شيخوخة --محمد سعيد الريحاني \ المغرب

"كل إنسان يحمل داخله خبرا سارا. الخبر السار هو أنك لا تعرف قدر عظمتك! ولا حجم ذخيرتك من الحب! ولا ما يمكنك إنجازه! ولا تعرف حتى إمكانياتك!"

أنليز ماري فرانك
Anneliese Marie Frank

في صالون الحلاقة :
- خفف لي أكثر !
- لا يمكن ! ستبدو أقل جمالا لأنك فقدت الكثير من الشعر على جانبي رأسك وفي الأعلى...
- هل لديك فكرة عن تساقط الشعر؟
- الفكرة التي تدور في دماغي الآن هي أنك شخت !
- وكيف تعرف الشيخوخة، أنت الحلاق ؟
- بالشيب الذي بدأ يشتعل في شعرك وبهذا الزغب الغزير المطل من أذنيك !

في محل الفيديو – كلوب:
- من فضلك، فيلم ل" شيشكابور"!
- تفضل، شاهد لقطة من لقطات الفيلم لتقف على جودة التسجيل على الشريط.
- ولكن هل صار "شيشكابور" يمثل دور الجد؟!
- هنا يمكنك أن تعرف كيف تقدم بك الزمن!
- وكيف تعرف أنني شخت وأنت لا تعرفني. بل إنك لم ترني في يوم من الأيام؟!
- الأمر لا يتعلق بضرورة الإطلاع على وثائق الهوية أو على المعرفة الشخصية بالفرد.لا. مطلقا، لا. إن إعجابك بممثلين تحولوا من أداء أدوار الشباب إلى أداء أدوار الشيوخ حيث يجدون أنفسهم لهو الدليل القاطع على أنك شخت معهم!!!

في نادي الموظفين:
- هذا يحتاج إلى وقت وإلى عزيمة... وهذا ما لا أستطيع توفيره الآن.
- نعم، خاصة حين يشيخ المرء.
- وكيف عرفت أنني شخت؟!
- بهذا البطن المترهل المتدلي فوق حزامك الجلدي!...

في الشارع الرئيسي:
- أهلا ب....!
- هل نسيت اسمي، أنا أعز أصدقائك في الجامعة؟!
- أمهلني قليلا... اسمك على طرف لساني...
- وهنا يمكنك أن تعرف أن الزمن مر بسرعة وأنك شخت!...
- هل مجرد نسيان اسم دليل يحيل على الشيخوخة ؟!
- الساعة الصغيرة على معصمك تعد الدقائق والساعات بالعقارب. أما الساعات الكبرى والزمن الكبير فلا يشغل عقاربه لعد الدقائق والساعات بل يشغلها لمحو الذكريات والصور والأسماء. وكلما تقدم المرء في السن، كلما ضاعت ذاكرته ورموزه تحت المحو الصامت لعقارب الزمن...

حوار مع أحد الغرباء عن المدينة:
- لمذا يصر الناس هنا على شيخوختي؟
- لأنهم جميعا شيوخ.
- لكنهم مهووسون بالشيخوخة !
- لأنهم لا يرون بعيونهم شبابا يمرح حواليهم.
- أليس لديهم شبانا وشابات؟!
- الشبان هنا يهاجرون. فمنذ بلوغهم سن الرشد الأول يبدؤون العد العكسي لبلوغسن الرشد الثاني، السن القانوني للهجرة.
- وإلى أين يهاجرون؟
- إلى حيث الشباب دائم لا يبلى.

القصر الكبير، بتاريخ: 7 أبريل 2005

نص بقلم الباحث والقاص المغربي محمد سعيد الريحاني