ملك الجان الأعظم هو الحارث بن مرة -- الجزء الثاني من الفصل الاول من القصة الاولى

ملك الجان الأعظم هو الحارث بن مرة

وتابع "المحارب" أن "ملك الجان الأعظم" هو "الحارث بن مرة" المعروف ب" أبو الجن" . وله أربعة أولاد هم: “مازر” ، "كمطم" ، "قسورة" ، "طيكل".  أكبرهم سنا هو "مازر" وهو عازب ولكنه واقع في حب إمرأة لا تريده.  فهو يعاني من الفراق رغم أنه لم يلتقِ الفتاة التي يحب بعد ،  وأبوه "الحارث بن مرة" غارق في الحزن لا يُفرحه شيء لأن“مازر”، إبنه البكر  له عند والده حظوة ومحبة ويريد الزواج من فتاة لا تريد الزواج أصلاً وبالتالي فإن ما يطلب  لا يقدر على نيله  ولهذا كان ما كان من إدخال "ورد" و”المحارب” في محاولة إستمالتها وأيضا حراستها وحمايتها.

 

 وهكذا بدأ أبو الجن، "الملك الحارث بن مرة"  بالتفكير في حل المشكلة والتخطيط لإنجازها حبيا إن أمكن وإلا حربا. وهذا كان سبب حراسة "المحارب" للأميرة  التي أُغرم بها "مازر". هكذا قادتني أفكاري لمعرفة إسم المُحب الغارق في حُبِّه وهو في هذا الوقت مصدر الخطر الظاهر للمملكة وربما تغيرت الظروف والأمور وتم الإتفاق بين الطرفين عندها يعود الفرح والسعادة ليسود المملكة و قبيلة ملك الجان.

 

سَيد”المحارب” وهو "الملك عبدالله المذهب" هو أيضا من أكابر الجن وسادتهم وعنده في كل قبائل وعشائر الجن محبة وإحترام لأنه صادق ، جريء، قادرٌ،  له في القبائل مكرُمات لا تنسى . فهو الذي أوقف حروب الجزيرة العربية ،مثل "حرب داحس والغبراء" و "حرب البسوس " وغيرهما وأوفد من أبناء عشيرته من تدَخَّل وأنفق مالا وقال شعرا وجمع المتحاربين وبيَّن لهم الطريق السواء وتعاون معه آخرون من قبائل الجن كل من منطقته وبقدر إمكاناته  وذلك كي يبقى الوئام سائدا ممالك الجن فكان لتعاونهم مردودان واضحان ، اولهما إزكاء فلسفة التعاون بدل التحارب بين قبائل الجن وثانيهما وضع حدٍّ للتحارب بين البشر.

 

"الملك عبد الله المذهب"، خادم يوم الاحد ولبسُه وتاجه من الذهب، من ملوك الميامين ، أكبر القبائل عدداً  وقد سبقه "الملك ميمون ابانوخ" صاحب الأيادي البيضاء الذي ترك للمُذهب  إرثاً كبيرا من محبة  واحترام ألجان،  قبائلا  وعشائرا وأفرادا. وهو من أ رسل أحد أعوانه”المحارب” لمحاولة فض المشكل وحماية ”الأميرة". وأخبرني أنه يُعلم سيده بما يجري ساعة فساعة حصل أمرٌ أم لم يحصل وهو الملك الذي يوفد”ورد” عندما يحتاج إليه. فهو سيد كل من زارني ليلا وأفرحني برفقته  أو أنهَكني بكوابيس أنا في غنى عنها.

 

جزيرة الياسمين وأميرتها "ياسمين"

أمَّا وقد تعرفنا على أصحابنا من الجن وعرفنا موقع”المحارب”مما يجري مع”الأميرة" الأ أننا لا يمكن أن نفهم القصة ب من جميع نواحيها حتى نتعرف إلى”الأميرة” ووالديها  الملكين والجزيرة التي يعيشون فيها بعيدين عن باقي عالم الأنس. ومع مرور الزمن والحديث يَجُرُّ الحديث سألت”المحارب” عن الجزيرة وما فيها وكانت إجاباته بطيئة وكأنه يتردد في سردها وكأنها لغزُ وسِرٌّ لا يجوز البوح به لآخرين ربما حماية لأهل الجزيرة من الأغراب إتقاءا لشرهم وجشعهم ، وكما روينا فإن للجن معرفة بالبشر ونواياهم وقد ساهموا في إصلاح البين بين الناس ،  كالصلح الذي أقاموه بين" بكر وتغلب" وغيرهما في "داحس والغبراء" و حروب أخرى نشبت لا لسبب مفهوم أو معقول ، فكيف إذا تعرفوا الى مملكة كالتي تعيش فيها أميرتنا الجميلة وقادهم الجشع والطمع إليها وإلى ربوعها الجميلة التي لا يوجد على الأرض مثلها؟ ألن يخربونها ويعيثوا فيها فسادا ويأخذوا منها كل نفيس جميل ويتركوها أرضا يبابا لا عشب فيها ولا بشر ومن تبقى فيها يخرج من حرب ليدخل في حرب تماما كما يجري في باقي بلدان الأرض ليكون مصير الجزيرة هروب من سعادة إلى بؤس لأن الناس تفقد البوصلة ولا تعُد لها القدرة على التفكير فلا تميِّز بين بؤس وفرح. لهذا قرر "الملك عبد الله المذهب"، خادم يوم الاحد والذي لُبسُه وتاجه من الذهب،" تدارك المصائب بإرسال خادمه”المحارب” ليقوم بما يجب ويحمي”الأميرة” والجزيرة ومن عليها من شرور العالم.

 

جزيرة الياسمين

كما قلت، الحديث جرَّ الحديث فأخبرني عن الجزيرة وأهلها وأنا أصفها كما وصفها لي وإن فاتني فهم بعَض ما وصف لغرابة ما وصف. وأبدأ بالجزيرة. فهي في مكان ما في البحر جنوب الجنوب من الجزيرة العربية وهي كبيرة وقد تكون بمساحة الجزيرة العربية أو أصغر بقليل، إذ ليس هناك مقياس مُتبع في ذلك الركن من العالم ولا في ذلك الزمن البعيد. فيها نهر يبدأ بينابيع في شمالها  تتدفق وتلتقي في النهر والذي يتعرج في الجزيرة شرقاً وغربا فجنوبا وتدخل عليه مياه ينابيع تلاقيه في مجراه ويبقى منسوب المياه فيها واحدا لا يتغير يروي جميع المناطق ويعود قبل أن يصُبَّ في البحر يتلوى من جهة إلى أخرى حتى تكون الأرض وما ومن عليها قد إرتوى، عندها يصب النهر مياهه المتبقية والتي تفيض عن حاجات الجزيرة  في المحيط الكبير كي يبقى المحيط أيضا على المنسوب المقرر له.      

                   

الطقس فيها عادة ما يكون معتدلا ربيعياً وإن كانت بعض أيامه حارة . الأرض كلها مزروعة لِتفي بحاجات الناس فيها من البقول والحبوب والخضار والفواكه وكل ما يشتهيه إنسان. وفيها من الزهور كل لون معروف وكل زهرة نبتت في باقي الدنيا ، والجزيرة وأهاليها إعتادوا زراعة الياسمين في حدائقهم وبساتينهم فهي نَبتَة يحبها الجميع ويتباهى الجار مع جاره بحسن منظر ما زرع ورائحة زهر ما زرع ويقول”المحارب” أنه يظن أن إسم الجزيرة "مملكة الياسمين" وإن إسم أميرتها الجميلة "ياسمين". وهذا على مايظهر من قصصه منطقي فالناس تحب الجمال وكل ما يُجَسِّده والياسمين خير ما يؤدي الغرض.

 

وفي الجزيرة من الحيوانات البقر والغنم والدجاج والماعز والكلاب والقطط وكل نوع مفيد كما أن فيها حيوانات للفلاحة والزرع والجَرّ كالحمير والبغال وغيرها. وفيها خيول أصيلة ، جميلة وقوية للتنقل والرياضة والنزهة والصيد وفيها الغزال والظبي والعصافير على أنواعها وكثير منها يصطبغ بألوان جذابة جميلة . وليس في الجزيرة وحوش ضارية كالأسد والنمر والضبع والذئب وغيرها. فلا عدوٌّ في الجزيرة حتى من الحيوانات.

 

وهناك في المحيطات والبحور أنواع من الأسماك لا حصر لها وهم إعتادوا صيدها من على الشاطيء أو في قوارب يُحسِنوا بناءها ،في عرض البحر الذي هو عادة مضياف كريم لأهل مملكة الياسمين فلا موجه يرتفع ولا عواصف في هوائه ولا مطر في سمائه إلا في موسم المطر الذي يعرفه الناس فيختاروا بين البلل والسمك أو الراحة وتأجيل الصيد في البحار. والأمر ليس بهذه الأهمية فمصادر الطعام الطيب متوفِّر في الغابات والسهول والصيد فيها أيضا وفير.

 

ملك الجزيرة "مرداح" والملكة "رونق"

الملك إسمه "مُرداح" وهذا إسم يتوارثه ملوك "مملكة الياسمين" وزوجاتهم يرثون إسم الملكة التي سبقتهم بعد أن يُنَصَّبوا الملكات والإسم المحبب للجميع والموَرَّث هو "رونق".

 

“مازر” إبن ملك الجن وأميرة  قلبِه "ياسمين"

وبعد أن عرّفني”المحارب” والذي أشير إليه فقط بإسم” المحارب” كي لا نخلط الأمارات بعضها ببعض ونضيع في زواريب القصة، جاء الوقت لسرد قصة“مازر” إبن ملك الجان الأعظم و”المحارب و "ياسمين". قيل أن” المحارب”يرى أن“مازر” وياسمين كليهما يشبه الآخر في ما يريد. فهما مثلاً يهتمان برفاهية شعبيهما، هو بمملكة أبيه وهي في مملكة أبويها "مُرداح " و"رونق". كلاهما فارس مغوار  لا يُشَق له غُبار، ولهما من الجمال نفس المقدار ومن الحسب والنسب من الأخيار  لا يُزادُ إليه ولا يُعلى عليه، وممالك أبويهما شاسعة واسعة وأهلها كرام أشِدّاء مخلصون ولا ينقص أي منهما جاه ولا مال. وقصص الحب كثيرة ولو رُوِيت هذه القصة كما رويناها هنا لبزَّت قصة قيس وليلى وقصة عنترة وعبلة ولكن الزمن تغيَر والمُتَيَّمان“مازر” و"ياسمين" يفصلهما الجنس والبعاد فهو جني وهي بشرية والفارق كبير يعيشان بعيدين في قارتين منفصلتين. والإثنان تجمعهما الفروسية والشعر وهذان لم يجمعا قيس بليلى ولا عنترة بعبلة.

 

والقصة طويلة رواها”المحارب” لي في زيارات متباعدة وإن استطعت أختصرها دون أن يتغير المعنى وأُبقي اللب وأُغَيِّب القشور وعلى الله نتوكل.

ويأتي الجزء الثالث يوم الخميس القادم

ليروي ما ربط مملكة الياسمين بتناناريف