحسنه وفي عاجل الحال جمع النساء والرجال وعرض عليهم هذا الحال فأجابوا امره بالامتثال ولم يبق يومئذ من بكر أحد الا حلق واستعد الا رجلا من الفرسان اسمه ربيعه بن مروان كان ذميما قصيرا فارسا خطيرا فقال يا قوم دميم قصير واذا حلقت راسي اصير معير عند الكبير والصغير فدعوني من هذا يا سادات العرب فانا ابلغكم الارب واقتل خمسه فوارس من تغلب فأجابوه إلى ما طلب .

 

(قال الراوي) ولما التقت العساكر بالعساكر وتضاربت السيوف والخناجر وانقلبت تغلب على بكر كليوث الاجام والهبوهم بضرب السيوف على الهام فارتدت بنو بكر طالبه الانهزام فاشهر جساس في يده الحسام وصاح فيهم بصوت كالرعد والغمام وقال يا ويلكم ارجعوا وقاتلوا بقوه وعزيمه فاجتمعت بنو بكر بعد الانقلاب إلى الحرب والقتال وضموا خيولهم في كتيبه واحده وطلبوا المكافحة والمجادلة وصاح الفند بن سهل والقى نفسه على القتال وهو ينخي الابطال ويصيح على الرجال ففرق المواكب واظهر بقتاله العجائب. فلما رأى المهلهل افعاله برز اليه وطلب قتاله فالتقاه الفند بقلب كالحديد وهجم عليه هجوم الصناديد وما زال في قتال شديد وحرب ما عليه مزيد إلى ان صارت وقت الزوال فتوقفا عن الحرب والقتال وافترقت العساكر عن بعضها البعض ونزلت في جوانب تلك الارض.

 

(قال الراوي) وكان ربيعه لم يلحق راسه من ضرب السيوف وطعن الرماح فوقع طريحا بين القتلى على وجه الفلا فمرت عليه نساء بني بكر فوجدته ذات لمه طويله فحسبته من بني تغلب فضربته بالمطارق حتى اوردته موارد العطب فضربت به الامثال وتحدثت به السنة الرجال.

 

( قال الراوي ) ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح وركبت الفوارس ظهور الخيول واعتقلوا بالسيوف والنصول وتقدموا إلى ساحه الميدان بالضرب والطعان وكان المهلهل في الجحفل كانه قله من قلل او قطعه فصلت من ذيل جبل فصاح وحمل على جيوش الاعداء كليث الاجام وضرب فيهم بالحسام وتبعه امرؤ القيس بن اياد وكان صنديد واشتد بين الفريقين القتال وكثر القيل والقال وتقطعت الاوصال وجرى الدم وسال وكان يوما شديد الاهوال لم يسمع بمثله في الاجيال كثر فيه القتال والجراح وتمددت على وجه البطاح وارتجت الارض من قعقعة السلاح وصهيل الحيل وهول الكفاح وكان الفند قد حمل مواكب المهلهل وقاتل حتى استقتل وفعلت فرسانه مثلما فعل وبذل جساس في ذلك اليوم غايه الجهود وهجم بقومه على الرايات والبنود هجوم كواسر الاسود واشتد على المهلهل القتال واحاطت به الاعداء من اليمن والشمال وهو يقاتل ويمانع وينصح رجاله على الثبات ويدافع حتى جرح في ثلاثة مواضع .فلما زادت عليه الحال وازدحمت حوله الرجال تاحر عن ساحه المجال خوفا من الهلاك والوبال وانكسرت بنو تغلب في ذلك النهار اشد انكسار وتفرقت في البراري والقفار واستظهرت بنو بكر غايه الاستظهار وقتلت الشجعان امرؤ القيس بن اياد وكان من الاعيان صيته محمود مشكور وهو غير امرؤ القيس الشاعر المشهور فبكى المهلهل عليه وكان يحبه ويميل اليه ورجعت بنو بكر الي الديار وهي بغايه الفرح والاستبشار على ذلك الفعال .

 

(قال الراوي) اما المهلهل فقد زاد حنقه على بني بكر وبات تلك الليلة على مقالي الجمر ثم جمع الفرسان والابطال وتجهز للحرب والقتال فالتقه بنو بكر بقلوب كالجبال وجرت بينهم وقائع واهوال لم يسمع بمثلها في سالف الاجيال واستمر الحال على هذا المنوال مده عشرة ايام وكان المهلهل قد انتصر في أكثر الوقائع جماعه كثيره من الفرسان المعامع ولما كثر بين الفريقين القتل واتفقوا على توقيف الحرب مده شهرين فافترقت الفوارس عن بعضها ونزلت كل فرقه بارضها.

 

(قال الراوي ) ولما قتل كليب كما تقدم الكلام كانت زوجته الجليله حامله بهذا الغلام فلما طردها الزير الي بيت ابيها وسكنت عند جساس اخيها فولدت غلاما فسمته الهجرس ولقبوه الناس بالجرو فكانت مع اخواله بني مره واولادهم وكان خاله يحسن ويشفق عليه وكان الغلام قد احب حاله الامير جساس دون باقي الناس فلا يدعوه الا أبا ونشا الغلام ذا عقل وادب وهو محبوب من جميع العرب لفصاحته وبرتعته وقوته وشجاعته فكان يركب ظهور الحيل ويتعلم عليها الفروسية في النهار والليل فبرع واشتهر على شباب القبيلة افتخر فلما بلغ عمره حمسه عشره عاما زاد شهره وارتفع مقاما فراه جساس في بعض الايام وهو كانه ليث الاجام والشر طائر من عينيه ولا يقدر أحد عليه فانذهل واندهش وخاف منه وارتعش وكان كثيرا ما يتأمل في امره ويخاف من سطوته وشره لأنه قتل اباه بالأمس وتركه يتيما طول الدهر ..

 

( قال الراوي ) اتفق ذات يوم ان الحرو ركب في جماعه من الشبان واخذوا يتعاطون بالجريد في الميدان وكان من جمله الغلمان عجيب ابن الامير جساس وكان شديد الباس فطعن عجيب الجرو طعنه فمال عنها فراحت خائبة ثم ان الجرو تقدم نحو عجيب وطعنه بجر يده اصابته فالتقه عن ظهر الجواد إلى الارض فنهض غضبانا فشتم الجرو واهانه بالكلام وقال أهكذا تفعل يا ابن اللئام با بناء السادات الكرام يهدد بهذا الشعر .

 

يقول عجيب من قلب موجع الا يا رفقتي حالي عجيب

ضربني الجرو منه جريدة فرماني وصيرني كثيب

ولم يعلم باني خير ماجد ولد جساس قوم مستهيب

لولا عمتي لقطعت راسه واطرحه على الغبرا قليب

فهذا ولد كليب الاعادي ولا ضد الكلاب الا القصيب

دعوه يروح عنا لا يماطل ويذهب سرعه قبل المغيب

 

(قال الراوي) فلنا فرغ عجيب من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى كلامه اجابه على شعره يقول:

 

يقول الجرو اسمع يا ابن خالي كلامه ليس يسمعه اديب تقول اليوم تقتلني بسيفك وتتركني على الغبرا قليب اذا ابصرتني يوما فريدا فقتلني بسيفك يا عجيب فانزل عن جوادك يا ابن خالي وافعل ما تريده عن قريب وافعل ما تريده اليوم فينا فاني لا اخافك يا عجيب.

 

( قال الراوي ) فلما فرغ الجرو من كلامه واذا بسلطان أخو جساس اقبل عليهما في ذلك الوقت فوجد الدم يسيل من ابن اخيه جساس فلما علم بواقغه الحال اغتاظ غيظا شديد وشتم الجرو وقال والله لولا كرامه امك لقطعت راسك واخمدت انفاسك فقال يا خال ها انا بين يديك فافعل ما تريد ثم هطلت عيناه بالدموع وتنهد من فؤاد موجوع وسار إلى عند امه واعلمها بما جرى وكان يطلب منها الرحيل من ذلك الاوطان فتكدرت امه واجابته إلى ذلك لشان ثم انهما صبرا حتى اظلم الليل فتركا المضارب والخيام وسارا تحت جنح الظلام في جماعه من العبيد والخدام وجدا في قطع البراري والاكام مسافه عشره ايام واتفق في اليوم الحادي عشر انهما التقيا بشيخ في ذلك البر الافقر وهو يقطع البر الفسيح على الفرس تسابق الريح وكان بمعيته عشره ابطال من صناديد الرجال وكان قد خرج لصيد الوحوش والغزلان وهو راجع إلى الاوطان فتقدم الجرو اليه وسلم عليه فرد الشيخ سلامه وقال له ايها الفتى الماجد من اين اتيت والى اين قاصد فقال طردوني اهلي وربيت يتيم وانا طالب انسان كريم حتى التجئ اليه واقيم عنده فقال الشيخ اذا كان الامر كما تقول فشرفني إلى اطلالي فانا افديك بروحي ومالي واشار اليه يقول :

 

يقول الامير منجد من قصيد الايا قاصدا نبيل المارب

فشرف منزلي وامر عبيدك يرون الاعر والجنائب

بكم قد حلت البركة علينا يرون الاعر والجنائب

فمثلي ما تلاقوا اين سرتم وعندي تبلغوا كل المطالب

انا مسجد فمن نسل الاكارم ابي وائل وما فينا معاقب

الوف الوف تخدمني وتخضع لأمري في المشارق والمغارب

وانت بقيت بعد اليوم ابني ولست اليوم في قولي بكاذب

 

( قال الراوي ) وكان هذا الشيخ اسمه منجد بن الامير وائل وهو خال كليب والزير البطل الحلاحل وقد كنا ذكرنا عنه في أول الكلام بانه بعد قتل كليب استخدم مع اخوته الثلاثة عند التبع في بلاد الشام ولما قتل التبع ولى هرب وسكن في اخر بلاد العرب خوفا من كليب ان يقتله كما قتل اخوته لأنه يبغضه دون اهله وعشيرته فلما فرغ النجد من شعره ونظامه وفهم الجرو فحوى كلامه فرح واستبشر ورجع إلى عند امه على الاثر واعلمها بما جرى وكان ثم انهم ساروا معه إلى الاوطان ونصبوا المضارب والخيام فاكرمهم منجد غايه الاكرام وانزلهم اعز مقام وكان لمنجد المذكور عشره اولاد من الذكور كأنهم البدور فالفوا الجرو واحبوه وكانوا لا يفارقوه وكانت امه الجليله قد الامير منجد حق المعرفة ولكنها كتمت الامر عن زيد وعمر خوفا من العواقب وطول النوائب فاجتمعت بابنها الجرو فقال اذا سالك عن اسمك فقل اسمي الهجرس ولا تقول الجرو فقال ان الاسمين واحد فما هو مرادك ذبلك فقالت ان يكون الهجرس كلب الصياد فانه اصلح من الجرو ابن الكلب وانت امير وابوك كان من الفرسان المشاهير ومن ذلك اليوم تسمى الهجرس وغلب هذا اللقب بين العرب وكانت امه في قلق عظيم خوفا عليه فاجتمعت ذات يوم بشيخ عبيدها وكان اسمه صباح واشارت تقول من فؤاد متبول : تقول الجليله بدمع سجام أيا صبح اسمع الكلام فهذا الشيخ الذي تراه مكيد الاعادي بضرب الحسام يسمى منجد صميدع عنيد ولد وائل وافي الزمام فهو امير وابن امير وحوله عساكر كثيره كفيض الغمام فهذا حال كليب الامير مع سالم الزير قوم همام فهو خالهم قد عرفته سريع مكيدا الاعادي بضرب الحسام وهو خال زوجي لكن عدو كيف العمل الان صرنا نضام واصل العداوة كليب الامير قتل اخوته في دمشق الشام قتل اليمامة واخذ ثار ابوها واهلك اخوه منجد وشام ونحن الان نزلنا عليه عرفته وقد اعتراني سقام اني اخاف على ابني حقيق ينهيه ويدعى دمه سجام عدوك اياك تركن اليه ولو انه سقاك المدام.

 

(قال الراوي) فلما فرغت من شعرها ونظامها فهم صبيح فحوى كلامها قال اين نتوجه الان وقد صار لنا مده من الزمان والصواب ان تكتم امرنا على كل انسان حتى يفرجها علينا الرحمن الرحيم واستمروا مده طويله في تلك القبيلة وهم عز واقبال وارغد عيش واحسن حال إلى ان كان في بعض الايام اغار على الامير منجد بعض الملوك العربان في ثمانين الف عنان فالتقاه منجد بعسكر جرار فانكسر عده مرات حتى ال مره إلى الدمار . فلما شاهد الجرو تلك الاحوال وما وقع بمنجد من الاهوال برز إلى ساحه المجال وقاتل الشجعان والابطال واظهر الغرائب والعجائب ففرق الصفوف والمواكب وكسر ذلك الشمس والقمر وفعل فعالا تبقى وتذكر وما دامت الشمس والقمر وعند رجوعه من القتال بالنصر والاقبال وشكره منجد على تلك الفعال قال له مثلك تكون الرجال فو الله لقد حميت الحريم طردت الغريم وخلدت لك ذكرا جميلا على طول الدوام وعند وصولهما سرايه الاحكام وجلوسهما في الديوان قال منجد بحضور السادات والاعيان مثلك تكون الفرسان فاعلمني عن حسبك ونسبك ومن يكون قومك فلما سمع الجرو فحوى كلامه اجابه بهذا الصيدا :

 

يا فخر ماجد في الرجال فاسمع يا ملك فحوى كلامي

انا اسمي اليتيم يا مسمى ولا اعرف ابي ولا اخوالي

واني قد سالت امي مرارا فتسكت لا ترد إلى سؤالي

تقول ابوك شاليش بن مره قتله الزير في يوم النزال

فاطلب من اله العرش ربي لأخذ الثأر منه بالقتال

 

(قال الراوي ) فلما فرغ الهجرس من كلامه زاد منجد فب احترامه ونهض على الاقدام واعتقه امام السادات الكرام وقال لهانت من بني مره اصحاب الشجاعة والقدرة فعربك من عربي ونسبك من بسبي فو الله ما ضاع نظري فيك فاطلب من الله ان يحفظك ويبقيك وينصرك على جميع حسادك واعاديك من ذلك الوقت زاد في اكرامه ورفع مقامه على الكبار والصغار وكان لمنجد بنت بديعه الجمال متصفه بالآداب والكمال كأنها هلال ذات عقل ثاقب وراي صائب لا يوجد مثلها في العرب والاعاجم اسمها بدر باسم فزوجه اياها وتمتع الجرو بحسنها واقام في ارغد يش واحسن حال وهو يحكم على تلك الاطلال وقد احبته جميع الرجال .

 

(قال الراوي) هذا ما كان من الهجرس والجليلة وما جرى لهما في تلك القبيلة واما جساس فانه بعد رحيل اخته من الديار زادت به الاكدار وكان كثيرا ما يتذكرها في الليل والنهار فاتفق في بعض الايام بينما هو جالس في الخيام دخل عليه بعض الشعراء فسلم عليه وعلى باقي الامراء واخذ يمدحه بهذا السعر والنظام على ماجرت به العادة في تلك الايام :

 

قال جابر في بيون صادق انت يا جساس رب المكرمات

سمعت بصيتك انا يا ذا الامير في الكرم والجود يا فخر الذوات

انت ملك البلاد جميعها حاكما في الارض من كل الجهات

قاتل الضد في يوم الوغا مكرم للضيف سنه المحملات

انت يا جساس ملك البلاد مع اخوتك وشقائقك السيدات

لولاكم ماكنت جيت لأرضيكم ماكنت فارقت العيال مع البنات

وتركت اختي يا ملك اولادها وزوج اختي يا ملك ذا العام مات

اولاد اختي سبعه ذكور عند اولادي واهلي تبات

جور هذا الدهر في الدنيا عجيب كم له في كل يوم تقلبات 

 

(قال الراوي ) فلما فرغ جابر من شعره ونظامه وفهم جساس فحوى كلامه امر له بألف دينار واعتبره غايه الاعتبار ثم التفت اليه اخوه سلطان وقال له امام السادات والاعيان اسمعت كلام هذا الشاعر الذي يدور في القبائل والعشائر ويمدح السادات والاكابر املا في المكاسب وبلوغ المارب كيف انه ذكر اخته في شعره ولم ينسها طول دهره فكيف نحن نكون سلاطين الزمان وملوك العصر ولأوان اختنا ان تغضب منا وتبعد ولا نعلم إلى اين ذهبت واي قبيله طلبت فماذا تقول عنا دول الممالك اذا سمعت عنا ذلك فمن الواجب ان نقتفي اخبارها الان ونعيدها معزوزة إلى الاوطان ثم انه بكى امام جلسائه وبكت اخوته وندم سلطان على ما فعل واستعظم ذلك العمل ثم التفت جساس الشاعر وقال له انت تطوف حلل العرب ونمدح الملوك واص حاب الرتب فأريد ان تستقصي لي عن اخبار الجرو وتعلمني إلى أي حله قصدوا وعن اسم القبيلة فان اتيتني بصحه الخبر بلغتك القصد والوطر فاجابه الشاعر وامتثل ثم سار على عجل يطوف القبائل والحلل ويستقصي عنها الاخبار من الكبار والصغار حتى سمع بخبرهما ووقف على حقيقه امرهما فقصدهما إلى ذلك المكان واجتمع بهما في الصيوان وحدثهما بما سمع في حقهما من جساس وسلطان ثم اشار يمدح الجرو ويقول وهو فرحان على بلوغ القصد :

 

يقول جبر من قلب حزين فدمعي سال من وسط الآماق

ادور على القبائل والعشائر لا حظى بالمكاسب والنياق

فأصغى يا امير إلى كلامي فانت اجل فرسان السباق

فصيتك شاع في كل القبائل فمن يمن الي ارض العراق

وما لك في البر يا من شبيه ونجمك فاق سام المجد راق

سالت الله ان يحفظ جيالك على طول المدى والدهر باق

رحنا من حماه لعند خالك ملك جساس سلطان الافاق

فأهدانا وقام انعم علينا وقلبه من بعادك باحتراق

وارسلني لآ كشف اين أنتم ليحظى فيكم من بعد الفراق

 

(قال الراوي ) وكانت الجليله تسمع هذا الشعر وهي خلف الحجاب واستر فما هان عليها ان تسمع بذكر اخوتها كانوا الذين سببا لغربتها وفرقتها من حلها فأمرت كبير العبيد أن يوقف عن اتمام القصيد وان يكتم خبرهما عن هذا ذاك خوفا من الفضيحة والانهاك ثم امرت له بألف دينار واعطاه الجرو مثل ذلك المقدار ففرح الشاعر واستبشر ورجع على الاثر واعلم جساس بذلك الخبر فأرسل في الحال اخوه سلطان في جماعه من الابطال ليأتوا بأخته الجليله وابنها الجرو من تلك الأطلال فلما اقترب سلطان إلى تلك الاوطان ارسل بعض الفرسان ليعلم منجد بقدومه إلى اوطانه فخرج في الحال في جماعه من فرسانه فالتقاه احسن ملتقى لانهم كانوا اقارب واصدقاء وانزله في سرايه الاحكام وذبح له النوق والاغنام واكرمه غايه الاكرام وفي ثاني الايام اجتمع سلطان بأخته الجليله وولدها الجرو واعتذر لهما بما فرط منه وطلب منهما الرجوع الي الديار وشدد عليهما في ذلك غايه التشديد فأجابه الي ما طلب واعلم الجرو الامير منجد بانه يريد الرجوع الي اهله وعشيرته مع امه وزوجته ومن يلوذ به من جماعته لان نفسه اشتاقت الي الوطن فقال منجد والله يا امير يعز علينا فراقك ولا زالت ارواحنا في كل وقت تستاقك ولكننا لا نقدر ان نمنعك عن اهلك واصحابك وبني عمك واحبابك ثم اعطاه مائه ناقه محمله نفائس الأقمشة والذ خائر ومائه جواد وغير ذلك من المعادن والجواهر ومائه عبد ومائه جاريه واركب ابنته زوجة الهجرس على هودج كبير وسار لوداعهم مسافة نصف يوم ثم رجع إلى الديار وسار الهجرس مع امه وزجته يقطعون القفار حتى وصلوا الي منازل بني مرة فالتقاهم جساس بالفرح والمسرة وامر بذبح الذباح واطعام الغادي والرائح واشار إلى الجرو يقول :

 

لما قال الفتى جساس صادق أيا مرحبا بك يا ابن اختي ففيكم حلت البركة علينا وضاء الحي في قربك الينا وأمك يا فتى عيني وروحي وعمرك يا جليله ما فرحت فابنك غدا كالسبع الكاسر فان الجرو للأعداء كاسر بيوم الحرب والاهوال كاسر اله العرش يرجعه ظافر فلا تعتب على سلطان خالك ولا قوله يخطر قط بيالك فلا ابني ولا نحن مثالك انا ساحكمك من فوق تختي انا ابكي على المرحوم ابيك قتله الزير في ربعك وحيك فقم واركب يروح خالك واخذ من المهلهل ثأرك سالتك الله ان تأخذ بثأرك بقتله تكشف عنك عارك مرادي تقتله وتأخذ بثأرك وتحرقه بنارك يا ابن اختي.

 

(قال الراوي) فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وتبسم الجرو من كلامه قال له كن مطمئن الخاطر يا خال هذا ما كان من الجرو وجساس واما الزير الفارس الدعاس فانه بينما كان راقد ذات ليله اذ رأى في منامه ولذيذ احلامه اخاه الامير كليب وهو يعاتبه بهذه الابيات على اخذ الثأر وكشف العار ويقول وعمر السامعين يطول:

 

تنام الليل كله يا مهلهل وثاري ما قدرت على وفاه

وعظمي ذاب حتى صار كحلا وجساس بن مره في الحياة

 

فأجابه الزير يقول:

 

امير كليب ما قصرت يوماً بأخذ الثأر من قوم البغاة

فقم اسال بناتك يا حبيبي على طعني وضربي با لعداة

 

(قال الراوي) فاستيقظت بنات كليب من المنام وايقظن عمهن بهذا الشعر والنظام:

 

يقولون اليتامى يا مهلهل أتانا كليب يستنجد اخاه

كليب قام من وسط المقادير وصار كليب في وسط الحياة

 

(قال الراوي ) كان الزير قد استيقظ من منامه فقرب البنات حواليه فقال لهن رأيت اباكم في المنام ثم حدثهن بما سمعه وراه بالكمال والتمام فبكين بكاء شديدا فقال الزير ان هذا المنام بدل على عجب وحادث يقع عن قريب فاستدعاه بعض الرمالين اليه وقص ذلك المنام عليه فضرب الرمل الرمال ورسم الاشكال وولد البنات من الامهات حتى عرف حقيقة الخبر فقال له لك البشرى يا فارس الصدام فان جساس سوف يقتل من بعد ايام وذلك من يد شخص يظهر من لحمك ودمك واشار يقول : يقول بشير اسمع يامهلهل أيا سالم فابشر زال همك اتاك النصر من رب البرايا انه العرش من خيرات عمك وقد ظهر رسول الرمل عندي سيظهر شخص من لحمك ودمك فيقتل في الوغا جساس حالا وانت ترجه ويزول همك وتهلك بعده ا ولاد مره وستسقيهم جميعا كاس سمك.

 

( قال الراوي ) فلما سمع المهلهل هذا الشعر من الرمال فرح واستبشر وقال له انتم ذلك الكلام ابشر مني ببلوغ المرام ثم انه احسن اليه ووعده بكل جميل ولما اصبح الصباح واشرق بنوره ولاح ركب المهلهل إلى الحرب والكفاح وتبعه الابطال والفرسان وركب ايضا الامير جساس بالرجال والشجعان واقتتلوا طول ذلك النهار وقتل المهلهل منهم عدد كثير المقدار وما زالوا في اشد القتال الي ان دقوا الطبول الانفصال فافترقت الطوائف عن بعضها ونزلت كل فرقه في ارضها واما الهجرس فانه لم يركب مع جساس في ذلك اليوم فاجتمع جساس بأخته الجليله في المساء وقال لها ان ابنك لم يقاتل معنا ولا نعلم ما هو السبب فأساليه واعلميني بما يقول فسالته امه عن عدم خروجه إلى حرب فقال له اعلمي يا اماه انه لا يلقاني في قتال الزير سوى حصان خال جساس الاخرج ان وهبني اياه فانا اعطيه عوضه راس المهلهل فان قبل بهذا الطلب بلغته غايه الارب فرجعت الجليله على الاثر واعلمت اخاها جساس بهذا الخبر فوهب الحصان وقال له ان قتلت هذا الشيطان تكون علينا ملك ونحن لك غلمانا واعوانا ففرح الجرو بذلك وضمن لجسا س قتل الزير اما الفرسان القواد ولما اصبح الصباح واضاء بنورة ولاح ركب الجرو الحصان المذكور وتبعه كل فارس مشهور وكان الزير قد ركب وطلب براز فرسان وقال اين جساس الجبان فليبرز إلى الميدان فبرز الجرو اليه وهجم عليه واشار يقول وعمر السامعين يطول :

 

يقول الهجرس يا مهلهل ان عزرائيل اقبل اين تعدى اليوم مني سوف تلقاني وتقتل أنى كمن قد جاك لا تحسبني بظنك.

 

( قال الراوي) فلما فرغ الهجرس من قوله حمل عليه وكان المهلهل قد مال قلبه اليه وتحركت جميع اعضائه وكان الزير يبطل مضاربه بحسن اختياره ولا كان قلبه يطاوعه على قتله ودماره وما زال على تلك الحال وهما في عراك وقتال إلى ان دقت طبول الانفصال وعاد العسكران عن ساحه المجال ورجع المهلهل إلى الاطلال واجتمع ببنات اخيه كليب واعلمهن بحديث الغلام وما جرى بينهما في معركه الصدام وكيف انه اشبه الناس بابيهما كليب في الصورة والقتال ثم قال لليمامة اعلميني هل كانت امك الجليله حامله لما ذهبت إلى بيت ابيها فقالت نعم يا عمي كان لها نحو شهرين ولكن ما هو معنى هذا السؤال فانشد وقال :

 

يقول الزير أبو ليلى المهلهل مربع الخيل انتصبت الينا

يمامة اسمعي مني كلامي أيا ست الملاح المحسنينا

برزت اليوم للميدان حتى اقاتل ال مره اجمعينا

فبارزني غلام غريب منهم له عزم كما الصخر المينا

كمثل اباكم وجها وحربا فذكرني ليالي الماضينا

فقد قاتلته في كل لطف وهو يطعن طعان القاتلينا

فحملاته وطعانه قويه تقد الصخر والزرد المتينا

 

فلما انتهى من شعره اجابته اليمامة تقول:

 

الايا عم اسمع ما اقوله لتفهم سالم الخبر اليقينا

فأمي حامله من يوم راحت وحق الله رب العالمينا

ولست ادري ايش جابت ابنت ام غلام يا فطينا

ثلاثة اشارات لي في كليب اشارات بعقلي راسخينا

ركب يوما بقرب النوم مره وقال أيا يمامة انظرينا

من التفاح اعطاني ثلاثة وقال بذي الثلاثة تضربينا

فانك سوف تحتاجي إليهم اذا ظهر لنا حقا بنونا

ضربته بواحده يا عم راحت بضرب رقابة راحت طحينا

وثاني واحده في رمحه وثالثهم خطفها بالمينا

غدا انزل واضربه ثلاثة كفل ابي أيا عمي الحنونا

يكون أخي إذا سوى نظره وان خالف يكون غريب فينا

عسى الله يدركنا بلطفه وينصرنا إله العالمينا

 

(قال الراوي) فلما فرغت اليمامة من شعرها ونظامها وعمها يسمع فحوى كلاهما قال لها فعل ابوك ذلك قالت قبل موته بشهرين عندما كنت بير السباع وقد صممت الان ان ارافقك إلى الميدان واضربه بالتفاح في ساحة الكفاح وان افعل كما فعل ابي يكون لا شك أخي وبه ابلغ أربى. .