سيف بن ذي يزن

 سيرة شعبية خيالية تروي حكاية سيف بن ذي يزن الملك اليمني الذي طرد الأحباش من اليمن. وبعيداً  عن التاريخ، تُحلق السيرة بعيداً في الأسطورة، فتلبس الملك سيف بن ذي يزن لباساً غير بشري، و تجعل له أصولاً جنية، فأمه إحدى ملكات الجن، و له أخت منهن. وتحكي السيرة عن زوجة سيف منية النفوس، و كيف اختطفها الأحباش و استعادها سيف منهم، كما تحكي عن ولده معد يكرب. وتجعل السيرة من سيف موحداً مسلماً على دين إبراهيم الخليل، و من الأحباش وثنيين يعبدون الكواكب و النجوم، رغم أن دين الأحباش كان النصرانية.

  

وفي السيرة إشارات قومية واضحة كما أن الخيال يجمح بها فيجعل من سيف بن ذي يزن ملكاً متوجاً على الإنس والجن. وتشير السيرة إلى اختفاء سيف في آخر أيامه لاحقاً بأمه في عالمها. امتدت تأثيرات هذه السيرة على امتداد العالم الإسلامي، فدخلت الأدب الماليزي على أنها سيرة الملك يوسف ذي الليزان، وأثرت في الأدب القصصي في تلك البلاد مع السير العربية الأخرى. تقع السيرة في تسعة عشر مجلداً، وهي واحدة من أطول السير العربية. أنتجت اليمن مسلسلاً عن سيرة حياة سيف بن ذي يزن بالتعاون مع خبرات فنية من سوريا.

 

"سيف بن ذي يزن"

ملك يمني حميري عاش في الفترة بين 516 – 574، اشتهر بطرد الأحباش من اليمن، وتولى الملك فيها. نسبه الكلبي فقال: سيف بن ذي يزن بن عافر بن أسلم بن زيد، من أذواء حمير.

 

دخل سيف بن ذي يزن القصص الشعبية، فسيرته مشهورة، وهي من أضخم السير العربية، و فيها اختلط الخيال بالوقائع التاريخية، و جمح، فأصبح سيف بن ذي يزن ابناً لأم من الجن، و صاحب سيادة فيهم. وغير ذلك من أفانين الخيال.

 

حكم الأحباش اليمن فترة طويلة من الزمان، فطغوا وتجبروا، وأرهقوا أهل اليمن، فخرج سيف بن ذي يزن إلى قيصر الروم ليرجوه أن يكف يد الأحباش عن اليمن، ويولي عليها من يشاء من الروم، فأجابه أن الأحباش على دين النصارى كالروم. فعاد سيف ووفد على النعمان بن المنذر عامل فارس على الحيرة، فشكى إليه، واستمهله النعمان حتى وفادته على كسرى، فلما وفد قدمه إليه، وأخبره بمسألته، فقال كسرى عن أرض اليمن إنما هي أرض شاه وبعير، ولا حاجة لنا بها، وأعطى سيفاً بعض الدنانير فنثرها سيف، وقال: إنما جبال بلادي ذهب وفضة. فشاور كسرى رجاله في الأمر، فأشاروا عليه بإرسال السجناء الذي سجنوا لاتهامهم بالقتل للقتال مع سيف بن ذي يزن، فإن هلكوا، كان ذلك ما يريده كسرى، وإن ظفروا باليمن من الأحباش انضمت ولاية جديدة إلى أعمال فارس. فعمل كسرى بالمشورة، وأرسل مع سيف جيشاً من المحكومين بالقتل.

 

فنزل سيف باليمن، وجمع من قومه من استطاع جمعهم، فخرج إليه مسروق بن أبرهه في مائة ألف من الأحباش، ومن أوباش اليمن، فهزمهم سيف وأذهب ريحهم، وتملك على اليمن بأمر من كسرى على فريضة يؤديها له كل عام، وأبقى كسرى نائباً فارسياً للدولة في جماعة من الفرس في اليمن.

 

وجاءت وفود العرب إلى سيف بن ذي يزن لتهنئه بالملك، وفيهم وفد من قريش فيه عبد المطلب، فأكرم وفادتهم، و أجزل لهم العطايا.

 

وقيل إن سيفاً دخل الحبشة، فأمعن في أهلها تقتيلاً، و استرق جماعة من الرجال الأحباش فأخصاهم و جعلهم يمشون بين يديه و يتقدمون مواكبه.

 

وقيل قتله هؤلاء الرجال غدراً في غفلة منه عن مراقبتهم، فلما عرف بذلك نائب كسرى على اليمن ركب إليهم، وقتلهم، ثم جاءه كتاب كسرى أن يقتل كل الأحباش، وكل من انتسب إليهم في اليمن، ففعل، وتولى  على اليمن، و بعدها صار الحكم للفرس، فزالت دولة العرب، و لم تقم لملوك حمير قائمة بعدها. وقيل تآمر الفرس على قتله لتصير اليمن ولاية فارسية بالكامل.

 

لمّا اشتد البلاء على أهل اليمن، خرج سيف بن ذي يزن وكنيته أبو مرة حتى قدم إلى قيصر الروم. وقد فضّل الذهاب إليه بدلا عن كسرى لإبطاء هذا الأخير عن نصر أبيه. فإن أباه كان قد قصد كسرى "أنوشروان" لما أُخِذت زوجته يستنصره على الحبشة فوعده فأقام ذو يزن عنده دون جدوى إلى أن مات على بابه‏.

 

وتربى سيف مع أمه في حجر أبرهة الحبشي وهو يحسب أنه ابنه فسبه ذات مرة ولد لأبرهة وسب أباه فسأل أمه عن أبيه فأعلمته خبره بعد مراجعة بينهما فأقام حتى مات أبرهة وابنه يكسوم ثم سار إلى الروم فلم يجد عند ملكهم ما يحب لموافقته الحبشة في الدين فعاد إلى كسرى فاعترضه يومًا وقد ركب فقال له‏:‏ إن لي عندك ميراثًا فدعا به كسرى لما نزل فقال له‏:‏ من أنت وما ميراثك قال‏:‏ أنا ابن الشيخ اليماني الذي وعدته النصرة فمات ببابك فتلك العدة حق لي وميراث‏.‏

 

فرق كسرى له وقال له‏:‏ بعدت بلادك عنا وقل خيرها والمسلك إليها وعرٌ ولست أغرر بجيشي‏.‏

 

وأمر له بمال فخرج وجعل ينثر الدراهم فانتهبها الناس فسمع كسرى فسأله ما حمله على ذلك فقال‏:‏ لم آتك للمال وإنما جئتك للرجال ولتمنعني من الذل والهوان وإن جبال بلادنا ذهب وفضة‏.‏

 

فأعجب كسرى بقوله وقال‏:‏ يظن المسكين أنه أعرف ببلاده مني واستشار وزراءه في توجيه الجند معه فقال له "موبذان موبذ‏:‏ أيها الملك إن لهذا الغلام حقًا بنزوعه إليك وموت أبيه ببابك وما تقدم من عدته بالنصرة وفي سجونك رجال ذوو نجدة وبأس فلو أن الملك وجههم معه فإن أصابوا ظفرًا كان للملك وإن هلكوا فقد استراح وأراح أهل مملكته منهم‏.‏

 

فقال كسرى‏:‏ هذا الرأي‏.‏

 

فأمر بمن في السجون فأحضروا فكانوا ثمانمائة فقود عليهم قائدًا من أساورته يقال له "وهرز" وقيل‏:‏ بل كان من أهل السجون سخط عليه كسرى لحدث فحبسه وكان يعدله بألف أسوار وأمر بحملهم في ثماني سفن فركبوا البحر فغرق سفينتان وخرجوا بساحل حضرموت ولحق بابن ذي يزن بشرٌ كثير وسار إليهم مسروق في مائة ألف من الحبشة وحمير والأعراب وجعل "وهرز" البحر وراء ظهره وأحرق السفن لئلا يطمع أصحابه في النجاة وأحرق كل ما معهم من زاد وكسوة إلا ما أكلوا وما على أبدانهم وقال لأصحابه‏:‏ إنما أحرقت ذلك لئلا يأخذه الحبشة إن ظفروا بكم وإن نحن ظفرنا بهم فسنأخذ أضعافه فإن كنتم تقاتلون معي وتصبروني أعلمتموني ذلك وإن كنتم لا تفعلون اعتمدت على سيفي حتى يخرج من ظهري فانظروا ما حالكم إذا فعل رئيسكم هذا بنفسه‏.‏

 

قالوا‏:‏ بل نقاتل معك حتى نموت أو نظفر‏.‏

وقال لسيف بن ذي يزن‏:‏ ما عندك قال‏:‏ ما شئت من رجل عربي وسيف عربي ثم اجعل رجلي مع رجلك حتى نموت جميعًا أو نظفر جميعًا‏.‏

قال‏:‏ أنصفت‏.‏

فجمع إليه سيف من استطاع من قومه فكان أول من لحقه السكاسك من كندة‏.‏

وسمع بهم مسروق بن أبرهة فجمع إليه جنده فعبأ "وهرز" أصحابه وأمرهم أن يوتروا قسيهم وقال‏:‏ إذا أمرتكم بالرمي فارموا رشقًا‏.‏

وأقبل مسروق في جمع لا يرى طرفاه وهو على فيل وعلى رأسه تاج وبين عينيه ياقوتة حمراء مثل البيضة لا يرى دون الظفر شيئًا‏.‏

وكان وهرز كل بصره فقال‏:‏ أروني عظيمهم‏.‏

 

فقالوا‏:‏ هذا صاحب الفيل ثم ركب فرسًا فقالوا‏:‏ ركب فرسًا ثم انتقل إلى بلغة فقالوا‏:‏ ركب بغلة‏.‏

 

فقال وهرز‏:‏ ذل وذل ملكه‏!‏ وقال وهرز‏:‏ ارفعوا لي حاجبي وكانا قد سقطا على عينيه من الكبر فرفعوهما له بعصابة ثم جعل نشابة في كبد قوسه وقال‏:‏ أشيروا إلى مسروق فأشاروا إليه فقال لهم‏:‏ سأرميه فإن رأيتم أصحابه وقوفًا لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوؤذنكم فإني قد أخطأت الرجل وإن رأيتموهم قد استداروا ولاثوا به فقد أصبته فاحملوا عليهم‏.‏

 

ثم رماه فأصاب السهم بين عينيه ورمى أصحابه فقتل مسروق وجماعة من اصحابه فاستدارت الحبشة بمسروق وقد سقط عن دابته وحملت الفرس عليهم فلم يكن دون الهزيمة شيء وغنم الفرس من عسكرهم ما لا يحد ولا يحصى‏.‏

 

وقال وهرز‏:‏ كفوا عن العرب واقتلوا السودان ولا تبقوا منهم أحدًا‏.‏ 

وهرب رجل من الأعراب يومًا وليلة ثم التفت فرأى في جعبته نشابة فقال‏:‏ لأمك الويل‏!‏ أبعدٌ أم طول مسير‏!‏ وسار وهرز حتى دخل صنعاء وغلب على بلاد اليمن وأرسل عماله في المخاليف‏.‏ 

وكان مدة ملك الحبشة اليمن اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك منهم أربعة ملوك‏:‏ أرياط ثم أبرهة ثم ابنه يكسوم ثم مسروق بن أبرهة وقيل‏:‏ كان ملكهم نحوًا من مائتي سنة وقيل غير ذلك والأول أصح‏.‏

 

فلما ملك وهرز اليمن أرسل إلى كسرى يعلمه بذلك وبعث إليه بأموال وكتب إليه كسرى يأمره أن يملك سيف بن ذي يزن وبعضهم يقول معدي كرب بن سيف بن ذي يزن على اليمن وأرضها وفرض عليه كسرى جزية وخراجًا معلومًا في كل عام فملكه وهرز وانصرف إلى كسرى وأقام سيف على اليمن ملكًا يقتل الحبشة ويبقر بطون الحبال عن الحمل ولم يترك منهم إلا القليل جعلهم خولًا فاتخذ منهم جمازين يسعون بين يديه بالحراب فمكث غير كثير ثم إنه خرج يومًا والحبشة يسعون بين يديه بحرابهم فضربوه بالحراب حتى قتلوه فكان ملكه خمس عشرة سنة ووثب بهم رجل من الحبشة فقتل باليمن وأفسد فلما بلغ ذاك كسرى بعث إليهم وهرز في أربعة آلاف فارس وأمره أن لا يترك باليمن أسود ولا ولد عربية من أسود إلا قتله صغيرًا أو كبيرًا ولا يدع رجلًا جعدًا قططًا قد شرك فيه السودان إلا قتله وأقبل حتى دخل اليمن ففعل ما أمره وكتب إلى كسرى يخبره فأقره على ملك اليمن فكان يجيبها لكسرى حتى هلك وأمر بعده كسرى ابنه المرزبان بن وهرز حتى هلك ثم أمر بعده كسرى التينجان بن المرزبان ثم أمر بعده خر خسرة بن التينجان بن المرزبان‏.‏

 

ثم إن كسرى أبرويز غضب عليه فأحضره من اليمن فلما قدم تلقاه رجل من عظماء الفرس فألقى عليه سيفًا كان لأبي كسرى فأجاره كسرى بذلك من القتل وعزله عن اليمن وبعث باذان إلى اليمن فلم يزل بها حتى بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم‏.‏

 

وقيل‏:‏ إن أنوشروان استعمل بعد وهرز زرين وكان مسرفًا إذا أراد أن يركب قتل قتيلًا ثم سار بين أصواله فمات أنوشروان وهو على اليمن فعزله ابنه هرمز‏.‏

 

خروج سيف بن ذي يزن وملك وهرز على اليمن

سيف وشكواه لقيصر

فلما طال البلاء على أهل اليمن، خرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبي مرة حتى قدم على قيصر ملك الروم ، فشكا إليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو ويبعث إليهم من شاء من الروم ، فيكون له ملك اليمن ، فلم يشكه .

 

شفاعة النعمان لدى كسرى

فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر - وهو عامل كسرى على الحيرة ، وما يليها من أرض العراق - فشكا إليه أمر الحبشة ، فقال له النعمان إن لي على كسرى وفادة في كل عام فأقم حتى يكون ذلك ففعل ثم خرج معه فأدخله على كسرى ، وكان كسرى يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه وكان تاجه مثل القنقل العظيم - فيما يزعمون - يضرب فيه الياقوت واللؤلؤ والزبرجد بالذهب والفضة معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه ذلك وكانت عنقه لا تحمل تاجه إنما يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ثم يدخل رأسه في تاجه فإذا استوى في مجلسه كشفت عنه الثياب فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك.

 

كسرى يعاون ابن ذي يزن

قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه فقال الملك إن هذا الأحمق يدخل علي من هذا الباب الطويل ثم يطأطئ رأسه؟ فقيل ذلك لسيف فقال إنما فعلت هذا لهمي، لأنه يضيق عنه كل شيء.

 

قال ابن إسحاق: ثم قال له أيها الملك غلبتنا على بلادنا الأغربة، فقال له كسرى : أي الأغربة : الحبشة أم السند ؟ فقال بل الحبشة ، فجئتك لتنصرني ، ويكون ملك بلادي لك ، قال بعدت بلادك مع قلة خيرها ، فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب ، لا حاجة لي بذلك ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسوة حسنة فلما قبض ذلك منه سيف خرج فجعل ينثر ذلك الورق للناس فبلغ ذلك الملك فقال إن لهذا لشأنا ، ثم بعث إليه فقال عمدت إلى حباء الملك تنثره للناس فقال وما أصنع بهذا ؟ ما جبال أرضي التي جثت منها إلا ذهب وفضة - يرغبه فيها

 

فجمع كسرى مرازبته فقال لهم ماذا ترون في أمر هذا الرجل وما جاء له ؟ فقال قائل أيها الملك إن في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل فلو أنك بعثتهم معه فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم وإن ظفروا كان ملكا ازددته ، فبعث معه كسرى من كان في سجونه وكانوا ثمانمائة رجل .

 

سيف بن ذي يزن وكسرى وذكر سيف بن ذي يزن وخبره مع النعمان وكسرى ، وقد ذكرنا قصته في أول حديث الحبشة ، وأنه مات عند كسرى ، وقام ابنه مقامه في الطلب وهو سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجح وهو

 

حمير بن سبأ ، وكسرى هذا هو أنوشروان بن قباذ ومعناه مجدد الملك لأنه جمع ملك فارس بعد شتات . والنعمان اسم منقول من النعمان الذي هو الدم . قاله صاحب العين والقنقل الذي شبه به التاج هو مكيال عظيم . قال الراجز يصف الكمأة

ما لك لا تجرفها بالقنقل         لا خير في الكمأة إن لم تفعل

 

وفي الغربيين للهروي القنقل مكيال يسع ثلاثة وثلاثين منا ، ولم يذكر كم المنا ، وأحسبه وزن رطلين وهذا التاج قد أتى به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين استلب من يزدجرد بن شهريار تصير إليه من قبل جده أنوشروان المذكور فلما أتى به عمر رضي الله عنه دعا سراقة بن مالك المدلجي ، فحلاه بأسورة كسرى ، وجعل التاج على رأسه وقال له " قل الحمد لله الذي نزع تاج كسرى ، ملك الأملاك من رأسه ووضعه في رأس أعرابي من بني مدلج وذلك بعز الإسلام وبركته لا بقوتنا " وإنما خص عمر سراقة بهذا ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قال له " يا سراق كيف بك إذا وضع تاج كسرى على رأسك وإسواره في يديك " أو كما قال صلى الله عليه وسلم .

 

انتصار سيف وقول الشعراء فيه

واستعمل عليهم رجلا يقال له وهرز وكان ذا سن فيهم وأفضلهم حسبا وبيتا ، فخرجوا في ثمان سفائن فغرقت سفينتان ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن فجمع سيف إلى وهرز من استطاع من قومه وقال له رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا ، أو نظفر جميعا . قال له وهرز أنصفت ، وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن ، وجمع إليه جنده فأرسل إليهم وهرز ابنا له ليقاتلهم فيختبر قتالهم فقتل ابن وهرز فزاده ذلك حنقا عليهم فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز أروني ملكهم فقالوا له أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء ؟ قال نعم قالوا : ذاك ملكهم فقال اتركوه قال فوقفوا طويلا ، ثم قال علام هو ؟ قالوا : قد تحول على الفرس ، قال اتركوه . فوقفوا طويلا ، ثم قال علام هو ؟ قالوا : قد تحول على البغلة . قال وهرز بنت الحمار ذل وذل ملكه إني سأرميه فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا ، فاثبتوا حتى أوذنكم فإني قد أخطأت الرجل وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاثوا به فقد أصبت الرجل فاحملوا عليهم . ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدتها ، وأمر بحاجبيه فعصبا له ثم رماه فصك الياقوتة التي بين عينيه فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه

 

ونكس عن دابته واستدارت الحبشة ولاثت به وحملت عليهم الفرس، وانهزموا، فقتلوا وهربوا في كل وجه وأقبل وهرز ليدخل صنعاء، حتى إذا أتى بابها، قال لا تدخل رايتي منكسة أبدا، اهدموا الباب فهدم ثم دخلها ناصبا رايته فقال سيف بن ذي يزن الحميري:

 

يظن الناس بالملكين         أنهما قد التأما

ومن يسمع بلأمهما        فإن الخطب قد فقما

قتلنا القيل مسروقا         وروينا الكثيب دما

وإن القيل قيل النا      س وهرز مقسم قسما

يذوق مشعشعا حتى       يفيء السبي والنعما

 

قال ابن هشام: وهذه الأبيات في أبيات له. وأنشدني خلاد بن قرة السدوسي آخرها بيتا لأعشى بني قيس بن ثعلبة في قصيدة له وغيره من أهل العلم بالشعر ينكرها له.

وذكر قدوم سيف مع وهرز على صنعاء في ستمائة وقد قدمنا قول ابن قتيبة أنهم كانوا سبعة آلاف وخمسمائة وانضافت إليهم قبائل من العرب.

 

صنعاء

وذكر دخول وهرز صنعاء وهدمه بابها، وإنما كانت تسمى قبل ذلك أوال.

قال ابن الكلبي وسميت صنعاء لقول وهرز حين دخلها: صنعة صنعة يريد أن الحبشة أحكمت صنعها، قال ابن مقبل يذكر أوال: 

وكأنها سفن بسيف أوال عمد الحداة بها لعارض قرية

وقال جرير

وشبهت الحدوج غداة قو سفين الهند روح من أوالا   

وقال الأخطل

خوص كأن شكيمهن معلق بقنا ردينة أو جذوع أوال

 

وقد قيل إن صنعاء اسم الذي بناها، وهو صنعاء بن أوال بن عبير بن عابر بن شالخ فكانت تعرف تارة بأوال وتارة بصنعاء.

قال ابن إسحاق وقال أبو الصلت بن أبي ربيعة الثقفي، قال ابن هشام: وتروى لأمية بن أبي الصلت

 

ريم في البحر للأعداء أحوالا     ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن

 

فلم يجد عنده بعض الذي سالا    يمم قيصر لما حان رحلته

من السنين يهين النفس والمالا    ثم انثنى نحو كسرى بعد عاشرة

إنك عمري لقد أسرعت قلقالا     متى أتى ببني الأحرار يحملهم

لله درهم من عصبة خرجوا   ما إن أرى لهم في الناس أمثالا

بيضا مرازبة غلبا أساورة    أسدا تربب في الغيضات أشبالا

بزمخر يعجل المرمي إعجالا      يرمون عن شدف كأنها غبط

أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد   أضحى شريدهم في الأرض فلالا

فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا    في رأس غمدان دارا منك محلالا

وأسبل اليوم في برديك إسبالا     واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم

شيبا بماء فعادا بعد أبوالا       تلك المكارم لا قعبان من لبن

 

قال ابن هشام: هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها، إلا آخرها بيتا قوله: 

تلك المكارم لا قعبان من لبن 

فإنه للنابغة الجعدي. واسمه [حبان بن] عبد الله بن قيس، أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، في قصيدة له .

 

قال ابن إسحاق: وقال عدي بن زيد الحيرى ، وكان أحد بني تميم . قال ابن هشام : ثم أحد بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم ، ويقال عدي من العباد من أهل الحيرة :

 

ما بعد صنعاء كان يعمرها     

   ولاة ملك جزل مواهبها

رفعها من بنى لدى قزع ال  

  مزن وتندى مسكا محاربها

محفوفة بالجبال دون عرى ال  

  كائد ما ترتقى غواربها

يأنس فيها صوت النهام إذا   

  جاوبها بالعشي قاصبها

ساقت إليه الأسباب جند بني الأح    

   رار فرسانها مواكبها

وفوزت بالبغال توسق بال    

  حتف وتسعى بها توالبها

حتى رآها الأقوال من طرف ال  

    منقل مخضرة كتائبها

يوم ينادون آل بربر وال    

   يكسوم لا يفلحن هاربها

وكان يوم باقي الحديث وزا   

   لت إمة ثابت مراتبها

وبدل الفيج بالزرافة والأيا  

    م جون جم عجائبها

بعد بني تبع نخاورة     

   قد اطمأنت بها مرازبها

 

قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له . وأنشدني أبو زيد الأنصاري ورواه لي عن المفضل الضبي قوله يوم

 

ينادن آل بربر واليكسوم

وهذا الذي عنى سطيح بقوله " يليه إرم ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحدا منهم باليمن “. والذي عنى شق بقوله " غلام ليس بدني ولا مدن يخرج عليهم من بيت ذي يزن " 

 

شرح لامية ابن أبي الصلت

وقوله في شعر أمية بن أبي الصلت: ريم في البحر. أي أقام فيه ومنه الروايم وهي الأثافي، كذلك وجدته في حاشية الشيخ التي عارضها بكتابي " أبي الوليد الوقشي “، وهو عندي غلط لأن الروايم من رأمت إذا عطفت وريم ليس من رأم وإنما هو من الريم وهو الدرج أو من الريم الذي هو الزيادة والفضل أو من رام يريم إذا برح كأنه يريد غاب زمانا، وأحوالا ، ثم رجع للأعداء وارتقى في درجات المجد أحوالا إن كان من الريم الذي هو الدرج ووجدته في غير هذا الكتاب خيم مكان ريم فهذا معناه أقام . وقوله عمري. أراد لعمري وقد قال الطائي: 

                        عمري لقد نصح الزمان وإنه      لمن العجائب ناصح لا يشفق

وقوله أسرعت قلقالا بفتح القاف وكسرها، وكقول الآخر " وقلقل يبغي العز كل مقلقل " وهي شدة الحركة.

 

وقوله " يرمون عن شدف كأنها غبط " الشدف الشخص ويجمع على شدف ولم يرد ههنا إلا القسي وليس شدف جمعا لشدف وإنما هو جمع شدوف وهو النشيط المرح يقال شدف فهو شدف ثم تقول شدوف كما تقول مروح وقد يستعار المرح والنشاط للقسي لحسن تأتيها وجودة رميها وإصابتها، وإنما احتجنا إلى هذا التأويل لأن فعلا لا يجمع على فعل إلا وثن ووثن فإن قلت: فيجمع على فعول مثل أسود فتقول شدوف ثم تجمع الجمع فتقول شدف قلنا : الجمع الكثير لا يجمع وإنما يجمع منه أبنية القليل . نحو أفعال وأفعل وأفعلة وأشبه ما يقال في هذا البيت إنه جمع على غير قياس هذا إن كان الشدف القسي، ويجوز أن يكون جمع شدفا على شدف مثل أسد وأسد، ثم حرك الدال وجائز أن يكون أراد المرح من الخيل كما تقدم . وجعلها كالغبط لإشراف ظهورها وعلوها.

 

وقوله يرمون عن شدف أي يدفعون عنها بالرمي ويكون الزمخر القسي ، أو النبل . والغبط الهوادج والزمخر القصب الفارسي.

 

وقوله في رأس غمدان. ذكر ابن هشام أن غمدان أسسه يعرب بن قحطان وأكمله بعده واحتله وائل بن حمير بن سبأ ، وكان ملكا متوجا كأبيه وجده .

 

وقوله شالت نعامتهم أي هلكوا، والنعامة باطن القدم وشالت ارتفعت ومن هلك ارتفعت رجلاه وانتكس رأسه فظهرت نعامة قدمه تقول العرب: تنعمت إذا مشيت حافيا ، قال الشاعر 

تنعمت لما جاءني سوء فعلهم ألا إنما البأساء للمتنعم  

والنعامة أيضا: الظلمة والنعامة الدعامة التي تكون عليها البكرة والنعامة الجماعة من الناس وابن النعامة عرق في باطن القدم.

 

النابغة وعدي بن زيد 

وذكر النابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله وقيل إن اسمه حبان بن قيس بن عبد الله بن وحوح والوحوح في اللغة وسط الوادي ، قاله أبو عبيد وأبو حنيفة وهو أحد النوابغ وهم ثمانية ذكرهم البكري ، وذكر الأعاشي وهم خمسة عشر.

 

والنابغة شاعر معمر عاش مائتين وأربعين سنة أكثرها في الجاهلية وقدومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنشاده إياه ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يفض الله فاه مشهور وفي كتب الأدب والخبر مسطور فلا معنى للإطالة به . وذكر شعر عدي بن زيد العبادي، نسب إلى العباد وهم من عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ، قيل إنهم انتسلوا من أربعة عبد المسيح وعبد كلال وعبد الله وعبد ياليل ، وكذلك سائرهم في اسم كل واحد منهم عبد وكانوا قدموا على ملك فتسموا له فقال أنتم العباد فسموا بذلك وقد قيل غير هذا .

 

وفي الحديث المسند أبعد الناس عن الإسلام الروم والعباد وأحسبهم هؤلاء لأنهم تنصروا ، وهم من ربيعة ، ثم من بني عبد القيس والله أعلم .

والذي ذكره الطبري في نسب عدي بن زيد أنه ابن زيد بن حماد بن أيوب بن مجروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم. وقد دخل بنو امرئ القيس بن زيد مناة في العباد. فلذلك ينسب عدي إليهم.

 

وقوله صوت النهام يريد ذكر اليوم وقاصبها: الذي يزمر في القصب. وقوله فيها: دون عرى الكائد يريد عرى السماء وأسبابها، ووقع في نسخة الشيخ عرى بفتح العين وهي الناحية وأضافها إلى الكائد وهو الذي كادهم والباري - سبحانه وتعالى - كيده متين . وقوله فوزت بالبغال أي ركبت المفاوز.

 

وقوله توسق بالحتف أي أوسق البغال الحتوف ، وتوالبها : جمع تولب وهو ولد الحمار والتاء في تولب بدل من واو كما في توأم وتولج وفي توراة على أحد القولين لأن اشتقاق التولب من الوالبة وهي ما يولده الزرع وجمعها : أوالب .

 

قوله من طرف المنقل أي من أعالي حصونها، والمنقال الخرج ينقل إلى الملوك من قرية إلى قرية فكأن المنقل من هذا ، والله أعلم .

وقوله مخضرة كتائبها. يعني من الحديد ومنه الكتيبة الخضراء.

وقوله ينادون آل بربر ; لأن البربر والحبشة من ولد حام . وقد قيل إنهم من ولد جالوت من العماليق.

وقد قيل في جالوت إنه من الخزر، وإن أفريقس لما خرج من أرض كنعان سمع لهم بربرة وهي اختلاط الأصوات فقال ما أكثر بربرتهم فسموا بذلك وقيل غير هذا.

وقوله والغرب أراد الغرب بضم الراء جمع: غراب وإن كان المعروف أغربة وغربان ولكن القياس لا يدفعه وعنى بهم السودان.

 

وقوله وبدل الفيج بالزرافة وهو المنفرد في مشيته والزرافة الجماعة وقيل في الزرافة التي هي حيوان طويل العنق إنه اختلط فيها النسل بين الإبل الوحشية والبقر الوحشية والنعام وإنها متولدة من هذه الأجناس الثلاثة . وكذلك ذكر الزبيدي وغيره وأنكر الجاحظ هذا في كتاب الحيوان له وقال إنما دخل هذا الغلط عليهم من تسمية الفرس لها " اشتر - كاو - ماه “.

 

والفرس إنما سمته بذلك لأن في خلقتها شبها من جمل ونعامة وبقرة فاشتر هو الجمل وكاو النعامة وماه البقرة والفرس تركب الأسماء وتمزج الألفاظ إذا كان في المسمى شبه من شيئين أو أشياء ويقال زرافة بتشديد الفاء حكاه أبو عبيد عن القناني.

 

وقوله بعد بني تبع بجاورة . هكذا في نسخة سفيان بن أبي العاص الأسدي مصححا عليه وقد كتب في الحاشية نخاورة في الأمين وفي الحاشية النخاورة الكرام وكذلك في المسموعة على ابن هشام يعني نسختي أبي الوليد الوقشي اللتين قابل بهما مرتين ويعني بالحاشية حاشية " تينك الأمين " وأن فيهما: نخاورة بالنون والخاء المنقوطة وهم الكرام كما ذكر .

 

ذكر ما انتهى إليه أمر الفرس باليمن

مدة ملك الحبشة باليمن

قال ابن إسحاق : فأقام وهرز والفرس باليمن ، فمن بقية ذلك الجيش من الفرس: الأبناء الذين باليمن اليوم . وكان ملك الحبشة باليمن، فيما بين أن دخلها أرياط إلى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت الحبشة ، اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك منهم أربعة أرياط ، ثم أبرهة ، ثم يكسوم بن أبرهة ثم مسروق بن أبرهة .

 

أمراء الفرس على اليمن

قال ابن هشام : ثم مات وهرز فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن ، ثم مات المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان بن المرزبان على اليمن ، ثم مات التينجان فأمر كسرى ابن التينجان على اليمن ، ثم عزله وأمر باذان فلم يزل باذان عليها حتى بعث الله محمدا النبي - صلى الله عليه وسلم -

 

حديث يتنبأ بقتل كسرى

فبلغني عن الزهري أنه قال كتب كسرى إلى باذان : أنه بلغني أن رجلا من قريش خرج بمكة ، يزعم أنه نبي ، فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلي برأسه فبعث باذان بكتاب كسرى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا من شهر كذا فلما أتى باذان الكتاب توقف لينظر وقال إن كان نبيا ، فسيكون ما قال فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 

 

قال ابن هشام : قتل على يدي ابنه شيرويه وقال خالد بن حق الشيباني : 

 

وكسرى إذ تقسمه بنوه بأسياف كما اقتسم اللحام

تمخضت المنون له بيوم أنى ، ولكل حاملة تمام 

باذان يسلم 

قال الزهري : فلما بلغ ذلك باذان بعث بإسلامه وإسلام من معه من الفرس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت الرسل من الفرس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى من نحن يا رسول الله ؟ قال أنتم منا وإلينا أهل البيت .

قال ابن هشام : فبلغني عن الزهري أنه قال فمن ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلمان منا أهل البيت .

عود إلى شق وسطيح قال ابن هشام: فهو الذي عنى سطيح بقوله " نبي زكي ، يأتيه الوحي من قبل العلي " . والذي عنى شق بقوله " بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق والعدل من أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل “.

 

باذان وكسرى

وذكر قصة باذان ، وما كتب به إلى كسرى ، وكسرى هذا هو أبرويز بن هرمز بن أنوشروان ، ومعنى أبرويز بالعربية المظفر وهو الذي غلب الروم حين أنزل الله: الم غلبت الروم في أدنى الأرض [ أول الروم ] وهو الذي عرض على الله في المنام فقال له سلم ما في يديك إلى صاحب الهراوة فلم يزل مذعورا من ذلك حتى كتب إليه النعمان بن المنذر بظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - بتهامة ، فعلم أن الأمر سيصير إليه حتى كان من أمره ما كان وهو الذي كتب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفيده يزدجرد بن شهريار بن أبرويز وهو آخر ملوك الفرس ، وكان سلب ملكه وهدم سلطانه على يدي عمر بن الخطاب ، ثم قتل هو في أول خلافة عثمان ، وجد مستخفيا في رحى فقتل وطرح في قناة الرحى ، وذلك بمرو من أرض فارس .

 

وذكر حديث باذان ومقتل كسرى ، وكان مقتل كسرى حين قتله بنوه ليلة الثلاثاء لعشر من جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة وأسلم باذان باليمن في سنة عشر وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأبناء يدعوهم إلى الإسلام فمن الأبناء وهب بن منبه بن سيج بن ذكبار ، وطاووس وذادويه وفيروز اللذان قتلا الأسود العنسي الكذاب وقد قيل في طاووس إنه ليس من الأبناء وإنه من حمير ، وقد قيل من فارس ، واسمه ذكوان بن كيسان وهو مولى بجير بن ريسان وقد قيل مولى الجعد وكان يقال له طاووس القراء لجماله . وقول خالد بن حق 

تمخضت المنون له بيوم أنى ; ولكل حاملة تمام

 

المنون المنية وهو أيضا من أسماء الدهر وهو من مننت الحبل إذا قطعته، وفعول إذا كان بمعنى فاعل لم تدخل التاء في مؤنثه لسر بديع ذكرناه في غير هذا الكتاب فيقال امرأة صبور وشكور فمعنى المنون المقطوع وتمخضت أي حملت والمخاض الحمل ووزنه فعال ومخاضة الماء ومخاضة [ النهر ] وزنه مفعل من الخوض .

 

وقوله أنى ، أي حان وقد قلبوه فقالوا : آن يئين والدليل على أن آن يئين مقلوب من أنى يأنى ، قوله آناء الليل وواحدها : إنى وأنى وإني فالنون مقدمة على الياء في كل هذا ، وفي كل ما صرف منه نحو الإناء والآني : الذي بلغ أناه أي منتهى وقته في التسخين وهذا المعنى كقولهم في المثل الدهر حبلى لا يدري ما تضع إن كان أراد بالمنون في البيت الدهر وإن كان أراد بالمنون المنية فبعيد أن يقال تمخضت المنون له بهذا اليوم الذي مات فيه فإن موته منيته فكيف تتمخض المنية بالمنية إلا أن يريد أسبابها ، وما مني له أي قدر من وقتها ، فتصح الاستعارة حينئذ ويستقيم التشبيه .

 

وقول ابن حق وكسرى إذ تقسمه بنوه . وإنما كان قتله على يدي ابنه شيرويه لكن ذكر بنيه لأن بدء الشر بينه وبينهم أن فرخان رأى في النوم أنه قاعد على سرير الملك في موضع أبيه فبلغ أباه ذلك فكتب إلى ابنه شهريار - وكان واليا له على بعض البلاد أن اقتل أخاك فرخان فأخفى شهريار الكتاب من أخيه فكتب إليه مرة أخرى ، فأبى من ذلك فعزله وولى فرخان وأمره بقتل شهريار فعزم على ذلك فأراه شهريار الكتاب الذي كتب له أبوه فيه فتواطآ عند ذلك على القيام على أبيهما ، وأرسلا إلى ملك الروم يستعينان به في خبر طويل فكان هذا بدء الشر ثم إن الفرس خلعت كسرى لأحداث أحدثها ، وولت ابنه شيرويه فكان كسرى أبرويز ربما أشار برأي من محبسه فقالت المرازبة لشيرويه لا يستقيم لك الملك إلا أن تقتل أباك ، فأرسل إليه من يقتله فيقال إنه كان يضرب بالسيف فما يعمل فيه شيئا ، ففتش فوجد على عضده حجر معلق كالخرزة فنزع فعملت فيه السلاح وكان قبل يقول لابنه يا قصير العمر فلم يدم أمره بعده إلا أقل من ستة أشهر - فيما ذكروا - والله أعلم .

 

كتاب الحجر 

قال ابن إسحاق: وكان في حجر باليمن - فيما يزعمون - كتاب بالزبور كتب في الزمان الأول " لمن ملك ذمار ؟ لحمير الأخيار لمن ملك ذمار؟ للحبشة الأشرار لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار لمن ملك ذمار؟ لقريش التجار “. وذمار: اليمن أو صنعاء. 

قال ابن هشام: ذمار : بالفتح فيما أخبرني يونس .

الأعشى ونبوءة شق وسطيح

قال ابن إسحاق : وقال الأعشى - أعشى بني قيس بن ثعلبة في وقوع ما قال سطيح وصاحبه 

ما نظرت ذات أشفار كنظرتها حقا كما صدق الذئبي إذ سجعا

وكانت العرب تقول لسطيح الذئبي ، لأنه سطيح بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب . 

قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له .

 

ذمار وحمير وفارس والحبشة

وقوله وجد بحجر باليمن: لمن ملك ذمار ؟ 

وحكى ابن هشام عن يونس ذمار بفتح الذال فدل على أن رواية ابن إسحاق بالكسر فإذا كان بكسر الذال فهو غير مصروف لأنه اسم لمدينة والغالب عليه التأنيث ويجوز صرفه أيضا ; لأنه اسم بلد وإذا فتحت الذال فهو مبني مثل رقاش وحذام وبنو تميم يعربون مثل هذا البناء فيقولون رقاش [وحذام ] في الرفع ورقاش وحذام في النصب والخفض يعربونه ولا يصرفونه فإذا كان لام الفعل راء اتفقوا مع أهل الحجاز على البناء والكسر . وذمار: من ذمرت الرجل إذا حرضته على الحرب .

 

وقوله لحمير الأخيار لأنهم كانوا أهل دين كما تقدم في حديث فيمون وابن الثامر.

 

وقوله لفارس الأحرار فلأن الملك فيهم متوارث من أول الدنيا من عهد جيومرت في زعمهم إلى أن جاء الإسلام لم يدينوا لملك من غيرهم ولا أدوا الأتاوة لذي سلطان من سواهم فكانوا أحرارا لذلك.

 

وأما قوله للحبشة الأشرار فلما أحدثوا في اليمن من العيث والفساد وإخراب البلاد حتى هموا بهدم بيت الله الحرام ، وسيهدمونه في آخر الزمان إذا رفع القرآن وذهب من الصدور الإيمان وهذا الكلام المسجع ذكره المسعودي منظوما .

 

حين شيدت ذمار قيل لمن أن ت فقالت لحمير الأخيار

ثم سيلت من بعد ذاك ؟ فقالت أنا للحبش أخبث الأشرار

ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن ت ؟ فقالت لفارس الأحرار

ثم قالوا من بعد ذاك لمن أن ت فقالت إلى قريش التجار

 

وهذا الكلام الذي ذكر أنه وجد مكتوبا بالحجر هو - فيما زعموا - من كلام هود - عليه السلام - وجد مكتوبا في منبره وعند قبره حين كشفت الريح العاصفة عن منبره الرمل حتى طهر وذلك قبل ملك بلقيس بيسير وكان خطه بالمسند ويقال إن الذي بنى ذمار هو شمر بن الأملوك والأملوك هو مالك بن ذي المنار ويقال ذمار وظفار، ومنه المثل من دخل ظفار حمر أي تكلم بالحميرية .

 

زرقاء اليمامة

وذكر قول الأعشى: 

ما نظرت ذات أشفار كنظرتها 

البيت. يريد زرقاء اليمامة، وكانت تبصر على مسيرة ثلاثة أيام وقد تقدم طرف من ذكرها في خبر جديس وطسم وقبل البيت

قالت أرى رجلا في كفه كتف أو يخصف النعل لهفي أية صنعا

فكذبوها بما قالت فصبحهم ذو آل حسان يزجي الموت والسلعا 

وكان جيش حسان هذا قد أمروا أن يخيلوا عليها بأن يمسك كل واحد منهم نعلا كأنه يخصفها ، وكتفا كأنه يأكلها ، وأن يجعلوا على أكتافهم أغصان الشجر فلما أبصرتهم قالت لقومها : قد جاءتكم الشجر أو قد غزتكم حمير ، فقالوا : قد كبرت وخرفت ، فكذبوها ، فاستبيحت بيضتهم وهو الذي ذكر الأعشى .

 

قصة ملك الحضر

قال ابن هشام : وحدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي عن جناد ، أو عن بعض علماء أهل الكوفة بالنسب أنه يقال إن النعمان بن المنذر من ولد ساطرون ملك الحضر .

والحضر حصن عظيم كالمدينة ، كان على شاطئ الفرات ، وهو الذي ذكر عدي بن زيد في قوله

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج لة يجبى إليه والخابور

شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير في ذراه وكور

لم يهبه ريب المنون فبان ال ملك عنه فبابه مهجور

 

قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له . والذي ذكره أبو دواد الإيادي في قوله:

 

وأرى الموت قد تدلى من الحض ر على رب أهله الساطرون

  

وهذا البيت في قصيدة له. ويقال إنها لخلف الأحمر ويقال لحماد الراوية.

 

خبر الحضر والساطرون 

ذكر فيه قول من قال إن النعمان من ولد الساطرون وهو صاحب الحضر . قال المؤلف فنذكر شرح قصة الحضر وصاحبه وما قيل في ذلك ملخصا بعون الله . الساطرون بالسريانية : هو الملك واسم الساطرون الضيزن بن معاوية . قال الطبري : هو جرمقاني ، وقال ابن الكلبي هو قضاعي من العرب الذين تنخوا بالسواد فسموا : تنوخ ، أي أقاموا بها ، وهم قبائل شتى ، ونسبه ابن الكلبي فقال هو ابن معاوية بن عبيد ، ووجدته بخط أبي بحر عبيد بضم العين بن أجرم من بني سليح بن حلوان بن الحاف بن قضاعة ، وأمه جيهلة وبها كان يعرف وهي أيضا قضاعية من بني تزيد الذين تنسب إليهم الثياب التزيدية . وذكر قول أبي دواد: 

وأرى الموت قد تدلى من الحض ـ ر على رب أهله الساطرون 

واسم أبي دواد: جارية بن حجاج وقيل حنظلة بن شرقي وبعد هذا البيت

صرعته الأيام من بعد ملك ونعيم وجوهر مكنون

 

كيف استولى سابور على الحضر

وكان كسرى سابور ذو الأكتاف غزا ساطرون ملك الحضر ، فحصره سنتين فأشرفت بنت ساطرون يوما ، فنظرت إلى سابور وعليه ثياب ديباج وعلى رأسه تاج من ذهب مكلل بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ وكان جميلا ، فدست إليه أتتزوجني إن فتحت لك باب الحضر ؟ فقال نعم فلما أمسى ساطرون شرب حتى سكر وكان لا يبيت إلا سكران فأخذت مفاتيح باب الحضر من تحت رأسه فبعثت بها مع مولى لها ففتح الباب فدخل سابور فقتل ساطرون واستباح الحضر وخربه وسار بها فتزوجها ، فبينا هي نائمة على فراشها ليلا إذ جعلت تتململ لا تنام فدعا لها بشمع ففتش فراشها ، فوجد عليه ورقة آس فقال لها سابور أهذا الذي أسهرك ؟ قالت نعم قال فما كان أبوك يصنع بك ؟ قالت كان يفرش لي الديباج ويلبسني الحرير ويطعمني المخ ويسقيني الخمر قال أفكان جزاء أبيك ما صنعت به ؟ أنت إلي بذلك أسرع ثم أمر بها ، فربطت قرون رأسها بذنب فرس ثم ركض الفرس ، حتى قتلها ، ففيه يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة : 

ألم تر للحضر إذ أهله بنعمي، وهل خالد من نعم

أقام به شاهبور الجنو د حولين تضرب فيه القدم

فلما دعا ربه دعوة أناب إليه فلم ينتقم

وهذه الأبيات في قصيدة له. وقال عدي بن زيد في ذلك

 

والحضر صابت عليه داهية من فوقه أيد مناكبها

ربية لم توق والدها لحينها إذ أضاع راقبها

إذ غبقته صهباء صافية والخمر وهل يهيم شاربها

فأسلمت أهلها بليلتها تظن أن الرئيس خاطبها

فكان حظ العروس إذ جشر الصـ بح دماء تجري سبائبها

وخرب الحضر واستبيح وقد أحرق في خدرها مشاجبها

 

وهذه الأبيات في قصيدة له. 

وكان الضيزن من ملوك الطوائف وكان يقدمهم إذا اجتمعوا لحرب عدو من غيرهم وكانت الحضر بين دجلة والفرات ، وكان ملكه يبلغ أطرار الشام ، وكان سابور قد تغيب عن العراق إلى خراسان ، فأغار الضيزن على بلاده بمن معه من العرب ، فلما قفل سابور وأخبر بصنع الضيزن نهد إليه وأقام عليه أربع سنين .

 

وذكر الأعشى في شعره حولين لا يقدر على فتح الحصن وكان للضيزن بنت اسمها: النضيرة وفيها قيل 

أقفر الحضر من نضيرة فالمـ رباع منها فجانب الثرثار 

وكانت سنتهم في الجارية إذا عركت أي حاضت أخرجوها إلى ربض المدينة ، فعركت النضيرة فأخرجت إلى ربض الحضر فأشرفت ذات يوم فأبصرت سابور - وكان من أجمل الناس - فهويته فأرسلت إليه أن يتزوجها ، وتفتح له الحضر واشترطت عليه والتزم لها ما أرادت ثم اختلف في السبب الذي دلت عليه فقال ابن إسحاق ما في الكتاب وقال المسعودي : دلته على نهر واسع [ اسمه الثرثار ] كان يدخل منه الماء إلى الحضر فقطع لهم الماء ودخلوا منه .

 

وقال الطبري : دلته على طلسم [ أو طلسم ] كان في الحضر وكان في علمهم أنه لا يفتح حتى تؤخذ حمامة ورقاء وتخضب رجلاها بحيض جارية بكر زرقاء ثم ترسل الحمامة فتنزل على سور الحضر فيقع الطلسم فيفتح الحضر ففعل سابور ذلك فاستباح الحضر وأباد قبائل من قضاعة كانوا فيه منهم بنو عبيد رهط الضيزن لم يبق منهم عقب وحرق خزائن الضيزن واكتسح ما فيها ، ثم قفل بنضيرة معه وذكر الطبري في قتله إياها حين تململت على الفراش الوثير ولين الحرير أنه قال لها : ما كان يصنع بك أبوك ؟ فقالت كان يطعمني المخ والزبد وشهد أبكار النحل وصفو الخمر .

 

وذكر أنه كان يرى مخها من صفاء بشرتها ، وأن ورقة الآس أدمتها في عكنة من عكنها ، وأن الفراش الذي نامت عليه كان من حرير حشوه القز . وقال المسعودي : كان حشوه زغب الطير ثم اتفقوا في صورة قتلها كما ذكر ابن إسحاق غير أن ابن إسحاق قال كان المستبيح للحضر سابور ذو الأكتاف وجعله غير سابور بن أزدشير بن بابك ، وقد تقدم أن أزدشير هو أول من جمع ملك فارس ، وأذل ملوك الطوائف حتى دان الملك له والضيزن كان من ملوك الطوائف فيبعد أن تكون هذه القصة لسابور ذي الأكتاف وهو سابور بن هرمز وهو ذو الأكتاف لأنه كان بعد سابور الأكبر بدهر طويل وبينهم ملوك مسمون في كتب التاريخ وهم هرمز بن سابور وبهرام بن هرمز وبهرام بن بهرام وبهرام الثالث ونرسي بن بهرام وبعده كان ابنه سابور ذو الأكتاف والله أعلم .

 

وقول الأعشى : شاهبور الجنود بخفض الدال يدل على أنه ليس بشاهبور ذي الأكتاف وأما إنشاده لأبيات عدي بن زيد :  

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة يجبى إليه والخابور

 

فللشعر خبر عجيب. حدثنا إجازة القاضي الحافظ أبو بكر عن ابن أيوب عن البرقاني عن أبي الحسن علي بن عمر قال حدثنا أبو بكر الأزرق يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول قال حدثني جدي ، قال حدثني أبي ، عن إسحاق بن زياد من بني سلمة بن لؤي عن شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الأهتم قال أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد [ أهل ] العراق قال فقدمت عليه وقد خرج متبديا بقرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه فنزل في أرض قاع صحصح متنايف أفيح في عام [ قد ] بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض [ فيه ] زينتها من اختلاف أنوار نبتها من نور ربيع مونق فهو أحسن منظرا ، وأحسن مستنظرا ، وأحسن مختبرا بصعيد كأن ترابه قطع الكافور حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب قال وقد ضرب له سرادق من حبرة كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن ، فيه فسطاط فيه أربعة أفرشة من خز أحمر مثلها مرافقها وعليه دراعة من خز أحمر مثلها عمامتها ، قال وقد أخذ الناس مجالسهم فأخرجت رأسي من ناحية الطاق فنظر إلي شبه المستنطق [ لي ] ; فقلت : أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمة سوغكها بشكر وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا ، وعاقبة ما تئول إليه حمدا ، وأخلصه لك بالتقى ، وكثره لك بالنماء ولا كدر عليك منه ما صفا ، ولا خالط سروره الردى ; فقد أصبحت للمسلمين ثقة ومستراحا .

 

إليك يقصدون في أمورهم وإليك يفزعون في مظالمهم وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا - جعلني الله فداءك - هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك مما من الله [ جل وعز ] به علي من مجالستك ، والنظر إلى وجهك من أن أذكرك نعم الله عليك ، وأنبهك لشكرها ، وما أجد يا أمير المؤمنين شيئا هو أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته عنه .

 

قال فاستوى جالسا - وكان متكئا - ثم قال هات يا ابن الأهتم [ قال ] : فقلت : يا أمير المؤمنين إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه وأخذت الأرض فيه زينتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مستنظر وأحسن مختبر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب . قال وقد كان أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والقهر قال فنظر فأبعد النظر فقال لجلسائه لمن [ مثل ] هذا ؟ هل رأيتم مثل ما أنا فيه ؟ [ و ] هل أعطي أحد مثل ما أعطيت ؟ قال وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه .

 

قال ولن تخلوا الأرض من قائم لله بحجته في عباده فقال أيها الملك إنك قد سألت عن أمر أفتأذن في الجواب عنه ؟ قال نعم . قال أرأيت ما أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا من غيرك ، وهو زائل عنك ، وصائر إلى غيرك ، كما صار إليك ميراثا من لدن غيرك ؟ قال فكذلك هو . قال فلا أراك [ إلا ] أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا ، وتغيب عنه طويلا ، وتكون غدا بحسابه مرتهنا . قال ويحك فأين المهرب ؟ وأين المطلب ؟ قال إما أن تقيم في ملكك ، تعمل فيه بطاعة [ الله ] ربك على ما ساءك وسرك ، ومضك وأرمضك وإما أن تضع تاجك ، وتضع أطمارك ، وتلبس أفساحك ، وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك . قال فإذا كان في السحر فاقرع علي بابي ، فإني مختار أحد الرأيين فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا ، لا تعصى ، وإن اخترت خلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا ، لا تخالف . قال فقرع عليه بابه عند السحر فإذا هو قد وضع تاجه [ وخلع أطماره ] ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة قال فلزما - والله - الجبل حتى أتتهما آجالهما ، وهو حيث يقول أحد بني تميم : عدي بن [ زيد ] بن سالم المري العدوي

 

أيها الشامت المعير بالد هر أأنت المبرأ الموفور؟

أم لديك العهد الوثيق من الأيام ؟ بل أنت جاهل مغرور

من رأيت المنون خلدن أم من ذا عليه من أن يضام خفير

أين كسرى كسرى الملوك أنو شروان أم أين قبله سابور ؟

وبنو الأصفر الكرام ملوك الر وم ؟ لم يبق منهم مذكور

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج لة تجبى إليه و الخابور

شاده مرمرا ، وجلله كلس ا فللطير في ذراه وكور

لم يهبه ريب المنون فبا ن الملك عنه فبابه مهجور

وتذكر رب الخورنق إذ أشرف يوما ، وللهدى تفكير

سره ماله وكثرة ما يملك والبحر معرضا والسدير

فارعوى قلبه وقال وما غبطة حي إلى الممات يصير؟

ثم أضحوا كأنهم ورق جف فألوت به الصبا والدبور

ثم بعد الفلاح والملك والإمة وارتهم هناك القبور 

 

قال فبكى [والله] هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته وأمر بنزع أبنيته وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه ولزم قصره. 

 

قال فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان بن الأهتم وقالوا: ما أردت إلى أمير المؤمنين؟ أفسدت عليه لذته ونغصت عليه مأدبته. قال إليكم عني فإني عاهدت الله [ عز وجل ] عهدا ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل . والذي ذكره عدي بن زيد في هذا الشعر هو النعمان بن امرئ القيس جد النعمان بن المنذر، وأول هذا الشعر 

أرواح مودع أم بكور لك فانظر لأي ذاك تصير

 

قاله عدي ، وهو في سجن النعمان بن المنذر ، وفيه قتل وهو عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن محروب بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم وقال عمرو بن آلة بن الخنساء 

ألم ينبئك والأنباء تنمى بما لاقت سراة بني العبيد

ومصرع ضيزن وبني أبيه وأحلاس الكتائب من تزيد

أتاهم بالفيول مجللات وبالأبطال سابور الجنود 

فهدم من أواسي الحضر صخرا كأن ثقاله زبر الحديد

 

وقال الأعشى:

أقام به شاهبور الجنو د حولين تضرب فيه القدم

 

وقد قدمنا أن شاهبور معناه ابن الملك وأن بور هو الابن بلسانهم وفي هذا البيت دليل على ما قلناه من أن سابور مغير عن شاهبور . والقدم جمع قدوم وهو الفأس ونحوه والقدوم: اسم موضع أيضا اختتن فيه إبراهيم عليه السلام الذي جاء في الحديث أن إبراهيم اختتن بالقدوم مخفف أيضا ، وقد روي فيه التشديد . وبعده 

فهل زاده ربه قوة ومثل مجاوره لم يقم

وكان دعا قومه دعوة هلموا إلى أمركم قد صرم

فموتوا كراما بأسيافكم أرى الموت يجشمه من جشم

 

وفي الشعر وهل خالد من نعم. يقال نعم ينعم وينعم مثل حسب يحسب ويحسب. وفي أدب الكاتب أنه يقال نعم ينعم مثل فضل يفضل. حكي ذلك عن سيبويه، وهو غلط من القتبي ومن تأمله في كتاب سيبويه تبين له غلط القتبي وأن سيبويه لم يذكر الضم إلا في فضل يفضل.

 

وقول عدي بن زيد : ربية لم توق والدها . يحتمل أن تكون فعيلة من ربيت إلا أن القياس في فعيلة بمعنى : مفعولة أن تكون بغير هاء ويحتمل أنه أراد معنى الربو والنماء لأنها ربت في نعمة فتكون بمعنى فاعلة ويكون البناء موافقا للقياس وأصح من هذين الوجهين أن يكون أراد ربيئة بالهمز وسهل الهمزة فصارت ياء وجعلها ربيئة لأنها كانت طليعة حيث اطلعت حتى رأت سابور وجنوده ويقال للطليعة ذكرا كان أو أنثى : ربيئة ويقال له رباء على وزن فعال وأنشدوا : رباء شماء لا يأوي نقلتها ، البيت .

 

وقوله أضاع راقبها ، أي أضاع المربأة الذي يرقبها ويحرسها ، ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على الجارية أي أضاعها حافظها . وقوله والخمر وهل . يقال وهل الرجل وهلا ووهلا إذا أراد شيئا ، فذهب وهمه إلى غيره . ويقال فيه وهم أيضا بفتح الهاء وأما وهم بالكسر فمعناه غلط وأوهم بالألف معناه أسقط . وقوله سبائبها . السبائب جمع : سبيبة وهي كالعمامة أو نحوها ، ومنه السب وهو الخمار .

 

وقوله في خدرها مشاجبها . المشاجب جمع مشجب وهو ما تعلق منه الثياب ومنه قول جابر وإن ثيابي لعلى المشجب وكانوا يسمون القربة شجبا ; لأنها جلد ماء قد شجب أي عطب وكانوا لا يمسكون القربة وهي الشجب إلا معلقة فالعود الذي تعلق به هو المشجب حقيقة ثم اتسعوا ، فسموا ما تعلق به الثياب مشجبا تشبيها به .

 

وفي شعر عدي المتقدم ذكر الخابور ، وهو واد معروف وهو فاعول من خبرت الأرض إذا حرثتها ، وهو واد عظيم عليه مزارع . قالت ليلى أخت الوليد بن طريف الخارجي الشيباني حين قتل أخوها الوليد قتله يزيد بن مزيد الشيباني أيام الرشيد فلما قتل قالت أخته 

أيا شجر الخابورما لك مورقا كأنك لم تحزن على ابن طريف

فقدناه فقدان الربيع وليتنا فديناه من ساداتنا بألوف

 وأما الخافور بالفاء فنبات تخفر ريحه أي تقطع شهوة النساء كما يفعل الحبق ويقال له المرو وبهذا الاسم يعرفه الناس وهو الزغبر أيضا.

 

ذكر ولد نزار بن معد

قال ابن إسحاق فولد نزار بن معد ثلاثة نفر مضر بن نزار ، وربيعة بن نزار ، وأنمار بن نزار .

قال ابن هشام : وإياد بن نزار . قال الحارث بن دوس الإيادي ، ويروى لأبي دواد الإيادي واسمه جارة بن الحجاج 

وفتو حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد

وهذا البيت في أبيات له. 

فأم مضر وإياد : سودة بنت عك بن عدنان . وأم ربيعة   وأنمار : شقيقة بنت   عك بن عدنان  ، ويقال جمعة بنت   عك بن عدنان .

 

أولاد أنمار

قال ابن إسحاق : فأنمار أبو   خثعم    وبجيلة  . قال جرير بن عبد الله البجلي وكان سيد بجيلة ، وهو الذي يقول له القائل 

لولا جرير هلكت بجيله نعم الفتى، وبئس القبيله

وهو ينافر الفرافصة الكلبي إلى الأقرع بن حابس التميمي. 

يا أقرع بن حابس يا أقرع إنك إن تصرع أخاك تصرع

فقال عمرو: بل أطبخ فلحق عامر بالإبل فجاء بها، فلما راحا على أبيهما حدثاه بشأنهما ، فقال لعامر أنت مدركة وقال لعمرو : وأنت طابخة . وأما قمعة فيزعم نساب مضر: أن خزاعة من ولد عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس . قال 

ابني نزار انصرا أخاكما إن أبي وجدته أباكما

لن يغلب اليوم أخ والاكما

وقد تيامنت ، فلحقت باليمن .

قال ابن هشام: قالت اليمن : وبجيلة : أنمار بن إراش بن   لحيان بن عمرو بن   الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن   كهلان بن سبأ ، ويقال إراش بن عمرو بن لحيان  بن   الغوث  .

ودار بجيلة وخثعم: يمانية .

أولاد مضر

قال ابن إسحاق : فولد مضر بن نزار رجلين إلياس بن مضر ، وعيلان بن   مضر  . قال ابن هشام : وأمهما : جرهمية .

 

أولاد إلياس

قال ابن إسحاق : فولد إلياس بن مضر ثلاثة نفر مدركة بن إلياس ، وطابخة بن إلياس وقمعة بن إلياس وأمهم   خندف  : امرأة من اليمن .

قال ابن هشام : خندف بنت عمران  بن الحاف بن   قضاعة .

قال ابن إسحاق : وكان اسم مدركة عامرا ، واسم طابخة عمرا ، وزعموا أنهما كانا في إبل لهما يرعيانها ، فاقتنصا   صيدا  ، فقعدا عليه يطبخانه وعدت عادية على إبلهما ، فقال عامر لعمرو : أتدرك الإبل أم تطبخ هذا الصيد ؟

 

ذكر نزار بن معد ومن تناسل منهم

قد ذكرنا   أولاد معد العشرة فيما تقدم فأما   مضر فقد تقدم ذكره في عمود نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكرنا أنه أول من سن حداء الإبل وسببه - فيما ذكروا - أنه سقط عن بعير فوثبت يده وكان أحسن الناس صوتا ، فكان يمشي خلف الإبل ويقول وايدياه وايدياه يترنم بذلك فأعنقت الإبل وذهب كلالها ; فكان ذلك أصل الحداء عند العرب ، وذلك أنها تنشط بحدائها الإبل فتسرع .

 

وأما أنمار بن نزار ، وهو أبو   بجيلة   وخثعم فسمي بالأنمار   جمع  نمر كما سموا بسباع وكلاب وأم بنيه   بجيلة  بنت صعب بن سعد العشيرة ولد له من غيرها أفتل وهو   خثعم  ، وولدت له عبقر في خمسة عشر سماهم أبو الفرج عنهم تناسلت قبائل   بجيلة وهم وداعة   وخزيمة وصهيبة [ في الأصل صحيهم ] والحارث ومالك وشيبة وطريفة وفهم   والغوث  وسهل وعبقر وأشهل كلهم بنو أنمار ، ويقال إن   بجيلة  حبشية حضنت أولاد   أنمار  الذين سمينا ، ولم تحضن أفتل وهو   خثعم  ، فلم ينسب إليها .

 

روى الترمذي من طريق فروة بن مسيك أنه لما أنزل الله في سبأ ما أنزل قال رجل يا رسول الله ما سبأ : امرأة أم أرض ؟قال " ليس بامرأة ولا أرض ولكنه رجل ولد عشرة من العرب ، فتيامن منهم ستة وتشاءم أربعة فأما الذين تشاءموا : فلخم   وجذام    وعاملة    وغسان  ، وأما الذين تيامنوا : فالأزد والأشعرون   وحمير    ومذحج    وكندة    وأنمار " ، قال الرجل ومن   أنمار  ؟ قال " الذين منهم   خثعم    وبجيلة . وقوله 

لولا جرير هلكت بجيلة نعم الفتى، وبئست القبيله

قال لما سمع هذا: ما مدح رجل هجي قومه وجرير هذا هو ابن عبد الله بن جابر وهو الشليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن جذيمة بن عدي بن مالك بن سعد بن يزيد بن قسر وهو مالك بن عبقر بن   أنمار  بن إراش بن عمرو بن   الغوث  ، يكنى : أبا عمرو ، وقيل أنا عبد الله وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم خير ذي يمن ، عليه مسحة ملك وكان عمر يسميه يوسف هذه الأمة وكان من مقبلي الظعن وكانت نعله طولها : ذراع فيما ذكروا .

 

ومن النذير بن قسر العرنيون الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجتووا المدينة، وحديثهم مشهور وهم بنو   عرينة بن النذير ، أو بنو   عرينة بن   ربيعة بن نذير ، لأنهما عرينتان وأحدهما : عم الآخر .

 

وقال ابن إسحاق في السيرة من بني   قيس  : كبة من بجيلة . وقوله وهو ينافر الفرافصة [ بن الأحوص ] الكلبي إلى الأقرع بن حابس   التميمي . ينافر أي يحاكم . قال قاسم بن ثابت لفظ المنافرة مأخوذ من النفر وكانوا إذا تنازع الرجلان وادعى كل واحد منهم أنه أعز نفرا من صاحبه تحاكموا إلى العلامة فمن فضل منهما قيل نفره عليه أي فضل نفره على نفر الآخر فمن هذا أخذت المنافرة وقال زهير : 

فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء

والفرافصة بالضم اسم الأسد وبالفتح اسم الرجل وقد قيل كل فرافصة في العرب بالضم إلا الفرافصة أبا نائلة صهر عثمان بن عفان فإنه بالفتح.

 

وقوله إنك إن تصرع أخاك تصرع . وجدت في حاشية أبي بحر قال الأشهر في الرواية إن يصرع أخوك ، وإنما لم ينجزم الفعل الآخر على جواب الشرط لأنه في نية التقديم عند سيبويه ، وهو على إضمار الفاء عند المبرد وما ذكر في   أنمار  من قول أهل اليمن يشهد له حديث الترمذي المتقدم .

 

ذكر أم إلياس وقال فيها: امرأة من   جرهم ، ولم يسمها ، وليست من جرهم ، وإنما هي   الرباب  بنت حيدة بن   معد بن عدنان  فيما ذكر الطبري ، وقد قدمنا ذلك في نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -

 

وأما عيلان أخو إلياس فقد قيل إنه   قيس نفسه لا أبوه وسمي بفرس له اسمه عيلان وكان يجاوره   قيس  كبة من بجيلة عرف بكبة اسم فرسه فرق بينهما بهذه الإضافة وقيل عيلان اسم   كلب  له وكان يقال له الناس ولأخيه إلياس وقد تقدم في أول الكتاب القول في عمود نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فيه غنية من شرح تلك الأسماء .

 

وذكر مدركة وطابخة وقمعة وسبب تسميتهم بهذه الأسماء وفي   الخبر زيادة وهو أن إلياس قال لأمهم - واسمها ليلى، وأمها:  ضرية  بنت   ربيعة  بن نزار التي ينسب إليها : حمى ضرية ، وقد أقبلت تخندف في مشيتها : ما لك تخندفين ؟ فسميت   خندق ، والخندفة سرعة في مشي وقال لمدركة 

وأنت قد أدركت ما طلبتا 

وقال لطابخة 

وأنت قد أنضجت ما طبختا 

وقال لقمعة وهو عمير

وأنت قد قعدت فانقمعتا

 وخندف التي عرف بها بنو إلياس وهي التي ضربت الأمثال بحزنها على إلياس وذلك أنها تركت بنيها، وساحت في الأرض تبكيه حتى ماتت كمدا ، وكان مات يوم خميس وكانت إذا جاء الخميس بكت من أول النهار إلى آخره فمما قيل من الشعر في ذلك

 

إذا مؤنس لاحت خراطيم شمسه بكته به حتى ترى الشمس تغرب

فما رد بأسا حزنها وعويلها ولم يغنها حزن ونفس تعذب

 

وكانوا يسمون الخميس مؤنسا قال الزبير وإنما نسب بنو إلياس لأمهم لأنها حين تركتهم شغلا لحزنها على أبيهم رحمهم الناس فقالوا: هؤلاء أولاد   خندف الذين تركتهم وهم صغار أيتام حتى عرفوا ببني خندف . وأما عوانة بنت سعد بن   قيس عيلان فسميت العوانة وهي الناقة الطويلة.

 

قصة عمرو بن لحي وذكر أصنام العرب 

حديث جر عمرو قصبه في النار 

قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال حدثت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار فسألته عمن بيني وبينه من الناس فقال هلكوا

 

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة - قال ابن هشام : واسم أبي هريرة . عبد الله بن عامر ، ويقال اسمه عبد الرحمن بن صخر - يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه . فقال أكثم عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله ؟ قال لا ، إنك مؤمن وهو كافر إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي

 

وذكر حديث عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس وقد تقدم في نسب خزاعة وأسلم أنهما ابنا حارثة بن ثعلبة وأن ربيعة بن حارثة هو أبو خزاعة من بني أبي حارثة بن عامر لا من حارثة وسيأتي ذلك . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسلم ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا وهو معارض لحديث أكثم بن الجون في الظاهر إلا أن بعض أهل النسب ذكر أن عمرو بن لحي كان حارثة قد خلف على أمه بعد أن آمت من قمعة ولحي صغير.

 

ولحي هو ربيعة، فتبناه حارثة وانتسب إليه فيكون النسب صحيحا بالوجهين جميعا : إلى حارثة بالتبني ، وإلى قمعة بالولادة وكذلك أسلم بن أفصى بن حارثة فإنه أخو خزاعة ، والقول فيه كالقول في خزاعة ، وقيل في أسلم بن أفصى : إنهم من بني أبي حارثة بن عامر لا من بني حارثة ، فعلى هذا لا يكون في الحديث حجة لمن نسب قحطان إلى إسماعيل والله أعلم .

 

ومن حجة من نسب خزاعة إلى قمعة مع الحديث المذكور في ذلك قول المعطل [الهذلي] يخاطب قوما من خزاعة:  

لعلكم من أسرة قمعية إذا حضروا لا يشهدون المعرفا 

وقوله في حديث أكثم الذي يرويه أبو هريرة. اسم أبي هريرة عبد الله بن عمرو ، وقيل عبد الرحمن بن صخر وقيل هو الذي ذكره ابن هشام.

 

وقال البخاري اسمه عبد شمس بن عبد نهم وقيل اسمه عبد غنم ويحتمل أن يكون هذا اسمه في الجاهلية فبدله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما بدل كثيرا من الأسماء وقد قيل اسمه يزيد بن عشرقة وقيل كردوس وقيل سكين . قاله النفسوي ، [ لعله البغوي أو النفوسي ] وقيل غير هذا . وكناه أبا هريرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهرة رآها معه وقد ذكر أن الهرة كانت وحشية .

 

وأما أكثم الذي ذكره فقد صرح في حديثه بنسب عمرو والد خزاعة ، وذكره لقوة الشبه بين أكثم وبينه يدل على أنه نسب ولادة - كما تقدم ولا سيما على رواية الزبير فإن فيها أنه قال رأيت عمرو بن لحي والد خزاعة يجر قصبه في النار وقوله لأكثم إنك مؤمن وهو كافر قد روى الحديث الحارث بن أبي أسامة في مسنده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذه المقالة في حديث الدجال لعبد العزى بن س، وأن عبد العزى قال أيضرني شبهي به يا رسول الله ؟ يعني : الدجال فقال كما قال لأكثم إنك مؤمن وهو كافر وأحسب هذا وهما في الحديث والله أعلم كما ذكره البخاري عن الزهري .

 

قال ابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ولأكثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان . أحدهما خير الرفقاء أربعة وقد تكلمنا على معناه في كتاب التعريف والإعلام . والآخر اغز مع غير قومك ، تحسن خلقك ، قال الإسكاف في كتاب فوائد الأخبار معنى هذا لأن الرجل إذا غزا مع غير قومه تحفظ ولم يسترسل وتكلف من رياضة نفسه ما لا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله لنظرهم إليه بعين الرضى ، ولصحة إدلاله فلذلك تحسن خلقه لرياضة نفسه على الصبر والاحتمال فهذا حسن من التأويل غير أن الحديث مختلف في لفظه فقد روي فيه سافر مع قومك ، وذكر الروايتين أبو عمر رحمه الله .

 

قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية ولأكثم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان . أحدهما خير الرفقاء أربعة وقد تكلمنا على معناه في كتاب التعريف والإعلام . والآخر اغز مع غير قومك ، تحسن خلقك قال الإسكاف في كتاب فوائد الأخبار معنى هذا لأن الرجل إذا غزا مع غير قومه تحفظ ولم يسترسل وتكلف من رياضة نفسه ما لا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله لنظرهم إليه بعين الرضى ، ولصحة إدلاله فلذلك تحسن خلقه لرياضة نفسه على الصبر والاحتمال فهذا حسن من التأويل غير أن الحديث مختلف في لفظه فقد روي فيه سافر مع قومك ، وذكر الروايتين أبو عمر رحمه الله .

 

وذكر في الحديث عمرو بن لحي ، وأنه أول من بحر البحيرة وقد روي أيضا أن أول من بحر البحيرة رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع آذانهما ، وحرم ألبانهما . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيته في النار يخبطانه بأخفافهما ، ويعضانه بأفواههما وقال عليه السلام قد عرفت أول من سيب السائبة ونصب النصب . عمرو بن لحي رأيته يؤذي أهل النار بريح قصبه

 

رواه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر مرسلا ، ولم يقع في رواية البكائي عنه .

 

أول ما كانت عبادة الحجارة

قال ابن هشام : حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء ، وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق . ويقال : عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا له هذه أصنام نعبدها ، فنستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ، فقال لهم أفلا تعطونني منها صنما ، فأسير به إلى أرض العرب ، فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة ، فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .

 

قال ابن إسحاق : ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد إلا حمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلف الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها : من تعظيم البيت ، والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة ، وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه .

 

فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا : " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك " . فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده . يقول الله تبارك وتعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ يوسف 106 ] أي ما يوحدونني لمعرفة حقي إلا جعلوا معي شريكا من خلقي .

 

أصل عبادة الأوثان

يقال لكل صنم من حجر أو غيره صنم ولا يقال وثن إلا لما كان من غير صخرة كالنحاس ونحوه وكان عمرو بن لحي حين غلبت خزاعة على البيت ، ونفت جرهم عن مكة ، قد جعلته العرب ربا لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسا عشرة آلاف حلة حتى [ قيل ] إنه اللاتي الذي ، يلت السويق للحجيج على صخرة معروفة تسمى : صخرة اللاتي ، ويقال إن الذي يلت كان من ثقيف ، فلما مات قال لهم عمرو : إنه لم يمت ولكن دخل في الصخرة ثم أمرهم بعبادتها ، وأن يبنوا عليها بيتا يسمى : اللاتي ، ويقال دام أمره وأمر ولده على هذا بمكة ثلاثمائة سنة فلما هلك سميت تلك الصخرة اللاتي مخففة التاء واتخذ صنما يعبد وقد ذكر ابن إسحاق ، أنه أول من أدخل الأصنام الحرم ، وحمل الناس على عبادتها ، وسيأتي ذكر إساف ونائلة وما كان منه في أمرهما .

 

وذكر أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة أن عمرو بن لحي فقأ أعين عشرين بعيرا ، وكانوا يفقئون عين الفحل إذا بلغت الإبل ألفا ، فإذا بلغت ألفين فقئوا العين الأخرى قال الراجز

 

وكان شكر القوم عند المنن كي الصحيحات وفقأ الأعين

 

وكانت التلبية من عهد إبراهيم : لبيك لا شريك لك لبيك حتى كان عمرو بن لحي ، فبينما هو يلبي تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلبي معه فقال عمرو : لبيك لا شريك لك ، فقال الشيخ إلا شريكا هو لك ، فأنكر ذلك عمرو ، وقال ما هذا ؟ فقال الشيخ قل تملكه وما ملك فإنه لا بأس بهذا ، فقالها عمرو ، فدانت بها العرب

 

أصنام قوم نوح

وقد كانت لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها ، قص الله - تبارك وتعالى - خبرها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا [ نوح 22 23 ]

 

وذكر ابن إسحاق ما كان في قوم نوح ومن قبلهم من عبادة الأصنام وتلك هي الجاهلية الأولى التي ذكر الله في القرآن في قوله ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى [ الأحزاب : 33 ] وكان بدء ذلك في عهد مهلايل بن قينان فيما ذكروا ،

 

وقد ذكر البخاري عن ابن عباس قال صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد وهي أسماء قوم صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسونها أنصابا ، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنوسخ العلم عبدت

 

وذكر الطبري هذا المعنى وزاد أن سواعا كان ابن شيث وأن يغوث كان ابن سواع وكذلك يعوق ونسر كلما هلك الأول صورت صورته وعظمت لموضعه من الدين ولما عهدوا في دعائه من الإجابة فلم يزالوا هكذا حتى خلفت الخلوف وقالوا : ما عظم هؤلاء آباؤنا إلا لأنها ترزق وتنفع وتضر ، واتخذوها آلهة وهذه أسماء سريانية وقعت إلى الهند ، فسموا بها أصنامهم التي زعموا أنها صور الدراري السبعة وربما كلمتهم الجن من جوفها ففتنتهم ثم أدخلها إلى العرب عمرو بن لحي كما ذكر أو غيره وعلمهم تلك الأسماء وألقاها الشيطان على ألسنتهم موافقة لما كانوا في عهد نوح .

 

أصنام القبائل العربية

فكان الذين اتخذوا تلك الأصنام من ولد إسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائهم حين فارقوا دين إسماعيل هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، اتخذوا سواعا ، فكان لهم برهاط . وكلب بن وبرة من قضاعة ، اتخذوا ودا بدومة الجندل . قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك الأنصاري. 

وننسى اللات والعزى وودا ونسلبها القلائد والشنوفا

 قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله .

قال ابن هشام : وكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة .

قال ابن إسحاق: وأنعم من طيئ ، وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش .

 

قال ابن هشام: ويقال أنعم. وطيئ بن أدد بن مالك ومالك مذحج بن أدد ويقال طيئ بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ. 

قال ابن إسحاق: وخيوان بطن من همدان، اتخذوا يعوق بأرض همدان من أرض اليمن. قال ابن هشام: وقال مالك بن نمط الهمداني :

 

يريش الله في الدنيا ويبري ولا يبري يعوق ولا يريش

  

وهذا البيت في أبيات له 

قال ابن هشام : اسم همدان : أوسلة بن مالك بن زيد بن ربيعة بن أوسلة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ، ويقال أوسلة بن زيد بن أوسلة بن الخيار . ويقال همدان بن أوسلة بن ربيعة بن مالك بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ . 

قال ابن إسحاق : وذو الكلاع من حمير ، اتخذوا نسرا بأرض حمير . 

وكان لخولان صنم يقال له عميانس بأرض خولان ، يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين الله بزعمهم فما دخل في حق عميانس من حق الله تعالى الذي سموه له تركوه له وما دخل في حق الله تعالى من حق عميانس ردوه عليه وهم بطن من خولان ، يقال لهم الأديم وفيهم أنزل الله - تبارك وتعالى - فيما يذكرون وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون [ الأنعام 136 ] .

 

قال ابن هشام : خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، ويقال خولان بن عمرو بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ ، ويقال خولان بن عمرو بن سعد العشيرة بن مذحج .

 

قال ابن إسحاق : وكان لبني ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر صنم يقال له سعد صخرة بفلاة من أرضهم طويلة فأقبل رجل من بني ملكان بإبل له مؤبلة ليقفها عليه التماس بركته - فيما يزعم - فلما رأته الإبل وكانت مرعية لا تركب وكان يهراق عليه الدماء نفرت منه فذهبت في كل وجه وغضب ربها الملكاني ، فأخذ حجرا فرماه به ثم قال لا بارك الله فيك ، نفرت علي إبلي ، ثم خرج في طلبها حتى جمعها ، فلما اجتمعت له قال

 

أتينا إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد فلا نحن من سعد

وهل سعد إلا صخرة بتنوفة من الأرض لا تدعو لغي ولا رشد

 

 وكان في دوس صنم لعمرو بن حممة الدوسي .

قال ابن هشام : سأذكر حديثه في موضعه إن شاء الله .

ودوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث . ويقال : دوس بن عبد الله بن زهران بن الأسد بن الغوث .

وذكر ابن إسحاق أن كلب بن وبرة من قضاعة. وبرة بسكون الباء تقيد في نسخة الشيخ وهي الأنثى من الوبر اتخذوا ودا في دومة الجندل، ودومة هذه - بضم الدال ذكروا أنها سميت بدومى بني إسماعيل كان نزلها، ودومة أخرى بضم الدال عند الكوفة، ودومة - بفتح الدال - أخرى مذكورة في أخبار الردة كذا وجدته للبكري [ في معجم ما استعجم ] مقيدا في أسماء هذه المواضع .

وذكر طيئ بن أدد أو ابن مالك بن أدد على الخلاف ومالك هو مذحج ، وسموا مذحجا بأكمة نزلوا إليها . [وطي] من الطاءة وهي بعد الذهاب في الأرض. قاله ابن جني، ولم يرض قول القتبي إنه أول من طوى المناهل لأن طيئا مهموز وطويت غير مهموز. وذكر جرش في مذحج.

والمعروف أنهم في حمير، وأن مذحج من كهلان بن سبأ ، ويقال إن الملك كان لكهلان بعد حمير ، وأن ملكه دام ثلاثمائة سنة ثم عاد في بني حمير ، قاله المسعودي .

وذكر الدارقطني أن جرش وحرش بالحاء أخوان وأنهما ابنا عليم بن جناب الكلبي ، فهما قبيلان من كلب - والله أعلم .

وذكر مالك بن نمط الهمداني [الخارفي ] ، وهو أبو ثور يلقب ذا المشعار وهو من بني خارف ، وقد قيل . إنه من يام بن أصي ، وكلاهما من همدان وقوله 

يريش الله في الدنيا ويبري

هو من رشت السهم وبريته ، استعير في النفع والضر . قال سويد :

فرشني طالما قد بريتني

وخير الموالي من يريش ولا يبري 

وذكر حديث الملكاني وقوله

فشتتنا سعد فلا نحن من سعد

ويمتنع في العربية دخول لا على الابتداء المعرفة والخبر إلا مع تكرار لا ، مثل أن تقول لا زيد في الدار ولا عمرو ، وذكر سيبويه قولهم لا نولك أن تفعل وقال إنما جاز هذا ; لأن معناه معنى الفعل أي لا ينبغي لك أن تفعل وكذلك ينبغي أن يقال في بيت الملكاني أي لم يقلها على جهة الخبر ، ولكن على قصد التبري منه فكان معنى الكلام فلا نتولى سعدا ، ولا ندين به فهذا المعنى حسن دخول لا على الابتداء كما حسن لا نولك .

وقوله إلا صخرة بتنوفة . التنوفة القفر وجمعها : تنائف بالهمز ووزنها : فعولة ولو كانت تفعلة من النوف وهو الارتفاع لجمعت تناوف ولكنه لا يجوز أن تكون تفعلة إلا أن تحرك الواو بالضم لئلا يشبه بناء الفعل ولو قيل فيها : تنوفة بضم التاء لاحتمل حينئذ أن تكون فعولة أو تفعلة على مثال تنفلة إذ ليس في الأفعال تفعل بالضم وهذا من دقيق علم التصريف .

وأما ملكان بن كنانة فبكسر الميم . قال أبو جعفر بن حبيب النسابة كل شيء في العرب فهو ملكان بكسر الميم ساكن اللام غير ملكان في قضاعة ، وملكان في السكون ، فإنهما بفتح الميم واللام فملكان قضاعة هو ابن جرم بن ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وملكان السكون هو ابن عباد بن عياض بن عقبة بن السكون بن أشرس من كندة ، وكذلك قال الهمداني في ملكان بن جرم ، وقال مثل غطفان ،

وقال ابن حبيب مشايخ خزاعة يقولون ملكان بفتح اللام قال أبو الوليد يعني ابن حبيب ملكان بن أفصى بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، وذكر أبو علي القالي في أماليه عن أبي بكر بن الأنباري عن أبيه عن أشياخه أن كل ملكان في العرب فهو ملكان بكسر الميم إلا ملكان في جرم بن زبان .

قال المؤلف وابن حبيب النسابة مصروف اسم أبيه ورأيت لابن المغربي قال إنما هو ابن حبيب بفتح الباء غير مجرى ، لأنها أمه وأنكر ذلك عليه غيره وقالوا : هو حبيب بن المحبر معروف غير منكر وإنما ذكرناه هاهنا لما حكينا قوله في ملكان .

بل وإساف ونائلة

قال ابن إسحاق وكانت قريش قد اتخذت صنما على بئر في جوف الكعبة يقال له هبل .

قال ابن هشام : سأذكر حديثه إن شاء الله في موضعه . 

قال ابن إسحاق : واتخذوا إسافا ونائلة على موضع زمزم ينحرون عندهما ، وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم - هو إساف بن بغي ونائلة بنت ديك - فوقع إساف على نائلة في الكعبة ، فمسخهما الله حجرين . 

قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها قالت سمعت عائشة - رضي الله عنها - تقول ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم ، أحدثا في الكعبة ، فمسخهما الله تعالى حجرين والله أعلم . 

قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب 

وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم     بمفضى السيول من إساف ونائل

قال ابن هشام : وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى .

قال ابن إسحاق : واتخذ أهل كل دار في دارهم صنما يعبدونه فإذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجه إلى سفره وإذا قدم من سفره تمسح به فكان ذلك أول ما يبدأ به قبل أن يدخل على أهله فلما بعث الله رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالتوحيد قالت قريش : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ ص : 5 ] وكانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحجاب وتهدي لها كما تهدي للكعبة وتطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها ، وهي تعرف فضل الكعبة عليها ; لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم الخليل ومسجده .

 

العزى واللات ومناة 

فكانت لقريش وبني كنانة : العزى بنخلة ، وكان سدنتها وحجابها بنو شيبان من سليم ، حلفاء بني هاشم . 

قال ابن هشام : حلفاء بني أبي طالب خاصة وسليم سليم بن   منصور بن عكرمة بن خصفة  بن    قيس  بن عيلان . 

قال ابن إسحاق: فقال شاعر من العرب: 

لقد أنكحت أسماء رأس بقيرة من الأدم أهداها امرئ من بني غنم

رأى قدعا في عينها إذ يسوقها إلى غبغب العزى فوسع في القسم 

وكذلك كانوا يصنعون إذا نحروا هديا قسموه في من حضرهم. والغبغب المنحر ومهراق الدماء.

قال ابن هشام: وهذان البيتان لأبي خراش الهذلي واسمه خويلد بن مرة في أبيات له. والسدنة الذين يقومون بأمر الكعبة.

قال رؤبة بن العجاج:

فلا ورب الآمنات القطن يعمرن أمنا بالحرام المأمن

بمحبس الهدي وبيت المسدن

وهذان البيتان في أرجوزة له وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه.

قال ابن إسحاق : وكانت اللات لثقيف بالطائف ، وكان سدنتها وحجابها بنو معتب من ثقيف .

قال ابن هشام : وسأذكر حديثها إن شاء الله تعالى في موضعه .

قال ابن إسحاق : وكانت مناة للأوس والخزرج ، ومن دان بدينهم من أهل يثرب ، على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد .

قال ابن هشام : وقال الكميت بن زيد    أحد بني أسد بن مدركة . 

وقد آلت قبائل لا تولي مناة ظهورها متحرفينا

رأى قدعا في عينها والقدع ضعف البصر من إدمان النظر

وهذا البيت في قصيدة له. 

قال ابن هشام: فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها أبا سفيان بن حرب فهدمها، ويقال علي بن أبي طالب .

 

فصل

وذكر إسافا ونائلة وأنهما رجل وامرأة من جرهم ، وأن إسافا وقع عليها في الكعبة فمسخا ، وأخرجه رزين في فضائل مكة عن بعض السلف ما أمهلهما الله إلى أن يفجرا فيها ، ولكنه قبلها ، فمسخا حجرين فأخرجا إلى الصفا والمروة ، فنصبا عليهما ، ليكونا عبرة وموعظة فلما كان عمرو بن لحي نقلهما إلى الكعبة ، ونصبهما على زمزم ، فطاف الناس بالكعبة وبهما ، حتى عبدا من دون الله .

 

وأما هبل فإن عمرو بن لحي جاء به من هيت ، وهي من أرض الجزيرة حتى وضعه في الكعبة .

 

وذكر الواقدي أن نائلة حين كسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح خرجت منها سوداء شمطاء تخمش وجهها ، وتنادي بالويل والثبور وذكر باقي الحديث . وقول عائشة أحدثا في الكعبة أرادت الحدث الذي هو الفجور كما قال - عليه السلام - من أحدث [ فيها ] حدثا، أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله [ والملائكة والناس أجمعين ] 

وقال عمر حين كانت الزلزلة بالمدينة : أحدثتم . والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم 

وقول أبي طالب من إساف ونائل وهو ترخيم في غير النداء للضرورة كما قال أمال بن حنظل. وذكر قول الشاعر

 

لو كنت يا ذا الخلص الموتورا مثلي وكان شيخك المقبورا 

لم تنه عن قتل العداة زورا

 

قال وكان أبوه قتل فأراد الطلب بثأره فأتى ذا الخلصة فاستقسم عنده بالأزلام فخرج السهم بنهيه عن ذلك فقال هذه الأبيات . ومن الناس من ينحلها امرأ القيس بن حجر الكندي ، فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرير بن عبد الله البجلي ، فهدمه .

 

قال ابن إسحاق : وكانت فلس لطيئ ومن يليها بجبلي طيئ يعني سلمى وأجأ .

 

قال ابن هشام : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليها علي بن أبي طالب فهدمها ، فوجد فيها سيفين يقال لأحدهما : الرسوب ، وللآخر المخذم . فأتى بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوهبهما له فهما سيفا علي رضي الله عنه .

قال ابن إسحاق : وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له رئام .

قال ابن هشام : قد ذكرت حديثه فيما مضى . 

وذكر ذا الخلصة وهو بيت دوس . والخلص في اللغة نبات طيب الريح يتعلق بالشجر له حب كعنب الثعلب . وجمع الخلصة خلص . وأن الذي استقسم بالأزلام هو امرؤ القيس بن حجر . ووقع في كتاب أبي الفرج أن امرأ القيس بن حجر حين وترته بنو أسد بقتل أبيه استقسم عند ذي الخلصة بثلاثة أزلام وهي الزاجر والآمر والمتربص فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال له اعضض ببظر أمك ، وقال الرجز الذي ذكره ابن إسحاق : لو كنت يا ذا الخلص الموتورا . إلى آخره ولم يستقسم أحد عند ذي الخلصة بعد حتى جاء الإسلام وموضعه اليوم مسجد جامع لبلدة يقال لها: العبلات من أرض خثعم. ذكره المبرد عن أبي عبيدة. واسم امرئ القيس حندج والحندج بقلة تنبت في الرمل. والقيس الشدة والنجدة. قال الشاعر 

وأنت على الأعداء قيس ونجدة وأنت على الأدنى هشام ونوفل

 

والنسب إليه مرقسي ، وإلى كل امرئ القيس سواه امرئي . وقد قيل إن حندجا اسم امرئ القيس بن عابس وله صحبة وهو كندي مثل الأول فوقع الغلط من ههنا.

 

وقوله لم تنه عن قتل العداة زورا. نصب: زورا على الحال من المصدر الذي هو النهي . أراد نهيا زورا . وانتصاب المصدر على هذه الصورة إنما هو حال أو مفعول مطلق فإذا حذفت المصدر وأقمت الصفة مقامه لم تكن إلا حالا ، والدليل على ذلك أنك تقول ساروا شديدا ، وساروا رويدا ، فإن رددته إلى ما لم يسم فاعله لم يجز رفعه لأنه حال ولو لفظت بالمصدر فقلت : ساروا سيرا رويدا لجاز أن تقول فيما لم يسم فاعله سير عليه سير رويد هذا كله معنى قول سيبويه ، فدل على أن حكمه إذا لفظ به غير حكمه إذا حذف والسر في ذلك أن الصفة لا تقوم مقام المفعول إذا حذف . لا تقول كلمت شديدا، ولا ضربت طويلا، يقبح ذلك إذا كانت الصفة عامة والحال ليست كذلك لأنها تجري مجرى الظرف وإن كانت صفة فموصوفها معها ، وهو الاسم الذي هي حال له ومن هذا الباب قوله تعالى: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا [ المؤمنون 115 ] .

 

وذكر بعث جرير البجلي إلى هدم ذي الخلصة وذلك قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهرين أو نحوهما ، قال جرير بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مائة وخمسين راكبا من أحمس إلى الخلصة فقلت : يا رسول الله إني لا أثبت على الخيل فدعا لي ، وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا وفي كتاب مسلم في هذا الحديث " وكان يقال له الكعبة اليمانية والشآمية " ، وهذا مشكل ومعناه كان يقال الكعبة اليمانية والشآمية يعنون بالشآمية البيت الحرام ، فزيادة له سهو وبإسقاطه يصح المعنى . قاله بعض المحدثين والحديث في جامع البخاري بزيادة له كما في صحيح مسلم ، وليس هذا عندي بسهو وإنما معناه كان يقال له أي يقال من أجله الكعبة الشآمية للكعبة وهو الكعبة اليمانية ، وله بمعنى من أجله لا تنكر كما قال ابن أبي ربيعة : 

وقمير من آخر الليل قد لا ح له قالت الفتاتان قوما

 

وذو الخلصة بضم الخاء واللام في قول ابن إسحاق، وبفتحهما في قول ابن هشام ، هو صنم سيعبد في آخر الزمان ثبت في الحديث أنه لا تقوم الساعة حتى تصطفق أليات نساء دوس وخثعم حول ذي الخلص

رضاء والمستوغر 

قال ابن إسحاق: وكانت رضاء بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام 

ولقد شددت على رضاء شدة فتركتها قفرا بقاع أسحما

قال ابن هشام: قوله 

فتركتها قفرا بقاع أسحما

عن رجل من بني سعد. 

ويقال إن المستوغر عمر ثلاثمائة سنة وثلاثين سنة وكان أطول مضر كلها عمرا، وهو الذي يقول

 

ولقد سئمت من الحياة وطولها وعمرت من عدد السنين مئينا

مائة حدتها بعدها مئتان لي وازددت من عدد الشهور سنينا

هل ما بقي إلا كما قد فاتنا يوم يمر، وليلة تحدونا

 

وبعض الناس يروي هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي.

 

قال ابن إسحاق : وكان ذو الكعباتلبكر وتغلب ابني وائل وإياد بسنداد وله يقول أعشى بني قيس بن ثعلبة 

بين الخورنق والسدير وبارق والبيت ذي الكعبات من سنداد

قال ابن هشام: وهذا البيت للأسود بن يعفر النهشلي نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم في قصيدة له وأنشدنيه أبو محرز خلف الأحمر:

 

أهل الخورنق والسدير وبارق والبيت ذي الشرفات من سنداد

 

فصل

وذكر المستوغر بن ربيعة، واسمه كعب. قال ابن دريد سمي مستوغرا بقوله 

ينش الماء في الربلات من نشيش الرضف في اللبن الوغير

والوغير فعيل من وغرة الحر وهي شدته وذكر القتبي أن المستوغر حضر سوق عكاظ ، ومعه ابن ابنه وقد هرم والجد يقوده فقال له رجل ارفق بهذا الشيخ فقد طال ما رفق بك ، فقال ومن تراه ؟ فقال هو أبوك أو جدك ، فقال ما هو إلا ابن ابني فقال ما رأيت كاليوم ولا المستوغر بن ربيعة فقال أنا المستوغر . والأبيات التي أنشدها له 

ولقد سئمت من الحياة وطولها وعمرت من عدد السنين مئينا

إلى آخره . ذكر أنها تروى لزهير بن جناب الكلبي وهو زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن غذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة . وزهير هذا من المعمرين وهو الذي يقول

أبني إن أهلك فإني قد بنيت لكم بنيه

وتركتكم أولاد سادا ت زنادهم وريه

من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحيه 

 يريد بالتحية البقاء وقيل الملك وأعقب هو وإخوته قبائل في كلب وهم زهير وعدي وحارثة ومالك ويعرف مالك هذا بالأصم لقوله 

أصم عن الخنا إن قيل يوما وفي غير الخنا ألفى سميعا

وأخوه حارثة بن جناب وعليم بن جناب ومن بني عليم بنو زيد غير مصروف. عرفوا بأمهم زيد بنت مالك وهم بنو كعب بن عليم منهم الرباب بنت امرئ القيس امرأة الحسين بن علي وفيها يقول

أحب لحبها زيدا جميعا ونثلة كلها، وبني الرباب

وأخرى لأنها من آل لأم حبهم وطر بني جناب

فمن المعمرين من العرب سوى المستوغر مما زادوا على المائتين والثلاثمائة : زهير هذا ، وعبيد بن شرية ودغفل بن حنظلة النسابة والربيع بن ضبع الفزاري ، وذو الإصبع [ حرثان بن محرث ] العدواني ، ونصر بن دهمان بن أشجع بن ريث بن غطفان ، وكان قد اسود رأسه بعد ابيضاضه وتقوم ظهره بعد انحنائه وفيه يقول القائل 

لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها وتسعين حولا ثم قوم فانصاتا

وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه ولكنه من بعد ذلك قد ماتا 

وأمره عند العرب من أعجب العجب ومن أطول المعمرين عمرا: ذويد واسمه زيد بن نهد من قضاعة ، وأبوه نهد إليه ينسب الحي المعروفون من قضاعة : بنو نهد بن زيد عاش ذويد أربعمائة عام - فيما ذكروا - وكان له آثار في العرب ، ووقائع وغارات فلما جاء الموت قال 

اليوم يبنى لذويد بيته ومغنم يوم الوغى حويته

ومعصم موشم لويته لو كان للدهر بلى أبليته

أو كان قرني واحدا كفيته

وقول المستوغر: 

ولقد شددت على رضاء شدة فتركتها قفرا بقاع أسحما 

يريد تركتها سحماء من آثار النار وبعده 

وأعان عبد الله في مكروهها وبمثل عبد الله أغشى المحرما 

ذكر ذا الكعبات بيت وائل وأنشد للأسود بن يعفر 

أرض الخورنق والسدير ودارم والبيت ذي الشرفات من سنداد

 

 والخورنق : قصر بناه النعمان الأكبر ملك الحيرة لسابور ليكون ولده فيه عنده وبناه بنيانا عجميا لم تر العرب مثله واسم الذي بناه له سنمار وهو الذي ردي من أعلاه حتى قالت العرب : جزاني جزاء سنمار وذلك أنه لما تم الخورنق ، وعجب الناس من حسنه قال سنمار أما والله لو شئت حين بنيته جعلته يدور مع الشمس حيث دارت فقال له الملك أإنك لتحسن أن تبني أجمل من هذا ؟ وغارت نفسه أن يبتنى لغيره مثله وأمر به فطرح من أعلاه وكان بناه في عشرين سنة قال الشاعر [ عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي ] :

 

جزاني جزاه الله شر جزائه جزاء سنمار وما كان ذا ذنب

سوى رصه البنيان عشرين حجة يعلى عليه بالقرامد والسكب

فلما انتهى البنيان يوما تمامه وآض كمثل الطود والباذخ الصعب

وظن سنمار به كل حبوة وفاز لديه بالمودة والقرب

رمى بسنمار على حاق رأسه وذاك لعمر الله من أقبح الخطب

 

ذكر هذا الشعر الجاحظ في كتاب الحيوان والسنمار من أسماء القمر وأول شعر الأسود ذهب الرقاد فما أحس رقادي . وفيها يقول

 

ولقد عمرت وإن تطاول في المدى إن السبيل سبيل ذي الأعواد

 

قيل يريد بالأعواد النعش وقيل أراد عامر بن الظرب الذي قرعت له العصا بالعود من الهرم والخرف وفيها يقول

 

ماذا أؤمل بعد آل محرق تركوا منازلهم وبعد إياد

نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجيء من أطواد

أرض الخورنق والسدير وبارق والبيت ذي الكعبات من سنداد

جرت الرياح على محل ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد

وأرى النعيم وكل ما يلهى به يوما يصير إلى بلى ونفاد

 

 ومعنى السدير بالفارسية بيت الملك . يقولون له " سهدلي " أي له ثلاث شعب وقال البكري : سمي السدير ; لأن الأعراب كانوا يرفعون أبصارهم إليه فتسدر من علوه يقال سدر بصره إذا تحير .

 

أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي 

قال ابن إسحاق : فأما البحيرة فهي بنت السائبة والسائبة الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر سيبت فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها ، ثم خلي سبيلها مع أمها ، فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها ، فهي البحيرة بنت السائبة . والوصيلة الشاة إذا أتأمت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر جعلت وصيلة . قالوا : قد وصلت فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم إلا أن يموت منها شيء فيشتركوا في أكله ذكورهم وإناثهم .

 

قال ابن هشام : ويروى : فكان ما ولدت بعد ذلك لذكور بنيهم دون بناتهم .

 

قال ابن إسحاق : والحامي : الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر حمي ظهره فلم يركب ولم يجز وبره وخلي في إبله يضرب فيها ، لا ينتفع منه بغير ذلك .

 

قال ابن هشام : وهذا عند العرب على غير هذا إلا الحامي ، فإنه عندهم على ما قال ابن إسحاق . فالبحيرة عندهم الناقة تشق أذنها فلا يركب ظهرها ، ولا يجز وبرها ، ولا يشرب لبنها إلا ضيف أو يتصدق به وتهمل لآلهتهم . والسائبة التي ينذر الرجل أن يسيبها إن برئ من مرضه أو إن أصاب أمرا يطلبه. فإذا كان أساب ناقة من إبله أو جملا لبعض آلهتهم فسابت فرعت لا ينتفع بها . والوصيلة التي تلد أمها اثنين في كل بطن فيجعل صاحبها لآلهته الإناث منها ، ولنفسه الذكور منها : فتلدها أمها ومعها ذكر في بطن فيقولون وصلت أخاها ، فيسيب أخوها معها ، فلا ينتفع به .

 

قال ابن هشام : حدثني به يونس بن حبيب النحوي وغيره . روى بعض ما لم يرو بعض.

 

قال ابن إسحاق : فلما بعث الله تبارك وتعالى رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أنزل عليه ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون [ المائدة 103 ] . وأنزل الله تعالى : وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم [ الأنعام 139 ] . وأنزل عليه قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون [ يونس 59 ] . وأنزل عليه ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين [الأنعام 142 - 144].

 

قال ابن هشام : قال الشاعر 

حول الوصائل في شريف حقة والحاميات ظهورها والسيب

وقال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة 

فيه من الأخرج المرباع قرقرة هدر الديافي وسط الهجمة البحر

 

وهذا البيت في قصيدة له . وجمع بحيرة بحائر وبحر. وجمع وصيلة وصائل ووصل. وجمع سائبة الأكثر سوائب وسيب وجمع حام الأكثر حوام.

 

البحيرة والسائبة

فصل وذكر البحيرة والسائبة وفسر ذلك وفسره ابن هشام بتفسير آخر . وللمفسرين في تفسيرهما أقوال منها : ما يقرب ومنها ما يبعد من قولهما ، وحسبك منها ما وقع في الكتاب لأنها أمور كانت في الجاهلية قد أبطلها الإسلام فلا تمس الحاجة إلى علمها .

 

وذكر ما أنزل الله في ذلك منها قوله تعالى : خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا [ الأنعام 139 ] وفيه من الفقه الزجر عن التشبه بهم في تخصيصهم الذكور دون الإناث بالهبات . روت عمرة عن عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يعمد أحدكم إلى المال فيجعله عند ذكور ولده . إن هذا إلا كما قال الله تعالى : وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا رواه البخاري في التاريخ من حديث سليمان بن حجاج . وأنشد في البحيرة

 

فيه من الأخرج المرباع قرقرة هدر الديافي وسط الهجمة البحر

 

هكذا الرواية المرباع بالباء من الربيع والمرباع هو الفحل الذي يبكر بالإلقاح ويقال للناقة أيضا : مرباع إذا بكرت بالنتاج وللروضة إذا بكرت بالنبات .

 

يصف في هذا البيت حمار وحش يقول فيه من الأخرج وهو الظليم الذي فيه بياض وسواد أي فيه منه قرقرة أي صوت وهدر مثل هدر الديافي أي الفحل المنسوب إلى دياف بلد بالشام والهجمة من الإبل دون المائة وجعلها بحرا لأنها تأمن من الغارات يصفها بالمنعة والحماية كما تأمن من البحيرة من أن تذبح أو تنحر ورأيت في شعر ابن مقبل من الأخرج المرياع بالياء أخت الواو وفسره في الشرح من راع يريع إذا أسرع الإجابة كما قال طرفة " تريع إلى صوت المهيب وتتقي “.

 

والنفس إلى الرواية الأولى أسكن وحكي عن ابن قتيبة أنه قال في البحر هي الغزيرات اللبن لا جمع بحيرة كأنها : جمع بحور عنده فظن هذا يذهب المعنى الذي ذكرنا من أمنها ومنعتها ; إذ ليس هذا المعنى في الغزيرات اللبن لكنه أظهر في العربية لأن بحيرة فعيلة وفعيلة لا تجمع على فعل إلا أن تشبه بسفينة وسفن وخريدة وخرد وهو قليل . وقيل البيت في وصف روض

 

بعازب النبت يرتاح الفؤاد له رأد النهار لأصوات من النغر

وبعد البيت الواقع في السيرة

والأزرق الأخضر السربال منتصب قيد العصا فوق ذيال من الزهر

 

 يعني بالأزرق ذباب الروض وكذلك النغر . وقوله في البيت الآخر حول الوصائل جمع حائل ، ويقال في جمعها أيضا : حولل ومثله عائط وعوطط على غير قياس . والشريف اسم موضع . 

عدنا إلى سياقة النسب

 

نسب خزاعة

قال ابن إسحاق: وخزاعة تقول نحن بنو عمرو بن عامر من اليمن.

قال ابن هشام: وتقول خزاعة: نحن بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث، وخندف أمها ، فيما حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم . ويقال خزاعة : بنو حارثة بن عمرو بن عامر . وإنما سميت خزاعة، لأنهم تخزعوا من ولد عمرو بن عامر، حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام ، فنزلوا بمر الظهران ، فأقاموا بها . قال عون بن أيوب الأنصاري أحد بني عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة من الخزرج في الإسلام

 

فلما هبطنا بطن مر تخزعت خزاعة منا في خيول كراكر

حمت كل واد من تهامة واحتمت بصم الفنا والمرهفات البواتر

وهذان البيتان في قصيدة له.

 

وقال أبو المطهر إسماعيل بن رافع الأنصاري ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس  

 

فلما هبطنا بطن مكة أحمدت خزاعة دار الآكل المتحامل

فحلت أكاريسا ، وشتت قنابلا على كل حي بين نجد وساحل

نفوا جرهما عن بطن مكة واحتبوا بعز خزاعي شديد الكواهل

قال ابن هشام: وهذه الأبيات في قصيدة له وأنا إن شاء الله أذكر نفيها جرهما في موضعه.

 

نسب خزاعة

وقوله في نسب خزاعة: تقول خزاعة: نحن بنو عمرو بن عامر إلى آخر النسب وقد تقدم أن عمرا يقال له مزيقياء . وأما عامر فهو ماء السماء سمي بذلك لجوده وقيامه عندهم مقام الغيث. وحارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة وهو الغطريف.

بطن مر

وقول عون فلما هبطنا بطن مر . يريد مر الظهران، وسمي مرا لأن في عرق من الوادي من غير لون الأرض شبه الميم الممدودة وبعدها را خلقت كذلك ويذكر عن كثير أنه قال سميت مرا لمرارتها ، ولا أدري ما صحة هذا . 

فلما هبطنا بطن مر البيتين وبعدهما: 

خزاعتنا أهل اجتهاد وهجرة وأنصارنا جند النبي المهاجر

وسرنا إلى أن قد نزلنا بيثربا وهن منا وغير تشاجر

وسارت لنا سيارة ذات منظر بكوم المطايا والخيول الجماهر

يؤمون أهل الشام حين تمكنوا ملوكا بأرض الشام فوق البرابر

أولاك بنو ماء السماء توارثوا دمشقا بملك كابرا بعد كابر

الحلول جمع: حال والكراديس جمع: كردوس الخيل.

 

دمشق

وقوله دمشقا ، سميت مدينة الشام باسم الرجل الذي هاجر إليها مع إبراهيم وهو دامشق بن النمروذ بن كنعان أبوه الملك الكافر عدو إبراهيم وكان ابنه دامشق قد آمن بإبراهيم وهاجر معه إلى الشام . كذلك ذكر بعض النساب وذكره البكري في كتاب المعجم . والدمشق في اللغة الناقة المسنة - فيما ذكر بعضهم - وكان يقال لدمشق أيضا : جيرون سميت باسم الذي بناها ، وهو جيرون بن سعد [ بن عاد] ، وفيها يقول أبو دهبل [ الجمحي ] : 

صاح حيا الإله حيا ودارا عند شرق القناة من جيرون

 

أولاد مدركة وخزيمة وكنانة والنضر

قال ابن إسحاق : فولد مدركة بن إلياس رجلين خزيمة بن مدركة وهذيل بن مدركة ، وأمهما : امرأة من قضاعة [ قيل سلمى بنت أسد بن ربيعة بن نزار - كما في نسب قريش ] . فولد خزيمة بن مدركة أربعة نفر كنانة بن خزيمة ، وأسد بن خزيمة ، وأسدة بن خزيمة ، والهون بن خزيمة ، فأم كنانة عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان بن مضر .

قال ابن هشام : ويقال الهون بن خزيمة .

قال ابن إسحاق : فولد كنانة بن خزيمة أربعة نفر النضر بن كنانة ، ومالك بن كنانة ، وعبد مناة بن كنانة وملكان بن كنانة فأم النضر برة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ، وسائر بنيه لامرأة أخرى .

 

قال ابن هشام : أم النضر ومالك وملكان . برة بنت مر وأم عبد مناة هالة بنت سويد بن الغطريف من أزد شنوءة. وشنوءة عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث ، وإنما سموا شنوءة لشنآن كان بينهم . والشنآن البغض.

 

قال ابن هشام : النضر قريش ، فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي . قال جرير بن عطية أحد بني كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان :

 

فما الأم التي ولدت قريشا بمقرفة النجار ولا عقيم

وما قرم بأنجب من أبيكم وما خال بأكرم من تميم

 

يعني: برة بنت مر أخت تميم بن مر ، أم النضر . وهذان البيتان في قصيدة له. 

ويقال فهر بن مالك: قريش ، فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي وإنما سميت قريش قريشا من التقرش والتقرش التجارة والاكتساب . قال رؤبة بن العجاج : 

قد كان يغنيهم عن الشغوش والخشل من تساقط القروش

شحم ومحض ليس بالمغشوش

 

قال ابن هشام : والشغوش قمح يسمى : الشغوش . والخشل رءوس الخلاخيل والأسورة ونحوه . والقروش التجارة والاكتساب يقول قد كان يغنيهم عن هذا شحم ومحض والمحض اللبن الحليب الخالص . وهذه الأبيات في أرجوزة له . وقال أبو جلدة اليشكري ، ويشكر بن بكر بن وائل :

 

إخوة قرشوا الذنوب علينا في حديث من عمرنا وقديم

وهذا البيت في أبيات له.

قال ابن إسحاق: ويقال إنما سميت قريش : قريشا لتجمعها من بعد تفرقها . ويقال للتجمع التقرس.

 

فولد النضر بن كنانة رجلين مالك بن النضر ، ويخلد بن النضر فأم مالك عاتكة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان ولا أدري أهي أم يخلد أم لا .

 

قال ابن هشام: والصلت بن النضر - فيما قال أبو عمرو المدني - وأمهم جميعا : بنت سعد بن ظرب العدواني . وعدوان : بن عمر بن قيس بن عيلان . قال كثير بن عبد الرحمن - وهو كثير عزة أحد بني مليح بن عمرو ، من خزاعة : 

أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي لكل هجان من بني النضر أزهرا

رأيت ثياب العصب مختلط السدى بنا وبهم والحضرمي المخصرا

[ إذا ما قطعنا من قريش قرابة بأي نجاد يحمل السيف ميسرا]

فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا أراكا بأذناب الفوائج أخضرا

 

وهذه الأبيات في قصيدة له.

والذين يعزون إلى الصلت بن النضر من خزاعة: بنو مليح بن عمرو، رهط كثير عزة.

 

بنو كنانة

وذكر بني كنانة الأربعة مالكا وملكان والنضر وعبد مناة. وزاد الطبري في ولد كنانة عامرا والحارث والنضير وغنما وسعدا وعوفا وجرول والحدال وغزوان. كلهم بنو كنانة. 

قريش

فصل 

وذكر النضر بن كنانة ، وقول من قال إنه قريش ، والقول الآخر في أن فهرا هو قريش ، وقد قيل إن فهرا لقب واسمه الذي سمي به قريش .

 

وأما يخلد بن النضر فذكر أبو عبد الله الزبير بن بكار في أنساب قريش له قال قال عمي : وأما بنو يخلد بن النضر فذكر [ وا ] في بني عمرو بن الحارث بن ملك بن كنانة ومنهم قريش بن بدر بن يخلد بن النضر وكان دليل بني كنانة في تجاراتهم فكان يقال قدمت عير قريش ، فسميت قريش به وأبوه بدر بن يخلد صاحب بدر الموضع الذي لقي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا .

 

وقال عن غير عمه قريش بن الحارث بن يخلد وابنه بدر الذي سميت به بدر وهو احتفرها . قال وقد قالوا : اسم فهر بن مالك : قريش ، ومن لم يلده فهر ، فليس من قريش ، وذكر عن عمه أن فهرا هو قريش .

 

وقال أبو عبد الله حدثني عمرو بن أبي بكر المؤملي عن جدي عبد الله بن مصعب - رحمه الله - أنه سمعه يقول اسم فهر بن مالك : قريش ، وإنما فهر لقب وكذلك حدثه المؤملي عن عثمان بن أبي سليمان في اسم فهر بن مالك : أنه قريش ، ومثل ذلك ذكر عن المؤملي عن أبي عبيدة بن عبد الله في اسم فهر بن مالك : أنه قريش . قال وحدثني إبراهيم بن المنذر وقال حدثنا أبو البختري وهب بن وهب قال حدثني ابن أخي ابن شهاب عن عمه أن اسم فهر بن مالك الذي أسمته أمه قريش ، وإنما نبزته فهرا ، كما يسمى الصبي : غزارة وشملة وأشباه ذلك قال قال وقد أجمع النساب من قريش وغيرهم أن قريشا إنما تفرقت عن فهر ، والذي عليه من أدركته من نساب قريش وغيرهم أن ولد فهر بن مالك : قريش ، وأن من جاوز فهر بن مالك بنسبه فليس من قريش .

 

وذكر عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي فيما حدثه أبو الحسن الأثرم عنه أن النضر بن كنانة هو قريش ، وذكر عنه أنه قال في موضع آخر ولد مالك بن النضر فهرا ، وهو جماع قريش ، وقال قال محمد بن حسن عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن محمد عن الشعبي ، قال النضر بن كنانة هو قريش ، وإنما سمي قريشا ; لأنه كان يقرش عن خلة الناس وحاجتهم فيسدها بماله والتقريش . هو التفتيش وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عن الحاجة فيرفدونهم بما يبلغهم فسموا بذلك من فعلهم وقرشهم قريشا . وقد قال الحارث بن حلزة في بيان القرش

 

أيها الناطق المقرش عنا عند عمرو ، فهل له أنفاء

وحدثه أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة معمر بن المثنى [ التيمي ] ، قال منتهى من وقع عليه اسم قريش : النضر بن كنانة ، فولده قريش دون سائر بني كنانة بن خزيمة بن مدركة وهو عامر بن إلياس بن مضر ، فأما من ولد كنانة سوى النضر فلا يقال لهم قريش ، وإنما سمي بنو النضر قريشا لتجمعهم لأن التقرش هو التجمع . قال وقال بعضهم التجار يتقارشون يتجرون والدليل على اضطراب هذا القول أن قريشا لم يجتمعوا حتى جمعهم قصي بن كلاب ، فلم يجمع إلا ولد فهر بن مالك لا مرية عند أحد في ذلك وبعد هذا فنحن أعلم بأمورنا ، وأرعى لمآثرنا ، وأحفظ لأسمائنا ، لم نعلم ولم ندع قريشا ، ولم نهمم إلا ولد فهر بن مالك .

 

قال المؤلف في جميع هذا الكلام من قول الزبير وما حكاه عن النسابين نقلته من كتاب الشيخ أبي بحر - رحمه الله - ثم ألفيته في كتاب الزبير كما ذكره ورأيت لغيره أن قريشا تصغير القرش وهو حوت في البحر يأكل حيتان البحر سميت به القبيلة أو سمي به أبو القبيلة - والله أعلم - ورد الزبير على ابن إسحاق في أنها سميت قريشا لتجمعها ، وأنه لا يعرف قريش إلا في بني فهر ردا لا يلزم لأن ابن إسحاق لم يقل إنهم بنو قصي خاصة وإنما أراد أنهم سموا بهذا الاسم مذ جمعهم قصي ، وكذا قال المبرد في المقتضب إن هذه التسمية إنما وقعت لقصي - والله أعلم - غير أنا قدمنا في قول كعب بن لؤي ما يدل على أنها كانت تسمى قريشا قبل مولد قصي وهو قوله إذا قريش تبغي الحق خذلانا .

وذكر قول رؤبة قد كان يغنيهم عن الشغوش. وفسره ضرب من القمح وفسر الخشل رءوس الخلاخيل. وفي حاشية الشيخ عن أبي الوليد قال إنما الخشل المقل والقروش ما تساقط من حتاتة وتقشر منه وأنشد لكثير بن عبد الرحمن أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي. البيت وبعده: 

رأيت ثياب العصب مختلط السدى بنا وبهم والحضرمي المخصرا 

والعصب برود اليمن، لأنها تصبغ بالعصب ولا ينبت العصب ولا الورس إلا باليمن وكذلك اللبان. قاله أبو حنيفة. يريد إن قدودنا من قدودهم فسدي أثوابنا، مختلط بسدي أثوابهم. والحضرمي النعال المخصرة التي تضيق من جانبيها كأنها ناقصة الخصرين كما يقال رجل مبطن أي ضامر البطن وجاء في صفة نعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها كانت معقبة مخصرة ملسنة مخثرمة. والمخثرمة التي لها خثرمة وهو كالتحدير في مقدمها وكانت نعله - عليه السلام - من سبت ولا يكون السبت إلا من جلد بقر مدبوغ. قاله أبو حنيفة عن الأصمعي وأبي زيد.

 

أولاد مالك وابنه فهر

قال ابن إسحاق : فولد مالك بن النضر : فهر بن مالك ، وأمه جندلة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي .

قال ابن هشام : وليس بابن مضاض الأكبر .

قال ابن إسحاق : فولد فهر بن مالك أربعة نفر غالب بن فهر ، ومحارب بن فهر ، والحارث بن فهر ، وأسد بن فهر ، وأمهم ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة .

قال ابن هشام : وجندلة بنت فهر ، وهي أم يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وأمها : ليلى بنت سعد . قال جرير بن عطية بن الخطفى . واسم الخطفى : حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة .

 

وإذا غضبت رمى ورائي بالحصى أبناء جندلة كخير الجندل

وهذا البيت في قصيدة له. 

وذكر قول جرير بن الخطفى:

 

يرفعن بالليل إذا ما أسدفا أعناق جنان وهاما رجفا

وعنقا باقي الرسيم خيطفا

والخيطفة سرعة في العدو فإذا وصفت به العنق والجري قلت : عنق خيطف وإذا سميت به الرجل قلت : خطفى ، وكذلك إن جعلته اسما للمشية فهو مثل الجمزى والبشكى .

 

غالب وزوجاته وأولاده 

قال ابن إسحاق فولد غالب بن فهر رجلين لؤي بن غالب ، وتيم بن غالب ، وأمهما : سلمى بنت عمرو الخزاعي - وتيم بن غالب الذين يقال لهم بنو الأدرم .

قال ابن هشام : وقيس بن غالب ، وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعي وهي أم لؤي وتيم ابني غالب.

 

بنو الأدرم

وقوله وتيم بن غالب وهم بنو الأدرم . والأدرم المدفون الكعبين من اللحم يقال امرأة درماء وكعب أدرم . قال الراجز

  

قامت تريه خشية أن تصرما ساقا بخنداة وكعبا أدرما

وكفلا مثل النقا أو أعظما

والأدرم أيضا : المنقوض الذقن وكان تيم بن غالب كذلك فسمي الأدرم قاله الزبير . وبنو الأدرم هؤلاء هم أعراب مكة ، وهم من قريش الظواهر ، لا من قريش البطاح ، وكذلك بنو محارب من فهر ، وبنو معيص بن عامر 

غالب وزوجاته وأولاده

قال ابن إسحاق فولد غالب بن فهر رجلين لؤي بن غالب ، وتيم بن غالب ، وأمهما : سلمى بنت عمرو الخزاعي - وتيم بن غالب الذين يقال لهم بنو الأدرم .

قال ابن هشام : وقيس بن غالب ، وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعي وهي أم لؤي وتيم ابني غالب.

بنو الأدرم 

وقوله وتيم بن غالب وهم بنو الأدرم . والأدرم المدفون الكعبين من اللحم يقال امرأة درماء وكعب أدرم . قال الراجز 

قامت تريه خشية أن تصرما ساقا بخنداة وكعبا أدرما

وكفلا مثل النقا أو أعظما

الأدرم أيضا : المنقوض الذقن وكان تيم بن غالب كذلك فسمي الأدرم قاله الزبير . وبنو الأدرم هؤلاء هم أعراب مكة ، وهم من قريش الظواهر ، لا من قريش البطاح ، وكذلك بنو محارب من فهر ، وبنو معيص بن عامر.

 

أمر سامة

قال ابن إسحاق : فأما سامة بن لؤي فخرج إلى عمان ، وكان بها . ويزعمون أن عامر بن لؤي أخرجه وذلك أنه كان بينهما شيء ففقأ سامة عين عامر فأخافه عامر فخرج إلى عمان . فيزعمون أن سامة بن لؤي بينا هو يسير على ناقته إذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها ، فهصرتها حتى وقعت الناقة لشقها ، ثم نهشت سامة فقتلته . فقال سامة حين أحس بالموت فيما يزعمون

 

عين فابكي لسامة بن لؤي علقت ما بسامة العلاقه

لا أرى مثل سامة بن لؤي يوم حلوا به قتيلا لناقه

بلغا عامرا وكعبا رسولا أن نفسي إليهما مشتاقه

إن تكن في عمان داري ، فإني غالبي ، خرجت من غير ناقه

رب كأس هرقت يا ابن لؤي حذر الموت لم تكن مهراقه

رمت دفع الحتوف يا ابن لؤي ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه 

وخروس السرى تركت رذيا بعد جد وجدة ورشاقه

 

 قال ابن هشام: وبلغني أن بعض ولده أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتسب إلى سامة بن لؤي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " آلشاعر “؟ فقال له بعض أصحابه كأنك يا رسول الله أردت قوله 

رب كأس هرقت يا بن لؤي حذر الموت لم تكن مهراقه

 

قال أجل.

وذكر حديث سامة بن لؤي حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد بنيه فانتسب له إلى سامة فقال له عليه السلام آلشاعر بخفض الراء من الشاعر كذا قيده أبو بحر على أبي الوليد بالخفض وهو الصحيح لأنه مردود على ما قبله كأنه مقتضب من كلام المخاطب وإن كان الاستفهام لا يعمل ما قبله فيما بعده ولكن العامل مقدر بعد الألف فإذا قال لك القائل قرأت على زيد مثلا ، فقلت : آلعالم بالاستفهام كأنك قلت له أعلى العالم ونظير هذا ألف الإنكار إذا قال القائل مررت بزيد فأنكرت عليه فقلت أزيدنيه بخفض الدال وبالنصب إذا قال رأيت زيدا ، قلت : أزيدنيه وكذلك الرفع . ومن بني سامة هذا : محمد بن عرعرة بن اليزيد شيخ البخاري ، وبنو سامة بن لؤي زعم بعض النساب أنه أدعياء وأن سامة لم يعقب وقال الزبير ولد سامة غالبا والنبيت والحارث . وأم غالب ناجية بنت جرم بن زبان واسمها : ليلى سميت ناجية لأنها عطشت بأرض فلاة فجعل زوجها يقول لها : انظري إلى الماء وهو يريها السراب حتى نجت فسميت ناجية وإليها ينسب [ بكر بن قيس ] أبو الصديق الناجي الذي يروي عن أبي سعيد الخدري وأبو المتوكل الناجي ، وكثيرا ما يخرج عنه الترمذي ، وكان بنو سامة بالعراق أعداء لعلي - رحمه الله - والذين خالفوا عليا منهم بنو عبد البيت ومنهم علي بن الجهم الشاعر قيل إنه كان يلعن أباه لما سماه عليا بغضا منه في علي - رحمه الله - ذكره المسعودي .

 

الرسول والمرسل 

وقوله بلغا عامرا وكعبا رسولا . يجوز أن يكون رسولا مفعول ببلغا إذا جعلت الرسول بمعنى : الرسالة كما قال الشاعر 

لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بليلى ، ولا أرسلتهم برسول

 

أي برسالة وإنما سموا الرسالة رسولا إذا كانت كتابا ، أو ما يقوم مقام الكتاب من شعر منظوم كأنهم كانوا يقيمون الشعر مقام الكتاب فتبلغه الركبان كما تبلغ الكتاب يعرب عن ضمير الكاتب كما يعرب الرسول وكذلك الشعر المبلغ فسمي رسولا . وبين الرسول والمرسل معنى دقيق ينتفع به في فهم قول الله عز وجل وأرسلناك للناس رسولا [ النساء 79 ] فإنه لا يحسن في مثل هذا أن يقال أرسلناك مرسلا ، ولا نبأناك تنبيئا ، كما لا يحسن ضربناك مضروبا ، ولكشف هذا المعنى وإيضاحه موضع غير هذا ، واختصار القول فيه أن ليس كل مرسل رسولا ، فالرياح مرسلات والحاصب مرسل وكذلك كل عذاب أرسله الله وإنما الرسول اسم للمبلغ عن المرسل . ويجوز أن يكون رسولا حال من قوله بلغا عامرا وكعبا رسولا ; إذ قد يعبر بالواحد عن الاثنين والجماعة في مثل هذا اللفظ تقول أنتم رسولي ، وهي رسولي ، تسوي بين الجماعة والواحد والمذكر والمؤنث . وفي التنزيل فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين [ الشعراء 16 ] فيكون المفعول على هذا : أن نفسي إليهما مشتاقة ويكون أن على القول الأول بدلا من رسول أي رسالة .

 

وقوله وخروس السرى تركت رذيا . إن خفضت فمعناه رب خروس السرى تركت ، فتركت في موضع الصفة لخروس وإن نصبت جعلتها مفعولا بتركت ، ولم يكن تركت في موضع صفة لأن الصفة لا تعمل في الموصوف والسرى : في موضع خفض لخروس على المجاز كما تقول نام ليلك . يريد ناقة صموتا صبورا على السرى ، لا تضجر منه فسراها كالأخرس ومنه قول الكميت

 

كتوم إذا ضج المطي ، كأنما تكرم عن أخلاقهن وترغب

 

وقول الأعشى:

أمر عوف بن لؤي ونقلته

قال ابن إسحاق وأما عوف بن لؤي فإنه خرج - فيما يزعمون - في ركب من قريش ، حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان أبطئ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه في نسب بني ذبيان - ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان . وعوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان - فحبسه وزوجه والتاطه وآخاه فشاع نسبه في بني ذبيان . وثعلبة - فيما يزعمون - الذي يقول لعوف حين أبطئ به فتركه قومه

 

احبس على ابن لؤي جملك تركك القوم ولا مترك لك

 

مكانة مرة ونسبه وسادات مرة

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين أن عمر بن الخطاب قال لو كنت مدعيا حيا من العرب ، أو ملحقهم بنا لادعيت بني مرة بن عوف ، إنا لنعرف فيهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع يعني : عوف بن لؤي .

 

قال ابن إسحاق : فهو في نسب غطفان : مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان . وهم يقولون إذا ذكر لهم هذا النسب ما ننكره وما نجحده وإنه لأحب النسب إلينا .

 

وقال الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع - قال ابن هشام : أحد بني مرة بن عوف حين هرب من النعمان بن المنذر ، فلحق بقريش

 

فما قومي بثعلبة بن سعد ولا بفزارة الشعر الرقابا

وقومي - إن سألت - بنو لؤي بمكة علموا مضر الضرابا

سفهنا باتباع نبي بغيض وترك الأقربين لنا انتسابا

سفاهة مخلف لما تروى هراق الماء واتبع السرابا

فلو - طووعت - عمرك - كنت فيهم وما ألفيت أنتجع السحابا

وخش رواحة القرشي رحلي بناجية ولم يطلب ثوابا

 

قال ابن هشام : هذا ما أنشدني أبو عبيدة منها .

 

قال ابن إسحاق : فقال [ أبو زيد ] الحصين بن الحمام [ بن ربيعة ] المري ثم أحد بني سهم بن مرة يرد على الحارث بن ظالم ، وينتمي إلى غطفان :

 

ألا لستم منا ، ولسنا إليكم برئنا إليكم من لؤي بن غالب

أقمنا على عز الحجاز وأنتم بمعتلج البطحاء بين الأخاشب

 

يعني : قريشا . ثم ندم الحصين على ما قال وعرف ما قال الحارث بن ظالم ، فانتمى إلى قريش ، وأكذب نفسه فقال

 

ندمت على قول مضى كنت قلته تبينت فيه أنه قول كاذب

فليت لساني كان نصفين منهما بكيم ونصف عند مجرى الكواكب

أبونا كناني بمكة قبره بمعتلج البطحاء بين الأخاشب

لنا الربع من بيت الحرام وراثة وربع البطاح عند دار ابن حاطب

 

أي أن بني لؤي كانوا أربعة كعبا ، وعامرا ، وسامة وعوفا .

 

قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجال من بني مرة إن شئتم أن ترجعوا إلى نسبكم ، فارجعوا إليه .

 

قال ابن إسحاق : وكان القوم أشرافا في غطفان ، هم سادتهم وقادتهم . منهم هرم بن سنان بن أبي حارثة وخارجة بن سنان بن أبي حارثة والحارث بن عوف ، والحصين بن الحمام ، وهاشم بن حرملة الذي يقول له القائل

 

أحيا أباه هاشم بن حرمله

يوم الهباءات ويوم اليعمل

ترى الملوك عنده مغربله

يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له

قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة هذه الأبيات لعامر الخصفي خصفة بن قيس بن عيلان 

أحيا أباه هاشم بن حرمله

يوم الهباءات ويوم اليعمله

ترى الملوك عنده مغربله

يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له

ورمحه للوالدات مثكله

وحدثني أن هاشما قال لعامر قل في بيتا جيدا أثبك عليه فقال عامر البيت الأول فلم يعجب هاشما ، ثم قال الثاني ، فلم يعجبه ثم قال الثالث فلم يعجبه فلما قال الرابع

 

يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له

 

أعجبه فأثابه عليه.

قال ابن هشام : وذلك الذي أراد الكميت بن زيد بن الأخنس الأسدي في قوله

 

وهاشم مرة المفني ملوكا بلا ذنب إليه ومذنبينا

 

وهذا البيت في قصيدة له .

وقول عامر يوم الهباءات . عن غير أبي عبيد.

قال ابن إسحاق قوم لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كلها ، فأقاموا على نسبهم وفيهم كان البسل .

وذكر شعر الحارث بن ظالم. وقوله سفاهة مخلف وهو المستقي [للماء] ، وفيه لم يذكر

 

لعمرك إنني لأحب كعبا وسامة إخوتي حبي الشرابا

 

وقوله وخش رواحة القرشي رحلي بناجية. أي بناقة سريعة يقال خش السهم بالريش إذا راشه به فأراد راشني وأصلح رحلي بناجية ولم يطلب ثوابا بمدحه بذلك. ورواحة هذا: هو رواحة بن منقذ بن معيص بن عامر كان قد ربع في الجاهلية أي رأس وأخذ المرباع.

 

وقوله لو طووعت عمرك كنت فيهم ونصب عمرك على الظرف.

 

وقوله وما ألفيت أنتجع السحابا . أي كانوا يغنونني بسيبهم ومعروفهم عن انتجاع السحاب وارتياد المراعي في البلاد.

 

وقول الحصين بمعتلج البطحاء: أي حيث تعتلج السيول والاعتلاج عمل بقوة قال الشاعر

 

لو قلت للسيل دع طريقك وال سيل كمثل الهضاب يعتلج

 

وفي الحديث إنكما علجان فعالجا عن دينكما ، وفي الحديث إن الدعاء ليلقى البلاء نازلا من السماء فيعتلجان إلى يوم القيامة أي يتدافعان بقوة .

 

وقوله لنا الربع بضم الراء يريد أن بني لؤي كانوا أربعة أحدهم أبوهم وهو عوف وبنو لؤي هم أهل الحرم ، ولهم وراثة البيت . والأخاشب : 

جبال مكة ، وقد يقال لكل جبل أخشب أنشد أبو عبيد : 

كأن فوق منكبيه أخشبا 

وذكر خارجة بن سنان الذي تزعم قيس أن الجن اختطفته لتستفحله نساءها لبراعته ونجدته ونجابة نسله وقد قدمت بنته على عمر فقال لها : ما كان أبوك أعطى زهيرا حين مدحه فقالت أعطاه مالا ورقيقا وأثاثا أفناه الدهر فقال لكن ما أعطاكم زهير لم يفنه الدهر وكان خارجة بقيرا أمرت أمه عند موتها أن يبقر بطنها عنه ففعلوا فخرج حيا ، فسمي خارجة ويقال للبقير خشعة قال الحطيئة يعني خارجة بن سنان

 

لقد علمت خيل ابن خشعة أنها متى ما يكن يوما جلاد تجالد

 

وقول عامر ترى الملوك حوله مغربله. قيل معناه منتفخة وذكروا أنه يقال غربل القتيل إذا انتفخ وهذا غير معروف وإن كان أبو عبيد قد ذكره في الغريب المصنف وأيضا: فإن الرواية بفتح الباء مغربلة وقال بعضهم معناه يتخير الملوك فيقتلهم والذي أراه في ذلك أنه يريد بالغربلة استقصاءهم وتتبعهم كما قال مكحول الدمشقي : ودخلت الشام ، فغربلتها غربلة حتى لم أدع علما إلا حويته ، في كل ذلك أسأل عن البقل .

 

وذكر الحديث فمعنى هذا : التتبع والاستقصاء وكأنه من غربلت الطعام . إذا تتبعته بالاستخراج حتى لا تبقى إلا الحثالة . وقوله 

يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له 

إنما أعجب هاشما هذا البيت لأنه وصفه فيه بالعز والامتناع وأنه لا يخاف حاكما يعدي عليه ولا ترة من طالب ثأر . وهاشم بن حرملة هذا هو جد منظور بن زبان بن يسار الذي كانت بنته زجلة عند ابن الزبير فهو جد منظور لأمه واسمها : قهطم بنت هاشم . كانت قهطم قد حملت بمنظور أربع سنين وولدته بأضراسه فسمي منظورا لطول انتظارهم إياه وفي زبان بن سيار والد منظور يقول الحطيئة

 

وفي آل زبان بن سيار فتية يرون ثنايا المجد سهلا صعابها

 

 ولم يصرف سيارا لما سنذكره بعد - إن شاء الله.

 

مزينة 

وذكر زهيرا ونسبه إلى مزينة، وهم بنو عثمان بن عمرو بن الأطم بن أد بن طابخة. قال حسان بن ثابت :

 

فإنك خير عثمان بن عمرو وأسناها إذا ذكر السناء

 

يمدح رجلا من مزينة، ومزينة : أمهم وهي بنت كلب بن وبرة وأختها : الحوأب بنت كلب التي يعرف بها ماء الحوأب المذكور في حديث عائشة أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب .

 

أجارتكم بسل علينا محرم وجارتنا حل لكم وحليلها

 

قال ابن هشام: وهذا البيت في قصيدة له.

 

البسل

وذكر البسل وهو الحرام والبسل أيضا: الحلال فهو من الأضداد ومنه بسلة الراقي، أي ما يحل له أن يأخذه على الرقية وبسل في الدعاء بمعنى: آمين قال الراجز [المتلمس]:

 

لا خاب من نفعك من رجاك بسلا ، وعادى الله من عاداك

 

وكان عمر بن الخطاب يقول في أثر الدعاء آمين وبسلا، أي استجابة . وقول زهير فإن تقو المروراة منهم. البيت وقع في بعض النسخ المرورات بتاء ممدودة كأنه جمع مرور وليس في الكلام مثل هذا البناء وإنما هو المروراة بهاء مما ضوعفت فيه العين واللام فهو فعلعلة مثل صمحمحة والألف فيه منقلبة عن واو أصلية وهذا قول سيبويه جعله مثل شجوجاة وأبطل أن يكون من باب عثوثل وقال ابن السراج في قطوطاة وهو مثل مروراة هو فعوعل مثل عثوثل وقال سيبويه فيه إنه من باب صمحمحة فالواو زائدة على قول ابن السراج ووزنه عنده فعوعلة .

 

أولاد كعب ومرة وأمهاتهم

قال ابن إسحاق: فولد كعب بن لؤي ثلاثة نفر مرة بن كعب، وعدي بن كعب ، وهصيص بن كعب . وأمهم وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر بن مالك بن النضر.

 

فولد مرة بن كعب ثلاثة نفر كلاب بن مرة، وتيم بن مرة ويقظة بن مرة.

 

فأم كلاب هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن [فهر بن] مالك بن كنانة بن خزيمة . وأم يقظة البارقية امرأة من بارق، من الأسد من اليمن. ويقال هي أم تيم. ويقال تيم هند بنت سرير أم كلاب.

 

أعلام وأنساب 

وذكر هصيص بن كعب وهو فعيل من الهص وهو القبض بالأصابع. من كتاب العين.

 

وذكر يقظة بن مرة بفتح القاف وقد وجدته بسكون القاف في أشعار مدح بها خالد بن الوليد ، فمنها قول الشاعر

 

وأنت لمخزوم بن يقظة جنة كلا اسميك فيها ماجد وابن ماجد

 

وأم مخزوم بن يقظة جد بني مخزوم كلبة بنت عامر بن لؤي . قاله الزبير

 

نسب بارق

قال ابن هشام بارق : بنو عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث ، وهم في شنوءة . قال الكميت بن زيد

 

وأزد شنوءة اندرءوا علينا بجم يحسبون لها قرونا

فما قلنا لبارق : قد أسأتم وما قلنا لبارق : أعتبونا

 

قال وهذان البيتان في قصيدة له. وإنما سموا ببارق ; لأنهم تبعوا البرق.

 

وذكر بارق، وهم بنو عدي بن الأزد ، وقال سموا : بارق ; لأنهم اتبعوا البرق ، وقد قيل إنهم نزلوا عند جبل يقال له بارق ، فسموا به .

 

وقول الكميت بجم يحسبون لها قرونا . أي يناطحون بلا عدة ولا منة كالكباش الجم التي لا قرون لها ، ويحسبون أن لهم قوة . والكميت هذا هو ابن زيد أبو المستهل من بني أسد .

 

وفي أسد : الكميت بن معروف كان قبل هذا ، وفيهم أيضا الكميت بن ثعلبة وهو أقدم الثلاثة وابن معروف هو الذي يقول

 

خذوا العقل إن أعطاكم القوم عقلكم وكونوا كمن سيم الهوان فأربعا

ولا تكثروا فيه الضجاج فإنه محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا

 

قال ابن إسحاق : فولد كلاب بن مرة رجلين قصي بن كلاب ، وزهرة بن كلاب . وأمهما : فاطمة بنت سعد بن سيل أحد الجدرة من جعثمة الأزد ، من اليمن ، حلفاء في بني الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة .

 

نسب جعثمة

قال ابن هشام: ويقال جعثمة الأسد وجعثمة الأزد ، وهو جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث ، ويقال جعثمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن نصر بن زهران بن الأسد بن الغوث.

 

وإنما سموا الجدرة لأن عامر بن عمرو بن جعثمة تزوج بنت الحارث بن مضاض الجرهمي وكانت جرهم أصحاب الكعبة . فبنى للكعبة جدارا، فسمي عامر بذلك: الجادر فقيل لولده الجدرة لذلك.

 

قال ابن إسحاق: ولسعد بن سيل يقول الشاعر 

ما نرى في الناس شخصا واحدا من علمناه كسعد بن سيل

فارسا أضبط فيه عسرة وإذا ما واقف القرن نزل

فارسا يستدرج الخيل كما اس تدرج الحر القطامي الحجل

 

قال ابن هشام: قوله كما استدرج الحر. عن بعض أهل العلم بالشعر.

 

الجدرة

وذكر الجدرة وقال هم بنو عامر بن خزيمة بن جعثمة وفي حاشية الشيخ أبي بحر زيادة خزيمة خطأ إنما هو عمرو بن جعثمة وذكر غير ابن إسحاق أن السيل ذات مرة دخل الكعبة ، وصدع بنيانها ، ففزعت لذلك قريش ، وخافوا انهدادها إن جاء سيل آخر وأن يذهب شرفهم ودينهم فبنى عامر لها جدارا ، فسمي الجادر . وقوله في الجدرة حلفاء بني الديل . المعروف عند أهل النسب أن الديل في عبد القيس وهو الديل بن عمرو بن وديعة [ بن أفصى بن عبد القيس ] ، والديل أيضا في الأزد ، وهو ابن هدهاد بن زيد مناة والديل أيضا في تغلب وهو ابن زيد بن عمرو بن غنم بن تغلب ، والديل أيضا في إياد ، وهو ابن أمية بن حذافة بن زهير بن إياد ، وأما الذي في كنانة وهم الذين ينسب إليهم أبو الأسود الدؤلي ، وهو ظالم بن عمرو ، وهم حلفاء الجدرة فابن الكلبي ومحمد بن حبيب وغيرهما من أهل النسب يقولون فيه الدئل بضم الدال وهمزة مكسورة وينسبون إليه دؤلي ، وطائفة من أهل اللغة منهم الكسائي ويونس بن حبيب والأخفش يقولون فيه الديل بكسر الدال وينسبون إليه الديلي ، واختاره أبو عبيدة قال محمد بن حبيب ابن الكلبي وغيره من أهل النسب أقعد بهذا ، وإليهم يرجع فيما أشكل من هذا الباب .

 

قال المؤلف وأما الدول فالدول بن حنيفة واسم حنيفة أثال بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، وهم رهط مسيلمة الكذاب ، وفي ربيعة أيضا ، ثم في عمرة الدول بن صباح وفي الرباب : الدول بن جل بن عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة وفي الأسد الدول بن سعد مناة بن غامد .

 

والذي تقيد عن ابن إسحاق في الديل بن بكر بكسر الدال والياء الساكنة وقد وافقه على ذلك من النساب العدوي وابن سالم الجمحي، ومن تقدم ذكره من أهل اللغة والدأل على وزن فعل من دأل يدأل إذا مشى بعجلة وأما الديل بغير همز فكأنه سمي بالفعل من ديل عليهم من الدولة على وزن ما لم يسم فاعله. وقد قيل إن الدئل بن بكر سمي بالدئل وهي دويبة صغيرة وأنشدوا لكعب بن مالك [الأنصاري]: 

جاءوا بجيش لو قيس معرسه ما كان إلا كمعرس الدئل

  

وأنشد في سعد بن سيل واسم سيل خير بن حمالة قاله الطبري، والسيل هو السنبل وهو أول من حلى السيوف بالذهب والفضة.

 

فارسا أضبط فيه عسرة الأضبط الذي يعمل بكلتا يديه وهو من صفة الأسد أيضا، قال الجميح [منقذ بن الطماح الأسدي]:

 

ضبطاء تسكن غيلا غير مقروب

 

وقوله فيه عسرة من هذا المعنى أيضا، والاسم منه أعسر.

 

عود إلى أولاد كلاب

 

قال ابن هشام : ونعم بنت كلاب وهي أم سعد وسعيد ابني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ، وأمها : فاطمة بنت سعد بن سيل .

 

أولاد قصي وعبد مناف وأمهاتهم

 

قال ابن إسحاق : فولد قصي بن كلاب أربعة نفر وامرأتين عبد مناف بن قصي ، وعبد الدار بن قصي ، وعبد العزى بن قصي ، وعبد بن قصي ، وتخمر بنت قصي ، وبرة بنت قصي . وأمهم حبى بنت حليل ابن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي .

 

قال ابن هشام : ويقال حبشية ابن سلول

 

قال ابن إسحاق : فولد عبد مناف - واسمه المغيرة بن قصي - أربعة نفر هاشم بن عبد مناف وعبد شمس بن عبد مناف والمطلب بن عبد مناف ، وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة ، ونوفل بن عبد مناف وأمه واقدة بنت عمرو المازنية . مازن بن منصور بن عكرمة .

 

قال ابن هشام : فبهذا النسب خالفهم عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة .

 

قال ابن هشام: وأبو عمرو ، وتماضر وقلابة وحية وريطة وأم الأخثم [ واسمها : هالة ] ، وأم سفيان بنو عبد مناف .

فأم أبي عمرو: ريطة امرأة من ثقيف، وأم سائر النساء عاتكة بنت مرة بن هلال [ بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور ] ، أم هاشم بن عبد مناف وأمها صفية بنت حوزة بن عمرو ابن سلول [ واسمه مرة ] بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، وأم صفية بنت عائذ بن سعد العشيرة بن مذحج .

 

أولاد هاشم وأمهاتهم

قال ابن هاشم فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر وخمس نسوة عبد المطلب بن هاشم، وأسد بن هاشم وأبا صيفي بن هاشم ونضلة بن هاشم، والشفاء وخالدة وضعيفة ورقية وحية. فأم عبد المطلب ورقية: سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. واسم النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر.

 

وأمها: عميرة بنت صخر [بن حبيب] بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار. وأم عميرة سلمى بنت عبد الأشهل الجارية. وأم أسد: قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعي. وأم أبي صيفي وحية هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية. وأم نضلة والشفاء امرأة من قضاعة. وأم خالدة وضعيفة وافدة بنت أبي عدي المازنية.

 

وذكر حليل بن حبشية والحبشية نملة كبيرة سوداء وأن قصيا تزوج ابنته حبى ، فولدت له عبد مناف وإخوته وقال غيره بل أم عبد مناف عاتكة بنت هلال بن بالج [ أو فالج ] بن ذكوان ، وأم هاشم عاتكة بنت مرة فالأولى : عمة الثانية وأم وهب جد النبي - عليه السلام - لأمه عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال فهن عواتك . ولدن النبي عليه السلام ولذلك قال أنا ابن العواتك من سليم وقد قيل في تأويل هذا الحديث إن ثلاث نسوة من سليم أرضعنه كلهن تسمى : عاتكة ، والأول أصح . وأم عاتكة بنت مرة ماوية بنت حوزة بن عمرو بن مرة أخي عامر بن صعصعة وهم بنو سلول ، وأم ماوية أم أناس المذحجية .

 

وقال في أمهات بني عبد مناف وأما صفية فأمها : بنت عبد الله بن سعد العشيرة بن مذحج ، وهو وهم لأن سعد العشيرة بن مذحج هو أبو القبائل المنسوبة إلى مذحج إلا أقلها ، فيستحيل أن يكون في عصر هاشم من هو ابن له لصلبه ولكن هكذا رواه البرقي عن ابن هشام - كما قلنا - ورواه غيره بنت عبد الله من سعد العشيرة وهي رواية الغساني وقد قيل فيه عائذ الله وهو أقرب إلى الصواب . ولسعد العشيرة ابن لصلبه واسمه عيذ الله وهي قبيلة من قبائل جنب من مذحج ، وقد ذكرت بطون جنب وأسماء ولد سعد العشيرة أو أكثرهم في هذا الكتاب ولم سميت تلك القبائل بجنب وأحسب الوهم في رواية البرقي إنما جاء من اشتراك الاسم لأن أم صفية المذكورة بنت عيذ الله ولكن ليس بعيذ الله الذي هو ابن سعد العشيرة لصلبه ولكنه من سعد العشيرة .

 

وذكر عبد شمس بن عبد مناف وكان تلوا لهاشم ويقال كانا توأمين فولد هاشم ورجله في جبهة شمس ملتصقة فلم يقدر على نزعها إلا بدم فكانوا يقولون سيكون بين ولدهما دماء فكأن تلك الدماء ما وقع بين بني هاشم ، وبين بني أمية بن عبد شمس . وأما سلمى أم عبد المطلب ، فقد ذكر نسبها ، وأمها : عميرة بنت ضحر المازنية وابنها : عمرو بن أحيحة بن الجلاح ، وأخوه معبد ولدتهما لأحيحة بعد هاشم وكان عمرو من أجمل الناس وأنطقهم بحكمة وقال رجل من بني هاشم للمنصور أرأيت إن اتسعنا في البنين وضقنا في البنات فإلى من تدفعنا ، يعني : في المصاهرة فأنشد 

عبد شمس كان يتلو هاشما وهما بعد لأم ولأب

 

 وذكر الدارقطني : أن الحارث بن حبش السلمي كان أخا هاشم وعبد شمس والمطلب لأمهم وأنه رثى هاشما لهذه الأخوة وهذا يقوي أن أمهم عاتكة السلمية .

 

فصل وذكر ابن إسحاق أن أم حية بنت هاشم ، وأم أبي صيفي : هند بنت [ عمرو بن ] ثعلبة [ بن الخزرج ] ، والمعروف عند أهل النسب أن أم حية [ أم عدي ] : جحل بنت حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط الثقفية وحية بنت هاشم تحت الأجحم بن دندنة [ بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو ] الخزاعي ولدت له أسيدا ، وفاطمة بنت الأجحم التي تقول

 

يا عين بكي عند كل صباح جودي بأربعة على الجراح

قد كنت لي جبلا ألوذ بظله فتركتني أضحى بأجرد ضاح

قد كنت ذات حمية ما عشت لي أمشي البراز وكنت أنت جناحي

فاليوم أخضع للذليل وأتقي منه وأدفع ظالمي بالراح

وأغض من بصري ، وأعلم أنه   قد بان حد فوارسي ورماحي

وإذا دعت قمرية شجنا لها   يوما على فنن دعوت صباحي

 

   أولاد عبد المطلب بن هاشم

قال ابن هشام : فولد عبد المطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة العباس وحمزة وعبد الله وأبا طالب - واسمه عبد مناف - والزبير والحارث وجحلا ، والمقوم وضرارا ، وأبا لهب - واسمه عبد العزى - وصفية وأم حكيم البيضاء وعاتكة ، وأميمة ، وأروى ، وبرة .

 

فأم العباس وضرار : نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر - وهو الضحيان - بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.

 

ويقال أفصى بن دعمي بن جديلة . وأم حمزة والمقوم وجحل - وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره وسعة ماله - وصفية هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .

 

وأم عبد الله وأبي طالب والزبير وجميع النساء غير صفية فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأمها : صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر . وأم صخرة تخمر بنت عبد بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.

 

وأم الحارث بن عبد المطلب : سمراء [ أو صفية ] بنت جندب بن جحير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة .

 

وأم أبي لهب لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي. 

وذكر أم العباس وهي نتيلة بنت جناب بن كليب وهي من بني عامر الذي يعرف بالضحيان وكان من ملوك ربيعة ، وقد ذكرنا في خبر تبع ، أنها أول من كسا البيت الديباج وذكرنا سبب ذلك ونزيد هاهنا ما ذكره الماوردي ، قال أول من كسا البيت الديباج خالد بن جعفر بن كلاب أخذ لطيمة من البز وأخذ فيها أنماطا ، فعلقها على الكعبة ، وأم نتيلة أم حجر أو أم كرز بنت الأزب من بني بكيل من همدان ، وهي نتيلة بتاء منقوطة باثنتين وهي تصغير نتلة واحدة النتل وهم بيض النعام وبعضهم يصحفها بثاء مثلثة .

 

وذكر في بني عبد المطلب جحلا بتقديم الجيم على الحاء هكذا رواية الكتاب. وقال الدارقطني: هو حجل بتقديم الحاء . وقال جحل بتقديم الجيم هو الحكم بن جحل يروى عن علي ومن حديثه عنه أنه قال من فضلني على أبي بكر جلدته حد الفرية. والجحل السقاء الضخم. والجحل الحرباء. وذكر ابن دريد أن اسم جحل مصعب. وقال غيره كان اسمه مغيرة، وجحل لقب له. والجحل ضرب من اليعاسيب قاله صاحب العين. وقال أبو حنيفة كل شيء ضخم فهو جحل وجحل هو الغيداق والغيداق ولد الضب وهو أكبر من الحسل. ولم يعقب وكذا المقوم لم يعقب إلا بنتا اسمها: هند. وأم الغيداق - فيما ذكر التقبي : ممنعة بنت عمرو الخزاعية وهذا خلاف قول ابن إسحاق .

وذكر في أعمامه أيضا: الزبير وهو أكبر أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي كان يرقص النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو طفل ويقول 

محمد بن عبدم   عشت بعيش أنعم

في دولة ومغنم      دام سجيس الأزلم

وبنته ضباعة كانت تحت المقداد. وعبد الله ابنه مذكور في الصحابة - رضي الله عنهم - وكان الزبير - رضي الله عنه - يكنى أبا الطاهر بابنه الطاهر وكان من أظرف فتيان قريش، وبه سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنه الطاهر. وأخبر الزبير عن ظالم كان بمكة أنه مات فقال بأي عقوبة كان موته؟ فقيل مات حتف أنفه فقال وإن فلا بد من يوم ينصف الله فيه المظلومين ففي هذا دليل على إقراره بالبعث.

 

وذكر أبا طالب واسمه عبد مناف وله يقول عبد المطلب: 

أوصيك يا عبد مناف بعدي         بمؤتم بعد أبيه فرد

مات أبوه وهو حلف المهد

وذكر أبا لهب واسمه عبد العزى ، وكني أبا لهب لإشراق وجهه وكان تقدمة من الله - تعالى - لما صار إليه من اللهب وأمه لبنى بنت هاجر بكسر الجيم من بني ضاطرة بضاد منقوطة . واللبنى في اللغة شيء يتميع من بعض الشجر قاله أبو حنيفة . ويقال لبعضه الميعة والدودم مثل اللبنى يسيل من السمر غير أنه أحمر فيقال حاضت السمرة إذا رشح ذلك منها .

 

ورد في تاريخ ابن خلدون قصة سيف بن ذي يزن وملك الفرس علي اليمن

ولما طال البلاء من الحبشة على أھل اليمن، خرج سيف بن ذي يزن الحميري من الأذواء بقية ذلك السلف، وعقب أولئك

الملوك وديال الدولة المفوض للخمود. وقد ثان أبرھة انتزع منه زوجته ريحانة وبعد أنّ ولدت منه ابنه معد يكرب كما مر.

 

نسبه فيما قال الكلبي: سيف بن ذي يزن بن عافر بن أسلم بن زيد بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمھور. ھكذا نسبه ابن الكلبي، ومالك بن زيد ھو أبو الأذواء. فخرج سيف وقدم على قيصر ملك الروم وشكى إليه أمر الحبشة، وطلب أنّ يخرجھم ويبعث على اليمن من شاء من الروم، فلم يسعفه عن الحبشة وقال: الحبشة على دين النصارى. فرجع إلى كسرى وقدم الحيرة على النعمان بن المنذر عامل فارس على الحيرة وما يليھا من أرض العرب، فشكى إليه واستمھله النعمان إلى حين وفادته على كسرى، وأوفد معه وسأله النصر على الحبشة، وأن يكون ملك اليمن له. فقال: بعدت أرضك عن أرضنا أو ھي قليلة الخير، إنما ھي شاء وبعير، ولا حاجة لنا بذلك، ثم كساه وأجازه، فنثر دنانير الإجازة ونھبھا الناس يوھم الغنى. عنھا بما في أرضه فأنكر عليه كسرى ذلك، فقال: جبال أرضي ذھب وفضة، وإنما جئت لتمنعني من الظلم، فرغب كسرى في ذلك وأمھله للنظر في أمره، وشاور أھل دولته. فقالوا في سجونك رجال حبستھم للقتل ابعثھم معه، فإن ھلكوا كان الذي أردت بھم، وإن ملكوا كان ملكاً ازددته إلى ملكك، وأحصوا ثمانمائة، وقدم عليھم أفضلھم وأعظمھم بيتا وأكبرھم نسباً وكان وھزر الديلمي.

 

وعند المسعودي وھشام بن محمد السھيلي: أنّ كسرى وعده بالنصر ولم ينصره، وشغل بحرب الروم، وھلك سيف بن ذي

يزن عنده وكبر ابنه ابن ريحانة وھو معديكرب وعرفته أمه بأبيه، فخرج ووفد على كسرى يستنجزه في النصرة التي وعد بھا أباه. وقال له: أنا ابن الشيخ اليمني الذي وعدته، فوھبه الدنانير ونثرھا إلى آخر القصة. وقيل أنّ الذي وفد على كسرى وأباد الحبشة ھو النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف بن ذي يزن. قالوا: ولما كتبت الفرس مع وھزر وكانوا ثمانمائة، وقال ابن قتيبة كانوا سبعة آلاف وخمسمائة.وقال ابن حزم: كان وھزر من عقب جاماسب عم أنو شروانّ فأمّره على أصحابه، وركبوا البحر ثمان سفائن، فغرقت منھا سفينتان، وخلصت ست إلى ساحل عدن. فلما نزلوا بأرض اليمن قال وھزر لسيف: ما عندك؟ قال: ما شئت من قوس عربي، ورجلي مع رجلك حتى نظفر أو نموت. قال أنصفت: وجمع ابن ذي يزن من استطاع من قومه، وسار إليه مسروق بن أبرھة في مائة ألف من الحبشة وأوباش اليمن، فتوافقوا للحرب وأمر وھزر ابنه أنّ يناوشھم للقتال، فقتلوه وأحفظه ذلك. وقال أروني ملكھم فأروه إياه على الفيل عليه تاج، وبين عينيه ياقوتة حمراء. ثم نزل عن الفيل إلى الفرس ثم إلى البغلة. فقال وھزر ركب بنت الحمار ذل وذل ملكه. ثم رماه بسھم فصك الياقوتة بين عينيه وتغلغل في دماغه، وتنكس عن دابته وداروا به، فحمل القوم عليھم وانھزم الحبشة في كل وجه،وأقبل وھزر إلى صنعاء، ولما أتى بابھا قال: لا تدخل رايتي منكوسة، فھدم الباب ودخل ناصبا رايته، فملك اليمن ونفى عنھا الحبشة. وكتب بذلك إلى كسرى، وبعث إليه بالأموال. فكتب إليه أنّ يملك سيف بن ذي يزن على اليمن، على فريضة يؤديھا كل عام ففعل. وانصرف وھزر إلى كسرى. وملك سيف اليمن، وكان أبوه من ملوكھا. وخلف وھزر نائباً على اليمن في جماعة من الفرس ضمھم إليه، وجعله لنظر ابن ذي يزن وأنزله بصنعاء. وانفرد ابن ذي يزن بسلطانه، ونزل قصر الملك وھو رأس غمدان، يقال أنّ الضحاك بناه على اسم الزھرة، وھو أحد البيوت السبعة الموضوعة على أسماء الكواكب وروحانيتھا خرب في خلافة عثمان. قاله المسعودي. وقال السھيلي: كانت صنعاء تسمى أوال، وصنعاء اسم بانيھا، صنعاء بن أوال بن عمير بن عابر بن شالخ. ولما استقل ابن ذي يزن بملك اليمن، وفدت العرب عليه يھنوه بالملك، لما رجع من سلطان قومه وأباد من عدوھم، وكان فيمن وفد عليه مشيخة قريش، وعظماء العرب لعھدھم من أبناء إسماعيل وأھل بيتھم المنصوب لحجھم، فوفدوا في عشرة من رؤسائھم، فيھم عبد المطلب، فأعظمھم سيف وأجلھم وأوجب لھم حقھم، ووفر من ذلك قسم عبد المطلب من بينھم. وسأله عن بنيه حتى ذكر

له شأن النبي صلى لله عليه وسلم، وكفالته إياه بعد موت عبد لله أبيه، عاشر ولد عبد المطلب، فأوصاه به وحضه على

الإبلاغ في القيام عليه، والتحفظ به من اليھود وغيرھم. وأسر إليه البشرى بنبوته وظھور قريش، قومھم على جميع العرب.

وأسنى جوائز ھذا الوفد بما يدل على شرف الدولة وعظمھا لبعد غايتھا في الھمة، وعلو نظرھا في كرامة الوفد وبقاء آثار

الترف في الصبابة شاھد لشرافة الحال في الأول. ذكر صاحب الأعلام وغيره أنه أجاز سائر الوفد بمائة من الإبل وعشرة

أعبد وعشرة وصائف وعشرة أرطال من الورق والذھب وكرش ملىء من العنبر، وأضعاف ذلك بعشرة أمثاله لعبد المطلب.

 

قال ابن إسحق: ولما انصرف وھزر إلى كسرى غزا سيف على الحبشة، وجعل بقتل ويبقر بطون النساء، حتى إذا لم يبق إلا

القليل جعلھم خولا، واتخذ منھم طوابير يسعون بين يديه بالحراب، وعظم خوفھم منه. فخرج يوما وھم يسعون بين يديه، فلما

 

توسطھم وقد انفردوا به عن الناس رموه بالحراب فقتلوه، ووثب رجل منھم على الملك. وقيل ركب خليفة وھزر فيمن معه من المسلحة، واستلحم الحبشة وبلغ ذلك كسرى، فبعث وھزر في أربعة آلاف من الفرس، وأمره بقتل كل أسود أو منتسب إلى أسود ولو جعداً قططاً ففعل. وقتل الحبشة حيث كانوا. وكتب بذلك إلى كسرى فأمّره على اليمن، فكان يجبيه له حتى ھلك.

 

واستضافت حشابة ملك الحميريين بعد مھلك ابن ذي يزن وأھل بيته إلى الفرس، وورثوا ملك العرب وسلطان حِمْيَر باليمن، بعد أنّ كانوا يزاحمونھم بالمناكب في عراقھم، ويجوسونھم بالغزو خلال ديارھم. ولم يبق للعرب في الملك رسم ولا طلل إلا أقيالا من حِمْيَر وقحطان رؤساء في أحيائھم بالبدو، لا تعرف لھم طاعة، ولا ينفذ لھم في غير ذاتھم أمر، إلا ما كان لكھلان إخوتھم بأرض العرب من ملك آل المنذر من لخم على الحيرة والعراق بتولية فارس، وملك آل جفنة من غسان على الشام بتولية آل قيصر كما يأتي في أخبارھم.

 

وقال الطبري: لما كانت اليمن لكسرى بعث إلى سرنديب من الھند قائداً من قواده ركب إليھاالبحر في جند كثيف، فقتل ملكھا  واستولى عليھا، وحمل إلى كسرى منھا أموالا عظيمة، وجواھر. وكان وھزر يبعث العير إلى كسرى بالأموال والطيوب، فتمر على طريق البحرين تارة وعلى أرض الحجاز أخرى. وعدا بنو تميم في بعض الأيام على عيره بطريق البحرين، فكتب إلى عامله بالإنتقام منھم، فقتل منھم خلقا كما يأتي في أخبار كسرى. وعدا بنو كنانة على عيره بطريق الحجاز حين مرت بھم، وكانت في جوار رجل من أشراف العرب من قيس، فكانت حرب الفجار بين قيس وكنانة بسبب ذلك. وشھدھا النبي- صلى لله عليه وسلم، وكان ينبل فيھا على أعمامه أي يجمع لھم النبل.

 

قال الطبري: ولما ھلك وھزر أمر كسرى من بعده على اليمن ابنه المرزبان، ثم ھلك فأمر حافده خرخسرو بن التيجان بن المرزبان. ثم سخط عليه وحمل إليه مقيدا، ثم أجاره ابن كسرى وخلى سبيله، فعزله كسرى وولى باذان، فلم يزل إلى أنّ كانت البعثة وأسلم باذان وفشا الإسلام باليمن، كما نذكره عند ذكر الھجرة وأخبار الإسلام باليمن. ھذا آخر الخبر عن ملوك التبابعة من اليمن، ومن ملك بعدھم من الفرس. وكان عدد ملوكھم فيما قال المسعودي سبعة وثلاثين ملكا، في مدة ثلاث آلاف ومائتي سنة إلا عشر اً. وقيل أقل من ذلك. فكانوا ينزلون مدينة ظفار قال السھيلي: زمار وظفار اسمان لمدينة واحدة، يقال بناھا مالك بن أبرھة وھو الأ ملوك، ويسمى مالك وھو ابن ذي المنار وكان على بابھا مكتوب بالقلم الأول في حجر أسود:

 

يوم شيدت ظفار فقيل لمن أنت فقالت لخير الأخيار 

ثم سيلت من بعد ذلك قالت أنّ ملكي احابش الأشرار

ثم سيلت من بعد ذلك قالت أنّ ملكي لفارس الأحرار

ثم سيلت من بعد ذلك قالت أنّ ملكى لقريش التجار

ثم سيلت من بعد ذلك قالت أنّ ملكي لخير سنجار

وقليلا ما يلبث القوم فيھا غير تشييدھا لحامي البوار

من أسود يلقيھم البحر فيھا تشعل النار في أعالي الجدار

 

ولم تزل مدينة ظفار ھذه منزلا للملوك، وكذلك في الإسلام صدر الدولتين، وكانت اليمن من أرفع الولايات عندھم بما كانت منازل العرب العاربة، ودار الملوك العظماء من التبابعة والاقيال والعباھلة. ولما انقضى الكلام في أخبار حِمْيَر وملوكھم باليمن من العرب، استدعى الكلام ذكر معاصريھم من العجم على شرط كتابنا لنستوعب أخبار الخليقة، ونميز حال ھذا الجيل العربي من جميع جھاته، والأمم المشاھير من العجم الذين كانت لھم الدول العظيمة لعھد الطبقة الأولى والثانية من العرب، وھم النبط والسريانيون أھل بابل، ثم الجرامقة أھل الموصل ثم القبط، ثم بنو إسرائيل والفرس ويونان والروم، فلنأت الآن بما كان لھم من الملك والدولة، وبعض أخبارھم على اختصار. ولله ولى العون والتوفيق، لا رب غيره، ولا مأمول إلا خيره.