الخيل وأرسانها -- الجزء السادس من الفصل الثاني من القصة الاولى

  أما الخيل فلها عند العرب مَعَزَّة  ومقاما خاصاً  إذ أنها لم تكن فقط المركوب المُفَضَّل عندهم ولكنها كانت أيضاً سببا للفخر فمنظرها جميل ، ظلها خفيف، صبورة ، قوية، حجمها إجمالاً صغير، ولاؤها لصاحبها تام، تُربى وكأنها من أفراد العائلة أو أعَز،  فهي وفارسها وِحدة يتحركان معا وكأنهما جسم واحد، رسَنُها هام لأن العربي يفتخرُ بأصله ويفتخر أيضا بأصل فرسه فإذا إجتمع الأصلان تمَّت العِزَّة ، وكم أتت أشعارهم وإفتخارهم بأنفسهم وخيلهم   تثير فيهم الأريحية وتؤكد الإنتماء. وأذكر لكم بعض ما قيل لأهمية الخيل عند العرب  وقيمة "عمران"  و"أركان" للأرسان التي أنبتتهم. والشعراء الثلاثة الذين أستعير منهم شعراً هم بلا شك من أهم الشعراء العرب وشياطينهم إختيروا بعناية من ملوكهم.

 

عنترة، شاعرٌ فذ وفارس أسطورة وشيطانه من جنّ  "ملك الجان الأعظم" " الملك الحارث بن مرة" فهو مَلَك المجد الشعري من أطرافه ، قال يصف حصانه إبان معركةٍ  كبرى خاضاها معاً ويظهر من هذه الأبيات أن عنترة وحصانه خضا المعركة وكأنهما شخصٌ واحد:

 

ما زلت ارميهم بثغرة نحره **** ولبانـــــه حتـــى تسربل بالــــدم

فأزور من وقع القنا بلبــانه **** وشكـا الي بعــــبرة وتحمحـــــــم

لوكان يدري ما المحاورة اشتكى **** ولكان لو علم الكلام مكلـــم

 

 

وامرؤ القيس بن حجر الکندي كان شاعرا عربيا جاهليا عالي الطبقة ملك على  قبيلة كندة، يُعد رأس شعراء العرب ويُكَنَّى ب"الملك الضليل"و شيطانه يجلس معنا الآن وهو "الأمير المحارب".

 

وقد اغتدى والطير في وكناتهـا **** بمنجـرد قيـد الأوابـد هيـكـــــل

مكـر مفـر مقـبـل مـدبر مـعـاً **** كجملود صخر حطه السيل من عل

كميت يزل للبـــــد عن حـال متنـه **** كمــا زلـت الصفـــواء بالمتنـزل

 

يعتقد الكثيرون  ان ابو الطيب المتنبي أشعرُ من جاء في كل تاريخ العرب وعلى كل فلا نزاع في مَلَكَتِه الشعرية وشيطانه ، وهنا مفاجأة،  "أبو الجن" نفسه كان شيطان أبو الطيب وذلك لمعرفته بقدرات هذا الشاعر والأهم أنه يقوم بدور لا يقوم به عادة ملك من ملوك الجن  إنما هو كشعبه يعمل كما يعملون ولا يميز نفسه عنهم.

 

وعيني إلى أذني أغر كأنه **** راقب فيه الشمس أيان تغرب

له فضلة عن جسمه في إهابه **** من الليل باق بين عينيه كوكب

شققت به الظلماء أدنى عنانه **** تجيء على صدر رحيب وتذهب

وأصرع أي الوحش قفـّيته به **** فيطغى وأرخيه مرارا ً فيلعب

وما الخيل إلا كالصديق قليلة **** وأنزل عنه مثله حين أركب

وما الخيل إلا كالصديق قليلة****وإن كثرت في عين من لا يجرب

اذا لم يشاهد غير حسن شياتها****وأعضائها فالحسن عنك مغيب

 

ونعود إلى الخيل  الأصيلة  وأرسانها ونقول أن كل الخيل الاصيلة في الجزيره العربيه من انساب خمس ترجع باصولها الى الكحيله. ونلاحظ عند سردنا للأنساب أننا ذكرنا سبعة أنساب وسبب ذلك أن ثلاثة منها إما هي كحيلة أو أنها فرع منها . ومنها نبدأ.

 

١.  الخيل الكحيلات: سميت هذه السلاله الاصيله بهذا الاسم لجمال عينيها  والتي تبدو كانها مكحله . والفرس كحيله والحصان كحيلان،  ويضرب العرب المثل بها للدلالة على الاصاله وطيب النسب.  والفرس منها تسمى هدباء والحصان اهدب او هدبان.. وترجع باصلها الى كحيله ام معارف.

 

٢. الخيل الحمدانيات: وهي نوع من كحيله العجوز وسُمِيَت بهذا الاسم نسبة الى صاحبها الاول وهو حمدان السًمري القاسمي الظفيري. ومن الخيل المشهوره خيل مشائخ بني ظفير ، وهذه الخيل لا يبيعها  اربابها ولو بوزنها ذهباً. ويفخرون بها فهي تنسب لهم. وهذه الخيل الحمدانيه تتميز بمواصفات خاصه تميزها عن بقيه الكحيلات  لذلك نسبت الى صاحبها الاول لتبان نوعها.

 

٣. الخيل الصقلاويات: نوع من الخيول الاصيله تنسب الى كحيله العجوز أيضاً. والفرس مصقول أي هو الفرس المضمور او المضمر، قليل اللحم رشيق.   ويقال أن سبب تسميتها  لأنها كانت "تَصقل"  أي  تضرب برجليها  اي انسان يقترب منها غير صاحبها الذي رباها واهل بيته فهي تعرفهم. والاهم من هذا ان هذه السلاله لها ميزات خاصه تميزها عن غيرها من الخيول.

 

٤. الخيل العبيات: وهي سلاله اصيله من الخيول العربية ترجع  باصلها الى فرس صغيره سباقه جميله المنظر نسبها قدسم تسمى بالعبيه.. تناسل منها ومن ذريتها كل فرس تسمى عبيه وكل حصان يسمى عبيان. ويقال ان سبب تسميتها هذا ب"العبيه" يرجع الى الجدة الاقدم لهذه السلاله والتي سميت بالعبيه نسبة الى عباءة فارسها. فيقال: عندما كانت هذه الفرس منطلقه بسرعة نزعت الريح عباءة فارسها من على ظهره ودفعتها الى مؤخرتها،  فاحست الفرس بسقوط العباءه فرفعت ذيلها وتلقفت العباءه وحافظت عليها من السقوط واستمرت رافعه ذيلها طول الغارة، اي انها جعلت ذيلها كالمشجب المرفوع فتعلقت به العباءه ولما انتهت الغاره اخذ الفارس عباءته من على ذيل فرسه فسميت بهذا الإسم.

 

٥. الخيل الربد: سلالة من الخيل العربية الاصيلة ترجع باصلها الى كحيلة العجوز.. وسميت بهذا الاسم لكون صاحبها الاول لحق وهو على ظهرها بنعامه وتمكن من اصطيادها فسميت بهذا الاسم وكان  العرب يطلقون على النعامه وصف  ربداء".. وعموما فهذا النوع من الخيل الاصيله تتميز بصفات كثيره ومن اهمها السرعه العاليه.      ”

 

٦. الخيل الهدب: والهدباء هي الفرس طويلة  شعر الناصيه اي انها سميت بهذا الاسم لكثرة وطول شعر الرأس "القذلة" بحيث ينسدل  على رأسها وجبهتها ويغطي جانبي الرأس أي يغطي "صوابر وسوالف" الفرس. والفرس منها تسمى هدباء والحصان اهدب او هدبان، وترجع باصلها الى كحيل ام معارف.

 

٧. المعنقية وام عرقوب. وام عرقوب عدّها الكثير من العالمين بأصول الخيل من انساب الخيل الخمس وعدّها غيره من الخيل الكحائل وقيل انها كحيلة الفجري. وأم عرقوب ، في إحدى الروايات، سميت كذلك لأن بني خالد قطعوا عرقوبها ولكن الدويش عالجها حتى شفيت وهكذا سار عليها هذا الإسم. ولكن يتضح من تاريخ ابن الكلبي ان مسمى ام عرقوب قديم وانها لم تسمَّى  بهذا الاسم بسبب جروحها ، بل اسمها ام عرقوب في السابق وهي التي قيل عنها "ام عرقوب مابها عذروب" اي مطعن. وانتقل منها مربط المعنقية الأول عند ابن سبيل ، سميت "المعنقية" لطول عنقها وأحياناَ تسمى "ام عرقوب"،  وبعده انتقلت لا بن حدري فالحدرجي قديماَ كذلك تنسب لا بن حدرجي الكحيلة الحدرجية والصقلاوية الحدرجية كما ورد في كثيرِ من مراجع الأنساب والأرسان.

 

ولم يبق من ما وعدَ "ورد" السامعين سرده كي يضع المضيفين في كامل صورة ما تم، ولكنه لَمَّح سابقا بأنه سيروي لهم مقصد سيده من إرساله و"المحارب" إلى الجزيرة لأن دون معرفة هذا المقصد فإن ما جرى قد يوضع في خانة "القصة المسلية" وليس في وارد الملكين والأميرة أن يتركا الموضوع دون تبيان الأسباب التي كان نتاجها حتى الآن القصة التي هي قيد السرد.

 

وعاد "ورد" لإتمام القصة بالبيت الذي بناه وزميله وكيف كان ذلك. طبعا السؤال واضح إذ أن البناء تمَّ بساعات وهو بذلك يكون أعجوبة لا تفسير لها إذا لم تُعرف تفاصيل إنشائه. وهكذا كان وبما أن هذا الجزء من  القصة ليس بحاجة إلى تلخيص فإننا نسجل بأمانة ما سمعنا وسمع المضيفون أصحاب الحق بسماعها.