حكاية هشام بن عبد الملك مع غلام من الأعراب

ومما يحكى أيضاً أن هشام بن عبد الملك بن مروان كان ذاهباً إلى الصيد في بعض الأيام فنظر إلى ظبي فتبعه بالكلاب فبينما هو خلف الظبي إذ نظر إلى صبي من الأعراب يرعى غنماً فقال هشام له: يا غلام دونك هذا الظبي فاتني به فرفع رأسه إليه وقال: يا جاهلاً بقدر الأخبار لقد نظرت إلي بالاستصغار وكلمتني بالاحتقار فكلامك كلام جبار وفعلك فعل حمار، فقال هشام: ويلك أما تعرفني؟ فقال: قد عرفني بك سوء أدبك إذ بدأتني بكلامك دون سلامك فقال له: ويلك يا هشام بن عبد الملك فقال له الإعرابي: لا قرب الله ديارك ولا حيا مزارك فما أكثر كلام وأقل إكرامك.

 

فما استتم كلامه حتى أحدقت به الجند من كل جانب وكل واحد منهم يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال هشام: اقصروا عن هذا الكلام واحفظوا هذا الغلام فقبضوا عليه ورجع هشام إلى قصره وجلس في مجلسه وقال: علي بالغلام البدوي لإ اتي به، فلما رأى الغلام كثرة الحجاب والوزراء وأرباب الدولة لم يكترث بهم ولم يسأل عنهم بل جعل ذقنه على صدره ونظر حيث يقع قدمه إلى أنوصل إلى هشام فوقف بين يديه ونكس رأسه إلى الأرض وسكت عن السلام وامتنع عن الكلام، فقال له بعض الخدام: يا كلب العرب ما منعك أن تسلم على أمير؟ فالتفت إلى الخادم مغضباً وقال: يا بردعة الحمار منعني من ذلك طول الطريق وصعود الدرجة والتعويق فقال هشام وقد تزايد به الغضب: يا صبي لقد حضرت في يوم حضر فيه أجلك وغاب عنك أملك وانصرم عمرك فقال: والله يا هشام لئن كان في المدة تأخير ولم يكن في الأجل تقصير فقال له الحاجب: هل بلغ من مقامك يا أخس العرب أن تخاطب أن تخاطب أمير المؤمنين كلمة بكلمة فقال مسرعاً: لقيت الخبل ولا فارقك الويل والهبل أما سمعت ما قال الله تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها. فعند ذلك اغتاظ هشام غيضاً شديداً وقال: يا سياف علي برأس هذا الغلام فإنه أكثر بالكلام ولم يخش الملام ففاخذ الغلام ونزل به إلى أن نطع الدم وسل سيفه على رأسه وقال: يا أمير المؤمنين هذا عبدك المذل بنفسه السائر إلى رمسه هل أضرب عنقه وانا بريء من دمه؟ قال ك نعم، فاستأذن ثانياً ففهم الفتى أنه إن أذن له هذه المرة يقتله فضحك حتى بدت نواجذه فازداد هشام غضباً وقال: يا صبي أظنك معتوهاً أما ترى أنك مفارق الدنيا فكيف تضحك هزئا بنفسك؟ فقال ك يا أمير المؤمنين لئن كان في العمر تأخير لا يضرني قليل ولا كثير ولكن حضرتني أبياتاً فاسمعها فإن قتلي لا يفوتك فقال هشام: هات وأوجز فأنشد هذه الأبيات:

 

 

نبئت أنا لباز صادف مـرة

 

عصفور بر ساقه المقدور

فتكلم العصفور في أظفاره

 

والباز منهمك عليه يطير

مثلي ما يغني لمثلك شبعة

 

ولئن أكلت فإنني حقـير

فتبسم الباز المذل بنفـسـه

 

عجباً وأفلت ذلك العصفور

 

فتبسم هشام وقال: وحق قرابتيمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تلفظ بهذا اللفظ من أول كلامه وطلب مادون الخلافة لأعطيتها إياه، يا خادم احش فاه جوهراً وأحسن جائزته فأعطاه الخادم حلة عظيمة، فأخذها وانصرف إلى حال سبيله. انتهى.

 

حكاية اسحق الموصلي وتزوج المأمون بخديجة بنت الحسن بن سهل و مما يحكى أن اسحق الموصلي قال: خرجت ليلة من عند المأمون متوجهاً إلى بيتي فضايقني حصر البول فعمدت إلى زقاق وقمت أبول خوفاً أن يضر بي شيء إذا جلست في جانب الحيطان فرأيت شيئاً معلقاً من تلك الدور فلمسته لأعرف ما هو فوجدته زنبيلاً كبيراً بأربعة آذان ملبساً ديباجاً، فقلت في نفسي: لا بد هذا من سبب وصرت متحيراً في أمري فحملني السكر على أن أجلس فيه فجلست فيه وإذا بأصحاب الدار جذبوه بي وظنوا انني الذي كانوا يترقبونه. ثم رفعوا الزنبيل إلى رأس الحائط وإذا بأربع جوار يقلن لي انزل على الرحب والسعة ومشت بين يدي جارية بشمعة حتى نزلت إلى دار فيها مجالس مفروشة لم أر مثلها إلا في دار الخلافة فجلست فما شعرت بعد ساعة إلا بستور قد رفعت في ناحية الجدار وإذا بوصائف يتماشين وفي أيديهن الشموع ومجامر البخور من العود القاقلي وبينهن جارية كأنها البدر الطالع فنهضت وقالت: مرحباً بك من زائر، ثم أجلستني وسألتني عن خبري. فقلت لها: إني انصرفت من عند بعض إخواني وغرني الوقت وحصرني البول في الطريق فملت إلى هذا الزقاق فوجدت زنبيلاً ملقى فأجلسني النبيذ في الزنبيل ورفع بي الزنبيل إلى هذا الدار، هذا ما كان من أمري. فقالت: لا ضير عليك وأرجو أن تحمد عاقبة أمرك ثم قالت لي: فما صناعتك؟ فقلت: أنا تاجر في سوق بغداد فقالت: هل تروي من الأشعار شيئاً؟ قلت: شيئاً ضعيفاً قالت: فذاكرنا فيه وأنشدنا شيئاً منه فقلت: إن للداخل دهشة ولكن تبدأين أنت. قالت: صدقت ثم انشدت شعراً رقيقاً من كلام القدماء والمحدثين وهو من أجود أقاويلهم وأنا أسمع ولا أدري أأعجب من حسنها وجماله أم من حسن روايتها ثم قالت: هل ذهب ما كان عندك من الدهشة؟ قلت: أي والله قالت: إن شئت فأنشدنا شيئاً من روايتك فأنشدتها شعر الجماعة من القدماء ما فيه الكفاية فاستحسنت ذلك، ثم قالت: والله ما ظننت أن يوجد في أبناء السوقة مثيل هذا ثم أمرت بالطعام فقالت لها أختها دنيازاد: ما أحلى حديثك وأحسنه وأطيبه وأعذبه فقالت: وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة العشرين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن اسحق الموصلي قال: ثم إن الجارية أمرت بإحضار الطعام فحضر فجعلت تأخذ وتضع قدامي وكان في المجلس م أصناف الرياحين وغريب الفواكه ما لا يكون إلا عند الملوك، ثم دعت بالشراب فشربت قدحاً ثم ناولتني قدحاً وقالت هذا المذاكرة والأخبار فاندفعت أذاكرها وقلت: بلغني أنه كذا وكذا وكان رجل يقول كذا، حتى حكيت لها عدة أخبار حسان فسرت بذلك وقالت: إني لأعجب كيف يكون أحد من التجار يحفظ مثل هذه الأخبار وغنما هي أحاديث ملوك. فقلت: كان لي جار يحادث الملوك وينادمهم، وإذا تعطل حضرت بيته فربما حدث بما سمعت فقالت: لعمري لقد أحسنت الحفظ، ثم أخذنا في المذاكرة وكلما سكت ابتدأت هي حتى قطعنا أكثر الليل وبخور العود يعبق وأنا في حالة لو توهمها المأمون لطار شوقاً إليها فقالت لي: إنك من ألطف الرجال وأظرفهم لأنك ذو أدب بارع وما بقي إلا شيء واحد فقلت لها: وما هو؟ قالت: لو كنت تترنم بالأشعار على العود فقلت لها: إني كنت تعلقت بهذا قديماً ولكن لما لم أرزق حظاً فيه أعرضت عنه وفي قلبي منه حرارة وكنت أحب في هذا المجلس أن أحسن شيئاً منه لتكتمل ليلتي قالت: كأنك عرضت بإحضار العود فقلت: الرأي لك وأنت صاحبة الفضل ولك المنة في ذلك. فأمرت بعود فحضرت وغنت بصوت ما سمعت بمثل حسنه مع حسن الأدب وجودة الضرب والكمال الراجح ثم قالت: هل تعرف هذا الصوت لمن؟ وهل تعرف الشعر لمن؟ قلت: لا. قالت الشعر لفلان والمغنى لإسحق. قلت: وهل اسحق جعلت فداءك بهذه الصفة؟ قالت: بخ بخ اسحق بارع هذا الشأن فقلت: سبحان الله الذي أعطى هذا الرجل ما لم يعطه أحد سواه، قالت: فكيف لو سمعت هذا الصوت منه؟ ثم لم تزل على ذلك حتى إذا كان انشقاق الفجر أقبلت عليها عجوز كأنها داية لها وقالت: إن الوقت قد حضر فنهضت عند قولها وقالت: فتستر ما كان منا فإن المجالس بالأمانات.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الحادية والعشرين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت: فتستر ما كان منا فإن المجالس بالأمانات فقلت لها: جعلت فداءك فلست محتاجاً إلى وصية في ذلك ثم ودعتها وأرسلت جارية تمشي بين يدي إلى باب الدار ففتحت لي وخرجت متوجهاً إلى داري فصليت الصبح ونمت فأتاني رسول المأمون فسرت إليه وأقمت نهاري عنده فلما كان وقت العشاء تفكرت ما كنت فيه البارحة وهو شيء لا يصبر عنه الجهلاء فخرجت إلى الزنبيل وجلست فيه ورفعت إلى موضعي الذي كنت فيه البارحة.

 

فقالت لي الجارية: لقد عاودت فقلت: لا أظن إلا أنني قد غفلت، ثم أخذنا في المحادثة على عادتنا في الليلة السالفة من المذاكرة والمناشدة وغريب الحكايات منها ومني إلى الفجر، ثم انصرفت إلى منزلي وصليت الصبح ونمت فأتى رسول المأمون فمضيت إليه وأقمت نهاري عنده، فلما كان وقت العشاء قال لي أمير المؤمنين: أقسمت عليك أن تجلس حتى أذهب إلى غرض وأحضر، فلما ذهب الخليفة وغاب عني جالت وساوسي وتذكرت ما كنت فيه فهان علي ما يحصل لي من أمير المؤمنين فوثبت مدبراً وخرجت جارياً حتى وصلت إلى الزنبيل فجلست فيه ورفع بي إلى مجلسي فقالت: لعلك صديقنا؟ قلت: أي والله قالت: أجعلتنا دار إقامة؟ قلت: جعلت فداءك حتى الضيافة ثلاثة أيام فإن رجعت بعد ذلك فأنتم في حل من دمي ثم جلسنا على تلك الحالة فلما قرب الوقت علمت أن المأمون لا بد أن يسألني فلا يقنع إلا بشرح القصة فقلت لها: أراك ممن يعجب بالغناء ولي ابن عم أحسن مني وجهاً وأشرف قدراً وأكثر أدباً وأعرق خلق الله تعالى با اسحق. قالت: أطفيلي وتقترح قلت لها: أنت المحكمة في الأمر فقالت: إن كان ابن عمك على ما تصف فما نكرر معرفته، ثم جاء الوقت فنهضت وقمت متوجهاً إلى داري فلم أصل إلى داري إلا ورسل المأمون هجموا علي وحملوني حملاً عنيفاً.

  

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثانية والعشرين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أن اسحق الموصلي قال: فلم أصل إلى داري إلا ورسل المأمون هجموا علي وحملوني حملاً عنيفاً وذهبوا بي إليه فوجدته قاعداً على كرسي وهو مغتاظ مني فقال: يا اسحق اخرجوا عن الطاعة فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين فقال: فما قصتك أصدقني الخبر فقلت: نعم ولكن في خلوة فأومأ إلى من بين يديه فتنحوا فحدثته الحديث وقلت له: إني وعدتها بحضورك قال: أحسنت، ثم أخذنا في لذتنا ذلك اليوم والمأمون متعلق القلب بها فما صدقنا بمجيء الوقت وسرنا وأنا أوصيه وأقول له: تجنب أن تنادين باسمي قدامها بل أنا لك تبع في حضرتها واتفقنا على ذلك. ثم سرنا إلى أن أتينا مكان الزنبيل فوجدنا زنبيلين فقعنا فيهما ورفعنا إلى الموضع المعهود فأقبلت وسلمت علينا. فلما رآها المأمون تحير من حسنها وجمالها وأخذت تذاكره الأخبار وتناشده الأشعار، ثم أحضرت النبيذ فشربنا وهي مقبلة عليه مسرورة به وهو أيضاً مقبل لإليها مسرور بها، ثم أخذت العود وغنت طريقة وبعد ذلك قالت لي: وهل ابن عمك من التجار وأشارت إلى المأمون؟ قلت: نعم. قالت لي: إنكما لقريبا الشبه من بعضكما. قلت: نعم، فلما فلما شرب المأمون ثلاثة أرطال داخله الفرح والطرب فصاح وقال: يا اسحق قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: عن بهذه الطريقة، فلما علمت أنه الخليفة مضت إلى مكان ودخلت فيه.

 

 وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثالثة والعشرين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية دخلت في المكان، ولما فرغ اسحق من الغناء قال له المأمون: انظر من رب هذه الدار فبادرت عجوز بالجواب وقالت: هي للحسن بن سهيل فقال: علي به فغابت العجوز ساعة وإذا بالحسن قد حضر فقال له المأمون: ألك بنت؟ قال: نعم. قال: ما اسمها؟ قال اسمها خديجة. قال: هل هي متزوجة؟ قال: لا والله. قال: فإني أخطبها منك. قال: هي جاريتك وأمرها إليك يا أمير المؤمنين، قال الخليفة: قد تزوجتها على نقد ثلاثين ألف دينار تحمل إليك صبيحة يومنا هذا فإذا قبضت المال فاحملها إلينا من ليلتها. قال: سمعاً وطاعة، ثم خرجنا فقال: يا اسحق لا تقص هذا الحديث على أحد فسترته إلى أن مات المأمون فما اجتمع لأحد مثل ما اجتمع لي في هذه الأربعة أيام مجالسة المأمون بالنهار ومجالسة خديجة بالليل، والله ما رأيت أحداً من الرجال مثل المأمون ولا شاهدت امرأة من النساء مثل خديجة بل ولا تقارب خديجة فهماً ولا عقلاً ولا لفظاً. والله أعلم.

 

حكاية الحشاش مع حريم بعض الأكابر و مما يحكى أنه كان وأن الحج والناس في الطواف، فبينما المطاف مزدحم بالناس إذا بإنسان متعلق بأستار الكعبة وهو يقول من صميم قلبه: أسألك يا الله أنها تغضب على زوجها وأجامعها. قال: فسمعه جماعة من الحجاج فقبضوا عليه وأتوا به إلى أمير الحجاج بعد أن أشبعوه ضرباً وقالوا له: أيها الأمير إنا وجدنا هذا في الأماكن الشريفة يقول: كذا وكذا فأمر أمير الحجاج بشنقه فقال له: أيها الأمير بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمع قصتي وحديثي وبعد ذلك افعل بي ما تريد. قال: حدث، قال اعلم أيها الأمير أنني رجل حشاش أعمل في مسالخ الغنم فأحمل الدم والوسخ إلى الكيمان فاتفق أنني رائح بحماري يوماً من الأيام وهو محمل فوجدت الناس هاربين فقال واحد منهم: أدخل هذا الزقاق لئلا يقتلوك فقلت: ما للناس هاربين؟ فقال لي واحد خدام: هذا حريم لبعض الأكابر وصار الخدم ينحون الناس من الطريق قدامه ويضربون جميع الناس ولا يبالون بأحد فدخلت بالحمار في عطفة.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الرابعة والعشرين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الرجل قال: فدخلت بالحمار عطفة ووقفت أنتظر انفضاض الزحمة فرأيت الخدم وبأيديهم العصي ومعه نجو ثلاثين امرأة بينهن واحدة كأنها قضيب بان كاملة الحسن والظرف والدلال والجميع في خدمتها فلما وصلت إلى باب العطفة التي أنا واقف فيها التفتت يميناً وشمالاً ثم دعت بطواشي فحضر بين يديها فساورته في أذنه وإذا بالطواشي جاء إلي وقبض علي فتهاربت الناس وإذا بطواشي آخر أخذ حماري ومضى به ثم جاء الطواشي وربطني بحبل وجرني خلفه وأنا لم أعرف ما الخبر والناس من خلفنا يصيحون ويقولون: ما يحل من الله هذا رجل حشاش فقير الحال ما سبب ربطه بالحبال ويقولون للطواشية: ارحموه يرحمكم الله تعالى وأطلقوه فقلت أنا في نفسي: ما أخذني الطواشية إلا لأن سيدتهم شمت رائحة الوسخ فاشمأزت من ذلك أو تكون حبلى أو حصل لها ضرر فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وما زلت ماشياً خلفهم إلى أن وصلوا إلى باب دار كبير فدخلوا وأنا خلفهم واستمروا داخلين بي حتى وصلت إلى قاعة كبيرة ما أعرف كيف أصف محاسنها وهي مفروشة بفرش عظيم ثم دخلت النساء تلك القاعة وأنا مربوط مع الطواشي فقلت في نفسي: لا بد أن يعاقبونني في هذا البيت حتى أموت ولا يعلم بموتي أحد ثم بعد ذلك أدخلوني حماماً لطيفاً من داخل القاعة فبينما أنا في الحمام إذا بثلاث جوار دخلن وقعدن حولي وقلن لي: اقلع شراميطك فقلعت ما علي من الخلقان وصارت واحدة منهن تحك رجلي وواحدة منهن تغسل رأسي وواحدة تكبسني فلما فرغن من ذلك حطوا لي بقجة قماش وقالوا لي: البس هذه فقلت: والله ما أعرف كيف ألبس فتقدمن إلي وألبسنني وهن يتضاحكن علي ثم جئن بقماقم مملوءة بماء الورد ورششن علي وخرجت معهن إلى قاعة أخرى والله ما أعرف كيف أصف محاسنها من كثرة ما فيها من النقش والفرش فلما دخلت تلك القاعة وجدت واحدة قاعدة على تخت من الخيزران.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الخامسة والعشرين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الرجل قال: فلما دخلت القاعة وجدت واحدة قاعدة على تخت من الخيزران قوائمه من عاج وبين يديها جملة جوار فلما رأتني قامت إلي ونادتني فجئت عندها فأمرتني بالجلوس فجلست إلى جانبها وأمرت الجواري أن يقدمن الطعام الفاخر من سائر الألوان ما أعرف اسمه ولا أعرف صفته في عمري فأكلت منه قدر كفايتي وبعد رفع الزبادي وغسل الأيادي أمرت بإحضار الفواكه فحضرت بين يديها بالحال فأمرتني بالأكل فأكلت فلما فرغنا من الأكل أمرت بعض الجواري بإحضار سلاحيات الشراب فأحضرن مختلف الألوان ثم أطلقن المباخر من جميع البخور وقامت جارية مثل القمر تسقينا على نغمات الأوتار فسكرت أنا وتلك السيدة الجالسة كل ذك جرى وأنا أعتقد أنه حلم في المنام. ثم بعد ذلك أشارت إلى بعض الجواري أن يفرشن لنا في مكان ففرشن في المكان الذي أمرت به ثم قامت وأخذت بيدي إلى ذلك المكان المفروش ونمت معها إلى الصباح وكنت كلما ضممتها إلى صدري أشم منها رائحة المسك والطيب وما أعتقد إلا أني في الجنة أو أني أحلم في المنام فلما أصبحت سألتني عن مكاني فقلت: في المحل الفلاني فأمرت بخروجي وأعطتني منديلاً مطرزاً بالذهب والفضة وعليه شيء مربوط فقالت لي: أدخل الحمام بهذا ففرحت وقلت في نفسي: إن كان ما عليه خمسة فلوس فهي غدائي في هذا اليوم ثم خرجت من عندها كأني خارج من الجنة وجئت إلى المخزن الذي أنا فيه ففتحت المنديل فوجدت فيه خمسين مثقالاً من الذهب فدفنتها وقعدت عند الباب بعد أن اشتريت بفلسين خبزاً وإداماً وتغديت ثم صرت متفكراً في أمري فبينما أنا كذلك إلى وقت العصر إذا بجارية قد أتت وقالت لي: إن سيدتي تطلبك فخرجت معها إلى باب الدار فاستأذنت لي فدخلت وقبلت الأرض بين يديها فأمرتني بالجلوس وأمرت بإحضار الطعام والشراب على العادة ثم نمت معها على جري العادة التي تقدمت أول ليلة فلما أصبحت ناولتني منديلاً ثانياً فيه خمسون مثقالاً من الذهب فأخذتها وخرجت وجئت إلى المخزن ودفنتها ومكثت على هذه الحالة مدة ثمانية أيام أدخل عندها في كل يوم وقت العصر وأخرج من عندها في أول النهار. فبينما أنا نائم عندها ليلة ثامن يوم إذا بجارية دخلت وهي تجري وقالت لي: قم اطلع إلى هذه الطبقة فطلعت في تلك الطبقة فوجدتها تشرف على وجه الطريق فبينما أنا جالس إذا بضجة عظيمة ودربكة خيل في الزقاق وكان في الطبقة طاقة تشرف على الباب فنظرت منها فرأيت شاباً راكباً كأنه القمر الطالع ليلة تمامه وبين يديه مماليك وجند يمشون في خدمته فتقدم إلى الباب وترجل ودخل القاعة فرآها قاعدة على السرير فقبل الأرض بين يديها ثم تقدم وقبل يدها فلم تكلمه فما برح يتخضع لها حتى صالحها ونام عندها تلك الليلة.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة السادسة والعشرين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبي لما صالحها زوجها نام عندها تلك الليلة فلما أصبح الصباح أتته الجنود وركب وخرج من الباب فطلعت عندي وقالت لي: أرأيت هذا؟ قلت: نعم قالت: هو زوجي وأحكي لك ما جرى لي معه. اتفق أنني كنت وإياه يوماً قاعدين في الجنينة داخل البيت وإذا هو قد قام من جنبي وغاب عني ساعة طويلة فاستبطأته فقلت في نفسي: لعله يكون في بيت الخلاء فنهضت إلى بيت الخلاء فلم أجده فدخلت المطبخ فرأيت جارية فسألتها عنه فأرتني إياه وهو راقد مع جارية من جواري المطبخ فعند ذلك حلفت يميناً عظيماً أنني لا بد أن أزني مع أوسخ الناس وأقذرهم ويوم قبض عليك الطواشي كان لي أربعة أيام وأنا أدور في البلد على واحد يكون بهذه الصفة فما وجدت أحداً أوسخ ولا أقذر منك فطلبتك وقد كان ما كان من قضاء الله علينا وقد خلصت من اليمين التي حلفتها ثم قالت: فمتى وقع زوجي على الجارية ورقد معها مرة أخرى أعدتك إلى ما كنت عليه معي فلما سمعت منها هذا الكلام ورمت قلبي من لحاظها بالسهام جرت دموعي حتى قرحت المحاجر وأنشدت قول الشاعر:

 

مكنيني من بوس يسراك عشراً

 

واعرفي فضلها على يمنـاك

إن يسراك لهي أقرب عهـداً

 

وقت غسل الخراب مستنتجاك

 

ثم إنها أمرت بخروجي من عندها وقد تحصل لي منها أربعمائة مثقال من الذهب فأنا أصرف منها وجئت إلى ههنا أدعو الله سبحانه وتعالى أن زوجها يعود إلى الجارية مرة لعلي أعود إلى ما كنت عليه. فلما سمع أمير الحج قصة الرجل أطلقه وقال للحاضرين: بالله عليكم أن تدعو له فإنه معذور.