ترتيب الأمور مع الملك المذهب -- الجزء الاول من الفصل الثاني من القصة الاولى

في الفترة الفاصلة بين التمهيد والمبادرة ، وبعدها حضور المناسبتين  اللتين قد يكون لهما أو لأحداهما بعض التأثير على نتائج الهدف المنشود. وقد قام "ورد" برحلة إلى أهله وعشيرته لمشاورة سيده "الملك عبد الله المذهب"، خادم يوم الاحد، ولبسُه تاجه من الذهب، من ملوك الميامين، ومراجعة ما جرى والخطة بتفاصيلها بدقَّة متناهية كي لا يخطيء في أي أمرٍ صغير كان أو كبير كي لا يثير أي تحفُّظ من أي كان.

 

وكان البحث يدور في ما يجب أن يقوم وزميله "المحارب" في أسلوب تصرفهما الشخصي بحيث يبقى إحترام ومحبة الناس والتقدير الذي إكتسباه في أيامهما الأولى قائما وعلى إزدياد لما للصورة التي يرسمها عامة الناس لهما لما يمكن أن تؤثر على قبولهما من الناس وبمرور الوقت على أصحاب القول والفعل والقرار. وبقي "المحارب" في الجزيرة لحماية "ياسمين" ومن تصِحُّ حمايته وفي تزويد "ورد" بما يَجِدّ من أمور أثناء غيابه؛ في الواقع لم يخبرني ملاكي الليلي بالرحلة أو ما جرى فيها ولكنني إستشعرت بها وكأنه يريدُني أن أعرف دون أن تأتي معرفتي من كلام له فأوعز إلى ذاكرتي بما أوعز وإذا بي على إطلاع بالقصة/السِرّ.

 

وتدارسا تفاصيل الخطة بدقة أيضا وتناولا إمكان إضافة أحداث تدهش من تصل إليه أخبارها مثل ما حدث مع الوحش الأسود تثير فيهم الذعر الشديد وثم يزيلان خوفهم  باعتبار أنهما "ورد" و"المحارب" يحرسان مملكة الياسمين  ومن يعيش فيها وبالتالي لا خوف من مثل هذه الحوادث ما داما في الحراسة. ولم تقتصر المشاورة على ذلك بل أدخلا الكثير من التفاصيل والتي سنسرد بعضها لاحقاً.

 

لا نزيد جديدا إلى ما أخبرني ملاكي الليلي " المحارب" إذا  أخبرنا المتابع أن ملك الجان الأعظم ،" الحارث بن مرة" وابنه "مازر" وُضعا في جوّ  ىزيارة  "ورد" وما تم بحثه مع سيده فأضافوا ما أضافوا من آراء وتركوا ل"ورد" وزميله "المحارب" للعمل بلا قيود وأعطوهما من القوى الإضافية ما قد يحتاجا إليه.

وعلى هذا عاد "ورد" إلى "جزيرة الياسمين" دون أن يلحظ أحد غيابه.

يوم الثلثاء والحفلة

وفي الموعد المضروب بدأ المدعوون في التوافد إلى بيت "ورد" و"المحارب" وعلى رأسهم كبير شرطة الجزيرة وكلهم إختاروا أن يأتوا مُبكرين لما أثارته أخبار البيت وعجائبه من إهتمام وفضولية عند جميع من سمعها،  ويظهر أن الجميع في المملكة سمعوها. ولم يتأخّر كبير الشرطة عن غيره فما أن إرتفعت الشمس إلا وكان البيت يعُجُّ بالوافدين المدعوين والفضوليين ممن لم يُدعَ والبيت رحَّب بالكل ترحيبا جميلا. الغلمان وحور العيون لم يُقَصّروا في خدمتهم وكان إهتمام الوافدين بمنظرهم وجمالهم وحسن كلامهم لا يقلُّ عن دهشتهم مما شاهدوا  في البستان من زهور وأشجار نبتت في ليلة  وفي البيت من أثاث وترتيب ومن الموائد التي مُدَّت وعليها من الأطايب ما لا يتصوره عقل.

 

وفي هذا اليوم بدأت الأسئلة تتوارد بِتعجُّب عن البيت وكيف بُني والأشجار كيف زُرعت وأثمرت والأكل وكيف تم تحضيره والغلمان وحور العيون من أين أتوا و"عمران" و"اركان" جوادان عجيبان لجمالهما الخارق وقوتهما الظاهرة وارتفاع قامتهما فوق ما هو معروف وكيف وصلا إلى جزيرتهم. ولم يتوانى من سُئِلَ، أكان أحد المضيفين أو الغلمان أو حور العيون وحتى الجوادين والأشجار وسور الياسمين والرِقاع التي عليها جَلَسن والبيت وما بحتوي ، الكل كانت عنده الرواية كاملة ولكن الرواة كان لكلٍ منهم نكهةً في سرده لم يتوانَ السائل في أن يبدي إعجابه بالقصة العجيبة الغريبة التي رويت والتي أُخبرت بحذافيرها كاملة غير منقوصة .

 

ساد الهرج والمرج في قاعات البيت والحدائق وغنّت الطيور أغانيها على رؤوس الأشجار وسمع الجميع صوت موسيقى جميلة تُهدِّىء أعصاب المدعوين بعد أن إستمعوا إلى ما إستمعوا وغابوا في تفكيرهم عن دنياهم وكأنهم في أجمل الأحلام، موسيقى  لم يسمعا بمثلها تأتي من كل حدب وصوب . وكانت الزيارة بدأت بكثير من الجمال الأخاذ  مما لا يخطر على بال ولم يستقر الأمر ولو لدقيقة إلا عاشوها بنعيم لذيذ وترك كل صديق صديقه وجلس على مقعدٍ أو رُقاع ثم تمدد وكاد أن يغفو لو لم تأتِ العاصفة وتجبرهم على التَنَبُّه والجلوس.

 

كما أسلفنا ، لا تواجه جزيرة الياسمين من الطقس سَيِّئُهُ بل يبقى الطقس جميلا ليلا نهارا، صيفا شتاء ، ولهذا كان تهيؤ المدعوين وربما بداية تخوفٍهم من صوت الرعد ولو بعيدا عنهم والبرق الذي يُبهِر العيون فبدأوا يقومون وعندها تدخَّل "المحارب" مُبلغا الجميع أن لا يخافوا لأن العاصفة ما زالت بعيدة والأفضل أن يرجع من شاء إلى بيته وإذا شاء فإن بقاءه داخل البيت مُرَحَّب به، كما أبلغهم أنه سيوصل من يشاء إلى بيته قبل إقتراب العاصفة دون أن يلحقه أذى أو تُبَلله الأمطار. وقد إختار الكل الرجوع إلى بيوتهم إلا كبير الشرطة الذي فَضَّل البقاء مع مضيفَيه إلى أن تمر العاصفة، وربما كانت له مآرب أخرى.

 

كل ضيف رافقه أحد الغلمان وكل ضيفة رافقتها إحدى حور العيون ، أوصلوا كلا منهم إلى بيته وعادوا في لحظات مثل  لمح البصر وطمأنوا "ورد" و "المحارب" وكبير الشرطة بوصول الكل سالمين إلى حيث أراد كل منهم. وفي تلك اللحظات، أي مباشرة بعد رجوع الغلمان وحور العيون من قضاء مهماتهم، إشتدت العاصفة وكثر البرق والرعد كما جاءت رياح عاتية وأمطار غزيرة إقتلعت أشجارا وأغرقت شوارعا ودامت أكثر من ساعة من الزمن ثم هدأت.

 

طلعت الشمس مرة ثانية فقام الجميع لتفقد الأضرار في المدينة واعتلوا صهوات الخيل وتفرقوا في المدينة وبعد وقت عادوا إلى البيت بمعلومات وافية عن الأضرار ومكان وقوعها وعندها تبرع "ورد" ووافقه "المحارب" على إصلاح ما خَرب من الريح أو المطر او خلافه خلال الليلة التي تلت الدعوة إلى المنزل. تعجب كبير الشرطة من أريَحيتهم وكرمهم ولكنه لم يصدق أنهما سيقومان بما وعدا به في ليلة واحدة. ولكن ما أن إنبلج الصباح حتى كان كل شيءٍ في محله والأضرار لم تعد موجودة والأشجار ترفع رؤوسها إلى أعلى نحو السماء وكأن شيئا لم يحدث.

 

إنتهت الدعوة وما جرى فيها وأُصلحت الأضرار . ويبقى أن نقص ما جرى للرواية التي سمعوها بعد أن سردها أهل البيت بحذافيرها على البشر ، وما كان القصد  علما بأن ذلك في حدِّ ذاته أعجوبة.

 

عندما ترك المدعوون الحفلة بعد هبوب العاصفة التي ألزمتهم الرجوع إلى منازلهم غاب عنهم كل ما سمعوه ولم يبق في الأذهان إلا ما كان مفيدا للمهمة إياها.  وكان ذلك مقدرا لهم لأن معرفتهم بما جرى ويجري يُفسد التخطيط الذي يعملون بموجبه ولكن إبقاء شبه أحلام أو خيال في الأذهان وعدم وضوح الرؤيا يجعل منهم حاملي بذرة يذكرونها دون أن يعرفوا معناها ولا السامع يعرف المعنى ولكن الإشاعات التي لا يمكن إثباتها مفيدة، أو هكذا قرر "ورد" و المحارب" وهم أدرى بما يفعلون. أما كبير الشرطة فقد بقي في البيت وسمع الكثير من الكلام عن أصلهما وفصلهما وبماذا يهتمان وبالجان وما شاكل كي يبقى في ذاكرته أكثر مما بقي عند الضيوف الآخرين ومن ذلك إحترامهما وتقديرهما وإشاعة أحسن ما يقال فيهما أمام رؤسائه وربما أمام ملك الجزيرة "مرداح" والملكة "رونق" تمهيدا للوصول إلى ما تشتغل في رأسيهما من أمور ذات أهمية كبرى.

 

ومرَّ يوم الأربعاء وبعض يوم الخميس وقبل الموعد المضروب في القصور الملكية وقد سرت قصة يوم الثلاثاء في الناس ولم يكن لهم من خيار إلا تصديق ما جرى فيها لكثرة من ردَّد القصة بحذافيرها وتفاصيل ما جرى فيها وتطابقت مع كل ما رواه الرواة ممن دعي وحضر الحفلة وكان للعاصفة دورا مهما في صدق ما قيل إذ أنها طالت كل البلاد والعباد وبالتالي كل الناس، من حضر ومن لم يحضر لأنهم جميعا عاشوا ذلك الجزء منها وبالأخص أن البلاد لا تمر بها مثل هذه العاصفة ولا ينسى الناس ما خرَّبت وما تم إصلاحه في يوم واحد.