حكاية تودد الجارية

ومما يحكى أنه كان ببغداد رجل ذو مقدار وكان موسر بالمال والعقار وهو من التجار الكبار وقد سهل عليه دنياه ولم يبلغه من الذرية ما يتمناه ومضت عليه مدة من الزمان ولم يرزق بأناث ولا ذكور، فكبر سنه ورق عظمه وانحنى ظهره وكثر وهنه وهمه فخاف ذهاب ماله ونسبه إذ لم يكن له ولد يرثه ويذكر به فتضرع إلى الله تعالى وصام النهار، وقام الليل، ونذر النذور لله تعالى الحي القيوم، وزار الصالحين، وأكثر التضرع إلى الله تعالى فاستجاب الله له وقبل دعاؤه ورحم تضرعه وشكواه فما كان إلا قليل من الأيام حتى جامع إحدى نسائه فحملت منه في ليلتها ووقتها وساعتها وأتمت أشهرها ووضعت حملها وجاءت بذكر كأنه فلقة قمر، فأوفى بالنذر وشكر الله عز وجل وصدق وكسا الأرامل والأيتام، وليلة سابع الولادة سماه بأبي الحسن فرضعته المراضع وحضنته الحواضن وحملته المماليك والخدم إلى أنكبر ونشأ وترعرع وانتشى، وتعلم القرآن العظيم وفرائض الإسلام وأمور الدين القويم والخط والشعر والحساب والرمي بالنشاب، فكان فريد دهره وأحسن أهل زمانه وعصره، ذا وجه مليح ولسان فصيح، يتهادى تمايلاً واعتدالاً ويترامى تدللاً واختيالاً بخد أحمر وجبين أزهر وعذار أخضر، كما قال فيه بعض واصفيه:

 

بدا الربيع العذار للـحـدق

 

والورد بعد الربيع كيف بقي

أما ترى النبت فوق عارضه

 

بنفسجاً طالعاً مـن الـورق

 

فأقام مع أبيه برهة من الزمن في أحسن حال وأبوه به فرح وسرور إلى أن بلغ مبالغ الرجال فأجلسه أبوه بين يديه يوماً من الأيام وقال له: يا ولدي غنه قد قرب الأجل وحانت وفاتي ولم يبق غير لقاء الله عز وجل وقد خلفت لك ما يكفيك إلى ولد الولد من المال المتين والضياع والأملاك والبساتين فاتق الله تعالى يا ولدي فيما خلفته لك ولا تمتع من رفدك، فلم يكن إلا قليل حتى مرض الرجل ومات فجهزه ولده أحسن تجهيز ودفنه ورجع إلى منزله وقعد للعزاء أياماً وليالي وإذا بأصحابه قد دخلوا عليه وقالوا له: من خلف مثلك ما مات، وكل ما فات فقد فات وما يصلح العزاء إلا للبنات والنساء المخدرات ولم يزالوا به حتى دخل الحمام ودخلوا عليه وفكوا حزنه.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أبا الحسن لما دخل عليه أصحابه الحمام وفكوا حزنه نسي وصية أبيه وذهل لكثرة المال وظن أن الدهر يبقى معه على حال، وأن المال ليس له زوال فأكل وشرب ولذ وطرب وخلع ووهب وجاد بالذهب ولازم أكل الدجاج وفض ختم الزجاج وقهقهة القناني واستماع الأغاني، ولم يزل على هذا الحال إلى أن نفذ المال وقعد الحال وذهب ما كان لديه وسقط في يديه، ولم يبق له بعد أن أتلف ما أتلف غير وصيفة خلفها له والده من جملة ما خلف وكانت الوصيفة هذه ليس لها نظير في الحسن والجمال والبهاء والكمال والقد والاعتدال وهي ذات فنون وآداب وفضائل تستطاب قد فاقت أهل عصرها وأوانها، وصارت أشهر من علم في افتتانها وزادت على الملاح بالعلم والعمل ولتثني والميل مع كونها خماسية القد مقارنة للسعد بجبينين كأنهما هلال شعبان وحاجبين أزجين، وعيون كعيون غزلان وأنف كخد الحسام، وخد كشقائق النعمان، وفم كخاتم سليمان وأسنان كأنها عقود الجمان، وسرة تسع أوقية دهن بان، وخصر أنحل من جسم من أضناه الهوى وأسقمه الكتمان وردف أثقل من الكثبان، وبالجملة فهي في الحسن والجمال جديرة بقول من قال:

 

إن أقبلت بحسـن قـوامـهـا

 

أو أدبرت قتلت بصد فراقهـا

شمسية بـدرية غـصـنـية

 

ليس الجفا والبعد من أخلاقها

جنات عدن تحت جيب قميصها

 

والبدر في فلك على أطواقها

 

تسلب من يراها بحسن جمالها وبريق ابتسامتها وترميه بعيون نبل سهامها وهي مع هذا كله فصيحة الكلام حسنة النظام فلما نفذ جميع ماله وتبين سوء حاله ولم يبق معه غير هذه الجارية أقام ثلاثة أيام، وهو لم يذق طعم طعام ولم يسترح في منام، فقالت له الجارية: يا سيدي احملني إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الواحدة والثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت لسيدها: يا سيدي احملني إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد الخامس من بني العباس واطلب ثمني منه عشرة آلاف دينار فإن استغلاني فقل له: يا أمير المؤمنين وصيفتي تساوي أكثر من ذلك فاختبرها يعظم قدرها في عينك لأن هذه الجارية ليس لها نظير ولا تصلح إلا لمثلك. ثم قالت له: إياك أن تبيعني بدون ما قلت لك من الثمن فإنه قليل في مثلي وكان سيد الجارية لا يعلم قدرها ولا يعرف أنها ليس لها نظير في زمانها.

 

ثم أنه حملها إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد وقدمها له وذكر ما قالت، فقال لها الخليفة: ما اسمك؟ قالت: اسمي تودد قال: يا تودد ما تحسنين من العلوم؟ قالت: يا سيدي إني أعرف النحو والشعر والفقه والتفسير واللغة وأعرف فن الموسيقى وعلم الفرائض والحساب والقسمة والمساحة وأساطير الأولين، وأعرف القرآن العظيم وقد قرأته بالسبع والعشر وبالأربع عشرة وأعرف عدد سوره وآياته وأحزابه وأنصافه وأرباعه وأثمانه وأعشاره وسجداته وعدد أحرفه وأعرف ما فيه من الناسخ والمنسوخ والمدنية والمكية، وأسباب التنزيل وأعرف الحديث الشريف دراية ورواية المسند منه والمرسل ونظرت في علوم الرياضة والهندسة والفلسفة وعلم الحكمة والمنطق والمعاني والبيان وحفظت كثيراً من العلم وتعلقت بالشعر وضربت العود، وعرفت مواضع النغم فيه ومواقع حركات أوتاره فإن غنيت ورقصت فتنت وإن تزينت وتطيبت قتلت وبالجملة فإني وصلت إلى شيء لم يعرفه إلا الراسخون في العلم. فلام سمع الخليفة هارون الرشيد كلامها على صغر سنها تعجب من فصاحة لسانها والتفت إلى مولاها وقال: إني أحضر من يناظرها في جميع ما ادعته فإن أجابت دفعت لك ثمنها وزيادة وإن لم تجب فأنت أولى بها فقال مولاها: يا أمير المؤمنين حباً وكرامة فكتب أمير المؤمنين إلى عامل البصرة بأن يرسل إليه إبراهيم بن سيار النظام وكان أعظم أهل زمانه في الحجة والبلاغة والشعر والمنطق وأمره أن يحضر القراء والعلماء والأطباء والمنجمين والحكماء والمهندسين والفلاسفة، وكان ابراهيم أعلم من الجميع فما كان إلا قليل حتى حضروا دار الخلافة وهم لا يعلمون الخبر فدعاهم أمير المؤمنين إلى مجلسه وأمرهم بالجلوس فجلسوا ثم أمر أن تحضر الجارية تودد فحضرت وأظهرت نفسها وهي كأنها كوكب دري فوضع لها كرسي من ذهب فسلمت، ونطقت بفصاحة لسان وقالت: يا أمير المؤمنين مر من حضر من العلماء والقراء والأطباء والمنجمين والحكماء والمهندسين والفلاسفة أن يناظروني. فقال لهم أمير المؤمنين: أريد منكم أن تناظروا هذه الجارية في أمر دينها وأن تدحضوا حجتها في كل ما ادعته فقالوا: السمع والطاعة لله ولك يا أمير المؤمنين فعند ذلك أطرقت الجارية برأسها إلى الأرض وقالت: أيكم الفقيه العالم المقري المحدث؟ فقال أحدهم: أنا ذلك الرجل الذي طلبت فقالت له: اسأل عما شئت قال لها: أنت قرأت كتاب الله العزيز وعرفت ناسخه ومنسوخه وتدبرت آياته وحروفه قالت: نعم فقال لها: أسألك عن الفرائض الواجبة والسنن القائمة فأخبريني أيتها الجارية عن ذلك ومن ربك ومن إمامك وما قبلتك وأخوانك وما طريقك وما منهاجك؟ قالت: الله ربي ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي والقرآن إمامي والكعبة قبلتي والمؤمنون أخواني والخير طريقي والسنة منهاجي. فتعجب الخليفة من قولها ومن فصاحة لسانها على صغر سنها ثم قال لها: أيتها الجارية أخبريني بما عرفت الله تعالى؟ قالت: بالعقل، قال: وما العقل؟ قالت: العقل عقلان عقل موهوب وعقل مكسوب.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت: قالت: العقل عقلان موهوب ومكسوب، فالعقل الموهوب هو الذي خلقه الله عز وجل يهدي به من يشاء من عباده، والعقل المكسوب هو الذي يكسبه المرء بتأدبه وحسن معروفه فقال لها: أحسنت ثم قال: أين يكون العقل؟ قالت: يقذفه الله في القلب فيصعد شعاعه في الدماغ حتى يستقر قال لها: أحسنت ثم قال: أخبريني بما عرفت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بقراءة كتاب الله تعالى وبالآيات والدلالات والبراهين والمعجزات قال: أحسنت فأخبريني عن الفرائض الواجبة والسنن القائمة؟ قالت: أما الفرائض الواجبة فخمس: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً، وأما السنن فهي أربع: الليل والنهار والشمس والقمر، وهن يدنين العمر والأمل وليس يعلم ابن آدم أنهن يهدمن الأجل.

 

قال: أحسنت فأخبريني ما شعائر الإيمان؟ قالت: شعائر الإيمان الصلاة والزكاة والصوم والحج واجتنبا الحرام. وقال: أحسنت أخبريني بأي شيء تقومين إلى الصلاة؟ قالت: بنية العبودية مقرة بالربوبية قال: فأخبريني كم فرض الله عليك قبل قيامك إلى الصلاة؟ قالت: الطهارة وستر العورة واجتناب الثياب المتنجسة والوقوف على مكان طاهر والتوجه للقبلة والنية وتكبيرة الإحرام. قال: أحسنت فاخبريني بم تخرجين من بيتك إلى الصلاة؟ قالت: بنية العبادة قال: فبأي نية تدخلين المسجد؟ قالت: بنية الخدمة قال: فبماذا تستقبلين القبلة؟ قالت: بثلاث فرائض وسنة قال: أحسنت فأخبريني ما مبدأ الصلاة وما تحليلها وما تحريمها؟ قالت: مبدأ الصلاة الطهور وتحريمها تحريمة تكبيرة الإحرام وتحليل السلام من الصلاة قال: فماذا يجب على من تركها؟ قالت: روي في الصحيح من ترك الصلاة عامداً متعمداً من غير عذر فلا حظ له في الإسلام.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثالثة والثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما ذكرت الحديث الشريف قال لها الفقيه: أحسنت فأخبريني عن الصلاة ما هي؟ قالت: الصلاة سر بين العبد وربه وفيها عشرة خصال: تنور القلب وتضيء الوجه، وترضي الرحمن وتغضب الشيطان، وتدفع البلاء وتكفي شر الأعداء، وتكثر الرحمة، وتدفع النقمة وتقرب العبد من مولاه وتنهي عن الفحشاء والمنكر وهي من الواجبات المفروضات المكتوبات وهي عماد الدين، قال: أحسنت فأخبريني ما مفتاح الصلاة؟ قالت: الوضوء قال: ما مفتاح الوضوء؟ قالت: التسمية قال: فما مفتاح التسمية؟ قالت: اليقين قال: فما مفتاح اليقين؟ قالت: التوكل قال: فما مفتاح التوكل؟ قالت: الرجاء قال: فما مفتاح الرجاء؟ قالت: الطاعة قال: فما مفتاح الطاعة؟ قالت: الاعتراف لله تعالى بالوحدانية والإقرار له بالربوبية.

 

قال: أحسنت فأخبريني عن فروض الوضوء قالت: ستة أشياء على مذهب الإمام الشافعي محمد بن ادريس رضي الله عنه، النية عند غسل الوجه وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح بعض الرأس وغسل الرجلين مع الكعبين والترتيب، وسنته عشرة أشياء: التسمية، وغسل الكفين قبل إدخالهما الإناء، والمضمضة، والاستنشاق، ومسح بعض الرأس، ومسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد وتخليل اللحية الكثة وتخليل أصابع اليدين والرجلين وتقديم اليمنى على اليسرى والطهارة ثلاثاً ثلاثاً والموالاة فإذا فرغ من الوضوء قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المطهرين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قالها عقب كل وضوء فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء. قال: أحسنت فغذا أراد الإنسان الوضوء ماذا يكون عنده من الملائكة والشياطين؟ قالت: إذا تهيأ الإنسان للوضوء، أتت الملائكة عن يمينه والشياطين عن شماله فإذا ذكر الله تعالى في ابتداء الوضوء فرت منه الشياطين واستولت عليه الملائكة بخيمة من نور لها أربعة أطناب، مع كل طنب ملك يسبح الله تعالى ويستغفر له ما دام في إنصات أو ذكر، فإن لم يذكر الله عز وجل عند ابتداء الوضوء ولم ينصت استولت عليه الشياطين وانصرفت عنه الملائكة ووسوس له الشيطان حتى يدخل عليه الشك والنقص في وضوئه. فقد قال عليه الصلاة والسلام: الوضوء الصالح يطرد الشيطان ويؤمن من جور السلطان وقال أيضاً: من نزلت عليه بلية وهو على غير وضوء فلا يلومن إلا نفسه قال: أحسنت فأخبريني عما يفعل الشخص إذا استيقظ من منامه؟ قالت: إذا استيقظ الشخص من منامه فليغسل يديه ثلاثاً قبل إدخالهما في الإناء قال: أحسنت فأخبريني عن فروض الغسل وعن سننه؟ قالت: فروض الغسل النية وتعميم البدن بالماء إلى جميع الشعر والبشرة، وأما سننه فلوضوء قبله، والتدليك وتخليل الشعر وتأخير غسل الرجلين في قول آخر الغسل قال ك أحسنت.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما أخبرت الفقيه عن فروض الغسل وسننه قال: أحسنت فأخبريني عن أسباب التيمم وفرضه وسننه؟ قالت: أما أسبابه فسبعة: فقد الماء والخوف والحاجة إليه، وإضلاله في رحلة والمرض والجبيرة والجراح. وأما فروضه فأربعة: النية والتراب وضربة للوجه وضربة لليدين وأما سننه فالتسمية وتقديم اليمنى على اليسرى قال: أحسنت فأخبريني عن شروط الصلاة وعن أركانها وسننها؟ قالت: أما شروطها فخمسة أشياء: طهارة الأعضاء وستر العورة ودخول الوقت يقيناً أو ظناً واستقبال القبلة والوقوف على مكان طاهر، وأما أركانها فالنية وتكبيرة الإحرام والقيام مع القدرة وقراءة الفاتحة وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها على مذهب الإمام الشافعي والركوع والطمأنينة فيه والاعتدال والطمأنينة فيه والسجود والطمأنينة فيه والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه والتشهد الأخير والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه والتسليمة الأولى ونية الخروج من الصلاة في قول، وأما سننها فالأذان والإقامة ورفع اليدين عند الإحرام ودعاء الافتتاح والتعوذ والتأمين وقراءة السورة بعد الفاتحة والتكبيرات عند الانتقالات وقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد والجهر في موضعه والإسرار في موضعه والتشهد الأولى والجلوس له والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه والصلاة على الآل في التشهد الأخير والتسليمة الثانية قال: أحسنت فأخبريني فبماذا تجب الزكاة؟ قالت: تجب في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والدخن والذرة والفول والحمص والأرز والزبيب والتمر، قال أحسنت فأخبريني في كم تجب الزكاة في الذهب؟ قالت: لا زكاة فيما دون عشرين مثقالاً فإذا بلغت العشرين ففيها نصف مثقال وما زاد فبحسابه قال: فأخبريني في كم يجب الزكاة في الإبل؟ قالت: في كل خمس شاة إلى خمس وعشرين فيها بنت مخاض قال: أحسنت فأخبريني في كم تجب الزكاة في الورق قال: ليس فيما دون مائتي درهم فإذا بلغت المائتين فيها خمسة دراهم وان زاد فبحسابه قال: أحسنت فأخبريني في كم تجب الزكاة في الشاة؟ قالت: إذا بلغت أربعين فيها شاة قال: أحسنت فأخبريني عن الصوم وفرضه قالت: أما فروض الصوم فالنية والإمساك عن الأكل والشرب والجماع وتعم القيء وهو واجب على كل مكلف خال عن الحيض والنفاس ويجب رؤية الهلال أو بإخبار عدل يقع في قلب المخبر صدقه، ومن واجباته تثبيت النية، وأما سننه فتعجيل الفطور وتأخير السحور وترك الكلام إلا في الخير والذكر وتلاوة القرآن قال: أحسنت فأخبريني عن شيء لا يفسد الصوم قالت: الأذهان والإكتحال وغبار الطريق وابتلاع الريق وخروج المني بالاحتلام أو النظر لامرأة أجنبية والفصادة والحجامة هذا كله لا يفسد الصوم. قال: أحسنت فأخبريني عن صلاة العيدين قالت: ركعتان وهما سنة من غير آذان وإقامة ولكن يقول الصلاة جامعة ويكبر في الأولى سبعاً ى تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.

 

 وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما أخبرت الفقيه عن صلاة العيدين قال لها: أحسنت فأخبريني عن صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر قالت: ركعتان بغير آذان ولا إقامة يأتي ركعة بقيامين وركوعين وسجودين ويجلس وينشد ويسلم ثم يخطب ويستغفر الله تعالى مكان التكبير في خطبتي العيدين ويحول رداءه بأن يجعل أعلاه أسفله ويدعوا ويتضرع قال: أحسنت فأخبريني عن صلاة الوتر قالت: الوتر أقله ركعة واحدة وأكثره إحدى عشر ركعة قال: أحسنت فأخبريني عن صلاة الضحى قالت: أقلها ركعتان وأكثرها اثنتي عشر ركعة قال: أحسنت فأخبريني عن الاعتكاف قالت: هو سنة قال: فما شروطه؟ قالت: النية وأن لا تخرج من المسجد إلا لحاجة ولا يباشر النساء وأن يصوم ويترك الكلام. قال: أحسنت فأخبريني بماذا يجب الحج؟ قالت: بالبلوغ والعقل والإسلام والاستطاعة وهو واجب في العمر مرة واحدة قبل الموت قال: فما فروض الحج؟ قالت: الإحرام والوقوف بعرفة والطواف والسعي والحلق والتقصير قال: فما فروض العمرة؟ قالت: الإحرام بها وطوافها وسعيها قال: فما فروض الإحرام؟ قالت: التجرد من المخيط واجتناب الطيب وترك حلق الرأس وتقليم الأظافر وقتل الصيد والنكاح قال: فما سنن الحج؟ قالت: التلبية وطواف القدوم والوداع والمبيت بالمزدلفة ورمي الجمار. قال: أحسنت فما الجهاد وما أركانه؟ قالت: أما أركانه فخروج الكفار علينا ووجود الإمام والعدة والثبات عند لقاء العدو وأما سننه فهو التحريض على القتال لقوله تعالى: يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال، قال: أحسنت فأخبريني عن فروض البيع وسننه قالت: أما فروض البيع فالإيجاب والقبول وأن يكون البيع مملوكاً منتفعاً به مقدوراً على تسليمه وترك الربا وأما سننه فالإقالة والخيار قبل التفريق لقوله صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا قال: أحسنت فأخبريني عن شيء لا يجوز بيع بعضه ببعض قالت: حفظت في ذلك حديثاً صحيحاً عن نافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع التمر بالرطب والتين باليابس والقديد باللحم والزبد بالسمن وكل ما كان من صنف واحد مأكول فلا يجوز بيع بعضه ببعض.

 

فلما سمع الفقيه كلامها وعرف أنها ذكية فطنة حاذقة عالمة بالفقه والحديث والتفسير وغير ذلك قال في نفسه: لا بد أن أتحيل عليها حتى أغلبها في مجلس أمير المؤمنين فقال لها: يا جارية ما معنى الوضوء في اللغة؟ قالت: الوضوء في اللغة النظافة والخلوص من الأدناس قال: فما معنى الصلاة في اللغة؟ قالت: الدعاء بخير قال: فما معنى الغسل في اللغة؟ قالت: التطهير قال: فما معنى الصوم في اللغة؟ قالت: الإمساك قال: فما معنى الزكاة في اللغة؟ قالت: الزيادة قال: فما معنى الحج في اللغة؟ قالت: القصد قال: فما معنى الجهاد في اللغة؟ قالت: الدفاع، فانقطعت حجة الفقيه.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة السادسة والثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الفقيه لما انقطعت حجته قام على قدميه وقال: أشهد الله يا أمير المؤمنين بأن الجارية أعلم مني في الفقه فقالت له الجارية: أسألك عن شيء فأتني جوابه سريعاً إن كنت عارفاً قال: اسألي قالت: ما سهام الدين؟ قال: هي عشرة: الأولى الشهادة وهي الملة، الثاني الصلاة وهي الفطرة، الثالث الزكاة وهي الطهارة، الرابع الصوم وهي الجنة، الخامس الحج وهي الشريعة، السادس الجهاد وهي الكفاية، السابع والثامن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما الغيرة، التاسع الجماعة وهي الألفة، العاشر طلب العلم وهي الطريق الجيدة.

 

قالت: أحسنت وقد بقيت عليك مسألة فما أصول الإسلام؟ قال: هي أربعة: صحة العقد، وصدق العقد، وحفظ الحد، والوفاء بالعهد.

 

قالت: بقيت مسألة أخرى فإن أجبت وإلا أخذت ثيابك قال: قولي يا جارية قالت: فما فروع الإسلام؟ فسكت ساعة ولم يجب بشيء فقالت: انزع ثيابك وأنا أفسرها لك قال أمير المؤمنين: فسريها وأنا أنزع لك ما عليه من الثياب قالت: اثني وعشرون فرعاً التمسك بكتاب الله والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم وكف الأذى وأكل الحلال واجتناب الحرام ورد المظالم إلى أهلها والتوبة والفقه في الدين وحب الجليل واتباع التنزيل والتأهب للرحيل وقوة اليقين والعفو عند المقدرة والقوة عند الضعف والصبر عند المصيبة ومعرفة الله تعالى ومعرفة ما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم ومخالفة اللعين إبليس ومجاهدة النفس ومخالفتها والإخلاص لله. فلما سمع أمير المؤمنين ذلك منها أمر أن تنزع ثياب الفقيه وطيلسانه فنزعهما ذلك الفقيه وخرج مقهوراً منها خجلاً من بين يدي أمير المؤمنين، ثم قام رجل آخر وقال: يا جارية اسمعي مني مسائل قليلة قالت له: قل، قال: فما شرط صحة المسلم؟ قالت: القدر المعلوم والجنس المعلوم والأجل المعلوم، قال: أحسنت فما فروض الأكل وسننه؟ قالت: فروض الأكل الاعتراف بان الله تعالى رزقه وأطعمه وسقاه والشكر لله تعالى على ذلك، قال: فما الشكر؟ قالت: صرف العبد لجميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله قال: فما سنن الأكل؟ قالت: التسمية وغسل اليدين والجلوس على الورك الأيسر والأكل بثلاث أصابع والكل مما لك قال:: أحسنت فأخبريني ما آداب الأكل؟ قالت: أن تصغر اللقمة وتقل النظر إلى جليسك قال: أحسنت.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة السابعة والثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما سئلت عن آداب الأكل وذكرت الجواب قال لها الفقيه السائل: أحسنت فأخبريني عن عقائد القلب وأضدادها قالت: هن ثلاث وأضدادها ثلاث: الأولى اعتقاد الإيمان وضدها مجانية الكفر، والثانية اعتقاد السنة وضدها مجانية البدعة، والثالثة اعتقاد الطاعة وضدها مجانية المعصية، قال: أحسنت فأخبريني عن شروط الوضوء قالت: الإسلام والتميز وطهور الماء وعدم المانع الحسن وعدم المانع الشرعي قال: أحسنت فأخبريني عن الإيمان قالت: الإيمان ينقسم إلى تسعة أقسام: إيمان بالمعبودة وإيمان بالعبودية وإيمان بالخصوصية وإيمان بالقبضتين وإيمان بالناسخ وإيمان بالمنسوخ وإن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره وحلوه ومره. قال: أحسنت فأخبريني عن ثلاث تمنع ثلاثاً، قالت: نعم. روي عن سفيان الثوري أنه قال: ثلاث تذهب ثلاثاً: الاستخفاف بالصالحين يذهب الآخرة والاستخفاف بالملوك يذهب الروح، والاستخفاف بالنفقة يذهب المال، قال: أحسنت فأخبريني عن مفاتيح السموات وكم لها من باب؟ قالت: قال الله تعالى: وفتحت السماء فكانت أبواباً. وقال عليه الصلاة والسلام: وليس يعلم عدة أبواب السماء إلا الذي خلق السماء وما من أحد من بني آدم إلا وله بابان في السماء باب ينزل منه رزقه وباب يصعد منه عمله ولا يغلق باب رزقه حتى ينقطع أجله ولا يغلق باب عمله حتى تصعد روحه.

 

قال: أحسنت فأخبريني عن شيء وعن نصف شيء وعن لا شيء؟ قالت: الشيء هو المؤمن ونصف الشيء هو المنافق وأن لا شيء هو الكافر قال: أحسنت فأخبريني عن القلوب قالت: قلب سليم وقلب سقيم وقلب منيب وقلب نذير وقلب منير، فالقلب السليم هو قلب الخليل والقلب السقيم هو قلب الكافر والقلب المنيب هو قلب المتقين الخائفين والقلب النذير هو قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والقلب المنير هو قلب من يتبعه وقلوب العلماء ثلاثة: قلب متعلق بالدنيا وقلب متعلق بالآخرة وقلب متعلق بمولاه وقيل: إن القلوب ثلاثة: قلب معلق وهو قلب الكافر، وقلب معدوم وهو قلب المنافق، وقلب ثابت وهو قلب المؤمن، وقيل هي ثلاثة: قلب مشروح بالنور والإيمان وقلب مجروح من خوف الهجران، وقلب خائف من الخذلان، قال: أحسنت. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثامنة والثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما سألها الفقيه الثاني وأجابته وقال لها: أحسنت قالت: يا أمير المؤمنين إنه قد سألني حتى عيي وأنا أسأله مسألتين فإن أتى بجوابهما فذاك وإلا أخذت ثيابه وانصرف بسلام فقال لها الفقيه: سليني ما شئت، قالت: فما تقول في الإيمان؟ قال: الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح وقال عليه الصلاة والسلام: لا يكمل المرء في الإيمان حتى يكمل فيه خمس خصال التوكل على الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله وأن تكون أموره لله فإنه من أحب الله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. قالت: فأخبرني عن فرض الفرض وعن فرض في ابتداء كل فرض وعن فرض يحتاج إليه كل فرض وعن سنة داخلة في الفرض وعن سنة يتم بها الفرض فسكت ولم يجب بشيء فأمرها أمير المؤمنين بأن تفسرها وأمره أن ينزع ثيابه ويعطيها إياها فعند ذلك قالت: يا فقيه أما فرض الفرض فمعرفة الله تعالى وأما الفرض الذي في ابتداء كل فرض فهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وأما الفرض الذي يحتاج إليه كل فرض فهو الوضوء وأما الفرض المستغرق كل فرض فهو الغسل من الجنابة وأما السنة الداخلة في الفرض فهي تخليل الأصابع وتخليل اللحية الكثيفة وأما السنة التي يتم بها الفرض فهو الإختتان فعند ذلك تبين عجز الفقيه وقام على قدميه وقال: أشهد الله يا أمير المؤمنين أن هذه الجارية أعلم مني بالفقه وغيره ثم نزع ثيابه وانصرف مقهوراً.

 

وأما حكايتها مع المقرئ فإنها التفتت إلى من بقي من العلماء الحاضرين وقالت: أيكم الأستاذ المقرئ بالعالم بالقرآن السبع والنحو واللغة؟ فقام إليها المقرئ وجلس بين يديها وقال لها: هل قرأت كتاب الله تعالى وأحكمت معرفة آياته وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهة ومكيه ومدنيه وفهمت تفسيره وعرفتيه على الروايات والأصول في القرآن؟ قالت: نعم. قال: أخبريني عن عدد سور القرآن وكم فيه من عشر وكم فيه من آيات وكم فيه من حرف وكم فيه من سجدة وكم فيه من نبي مذكور وكم فيه من سورة مدنية وكم فيه من سورة مكية وكم فيه من طير؟ قالت: يا سيدي أما سور القرآن فمائة وأربع عشرة سورة المكي منها سبعون والمدني أربع وأربعون وأما أعشاره فستمائة عشر واحد وعشرون عشراً وأما الآيات فست آلاف ومائتان آية وأما أحرفه فثلاثة وعشرون ألفاً وستمائة وسبعون حرفاً وللقارئ بكل حرف عشر حسنات وأما السجدات فأربع عشر سجدة.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة التاسعة والثلاثين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن لما سألها المقرئ عن القرآن الكريم أجابته وقالت له: وأما الأنبياء الذين ذكرت أسماؤهم في القرآن فخمسة وعشرون نبياً وهم: آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب ويوسف واليسع ولوط وصالح وهود وشعيب وداود وسليمان وذو الكفل وإدريس وإلياس ويحيى وزكريا وأيوب وموسى وهارون ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين، وأما الطير فهن تسع، قال: ما اسمهن؟ قالت: البعوض والذباب والنمل والهدهد والغراب والجراد والأبابيل وطير عيسى عليه السلام وهو الخفاش. قال: أحسنت أي سورة في القرآن أفضل؟ قالت: سورة البقرة، قال: فأي آية أعظم؟ قالت: آية الكرسي وهي خمسون كلمة مع كل كلمة خمسون بركة، قال: فأي آية فيها تسع آيات؟ قالت قوله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) إلى آخر الآية. قال: أحسنت فأخبريني أي آية أعدل؟ قالت: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، قال: فأي آية أطمع؟ قالت: قوله تعالى:(أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة النعيم)، قال: فأي جنة أرجى؟ قالت: قوله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم). قال: أحسنت فأخبريني بأي قراءة تقرأين؟ قالت: بقراءة أهل الجنة وهي قراءة نافع، قال: فأي آية كذب فيها الأنبياء؟ قالت: قوله تعالى: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) وهم أخوة يوسف، قال: فأخبريني أي آية صدق فيها الكفار؟ قالت: قوله تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب) فهم صدقوا جميعاً، قال: فما آية قالها الله لنفسه؟ قالت: قوله تعالى: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون)، قال: فأي آية فيها قول الملائكة؟ قالت: قوله تعالى: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)، قال: فأخبريني عن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وما جاء فيها؟ قالت: التعوذ واجب أمر الله به عند القراءة والدليل عليه قوله تعالى: (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم).

 

قال: أخبريني ما لفظ الاستعادة وما الخلاف فيها؟ قالت: منهم من يستعيذ بقوله: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ومنهم من يقول: أعوذ بالله القوي والأحسن ما نطق به القرآن العظيم ووردت به السنة، وكان صلى الله عليه وسلم إذا استفتح القرآن قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وروي عن نافع عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي في الليل قال: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن همزات الشياطين ونزعاتهم.
وروي عن ابن عباس رضي الله قال: أول ما نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم علمه الاستعادة وقال له: قل يا محمد أعوذ بالله السميع العليم ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق. فلما سمع المقرئ كلامها تعجب من لفظها وفصاحتها ثم قال لها: يا جارية ما تقولين في قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم هل هي آية من آيات القرآن؟ قالت: نعم آية من القرآن في النمل وآية بين كل سورتين والاختلاف في ذلك بين العلماء كثير، قال: أحسنت.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما أجابت المقرئ وقالت: إن بسم الله الرحمن الرحيم فيها اختلاف كثير بين العلماء قال: أحسنت فأخبريني لم لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم في أول سورة براءة؟ قالت: لما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بينه صلى الله عليه وسلم وبين المشتركين وجه لهم النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في يوم موسم بسورة براءة فقرأها عليهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. قال: فاخبريني عن فضل بسم الله الرحمن الرحيم وبركتها قالت: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما قرأت بسم الله الرحمن الرحيم على مريض إلا عوفي من مرضه. وقيل: لما خلق الله العرش اضطرب اضطراباً عظيماً فكتب عليه بسم الله الرحمن الرحيم فسكن اضطرابه. ولما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمنت من ثلاثة: الخسف والمسح والغرق وفضلها عظيم وبركتها كثيرة يطول شرحها، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يؤتى برجل يوم القيامة فيحاسب فلا يلقى له حسنة فيؤمر به إلى النار فيقول: إلهي ما أنصفتني فيقول الله عز وجل: ولم ذلك؟ فيقول: يا رب لأنك سميت نفسك الرحمن الرحيم وتريد أن تعذبني بالنار فقال الله جل جلاله: أنا سميت نفسي الرحمن الرحيم أمضوا بعبدي إلى الجنة برحمتي وأنا أرحم الراحمين. قال: أحسنت فاخبريني عن أول بدء بسم الله الرحمن الرحيم قالت: لما أنزل الله تعالى القرآن كتبوا باسمك اللهم فلما أنزل الله تعالى قل ادعوا الله وادعوا الرحمن أيا ما ندعوا فله الأسماء الحسنى كتبوا بسم الله الرحمن الرحيم فلما أنزل وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم كتبوا بسم الله الرحمن الرحيم.

 

فلما سمع المقرئ كلامها أطرق رأسه وقال في نفسه: إن هذا لعجب عجيب وكيف تكلمت هذه الجارية في بدء بسم الله الرحمن الرحيم، والله لا بد من أن أتحيل عليها لعلي أغلبها، ثم قال لها: يا جارية هل أنزل الله القرآن جملة واحدة أو أنزله متفرقاً؟ قالت: نزل به جبريل الأمين عليه السلام من عند رب العالمين على نبيه محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين بالأمر والنهي والوعد والوعيد والأخبار والأمثال في عشرين سنة آيات متفرقات على حسب الوقائع. قال: أحسنت فأخبريني عن أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: في قول ابن عباس سورة العلق وفي قول ابن جابر بن عبد الله سورة المدثر ثم أنزلت السور والآيات بعد ذلك قال: فأخبريني عن آخر آية نزلت عليه قالت: هي آية الربا وقيل: إذا جاء نصر الله والفتح.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الواحدة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لم أجابت المقرئ عن آخر آية نزلت في القرآن قال لها: أحسنت فأخبريني عن عدد الصحابة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هم أربعة: أبي كعب وزير بن ثابت وأبو عبيدة عامر بن الجراح وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين، قال: أحسنت فأخبريني عن القراء الذين تؤخذ عنهم القراءات قالت: هم أربعة: عبد الله بن مسعود وأبي كعب ومعاذ بن جبل وسالم بن عبد الله، قال: فما تقولين في قوله تعالى: (وما ذبح على النصب)، قالت: هي الأصنام التي تنصب وتعبد من دون الله والعياذ بالله تعالى.

 

قال: فما تقولين في قوله تعالى: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)، قالت: تعلم حقيقتي وما عندي ولا أعلم ما عندك والدليل على هذا قوله تعالى: (إنك أنت علام الغيوب)، وقيل تعلم عيني ولا أعلم عينك، قال: فما تقولين في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)، قالت: حدثني الشيخ رحمه الله تعالى عن الضحاك أنه قال: هم قوم من المسلمين قالوا: أنقطع مذاكيرنا ونلبس المسوح فنزلت هذه الآية وقال قتادة: أنها نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: علي بن أبي طالب وعثمان بن مصعب وغيرهما وقالوا: نخصي أنفسنا ونلبس الشعر ونترهب فنزلت هذه الآية قال: فما تقولين في قوله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلاً)، قالت: الخليل المحتاج الفقير وفي قول آخر هو المحب المنقطع إلى الله تعالى الذي ليس لانقطاعه اختلال، فلما رآها المقرئ تمر في كلامها مر السحاب ولم تتوقف في الجواب قام على قدميه وقال: أشهد الله يا أمير المؤمنين أن هذه الجارية أعلم مني في القراءات وغيرها.

 

فعند ذلك قالت الجارية: أنا أسألك مسألة واحدة فإن أتيت بجوابها فذاك وإلا نزعت ثيابك، قال أمير المؤمنين: سليه فقالت: ما تقول في آية فيها ثلاثة وعشرون كافاً وآية فيها ستة عشر ميماً وآية فيها مائة وأربعون عيناً وحزب ليس فيه جلالة؟ فعجز المقرئ عن الجواب فقالت: انزع ثيابك فنزع ثيابه ثم قالت: يا أمير المؤمنين إن الآية التي فيها ستة عشر ميماً في سورة هود وهي قوله تعالى: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات الله عليك)، وإن الآية التي فيها ثلاثة وعشرون كافاً في سورة البقرة وهي آية الدين، وإن الآية التي فيها مائة وأربعون عيناً في سورة الأعراف وهي قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا لكل رجل عينان)، وإن الحزب الذي فيه جلاله هو سورة اقتربت الساعة وانشق القمر والرحمن والواقعة، فعند ذلك نزع المقرئ ثيابه التي عليه وانصرف خجلاً.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثانية والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما غلبت المقرئ ونزع ثيابه وانصرف خجلاً تقدم إليها الطبيب الماهر وقال: فرغنا من علم الأديان فتيقظي لعلم الأبدان وأخبريني عن الإنسان وكيف خلقه وكم في جسده من عرق وكم من عظم وكم من فقارة وأين أول العروق ولمي سمي آدم آدم؟ قالت: سمي آدم لآدمته أي سمرة لونه وقيل: لأنه خلق من أديم الأرض أي ظاهر وجهها صدره من تربة الكعبة ورأسه من تربة المشرق ورجلاه من تربة المغرب وخلق الله له سبعة أبواب في رأسه وهي: العينان والأذنان والمنخران والفم وجعل له منفذين قبله ودبره فجعل العينين حاسة النظر والأذنين حاسة السمع والمنخرين حاسة الشم والفم حاسة الذوق وجعل اللسان ينطق بما ف ضمير الإنسان وخلق آدم مكباً من أربعة عناصر وهي: الماء والتراب والنار والهواء فكانت الصفراء طبع النار وهي حارة يابسة والسوداء طبع التراب وهو بارد يابس، والبلغم طبع الماء وهو بارد رطب والدم طبع الهواء وهو حار رطب، وخلق في الإنسان ثلاثمائة وستين عرقاً ومائتين وأربعون عظماً وثلاثة أرواح حيواني ونفساني وطبيعي وجعل لكل منها حكماً وخلق له قلباً وطحالاً ورئتان وستة أمعاء وكبداً وكليتين واليتين ومخاً وعظماً وجلداً وخمس حواس سامعة وباصرة وشامة وفائقة ولامسة وجعل القلب في الجانب الأيسر من الصدر وجعل المعدة أمام الرئة مروحة للقلب وجعل الكبد في الجانب الأيمن محاذية للقلب وخلق ما دون ذلك من الحجاب والمعاء وركب ترائب الصدر وشبكها بالأضلاع، قال: أحسنت فأخبريني كم في رأس ابن آدم من بطن؟ قالت: ثلاثة بطون وهي تشتمل على خمس قوى تسمى الحواس الباطنية وهي الحس المشترك والخيال والمتصرفة والواهمة والحافظة، قال: أحسنت فأخبريني عن هيكل العظام.

 

 وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثالثة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما قال لها الطبيب: أخبريني عن هيكل العظام قالت: هو مؤلف من مائتين وأربعون عظمة وينقسم إلى ثلاثة أقسام: رأس وجذع وأطراف، أما الرأس فتنقسم إلى جمجمة ووجه، فالجمجمة مركبة من ثمانية عظام ويضاف إليها عظيمات السمع الأربع والوجه ينقسم إلى فك علوي وفك سفلي، فالعلوي يشتمل على أحد عشر عظماً والسفلي عظم واحد ويضاف إليه الأسنان وهي اثنتان وثلاثون سناً وكذلك العظم اللامي. وأما الجذع فينقسم إلى سلسلة فقارية وصدر وحوض فالسلسلة مركبة من أربعة وعشرون عظماً تسمى الفقار والصدر مركب من القفص والأضلاع التي هي أربع وعشرون ضلعاً في كل جانب اثنتا عشرة والحوض مركب من العظمين الحرقفيين والعجز والعصعص. وأما الأطراف فتنقسم إلى طرفين علويين وطرفين سفليين، فالعلويان ينقسم كل منهما أولاً منكب مركب من الكتف والترقوة وثانياً إلى عضد وهو عظم واحد وثالثاً إلى ساعد مركب من عظمين هما: الكعبرة والزند ورابعاً إلى كتف ينقسم إلى رسخ ومشط وأصابع فالفرسخ مركب من ثمانية عظام مصفوفة صفين كل منهما يشتمل على أربعة عظام والمشط يشتمل على خمسة عظام والأصابع عدتها خمس كل منها مركب من ثلاثة عظام تسمى السلاميات إلا الإبهام فإنها مركبة من اثنين فقط، والطرفان السفليان تنقسم كل منهما أولاً إلى فخذ هو عظم واحد وثانياً إلى ساق مركب من ثلاثة عظام: القصبة والشظية والرضفة وثالثاُ إلى قدم ينقسم كالكف إلى رسغ ومشط وأصابع. فالرسغ مركب من سبعة عظام مصفوفة صفين الأول فيه عظمان والثاني فيه خمسة والمشط مركب من خمسة عظام والأصابع وعدتها خمس كل منها مركبة من ثلاث سلاميات إلا الإبهام فمن سلاميين فقط. قال: أحسنت فأخبريني عن أصل العروق. قالت: أصل العروق الوتين ومنه تتشعب العروق وهي كثيرة لا يعلم عددها إلا الذي خلقها وقيل إنها ثلاثمائة وستون عرقاً كما سبق وقد جعل الله اللسان ترجماناً والعينين سراجاً والمنخرين منشقين واليدين جناحين ثم إن الكبد فيه الرحمة والطحال فيه الضحك والكليتين فيهما المكر والخديعة والمعدة خزانة والقلب عماد الجسد فإذا أصلح القلب صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله، قال: أخبريني عن الدلالات والعلامات الظاهرة التي يستدل بها على المرض في الأعضاء الظاهرة والباطنة، قالت: نعم، إذا كان الطبيب ذا فهم نظر في أحوال البدن واستدل بجس اليدين على الصلابة والحرارة واليبوسة والبرودة والرطوبة وقد توجد في المحسوس دلالات على الأمراض الباطنة كصفرة العينين فإنها تدل على البرقان وتحقق الظهر فإنه يدل الرئة، قال: أحسنت.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الرابعة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما وصفت للطبيب العلامات الظاهرة قال لها: أحسنت فما العلامات الباطنة؟ قالت: إن الوقوف على الأمراض بالعلامات الباطنة يؤخذ من ستة قوانين الأول من الأفعال والثاني مما يستغفر من البدن والثالث من الوجع والرابع من الموضع والخامس من الورم والسادس من الأعراض. قال: أخبريني بم يصل الأذى من الرأس؟ قالت: بإدخال الطعام على العام قبل هضم الأول والشبع على الشبع فهو الذي أفنى الأمم فمن أراد البقاء فليباكر بالغداء ولا يتمس العشاء وليقلل من مجامعة النساء وليخفف الرداء وأن لا يكثر الفصد ولا الحجامة وأن يجعل بطنه ثلاث أثلاث ثلث للطعام وثلث للماء وثلث للتنفس لأن مصران بني آدم ثمانية عشر شبراً يجب أن يجعل ستة للطعام وستة للشراب وستة للتنفس وإذا مشى برفق كان أوفق له وأجمل لبدنه وأكمل لقول تعالى: (ولا تمش على الأرض مرحاً). قال: أحسنت فأخبريني ما علامة الصفراء وماذا يخاف منها؟ قالت: تعرف بصفرة اللون ومرارة الفم والجفاف وضعف الشهوة وسرعة النبض ويخاف صاحبها من الحمى المحرقة والبرصام والحمرة واليرقان والورم وقروح الأمعاء وكثرة العطش فهذه علامات الصفراء. قال: أحسنت فأخبريني عن علامات السوداء وماذا يخاف على صاحبها إذا غلبت على البدن؟ قالت: إنها تتولد من الشهوة الكاذبة وكثرة الوسوسة والهم والغم فينبغي حينئذٍ أن تستفرغ وإلا تولد منها الماليخوليا والجذام والسرطان وأوجاع الطحال وقروح الأمعاء. قال: أحسنت فأخبريني إلى كم جزء ينقسم الطب؟ قالت: ينقسم إلى جزءين: أحدهما علم تدبير الأبدان المريضة والأخر كيفية ردها إلى حال صحتها. قال: فأخبريني أي وقت يمون شرب الأدوية أنفع فيه منه في غيره؟ قالت: إذا جرى الماء في العود وانعقد الحب في العنقود وطلع السعد سعود فقد دخل وقت نفع شرب الدواء وطرد الداء فقال: أخبريني عن وقت إذا شرب فيه الإنسان من إناء جديد يكون شرابه أهنأ وأمرأ منه في غيره وتصعد له رائحة طيبة ذكية، قالت: إذا صبر بعد أكل الطعام ساعة. قال: فأخبريني عن طعام لا تتسبب عنه أسقام، قالت: هو الذي لا يطعم إلا بعد الجوع وإذا طعم لا تمتلئ منه الضلوع لقول جالينوس الحكيم: من أراد إدخال الطعام فليبطئ ثم لا يخطئ ولنختم بقوله عليه الصلاة والسلام: المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وأصل كل داء البردة يعني التخمة.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الخامسة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما قالت للطبيب: المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء الحديث قال لها: فما تقولين في الحمام؟ قالت: لا يدخله شبعان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم البيت الحمام ينظف الجسد ويذكر النار، قال: فأي الحمامات أحسن؟ قالت: ما عذب ماؤه واتسع فضاؤه وطاب هواؤه بحيث تكون أهويته أربعة خريفي وصيفي وشتوي وربيعي: قال: فأخبريني أي الطعام أفضل؟ قالت: ما صنعت النساء وقل  فيه العناء وأكلته بالهناء، وأفضل الطعام الثريد لقوله عليه الصلاة والسلام: فضل الثريد على الطعام كفضل عائشة على سائر النساء قال: فأي الأضم أفضل؟ قالت: اللحم لقوله عليه الصلاة والسلام: أفضل الأدم اللحم لأنه لذة للدنيا والآخرة، قال فأخبريني فأي اللحم أفضل؟ قالت: الضأن ويجتنب القديد لأنه لا فائدة فيه، قال: أخبريني عن الفاكهة، قالت: كلها في إقبالها واتركها إذا انقضى زمانها، قال: فما تقولين في شرب الماء؟ قالت: لا تشربه شرباً ولا تعبه عباً فإنه يؤذيك صداعه ويشوش  عليك من الأذى أنواعه ولا تشربه عقب خروجك من الحمام ولا عقب الجماع ولا عقب الطعام إلا بعد مضي خمس عشر درجة للشاب وللشيخ بعد أربعين درجة، ولا عقب يقظتك من المنام قال: أحسنت فاخبريني عن شرب الخمر قالت: أفلا يكفيك زاجراً ما جاء في كتاب الله تعالى حيث قال: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون). وقال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون). وقال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما). وأما المنافع التي فيها فإنها تفتت حصى الكلى وتقوي الأمعاء وتنفي الهم وتحرك الكرم وتحفظ الصحة وتعين على الهضم وتصح البدن وتخرج الأمراض من المفاصل وتنقي الجسم من الأخلاط الفاسدة وتولد الطرب والفرح وتقوي الغريزة وتشد المثانة وتقوي الكبد وتفتح السدد وتحمر الوجه وتنقي الفضلات عن الرأس والدماغ وتبطئ بالمشيب ولولا الله عز وجل حرمها لم يكن على وجه الأرض ما يقوم مقامها. وأما الميسر فهو القمار قال: فأي شيء في الخمر أحسن؟ قالت: ما كان بعد ثمانين يوماً أو أكثر وقد اعتصر من عنب أبيض ولم يشبه ماء ولا شيء على وجه الأرض مثلها، قال: فما تقولين في الحجامة؟ قالت: ذلك لمن كان ممتلئاً من الدم وليس فيه نقصان في دمه فمن أراد الحجامة فليحتجم في نقص الهلال في يوم بلا غيم ولا ريح ولا مطر ويكون في السابع عشر من الشهر وإن وافق يوم الثلاثاء كان أبلغ في النفع ولا شيء أنفع من الحجامة للدماغ وتصفية الذهن.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة السادسة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما وصفت منافع الحجامة قال لها الحكيم: أخبريني عن أحسن الحجامة، قالت: أحسنها على الريق فإنها تزيد في العقل وفي الحفظ لما روي عنه عليه الصلاة والسلام: أنه كان ما اشتكى إليه أحد وجعاً في رأسه أو رجليه إلا قال له احتجم وإذا احتجم لا يأكل على الريق مالحاً فإنه يورث الجرب ولا يأكل على أثره حامضاً، قال: فأي وقت تكره فيه الحجامة؟ قالت: يوم السبت والأربعاء ومن احتجم فيها فلا يلومن إلا نفسه ولا يحتجم في شدة الحر ولا في شدة البرد وخيار أيامه أيام الربيع، قال: أخبريني عن المجامعة، فلما سمعت ذلك أطرقت وطأطأت رأسها واستحيت من إجلالاً لأمير المؤمنين ثم قالت: والله يا أمير المؤمنين ما عجزت بل خجلت وإن جوابه على طرف لساني. قال لها: يا جارية تكلمي، قالت له: إن النكاح فيه فضائل مريدة وأمور حميدة منها أنه يخفف البدن الممتلئ بالسوداء ويسكن حرارة العشق ويجلب المحبة ويبسط القلب ويقطع الوحشة والإكثار منه في أيام الصيف والخريف أشد ضرراً في أيام الشتاء والربيع قال: فأخبريني عن منافعه قالت: إنه يزيل الهم والوسواس ويسكن العشق والغضب وينفع القروح هذا إذا كان الغالب على الطبع والبرودة واليبوسة وإلا فالإكثار منه يضعف النظر ويتولد منه وجع الساقين والرأس والظهر وإياك من مجامعة العجوز فإنها من القواتل. قال الإمام علي كرم الله وجهه: أربع يقتلن ويهرمن البدن: دخول الحمام على الشبع، وأكل المالح والمجامعة على الامتلاء ومجامعة المريضة، فإنها تضعف قوتك وتسقم بدنك والعجوز سم قاتل، قال: فما أطيب الجماع؟ قالت: إذا كانت المرأة صغيرة السن مليحة القد حسنة الخد كريمة الجد بارزة النهد فهي تزيد قوة في صحة بدنك.

 

قال: فأخبريني عن أي وقت يطيب فيه الجماع؟ قالت: إذا كان ليلاً فبعد هضم الطعام وإذا كان نهاراً فبعد الغداء، قال: فأخبريني عن أفضل الفواكه؟ قالت: الرمان والأترج، قال: فأخبريني عن أفضل البقول قالت: الهندباء وقال: فما أفضل الرياحين؟ قالت: البنفسج والورد، قال: فأخبريني عن قرار مني الرجل؟ قالت: إن في الرجل عرقاً يسقي سائر العروق فيجتمع الماء من ثلاثمائة وستين عرقاً ثم يدخل في البيضة اليسرى دماً أحمر فينبطح من حرارة مراج بني آدم ماءً غليظاً أبيض رائحته مثل رائحة الطلع، قال: أحسنت فأخبريني عن طير يمني ويحيض قالت: هو الخفاش أي الوطواط، قال: فأخبريني عن شيء إذا حبس عاش وإذا شم الهواء مات، قالت: هو السمك قال: فأخبريني عن شجاع يبيض؟ قالت: الثعبان فعجز الطبيب من كثرة أسئلته وسكت، فقالت الجارية: يا أمير المؤمنين إنه سألني حتى عيي وأنا أسأله مسألة واحدة فإن لم يجب أخذت ثيابه حلالاً لي.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة السابعة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن لما قالت لأمير المؤمنين إنه سألني حتى عيي وأنا أسأله مسألة واحدة فإن لم يجب أخذت ثيابه حلالاً لي، قال لها الخليفة: سليه، قالت: ما تقول في شيء يشبه الأرض استدارة ويوارى عن العيون فقاره قليل القيمة والقدر ضيق الصدر والنحر مقيد وهو غير آبق موثق وهو غير سارق مطعون لا في القتال مجروح ولا في النضال يأكل الدهر مرة ويشرب الماء من كثرة وتاره يضرب من غير جناية ويستخدم لا من كفاية مجموع بعد تفرقه متواضع لا من تملقه حامل لا لولد في بطنه مائل، لا يسند ركنه فيتطهر ويصلي فيتغير يجامع بلا ذكر ويصارع بلا حذر يريح ويستريح ويعد فلا يصيح أكرم من النديم وأبعد من الحميم، يفارق زوجته ليلاً ويعانقها نهاراً مسكنه الأطراف في مساكن الأشراف.

 

فسكت الطبيب ولم يجب بشيء وتحير في أمره وتغير لونه واطرق برأسه ساعة ولم يتكلم فقالت: أيها الطبيب تكلم وإلا فانزع ثيابك فقام وقال: يا أمير المؤمنين أشهد على أن هذه الجارية أعلم مني بالطب وغيره ولا لي طاقة ونزع ما عليه من ثياب وخرج هارباً فعند ذلك قال هلا أمير المؤمنين: فسري لنا ما قلتيه فقالت: يا أمير المؤمنين هذا الزرار والعروة. وأما ما كان من أمرها مع المنجم فإنها قالت: من كان منكم منجماً فليقم فنهض إليها وجلس بين يديها فلما رأته ضحكت وقالت: أنت المنجم الحاسب الكاتب؟ قال: نعم قالت: اسأل عما شئت وبالله التوفيق قال: أخبريني عن الشمس وطلوها وأفولها؟ قالت: اعلم أن الشمس تطلع من عيون وتأفل في عيون فعيون الطلوع أجزاء المتسارق وعيون الأفول أجزاء المغارب وكلتاهما مائة وثمانون جزءاً. قال الله تعالى: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) وقال تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب)، فالقمر سلطان الليل والشمس سلطان النهار وهما مستبقان متداركان. قال الله تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون). قال: فأخبريني إذا جاء الليل كيف يكون النهار وإذا جاء النهار كيف يكون الليل؟ قالت: (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل)، قال: أخبريني عن منازل القمر، قالت: منازل القمر ثمان وعشرون منزلة وهي: السرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسمك والغفر والزبانا والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود، وسعد الأخبية والفرع المقدم والفرع المؤخر والرشاء وهي مرتبة على حروف أبجد هوز إلى آخرها وفيها سر غامض لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى والراسخون في العلم، وأما قسمتها على البروج الاثني عشر فهي أن تعطي كل برج منزلتين وثلث منزلة فتجعل الشرطين والبطين وثلث الثريا للحمل وثلثي الثريا مع الديران وثلثي اللعة للثور وثلث الهقعة مع المنعة والذراع للجوزاء والنترة والطرف وثلث الجبهة للسرطان وثلثيهما مع الزبرة وثلثي الصفة للأسد وثلثها مع العواء والسماك للسنبلة والغفر والزباني وثلث الإكليل للميزان وثلثي الإكليل مع القلب وثلثي الشولة للعقرب وثلثها مع النعائم والبلدة للقوس وسعد الذبائح وسعد بلع وثلث المقدم للجدي وثلثي المقدم مع المؤخر وثلثي الرشا للحوت وثلث الرشا وسعد السعود وسعد الأخبية للدلو.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثامنة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما عدت المنازل وقسمتها على البروج قال لها المنجم: أحسنت فاخبريني عن الكواكب السيارة وعن طبائعها وعن مكثها في البروج والسعد منها والنحس وأين بيوتها وشرفها وسقوطها؟ قالت: المجلس ضيق ولكن سأخبرك. أما الكواكب فسبعة وهي: الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، فالشمس حارة يابسة نحيسة بالمقارنة سعيدة بالنظرة تمكث غي كل برج ثلاثين يوماً والقمر بارد رطب سعيد يمكث في كل برج يومين وثلث يوم وعطارد ممتزج سعد مع السعود نحس مع النحوس يمكث في كل برج سبعة عشر يوماً ونصف اليوم، والزهرة معتدلة سعيدة تمكث في كل برج من البروج خمسة وعشرين يوماً والمريخ نحس يمكث في كل برج عشرة أشهر والمشتري سعد يمكث في كل برج سنة.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح

 

وفي الليلة التاسعة والأربعين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المشتري سعد يمكث في كل برج سنة وزحل بارد يابس نحس يمكث في كل برج ثلاثين شهراً والشمس بيتها الأسد وشرفها الحمل وهبوطها الدلو والقمر بيته السرطان وشرفه الثور وهبوطه الحمل ووباله السرطان والأسد، والمشتري بيته الحوت والقوس وهبوطه العقرب ووباله الجدي، وزحل بيته الجدي والدلو وشرفه الميزان والسرطان وهبوطه الجدي ووباله الجوزاء والأسد، والزهرة بيتها الثور وشرفها الحوت وهبوطها الميزان ووبالها الحمل والعقرب، وعطارد بيته الجوزاء والسنبلة وهبوطه الحوت ووباله الثور، والمريخ بيته الحمل والعقرب وشرفه الجدي وهبوطه السرطان ووباله الميزان.

 

فلما نظر المنجم إلى حذقها وعلمها وحسن كلامها وفهمها ابتغى له حيلة يخجلها بها بين يدي أمير المؤمنين فقال لها: يا جارية هل ينزل في هذا الشهر مطراً؟ فأطرقت ساعة ثم تفكرت طويلاً حتى ظن أمير المؤمنين أنها عجزت عن جوابها فقال لها المنجم: لم لا تتكلمين؟ فقالت: لا أتكلم إلا إن أذن لي بالكلام أمير المؤمنين فقال لها أمير المؤمنين: وكيف ذلك؟ قالت: أريد أن تعطيني سيفاً أضرب به عنقه لأنه زنديق، فضحك أمير المؤمنين وضحك من حوله، ثم قالت: يا منجم خمسة لا يعلمها إلا الله تعالى وقرأت: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير)، قال لها: أحسنت إني والله ما أردت إلا اختبارك، فقالت: اعلم أن أصحاب التقويم لهم إشارات وعلامات ترجع إلى الكواكب بالنظر إلى دخول السنة وللناس فيها تجارب قال: وما هي؟ قالت: إن لكل يوم من الأيام كوكباً يملكه، فإذا كان أول يوم من السنة يوم الأحد فهو الشمس ويدل ذلك والله أعلم على الجور من الملوك والسلاطين والولاة وكثرة الوخم وقلة المطر وأن تكون الناس في هرج عظيم، وتكون الحبوب طيبة إلا العدس، فإنه يعطب ويفسد العنب ويغلو الكتان ويرخص القمح من أول طوبة إلى آخر برمهات ويكثر القتال بين الملوك ويكثر الخير في تلم السنة والله أعلم.

 

قال: فأخبريني عن يوم الاثنين قالت: هو القمر ويدل ذلك على صلاح ولاة الأمور والعمال وأن تكون السنة كثيرة الأمطار. وتكون الحبوب طيبة ويفسد بزر الكتان ويرخص القمح، ويكثر العنب ويقل العسل ويرخص القطن والله أعلم.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما فرغت من بيان يوم الاثنين قال لها: أخبريني عن يوم الثلاثاء قالت: هو المريخ ويدل ذلك على موت كبار الناس وكثرة الفناء وإراقة الدماء والغلاء في الحب وقلة الأمطار وأن يكون السمك قليلا ويزيد في أيام وينقص في أيام، ويرخص العسل والعدس ويغلو بذر الكتان، في تلك السنة وفيها يفلح الشعير دون سائر الحبوب، ويكثر القتال بين الملوك ويكثر الموت بالدم ويكثر موت الحمير والله أعلم.

 

قال: فأخبريني عن يوم الأربعاء، قالت هو عطارد ويدل ذلك على هرج عظيم يقع في الناس وعلى كثرة العدو وأن تكون الأمطار معتدلة وأن يفسد بعض الزرع وأن يكثر موت الدواب وموت الأطفال ويكثر القتل في البحر من برموده إلى مسرى وترخص بقية الحبوب، ويكثر الرعد والبرق ويغلو العسل ويكثر طلع النخل، ويكثر الكتان والقطن، ويغلو الفجل والبصل والله أعلم.

 

قال: أخبريني عن يوم الخميس قالت: هو للمشتري ويدل ذلك على العدل في الوزراء والصلاح في القضاء والفقراء وأهل الدين، وأن يكون الخير كثيراً وتكثر الأمطار والثمار والأشجار والحبوب ويرخص الكتان والقطن والعسل والعنب ويكثر السمك والله أعلم.

 

قال: أخبريني عن يوم الجمعة، قالت: هو للزهرة ويدل ذلك على الجور في كبار الجن والتحدث بالزور والبهتان وأن يكثر الندى ويطيب الخريف في البلاد ويكون الرخص في بلاد دون بلاد ويكثر الفساد في البر والبحر ويغلو بذر الكتان ويغلو القمح في هاتور ويرخص في وامشير ويغلو العسل ويفسد العنب والبطيخ والله أعلم.

 

قال: فأخبريني عن يوم السبت، قالت: هو لزحل ويدل ذلك على إيثار العبيد والروم ومن لا خير فيه ولا في قربه وأن يكون الغلاء والقحط كثيراً ويكون الغنم كثيراً ويكثر الموت في بني آدم والويل لأهل مصر والشام من جور السلطان وتقل البركة من الزرع وتفسد الحبوب والله أعلم. ثم إن المنجم أطرق برأسه وطأطأ رأسه فقالت: يا منجم أسألك مسألة واحدة فإن لم تجب أخذت ثيابك قال لها: قولي: أين يكون سكن زحل؟ قال: في السماء السابعة قالت: فالشمس؟ قال: في السماء الرابعة قالت: فالزهرة؟ قال: في السماء الثالثة قالت: فعطارد؟ قال: في السماء الثانية قالت: فالقمر؟ قال: في السماء الأولى، قالت: أحسنت وبقي عليك مسألة واحدة قال: اسألي، قالت: فأخبرني عن النجوم إلى كم جزء تنقسم؟ فسكت ولم يجب قالت: انزع ثيابك فنزعها ولما أخذتها قال لها أمير المؤمنين: فسري لنا هذه المسألة فقالت: يا أمير المؤمنين هم ثلاثة أجزاء جزء معلق بسماء الدنيا كالقناديل وهو ينير الأرض وجزء ترمي به الشياطين إذا استرقوا السمع. قال الله تعالى: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجاماً للشياطين. والجزء الثالث معلق بالهواء وهو ينير البحار وما فيها. قال المنجم: بقي لنا مسألة واحدة فإن أجابت أقررت لها قالت: قل.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الواحدة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه قال: أخبريني عن أربعة أشياء متضادة مترتبة على أربعة أشياء متضادة، قالت: هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة خلق الله من الحرارة النار وطبعها حار يابس، وخلق من اليبوسة التراب وطعمه بارد يابس وخلق من البرودة الماء وطبعه بارد رطب، وخلق من الرطوبة الهواء وطبعه حار رطب، ثم خلق اثني عشر برجاً وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وجعلها على أربع طبائع ثلاثة نارية وثلاثة ترابية وثلاثة هوائية مائية، فالحمل والأسد والقوس نارية، والثور والسنبلة والجدي ترابية، والجوزاء والميزان والدلو هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مائية. فقام المنجم وقال: اشهدوا على أنها أعلم مني وانصرف مغلوباً.

 

ثم قالت: يا أمير المؤمنين أين الفيلسوف؟ فنهض إليها رجل وتقدم وقال: أخبريني عن الدهر وحده وأيامه وما جاء فيه؟ قالت: إن الدهر هو اسم واقع على ساعات الليل والنهار وان هي مقادير جري الشمس والقمر في أفلاكهما كما أخبر الله تعالى حيث قال: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم). قال: أخبريني عن ابن آدم كيف يصل إليه الكفر؟ قالت: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الكفر في ابن آدم يجري كما يجري الدم في عروقه حيث يسب الدنيا والدهر والليلة والساعة، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يسب أحدكم الدهر والليلة والساعة، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يسب أحدكم الدهر فإن الدهر هو الله ولا يسب أحدكم الدنيا فتقول: لا أعان الله من يسبني ولا يسب أحدكم هذه الساعة فإن الساعة آتية لا ريب فيها ولا يسب أحدكم الأرض فإنها آية لقوله تعالى: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى).

 

قال: فأخبريني عن خمسة أكلوا وشربوا وما خرجوا من ظهر ولا بطن، قالت: هو آدم وشمعون وناقة صالح وكبش إسماعيل والطير الذي رآه أبا بكر الصديق في الغار. قال: فأخبريني عن خمسة في الجنة لا من الإنس ولا من الجن ولا من الملائكة، قالت: ذئب يعقوب وكلب أصحاب الكهف وحمار العزيز وناقة صالح ودلال بغلة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فأخبريني عن رجل صلى صلاة لا في الأرض ولا في السماء قالت: هو سليمان حين صلى على بساطه وهو على الريح، قال: أخبريني عمن صلى صلاة الصبح فنظر إلى أمة فحرمت عليه فلما كان الظهر حلت له فلما كان العصر حرمت عليه فلما كان المغرب حلت له فلما كان العشاء حرمت عليه فلما كان الصبح حلت له، قالت: هذا رجل نظر إلى أمة غيره عند الصبح وهي حرام عليه فلما كان الظهر اشتراها فحلت له فلما كان العصر أعتقها فحرمت عليه فلما كان المغرب تزوجها فحلت له فلما كان العشاء طلقها فحرمت عليه فلما كان الصبح راجعها فحلت له. قال: أخبريني عن قبر مشى بصاحبه؟ قالت: هو حوت يونس بن متى حين ابتلعه، قال: أخبريني عن بقعة واحدة طلعت عليها الشمس مرة واحدة ولا تطلع عليها بعد إلى يوم القيامة قالت: البحر حين ضربه موسى بعصاه فانفلق اثني عشر فرقاً على عدد الأسباط وطلعت عليه الشمس ولم تعد له إلى يوم القيامة.   

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثانية والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الفيلسوف قال بعد ذلك للجارية أخبريني عن أول ذيل سحب على وجه الأرض، قالت: ذيل هاجر حياء من سارة فصارت سنة في العرب، قال: أخبريني عن شيء يتنفس بلا روح قالت قوله تعالى: (والصبح إذا تنفس)، قال: أخبريني عن حمام طائر اقبل على شجرة عالية فوق بعضه فوقها وبعضها تحتها فقالت: الفرقة التي فوق الشجرة إلى التي تحتها إن طلعت واحدة منكن صرتن الثلث وإن نزلت منا واحدة كنا مثلكن في العدد، قالت الجارية: كان الحمام اثنتي عشرة حمامة فوق منهن فوق الشجرة سبع وتحتها خمس فإذا طلعت واحدة صار الذي فوق قدر الذي تحت مرتين ولو نزلت واحدة صار الذي تحت مساو بالذي فوق والله أعلم، فتجرد الفيلسوف من ثيابه وخرج هارباً.

 

وأما حكايتها مع النظام فإن الجارية التفتت إلى العلماء الحاضرين وقالت: أيكم المتكلم في كل فن وعلم؟ فقام إليها النظام وقال لها: لا تحسبيني كغيري فقالت له: الأصح عندي أنك مغلوب لأنك مدع والله ينصرني عليك حتى أجردك من ثيابك فلو أرسلت من يأتيك بشيء تلبسه لكان خيراً لك فقال: والله لأغلبنك وأجعلك حديثاً يتحدث به الناس جيلاً بعد جيل، فقالت له الجارية: كفر عن يمينك، قال: أخبريني عن خمسة أشياء خلقها الله قبل خلق الخلق، قالت له: الماء والتراب والنوم والظلمة والثمار، قال: أخبريني عن شيء خلقه الله بيد القدرة، قالت: العرش وشجرة طوبى وآدم وجنة عدن فهؤلاء خلقهم الله بيد القدرة وسائر المخلوقات قال لهم: كونوا فكانوا. قال: أخبريني عن أبيك في الإسلام قالت: محمد صلى الله عليه وسلم قال: فمن أبو محمد؟ قالت: إبراهيم خليل الله قال: فأخبريني ما أولك وما آخرك؟ قالت: أولي نطفة مذرة وآخري إلى التراب. وقد قال الشاعر:

 

خلقت من التراب فصرت شخصا

 

فصيحا في السؤال وفي الجواب

وعدت إلى التراب فصرت فـيه

 

كأني ما برحت مـن الـتـراب

 

قال: فأخبريني عن شيء أوله عود وآخره روح، قالت: عصا موسى حين ألقاها في الوادي فإذا هي حية تسعى بإذن الله تعالى، قال: فأخبريني عن قوله تعالى: ولي فيها مآرب أخرى قالت: كان يغرسها في الأرض فتزهو وتثمر وتظله من الحر والبرد، وتحمله إذا عيى، وتحرس له الغنم إذا نام من السباع، قال: أخبريني عن أنثى من ذكر وذكر من أنثى، قالت: حواء من آدم وعيسى من مريم، قال: فأخبريني عن أربع نيران نار تأكل ونار تشرب ولا تشرب ونار تشرب ولا تأكل ونار تأكل ولا تشرب قالت: أما النار التي تأكل ولا تشرب فهي نار الدنيا وأما النار التي تأكل وتشرب فهي نار جهنم وأما النار التي تشرب ولا تأكل فهي نار الشمس وأما النار التي لا تأكل ولا تشرب فهي نار القمر قال: أخبريني كم كلمة كلم الله موسى؟ قالت: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: كلم الله موسى ألف كلمة وخمسمائة عشرة كلمة، قال أخبريني عن أربعة عشر كلمة رب العالمين، قالت: السموات السبع والأرضون السبع لما قالتا: أتينا طائعين. فلما قالت له الجواب قال لها: أخبريني عن آدم وأول خلقته، قالت: خلق الله آدم من طين والطين من زبد والزبد من بحر والبحر من ظلمة والظلمة من ثور والثور من حوت والحوت من صخرة والصخرة من ياقوتة والياقوتة من ماء والماء من القدرة لقوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن فيكون، قال: فأخبريني عن قول الشاعر:

 

وآكلة بغـير فـم وبـطـن

 

لها الأشجار والحيوانات قوت

فإن أطعمتها انتعشت وعاشت

 

ولو أسقيتها مـاء تـمـوت

 

قالت: هي النار، قال: فأخبريني عن قول الشاعر:

 

خليلان ممنوعان من كل لـذة

 

يبيتان طول الليل يعتـنـقـان

هما يحفظان الأهل من كل آفة

 

وعند طلوع الشمس يفترقـان

 

قالت: هما مصراعا الباب قال: فأخبريني عن أبواب جهنم قالت: سبعة وهي ضمن بيتين من الشعر:

 

جهنم ولظى ثم الحـطـيم كـذا

 

عد السعير وكل القول في سقر

وبعد ذلك جـحـيم ثـم هـاوية

 

فذاك عدتهم في قول مختصـر

 

قال: فأخبريني عن قول الشاعر:

 

وذات ذوائب تـنـجـر طـولا

 

وراها في المجيء وفي الذهاب

بعين لم تذق للنـوم طـعـمـا

 

ولا ذرفت لدمع ذي انسـكـاب

ولا لبست مدى الأيام طـعـمـا

 

وتسكوا الناع أنـواع الـثـياب

 

قالت: هي الإبرة قال: فأخبريني عن الصراط وما هو وما طوله وما عرضه؟ قالت: أما طوله فثلاثة آلاف عام ألف هبوطه وألف صعوده والف استواء وهو أحد من السيف وأرق من الشعرة.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثالثة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما وصفت له الصراط قال: أخبريني كم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من شفاعة؟ قالت له: ثلاث شفاعات قال لها: هل كان أبو بكر أول من أسلم؟ قالت نعم. قال: إن علي أسلم قبل اب ابكر قالت: إن علي أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين فأعطاه الله الهداية على صغر سنه فما سجد لصنم قط قال: فأخبريني أعلي أفضل أم العباس؟ فعلمت أن هذه مكيدة لها فإن قالت: علي أفضل من العباس فما لها من عذر عند أمير المؤمنين فأطرقت ساعة وهي تارة تحمر وتارة تصفر ثم قالت: تسألني عن اسمين فاضلين لكل منهما فضل فارجع بنا إلى ما كنا فيه، فلما سمعها الخليفة هارون الرشيد استوى قائماً على قدميه وقال لها: أحسنت ورب الكعبة يا تودد فعند ذلك قال لها إبراهيم النظام: أخبريني عن قول الشاعر:

 

مهفهفة الأذيال عذب مذاقـهـا

 

تحاكي القني لكن بغير سنـان

ويأخذ كل الناس منها منافـعـا

 

وتؤكل بعد العصر في رمضان

 

قالت: قصب السكر قال: فأخبريني عن مسائل كثيرة قالت: وما هي؟ قال: ما أحلى من العسل وما أحد من السيف وما أسرع من السهم وما لذة ساعة وما سرور ثلاثة أيام وما أطيب يوم وما فرحة جمعة وما الحق الذي لا ينكره صاحب الباطل وما سجن القبو وما فرحة القلب وما كيد النفس وما موت الحياة وما الداء الذي لا يداوى وما العار الذي لا ينجلي وما الدابة التي لا تأوي إلى العمران وتسكن الخراب وتبغض بني آدم وخلق فيها خلق من سبعة جبابرة قالت له: اسمع جواب ما قلت ثم انزع ثيابك حتى أفسر لك ذلك قال لها أمير المؤمنين: فسري وهو ينزع ثيابه قالت: أما ما هو أحلى من العسل فهو حب الأولاد البارين بوالديهم، وأما ما هو أحد من السيف فهو اللسان، وأما ما اسرع من السهم فهو عين الميعان، وأما لذة ساعة فهو الجماع وأما سرور ثلاثة أيام فهو النورة للنساء، وأما ما هو أطيب يوم فهو يوم الربح في التجارة، وأما فرحة جمعة فهو العروس، وأما الحق الذي لا ينكره صاحب الباطل فهو الموت، وأما سجن القبر فهو الولد السوء، وأما فرحة القلب فهي المرأة المطيعة لزوجها وقيل: اللحم حين ينزل عن القلب فإنه يفرح بذلك، وأما كيد النفس فهو العبد العاصي، وأما موت الحياة فهو الفقر، وأما الداء الذي لا يداوى فهو سوء الخلق، وأما العار الذي لا ينجلي فهو البنت السوء، وأما الدابة التي لا تأوي إلى العمران وتسكن الخراب وتبغض بني آدم وخلق فيها سبعة جبابرة فإن الجرادة رأسها كرأس الفرس وعنقها عنق الثور وجناحها جناح النسر ورجلها رجل الجمل وذنبها ذنب الحية وبطنها بطن العقرب وقرنها قرن الغزال.

 

فتعجب الخليفة هارون الرشيد من حذقها وفهمها ثم قال للنظام: انزع ثيابك فقام وقال: أشهد على جميع من حضر هذا المجلس أنها أعلم مني ومن كل عالم ونزع ثيابه وقال لها: خديها لا بارك الله لك فيها، فأمر له أمير المؤمنين بثياب يلبسها ثم قال أمير المؤمنين: يا تودد بقي عليك شيء مما وعدت به وهو الشطرنج وأمر بإحضار الشطرنج والكمنجة والنرد فحضروا وجلس الشطرنجي معها وصفت بينهما الصفوف ونقل ونقلت فما نقل شيئاً إلا أفسدته عن قريب.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الرابعة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية لما لعبت الشطرنج مع المعلم بحضرة أمير المؤمنين هارون الرشيد صارت كلما نقل نقلاً أفسدته حتى غلبته ورأى الشاه مات، فقال: أنا أردت أن أطعمك حتى تظني أنك عارفة لكن صفي حتى أريك، فلما صفت الثاني قال في نفسه: افتح عينيك وإلا غلبتك وصار ما يخرج قطعة إلا بحساب وما زال يلعب حتى قالت له: الشاه مات، فلما رأى ذلك منها دهش من حذقها وفهمها فضحكت وقالت له: يا معلم أنا أراهنك في هذه المرة الثالثة على أن أرفع لك الفرزان ورخ الميمنة وفرس الميسرة وإن غلبتني فخذ ثيابي وإن غلبتك أخذت ثيابك.

 

قال: رضيت بهذا الشرط ثم صفا الصفين ورفع الفرزان والرخ والفرس وقالت له: انقل يا معلم فنقل وقال: ما لي لا أغلبها بعد هذه الحطيطة وعقد عقداً وإذا هي نقلت نقلاً قليلاً إلى أن صيرت له فرزانا ودنت منه وقربت البيادق والقطع وشغلته وأطعمته قطعة فقطعها، فقالت: الكيل كيل وافي والرز رز صافي فكل حتى تزيد على الشبع، ما يقتلك يا ابن آدم إلا الطمع أما تعلم أني أطعمتك لأخدعك انظر فهذا الشاه مات ثم قالت له: انزع ثيابك فقال لها اتركي لي السراويل وأجرك على الله وحلف بالله لا يناظر أحداً ما دامت تودد ببغداد ثم نزع ثيابه وسلمها لها وانصرف. فجيء بلاعب النرد فقالت له: إن غلبتك في هذا اليوم فماذا تعطيني؟ قال: أعطيك عشر ثياب من الديباج القسطنطيني المطرز بالذهب وعشر ثياب من المخمل وإن غلبتك فما أريد منك إلا أن تكتبي لي درجاً بأني غلبتك قالت له: دونك وما عولت عليه فلعب فإذا هو قد خسر وقام وهو يرطن بالإفرنجية ويقول: ونعمة أمير المؤمنين إنها لا يوجد مثلها في سائر البلاد، ثم إن أمير المؤمنين دعا بأرباب آلات الضرب؟ قالت: نعم فأمر بإحضار عود محكوم مدعوك مجرود صاحبه بالهجران مكدود فوضته في حجرها وأرخت عليه نهدها وانحنت عليه انحناءة والدة ترضع ولدها وضربت عليه اثني عشر نغماً حتى ماج المجلس من الطرب وأنشدت تقول:

 

أقصروا هجركم أقلوا جفاكم

 

فؤادي وحقكم ما سلاكم

وارحموا باكياً حزيناً كئيبـا

 

ذا غرام متيم في هـواكـم

 

فطرب أمير المؤمنين وقال: بارك الله فيك ورحم من علمك، فقامت وقبلت الأرض بين يديه، ثم إن أمير المؤمنين أمر بإحضار المال ودفع لمولاها مائة ألف دينار وقال لها: يا تودد تمني علي، قالت: تمنيت عليك أن تردني إلى سيدي الذي باعني فقال لها: نعم فردها إليه وأعطاها خمسة آلاف دينار لنفسها وجعل سيدها نديماً له على طول الزمان.

 

 وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الخامسة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة أعطى الجارية خمسة آلاف دينار وردها إلى مولاها، وجعله نديماً له على طول الزمان وأطلق له في كل شهر ألف دينار وقعد مع جاريته تودد في أرغد عيش فأعجب الملك من فصاحة هذه الجارية ومن غزارة علمها وفهمها وفضلها في كامل العلوم، وانظر إلى مروءة أمير المؤمنين هارون الرشيد حيث أعطى سيدها هذا المال وقال لها: تمني علي فتمنت عليه أن يردها إلى سيدها فردها إليه وأعطاها خمسة آلاف دينار لنفسها وجعل سيدها نديماً له، فأين يوجد هذا الكرم بعد الخلفاء العباسيين رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.

 

جملة حكايات تتضمن عدم الاغترار بالدنيا والوثوق بها وما ناسب ذلك ومما يحكى أيها الملك السعيد أن ملكاً من الملوك المتقدمين أراد أن يركب يوماً في جملة أهل مملكته وأرباب دولته ويظهر للخلائق عجائب زينته فأمر أصحابه وأمراءه وكبراء دولته أن يأخذوا أهبة الخروج معه، وأمر خازن الثياب بأن يحضر له من أفخر الثياب ما يصلح للملك في زينته وأمر بإحضار خيله الموصوفة العتاق المعروفة ففعلوا ذلك ثم إنه اختار من الثياب ما أعجبه ومن الخيل ما استحسنه، ثم لبس الثياب وركب الجواد وسار بالموكب والطوق المرصع بالجواهر وأصناف الدرر واليواقيت، وجعل يركب الحصان في عسكره ويفتخر بتيهه وتجبره، فأتاه إبليس فوضع يده على منخره ونفخ في أنفه نفخة الكبر والعجب فزها وقال في نفسه: من في العامل مثلي وطفق يتيه بالعجب الأكبر ويظهر الأبهة ويزهو بالخيلاء ولا ينظر إلى أحد من تيهه وتكبره وعجبه وفخره.

 

فوقف بين يديه رجل عليه ثياب رثة، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام فقبض على عنان فرسه فقال له الملك: ارفع يدك فإنك لا تدري بعنان من قد أمسكت، فقال له: إن لي إليك حاجة، فقال: اصبر حتى أنزل واذكر حاجتك، فقال: إنها سر ولا أقولها إلا في أذنك فمال بسمعه إليه فقال له: أنا ملك الموت وأريد قبض روحك فقال: امهلني بقدر ما أعود إلى بيتي وأودع أهلي وأولادي وجيراني وزوجتي فقال: كلا لا تعود ولن تراهم أبداً فإنه قد مضى أجل عمرك، فأخذ روحه وهو على ظهر فرسه فخر ميتاً ومضى ملك الموت من هناك.


فأتى رجلاً صالحاً قد رضي الله عنه فسلم عليه فرد عليه السلام فقال ملك الموت: أيها الرجل الصالح إن لي إليك حاجة وهي سر، فقال له الرجل الصالح: اذكر حاجتك في أذني فقال: أنا ملك الموت فقال الرجل مرحباً بك الحمد لله فإني كنت كثيراً أراقب مجيئك ووصولك إلي، ولقد طالت غيبتك على المشتاق إلى قدومك فقال له ملك الموت: إن كان لك شغل فأقضه، فقال له: ليس لي شغل أهم عندي من لقاء ربي عز وجل فقال: كيف تحب أن أقبض روحك، فإني أمرت أن أقبضها كيف أردت وأحببت، فقال: أمهلني حتى أتوضأ وأصلي فإذا سجدت فاقبض روحي وأنا ساجد فقال ملك الموت: إن ربي عز وجل أن لا أقبض روحك إلا باختيارك كيف أردت وأنا أفعل ما قلت فقام الرجل وتوضأ وصلى فقبض ملك الموت روحه وهو ساجد ونقله الله تعالى إلى محل الرحمة والرضوان والمغفرة.

 

وحكي أن ملكاً من الملوك كان قد جمع مالاً عظيماً لا يحصى عدده واحتوى على أشياء كثيرة من كل نوع خلقه الله تعالى في الدنيا ليرفه عن نفسه حتى إذا أراد أن يتفرغ لما جمعه من النعم الطائلة بنى له قصراً عالياً مرتفعاً شاهقاً يصلح للملوك ويكون لائقاً ثم ركب عليه بابين ووثب له الغلمان والأجناد والبوابين كما أراد، ثم أمر الطباخ في بعض الأيام أن يصنع له شيئاً من أطيب الطعام وجمع أهله وحشمه وأصحابه وخدمه ليأكلوا عنده وينالوا رفده، وجلس على سرير مملكته وسيادته واتكأ على وسادته وخاطب نفسه وقال: يا نفس قد جمعت لك نعم الدنيا بأسرها، فالآن تفرغي وكلي من هذه النعم مهنأه بالعمر الطويل والحظ الجزيل،

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة السادسة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك لما حدث نفسه وقال لها: كلي من هذه النعم مهنأة بالعمر الطويل والحظ الجزيل، ولم يفرغ مما حدث به نفسه، حتى أتاه رجل من ظاهر القصر عليه ثياب رثة وفي عنقه مخلاة معلقة على هيئة سائل يسأل الطعام فجاء وطرق حلقة باب القصر طرقة عظيمة هائلة كادت تزلزل القصر وتزعج الشرير، فخاف الغلمان فوثبوا إلى الباب وصاحوا بالطارق وقالوا له: ويحك ما هذه الفعلة وسوء الأدب اصبر حتى يأكل الملك ونعطيك مما يفضل، فقال للغلمان: قولوا لصاحبكم يخرج إلي حتى يكلمني فلي حاجة وشغل مهم وأمر ملم، قالوا: تنح أيها الضيف من أنت حتى تأمر صاحبنا بالخروج إليك؟ فقال لهم: عرفوه ذلك فجاؤوا إليه وعرفوه فقال: هلا زجرتموه وجردتم عليه السلام وهرتموه، ثم طرق الباب أعظم من الطرقة الأولى فنهض الغلمان إليه بالعصي والسلام وقصدوه ليحاربوه فصاح بهم صيحة وقال: الزموا أماكنكم فأنا ملك الموت فرعبت قلوبهم وذهبت عقولهم وطاشت حلومهم وارتعدت فرائصهم وبطلت عن الحركة جوارحهم، فقال لهم الملك: قولوا له أن يأخذ بدلاً مني وعوضاً عني، فقال ملك الموت: لا آخذ بدلاً ولا أتيت إلا من أجلك، ثم أن ملك الموت قبض على روحه وهو على سريره قال الله تعالى: (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون). ومما يحكى أن ملكاً جباراً من ملوك بني إسرائيل كان في بعض الأيام جالساً على سرير مملكته فرأى رجلاً قد دخل عليه من باب الدار وله صورة منكرة وهيئة هائلة، فاشمئز من هجومه عليه وفزع من هيئته فوثب في وجهه وقال: من أنت أيها الرجل، ومن أذن لك بالدخول علي وأمرك بالمجيء إلى داري؟ فقال: أمرني صاحب الدار وأنا لا يحجبني حاجب ولا أحتاج في دخولي على الملوك إلى اذن ولا أرهب سياسة سلطان ولا كثرة أعوان أنا الذي لا يفزعني جبار ولا لأحد من قبضت فرار، أنا هادم اللذات ومفرق الجماعات، فلما سمع الملك هذا الكلام خر على وجهه ودبت الرعدة في بدنه ووقع مغشياً عليه فلما أفاق قال: أنت ملك الوت قال: نعم قال: أقسمت عليك بالله إلا ما أمهلتني يوماً واحداً لأستغفر من ذنبي وأطلب العذر من ربي وأرد الأموال التي في خزائني إلى أربابها، ولا أتحمل مشقة حسابها، وويل عقابها فقال ملك الموت: هيهات لا سبيل لك إلى ذلك.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة السابعة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن ملك الموت قال للملك: هيهات لا سبيل لك إلى ذلك وكيف أمهلك وأيام عمرك محسوبة وأنفاسك معدودة وأوقاتك مثبوتة مكتوبة؟ فقال: أمهلني ساعة فقال: إن الساعة في الحساب قد مضت وأنت غافل، وانقضت وأنت ذاهل وقد استوفيت أنفاسك ولم يبق لك إلا نفس واحد فقال: من يكون عندي إذا نقلت إلى لحدي؟ قال: لا يكون عندك إلا عملك، فقال: ما لي عمل قال: لا جرم أنه يكون مقيلك في النار ومصيرك إلى غضب الجبار، ثم قبض روحه فخر ساقطاً عن سريره ووقع إلى الأرض فحصل الضجيج في أهل مملكته وارتفعت الأصوات وعلا الصياح والبكاء ولو علموا ما يصير إليه من سخط ربه لكان بكاؤهم عليه أكثر وعويلهم أشد وأوفر.

 

ومما يحكى أنه كان في بني إسرائيل قاض من قضاتهم وكان له زوجة بديعة الجمال كثيرة الصون والصبر والاحتمال، فأراد ذلك القاضي النهوض إلى زيارة البيت المقدس فاستخلف أخاه على القضاء وأوصاه بزوجته وكان أخوه قد سمع بحسنها وجمالها فكلف بها فلما سار القاضي توجه إليها وراودها عن نفسها فامتنعت واعتصمت بالورع فأكثر الطلب عليها وهي تمتنع، فلما يئس منها خاف أن تخبر أخاه بصنيعه إذا رجع فاستدعى بشهود زور يشهدون عليها بالزنا، ثم رفع مسألتها إلى ملك ذلك الزمان فأمر برجمها، فحفروا لها حفرة وأقعدوها فيها ورجمت حتى غطتها الحجارة وقال: تكون الحفرة قبرها فلما جن الليل صارت تئن من شدة ما نالها فمر بها رجل يريد قرية فلما سمع أنينها قصدها وأخرجها من الحفرة وحملها إلى زوجته وأمرها بمداواتها حتى شفيت.

 

وكان للمرأة ولد فدفعته إليها فصارت تكفله ويبيت معها في بيت ثان، فرآها أحد الشطار فطمع فيها وأرسل يراودها عن نفسها فامتنعت فعزم على قتلها، فجاءها الليل ودخل عليها البيت وهي نائمة ثم هوى بالسكين إليها فوافق الصبي فذبحه، فلما علم أنه ذبح الصبي أدركه الخوف فخرج من البيت وعصمها الله منه ولما أصبحت وجدت الصبي مذبوحاً وجاءت أمه وقالت: أنت التي ذبحتيه ثم ضربتها ضرباً موجعاً وارادت ذبحها فجاء زوجها وأنقذها منها وقال: والله لم تفعل ذلك.

 

فخرجت المرأة فارة بنفسها لا تدري أين تتوجه وكان معها بعض دراهم فمرت بقرية والناس مجتمعون ورجل مصلوب على جذع شجرة إلا أنه في قيد الحياة فقالت: يا قوم ما له؟ قالوا لها: أصاب ذنباً لا يكفره إلا قتله أو صدقه كذا وكذا من الدراهم، فقالت: خذوا الدراهم وأطلقوه فتاب على يديها ونذر على نفسه أنه يخدمها لله تعالى حتى يتوفاه الله ثم بنى لها صومعة أسكنها فيها وصار يحتطب ويأتيها بقوتها، واجتهدت المرأة في العبادة حتى كان لا يأتيها مريض أو مصاب فتدعو له إلا شفي من وقته.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثامنة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المرأة لما صارت مقصودة للناس وهي مقبلة على عبادتها في الصومعة كان من قضاء الله تعالى أنه نزل بأخي زوجها الذي رجمها عاهة في وجهه، وأصاب المرأة التي ضربتها برص وابتلى الشاطر بوجع أقعده وقد جاء القاضي زوجها من حجه وسأل أخاه عنها فأخبره أنها ماتت، فأسف عليها واحتسبها عند الله، ثم تسامعت الناس بالمرأة حتى كانوا يقصدون صومعتها من أطراف الأرض ذات الطول والعرض، فقال القاضي لأخيه: يا أخي هل قصدت هذه المرأة الصالحة؟ لعل الله يجعل لك على يديها شفاء، قال: يا أخي احملني إليها، وسمع بها زوج المرأة التي نزل بها البرص فسار بها إليها وسمع أهل الشاطر المقعد بخبرها فساروا به إليها أيضاً واجتمع الجميع عند باب صومعتها، وكانت ترى جميع من يأتي صومعتها من حيث لا يراها أحد، فانتظروا خادمها حتى جاء ورغبوا إليه في أن يستأذن لهم في الدخول عليها ففعل فتنقبت واستترت ووقفت عند الباب تنظر زوجها وأخاه اللص والمرأة فعرفتهم وهم لا يعرفونها فقالت لهم: يا هؤلاء إنكم ما تستريحون مما بكم حتى تعترفون بذنوبكم فإن العبد إذا اعترف بذنبه تاب الله عليه وأعطاه ما هو متوجه إليه. فقال القاضي لأخيه: يا أخي تب إلى الله ولا تصر على عصيانك فإنه أنفع لخلاصك، فعند ذلك قال أخ القاضي: الآن أقول الحق إني فعلت بزوجتك ما هو كذا وكذا وهذا ذنبي، فقالت البرصاء: وأنا كانت عندي امرأة فنسبت غليها ما لم أعلمه وضربتها عمداً وهذا ذنبي، فقال المقعد: وأنا دخلت على امرأة لأقتلها بعد مراودتها عن نفسها وامتناعها من الزنا فذبحت صبياً كان بين يديها وهذا ذنبي.

 

فقالت المرأة: اللهم كما أريتهم ذل المعصية فأرهم عز الطاعة، إنك على كل شيء قدير، فشفاهم الله عز وجل وجعل القاضي ينظر إليها ويتأملها فسألته عن سبب النظر فقال لها: كانت لي زوجة ولولا أنها ماتت لقلت أنها أنت فعرفته بنفسها، وجعلا يحمدان الله عز وجل على ما من عليهما به من جمع شملهما ثم طفق كل من أخ القاضي واللص والمرأة يسألونها المسامحة فسامحت الجميع وعبدوا الله تعالى في ذلك المكان مع لزوم خدمتها إلى أن فرق الموت بينهم.

 

ومما يحكى، أن بعض السادة قال: بينما أنا أطوف بالكعبة في ليلة مظلمة إذ سمعت صوتاً ذي أنين، ينطق عن قلب حزين وهو يقول: يا كريم لطفك القديم فإن قلبي على العهد مقيم فتطاير قلبي لسماع ذلك الصوت، تطايراً أشرفت منه على الموت، فقصدت نحوه فإذا صاحبته امرأة فقلت: السلام عليك يا أمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقلت: أسألك بالله العظيم ما العهد الذي قلبك عليه مقيم، فقالت: لولا أقسمت بالجبار ما أطلعتك على الأسرار انظر ما بين يدي، نظر فإذا بين يديها صبي نائم يغط في نومه فقالت: خرجت وأنا حامل بهذا الصبي لأحج هذا البيت فركبت على سفينة فهاجت علينا الأمواج، واختلفت علينا الرياح وانكسرت بنا السفينة فنجوت على لوح منها، ووضعت هذا الصبي وأنا على ذلك اللوح، فبينما هو في حجري والأمواج تضربني.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة التاسعة والخمسين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت: لما انكسرت السفينة نجوت على لوح منها ووضعت هذا الصبي وأنا على ذلك اللوح فبينما هو في حجري والأمواج تضربني إذ نظرت إلى رجل من ملاحي السفينة وحصل معي وقال لي: والله لقد كنت أهواك وأنت في السفينة، والآن قد حصلت معك فمكنيني من نفسك وإلا قذفتك في هذا البحر فقلت: ويحك أما كان لك مما رأيت تذكرة وعبرة؟ فقال: إني رأيت مثل ذلك مراراً، ونجوت وأنا لا أبالي، فقلت: يا هذا نحن في بلية ارجو السلامة منها بالطاعة لا بالمعصية، فألح علي فخفت منه وأردت أن أخادعه فقلت له: مهلاً حتى ينام هذا الطفل، فأخذه من حجري وقذفه في البحر، فلما رأيت جرأته وما فعل بالصبي طار قلبي وزاد كربي فرفعت رأسي إلى السماء، وقلت: يا من يحول بين المرء وقلبه حل بيني وبين هذا الأسد إنك على كل شيء قدير فوالله ما فرغت من كلامي إلا ودابة قد طلعت من البحر فاختطفته من فوق اللوح وبقيت وحدي وزاد كربي وحزني اشفاقاً على ولدي فأنشدت وقلت:

 

مرة العين حـبـيبـي ولـدي

 

ضاع حيث الوجه أوهى جلدي

وأرى جسماً غريقاً وغـدت

 

بالتياع الوجد تشوي كبـدي

ليس لي في كربتي من فرج

 

غير ألطافك يا معتـمـدي

أنت يا رب ترى ما حل بـي

 

من غرامي بفراقي ولـدي

فاجمع الشمل وكن لي راحماً

 

فرجائي فيك أقوى عـددي

 

فبقيت على تلك الحالة يوماً وليلة فلما كان الصباح نظرت قلع سفينة تلوح من بعد، فما زالت الأمواج تقذفني والرياح تسوقني، حتى وصلت إلى تلك السفينة التي كنت أرى قلعها، فأخذني أهل السفينة ووضعوني فيها فنظرت فإذا ولدي بينهم، فتراميت عليه وقلت: يا قوم هذا ولدي فمن أين كان لكم؟ قالوا: بينما نحن نسير في البحر إذ حبست السفينة فإذا دابة كأنها المدينة العظيمة وهذا الصبي على ظهرها يمص إبهامه فأخذناه فلما سمعت ذلك حدثتهم بقصتي وما جرى لي وشكرت ربي على ما أنالني، وعاهدته أن لا أبرح من بيته ولا أنثني عن خدمته وما سألته بعد ذلك شيئاً إلا أعطاني إياه فمددت يدي إلى كيس النفقة وأردت أن أعطيها فقالت: إليك عني يا بطال أأحدثك بإفضاله وكرم فعاله، وآخذ الرفد عن يد غيره فلم أقدر على أن أجعلها تقبل مني شيئاً، فتركتها وانصرفت من عندها وأنا أنشد وأقول هذه الأبيات:

وكم لك من لطف خـفـي

 

يدق خفاه عن فهم الذكـي

وكم بسر أني من بعد عسر

 

وفرج لوعة القلب الشجي

وكم هم تعانيه صـبـاحـاً

 

فتعقبه المسرة بالعـشـي

إذا ضاقت بك الأسباب يوماً

 

فثق بالواحد الصمد العلي

تشفع بالنبي فكـل عـبـد

 

يفوز إذا تشفع بالـنـبـي

 

وما زالت في عبادة بها ملازمة بيته إلى أن أدركها الموت.

 

ومما يحكى أنه كان من بني إسرائيل رجل من خيارهم وقد اجتهد في عبادة ربه وزهد دنياه وأزالها عن قلبه، وكانت له زوجة مساعدة له على شأنه مطيعة له في كل زمان وكانا يعيشان من عمل الأطباق والمراوح يعملان النهار كله فإذا كان آخر النهار خرج الرجل بما عملاه في يده ومشى به يمر على الأزقة والطرق يلتمس مشترياً يبيع له ذلك، وكانا يديمان الصوم فأصبحا في يوم من الأيام وهما صائمان وقد عملا يومهما ذلك، فلما كان آخر النهار وخرج على عادته وبيده ما عملاه يطلب من يشتريه منه فمر بباب أحد أبناء الدنيا وأهل الرفاهية والجاه، وكان الرجل وضيء الوجه جميل الصورة فرأته امرأة صاحب الدار فعشقته ومال قلبها إليه ميلاً شديداً وكان زوجها غائباً، فدعت خادمتها وقالت لها: لعلك تتحلين على ذلك الرجل لتأتي به عندنا. فخرجت الخادمة ودعته لتشتري منه ما بيده وردته من طريقه.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الستين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخادمة خرجت إلى الرجل ودعته وقالت: ادخل فإن سيدتي تريد أن تشتري من هذا الذي بيدك شيئاً بعد أن تختبره وتنظر إليه، فتخيل الرجل أنها صادقة في قولها، ولم ير في ذلك بأساً فدخل وقعد كما أمرته فأغلقت الباب عليه وخرجت سيدتها من بيتها وأمسكت بجلابيبه وجذبته وأدخلته وقالت له: كم ذا أطلب خلوة منك، وقد عيل صبري من أجلك، وهذا البيت مبخر والطعام محضر وصاحب الدار غائب في هذه الليلة وأنا قد وهبت لك نفسي ولطالما طلبتني الملوك والرؤساء وأصحاب الدنيا فلم ألتفت لأحد منهم وطال أمرها في القول والرجل لا يرفع رأسه من الأرض حياء من الله تعالى وخوفاً من أليم عقابه كما قال الشاعر:

 

ورب كبيرة ما حال بيني

 

وبين ركوبها إلى الحياء

وكان هو الدواء لها ولكن

 

إذا ذهب الحياء فلا دواء

 

قال: وطمع الرجل في أن يخلص نفسه منها فلم يقدر فقال: أريد منك شيئاً فقالت: وما هو؟ قال: أريد ماء طاهراً أصعد به إلى أعلى موضع في دارك لأقضي به أمراً وأغسل به درناً مما لا يمكنني أن أطلعك عليه، فقالت: الدار متسعة ولها خبايا وزوايا، وبيت المطهرة معد، قال: ما غرضي إلا الارتفاع، فقالت لخادمتها: اصعدي به إلى المنظرة العليا من الدار، فصعدت به إلى أعلى موضع فيها ودفعت له آنية الماء ونزلت، فتوضأ الرجل وصلى ركعتين ونظر إلى الأرض ليلقي نفسه فرآها بعيدة، فخاف أن لا يصل إليها وقد يتمزق، ثم تفكر في معصية الله تعالى وعقابه فهان عليه بذل نفسه وسفك دمه، فقال: إلهي وسيدي ترى ما نزل بي ولا يخفى عليك حالي إنك على كل شيء قدير، ثم إن الرجل ألقى نفسه من أعلى المنظرة، فبعث الله إليه ملكاً احتمله على جناحه وأنزله إلى الأرض سالماً دون أن يناله ما يؤذيه فلما استقر بالأرض حمد الله عز وجل على ما أولاه من عصمته وما أناله من رحمته.

 

وسار دون شيء إلى زوجته وكان قد أبطأ عنها فدخل وليس معه شيء فسألته عن سبب بطئه وعما خرج به في يده وما فعل به وكيف رجع بدون شيء فأخبرها بما عرض له من الفتنة وأنه ألقى نفسه من ذلك الموضع فنجاه الله، فقالت زوجته: الحمد لله الذي صرف عنك الفتنة وحال بينك وبين المحنة ثم قالت: يا رجل إن الجيران قد تعودوا منا أن نوقد تنوراً كل ليلة، فإن رأونا الليلة دون نار، وعلموا أننا بلا شيء ومن شكر اله كتم ما نحن فيه من الخصاصة ووصال صوم هذه الليلة باليوم الماضي وقيامها لله تعالى، فقامت إلى التنور وملأته حطباً وأضرمته لتغالط به الجيران وأنشدت تقول هذه الأبيات:

 

سأكتم ما بي من غرامي وأشجانـي

 

وأضرم ناري كي أغالط جيرانـي

وأرضى بما أمضى من الحكم سيدي

 

عساه يرى ذلي إليهم يرضـانـي

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الواحدة والستين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المرأة أضرمت النار كي تغالط الجيران نهضت هي وزوجها فتوضآ وقاما إلى الصلاة، فإذا امرأة من جاراتها تستأذن في أن توقد من تنورها فقالا لها: لا شأنك والتنور فلما دخلت المرأة من التنور لتأخذ النار نادت: يا فلانه أدركي خبزك قبل أن يحترق، فقالت امرأة الرجل لزوجها: أسمعت ما تقول هذه المرأة؟ فقال: قومي وانظري، فقامت وتوجهت للتنور فإذا هو قد امتلأ من خبز نقي أبيض فأخذت المرأة الأرغفة ودخلت على زوجها وهي تشكر الله عز وجل على ما أولى من الخير العميم والمن الجسيم فأكلا من الخبز وشربا من الماء وحمدا الله تعالى، ثم قالت المرأة لزوجها: تعال ندعو الله تعالى عساه أن يمن علينا بشيء يغنينا عن كد العيشة وتعب العمل ويعيننا به على عبادته والقيام بطاعته قال لها: نعم فدعا الرجل ربه وأمنت المرأة على دعائه، فإذا السقف قد انفرج ونزلت ياقوتة أضاء البيت من نورها فزادا شكراً وثناء وسرا بتلك الياقوتة سروراً كثيراً وصليا ما شاء الله تعالى.

 

فلما كان آخر الليل ناما فرأت المرأة في منامها كأنها دخلت الجنة وشاهدت منابر كثيرة مصفوفة وكراسي كثيرة منصوبة، فقالت: ما هذه المنابر وما هذه الكراسي؟ فقيل لها: هذه منابر الأنبياء وهذه كراسي الصديقين والصالحين فقالت: وأين كرسي زوجي فلان؟ فقيل لها: هذا فنظرت إليه فإذا في جانبه ثلم فقالت: وما هذا الثلم؟ فقيل لها: هو ثلم الياقوتة المنزلة عليكما من سقف بيتكما.

 

فانتبهت من منامها وهي باكية حزينة على نقصان كرسي زوجها بين كراسي الصديقين فقالت: أيها الرجل ادع ربك أن يرد هذه الياقوتة إلى موضعها فمكابدة الجوع والمسكنة في الأيام القلائل أهون من ثلم كرسيك بين أصحاب الفضائل فدعا الرجل ربه فإذا الياقوتة قد سارت صاعدة إلى السقف وهما ينظران إليها وما زالا على فقرهما وعبادتهما حتى لقيا الله عز وجل. ومما يحكى أن سيدي إبراهيم الخواص رحمة الله عليه قال: طالبتني نفسي، في وقت من الأوقات، بالخروج إلى بلاد الكفار فكففتها فلم تكف وتكتف، وعملت على نفي هذا الخاطر فلم ينتف، فخرجت أخترق ديارها وأجول أقطارها والعناية تكنفني والرعاية تحفني لا ألقى نصرانياً إلا غض ناظره عني وتباعد مني إلى أن أتيت مصراً من الأمصار فوجدت عند بابها جماعة من العبيد عليهم الأسلحة وبأيديهم الحديد فلما رأوني قاوا على القدوم وقالوا لي: أطيب أنت؟ قلت: نعم فقالوا: أجب الملك واحتملوني إليه فإذا هو ملك عظيم ذو وجه وسيم. فلما دخلت عليه نظر إلي وقال: أطبيب أنت؟ قلت: نعم فقال: احملوه إليها وعرفوه بالشرط قبل دخوله عليها فأخرجوني وقالوا لي: إن للملك ابنة قد أصابها إعلال شديد وقد أعيا الأطباء علاجها، وما من طبيب دخل عليها وعالجها ولم يفد طبه إلا قتله الملك فانظر ماذا ترى؟ فقلت لهم: إن الملك سألني إليها فأدخلوني عليها فاحتملوني إلى بابها فلما وصلت قرعوه فإذا هي تنادي: من داخل الدار أدخلوها على الطبيب صاحب السر العجيب وأنشدت تقول:

 

افتحوا الباب فقد جاء الطبـيب

 

وانظروا نحوي فلي سر عجيب

فلكم مـقـتـرب مـبـتـعـد

 

ولكم مبتـعـد وهـو قـريب

كنتم فيما بينـكـم فـي غـربة

 

فأراد الحق أنسـي بـغـريب

جمـعـتـنـا نـسـبة دينـية

 

فترى أي مـحـب وحـبـيب

ودعاني للـتـلاقـي إذا دعـا

 

حجب العاذل عنا والـرقـيب

فاتركوا عذلي وخلوا لومـكـم

 

إنني يا ويحكم لـسـت أجـيب

لست ألوي نحـو فـان غـائب

 

إنما قصـدي بـاق لا يغـيب

 

قال: فإذا شيخ كبير قد فتح الباب بسرعة وقال: ادخل فدخلت فإذا بيت مبسوط بأنواع الرياحين وستر مضروب في زاويته ومن خلفه أنين ضعيف يخرج من هيكل نحيف فجلست بإزاء الستر وأردت أن أسلم فتذكرت قوله صلى الله عليه وسلم: لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه فأمسكت فنادت من داخل الستر: أين سلام التوحيد والإخلاص يا خواص؟ قال: فتعجبت من ذلك وقلت: من أين عرفتيني؟ فقالت: إذا صفت القلوب والخواطر أعربت الألسن عن مخبآت الضمائر وقد سألته البارحة أن يبعث إلي ولياً من أوليائه يكون لي على يديه الخلاص فنوديت من زوايا بيتي لا تحزني إنا سنرسل إليك إبراهيم الخواص. فقلت لها: ما خبرك؟ فقالت لي: أنا منذ أربع سنين قد لاح لي الحق المبين فهو المحدث والأنيس والمقرب والجليس. فرمقني قومي بالعيون وظنوا بي الظنون ونسبوني إلى الجنون فما دخل علي طبيب منهم إلا أوحشني ولا زائر إلا أدهشني فقلت: وما دليل ذلك على ما وصلت إليه، قالت: براهينه الواضحة وآياته اللائحة وإذا وضح لك السبيل شاهدت المدلول والدليل، قال: فبينما أنا أكلمها إذ جاء الشيخ الموكل بها وقال لها: ما فعل طبيبك؟ قالت: عرف العلة وأصاب الدواء.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثانية والستين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الشيخ الموكل بها لما دخل عليها قال لها: ما فعل طبيبك؟ قالت: عرف العلة وأصاب الدواء فظهر لي منه البشر والسرور وقابلني بالبر والحبور، فسار إلى الملك وأخبره، فحضه الملك على إكرامي فبقيت اختلف إليها سبعة أيام فقالت: يا أبا إسحق متى تكون الهجرة إلى دار الإسلام؟ فقلت: كيف يكون خروجك ومن يتجاسر عليه؟ فقالت: الذي أدخلك علي وساقك إلي فقلت: نعم ما قلت.

 

فلما كان الغد خرجنا على باب الحصن وحجب عنا العيون من أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، قال: فما رأيت أصبر منها على الصيام والقيام فجاورت بيت الله الحرام سبعة أعوام ثم قضت نحبها وكانت أرض مكة تربتها أنزل الله عليها الرحمات ورحم الله من قال هذه الأبيات:

 

ولما أتوني بالطبـيب وقـد بـدت

 

دلائل من دم سفوح ومن سـقـم

نضا الثوب عن وجهي فلم ير تحته

 

سوى نفس من غير روح ولا جسم

فقال لهـم ذا قـد تـعـذر بـرؤه

 

وللحب سر ليس يدرك بالـوهـم

فقالوا إذا لم يعلم الـنـاس ما به

 

ولم يك تعريف بـحـد ولا رسـم

فكيف يكون الطب فيه مؤثـراً

 

دعوني فإني لست أحكم بالوهم

 

ومما يحكى أن رجلاً من خيار بني إسرائيل كان كثير المال وله ولد صالح مبارك فحضرت الرجل الوفاة، فقعد ولده عند رأسه وقال: يا سيدي أوصني فقال: يا بني لا تحلف بالله باراً ولا فاجراً ثم مات الرجل وبقي الولد بعد أبيه فتسامع به فساق بني إسرائيل، فكان الرجل يأتيه فيقول لي: عند والدك كذا وكذا وأتت تعلم بذلك أعطني ما في ذماته وإلا فاحلف فيقف الولد على الوصية ويعطيه جميع ما طلبه فما زالوا به حتى فني ماله واشتد إقلاله، وكان للولد زوجة صالحة مباركة وله منها ولدان صغيران فقال لها: إن الناس قد أكثروا طلبي، ومادام معي ما أدفع به عن نفسي بذلته والآن لم يبق لي شيء فإن طالبني مطالب امتحنت أنا وأنت فالأولى أن نفوز بأنفسنا ونذهب إلى موضع لا يعرفنا فيه أحد ونتعيش بين أظهر الناس قال: فركب بها البحر وبولديه وهو لا يعرف أين يتوجه والله يحكم ولا معقب لحكمه ولسان الحال يقول:

 

يا خارجاً خوف العدا من داره

 

واليسر قد وافاه عند فـراره

لا تجزعن من البعاد فربـمـا

 

عز الغريب يطول بعد مراره

لو قد أقام الدر في أصـدافـه

 

ما كان تاج الملك بيت قراره

 

قال: فانكسرت السفينة وخرج الرجل على لوح وخرجت المرأة على لوح وخرج كل ولد على لوح وفرقتهم الأمواج، فحصلت المرأة على بلدة، وحصل أحد الولدين على بلدة أخرى والتقط الولد الآخر أهل سفينة في البحر، وأما الرجل فقذفته الأمواج إلى جزيرة منقطعة، فخرج إليها وتوضأ من البحر وأذن وأقام الصلاة.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الثالثة والستين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الرجل لما خرج إلى الجزيرة وتوضأ من البحر، وأذن وأقام الصلاة. فإذا قد خرج من البحر أشخاص بألوان مختلفة فصلوا معه ولما فرغ قام إلى شجرة في الجزية فأكل من ثمرها فزال عنه جوعه ثم وجد عين ماء فشرب منها وحمد الله عز وجل وبقي ثلاثة أيام يصلي وتخرج أقوام يصلون مثل صلاته، وبعد مضي الأيام الثلاثة سمع منادياً يناديه: يا أيها الرجل الصالح البار بأبيه المجل قدر ربه، لا تحزن، إن الله عز وجل مخلف عليك ما خرج من يدك فإن في هذه الجزية كنوزاً وأموالاً ومنافع يريد الله أن تكون لها وارثاً وهي في موضع كذا وكذا من هذه الجزيرة فاكشف عنها وإنا لنسوق إليك السفن فأحسن إلى الناس وادعهم إليك، فإن الله عز وجل يميل قلوبهم إليك فقصد ذلك الموضع من الجزيرة وكشف الله تعالى له عن تلك الكنوز وصارت أهل السفن ترد عليه فيحسن إليهم إحساناً عظيماً ويقول لهم: لعلكم تدلون علي الناس. فإني أعطيكم كذا وكذا، واجعل لهم كذا وكذا فصار الناس يأتون من الأقطار والأماكن. وما مضت عليه عشري سنين إلا والجزيرة قد عمرت والرجل صار ملكها لا يأوي إليه أحد إلا أحسن إليه.

 

وشاع ذكره في الأرض بالطول والعرض. وكان ولده الأكبر قد وقع عند رجل علمه وأدبه والآخر قد وقع عند رجل رباه وأحسن تربيته وعلمه طرق التجارة والمرأة قد وقعت عند رجل من التجار ائتمنها على ماله وعاهدها على أن لا يخونها وأن يعينها على طاعة الله عز وجل، وكان يسافر بها في السفينة إلى البلاد ويستصحبها في أي موضع أراد، فسمع الولد الأكبر بصيت ذلك الملك فقصده وهو لا يعلم من هو. فلما دخل عليه أخذه وائتمنه على سره وجعله كاتباً له وسمع الولد الآخر بذلك الملك العادل الصالح فقصده وسار إليه وهو لا يعلم من هو أيضاً. فلما دخل عليه وكله على النظر في أموره، وبقي مدة من الدهر في خدمته وكل واحد منهم لا يعلم بصاحبه وسمع الرجل التاجر الذي عند المرأة بذلك الملك وبره للناس وإحسانه إليهم فأخذ جانباً من الثياب الفاخرة ومما يستظرف من تحف البلاد وأتى بسفينة والمرأة معه حتى وصل إلى شاطئ الجزيرة، ونزل إلى الملك وقدم له هديته فنظرها الملك وسر بها سروراً كبيراً وأمر للرجل بجائزة سنية، وكان في الهدية عقاقير، أراد الملك من التاجر أن يعرفها له بأسمائها ويخبره بمصالحها فقال الملك للتاجر: أقم الليلة عندنا.

 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

 

وفي الليلة الرابعة والستين بعد الأربعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن التاجر لما قال له الملك: أقم الليلة عندنا قال: إن لي في السفينة وديعة عاهدتها أن لا أوكل أمرها إلى غيري وهي امرأة صالحة تمنيت بدعائها وظهرت لي البركة في آرائها فقال الملك: سأبعث لها أمناء يبيتون عليها ويحرسون كل ما لديها قال: فأجابه لذلك وبقي عند الملك ووجه الملك كاتبه ووكيله إليها وقال لهما: اذهبا واحرسا سفينة هذا الرجل الليلة إن شاء الله تعالى قال: فسارا وصعدا إلى السفينة وقعد هذا على مؤخرها وذاك على مقدمها وذكر الله عز وجل برهة من الليل ثم قال أحدهما للآخر: يا فلان إن الملك قد أمرنا بالحراسة ونخاف النوم فتعالى نتحدث بأخبار الزمان وما رأينا من الخير والامتحان، فقال الآخر: يا أخي أما أنا فمن امتحاني أن فرق الدهر بيني وبين أبي وأمي وأخ لي كان اسمه كاسمك، والسبب في ذلك أنه ركب والدنا البحر من بلد كذا وكذا، فهاجت علينا الرياح واختلفت فكسرت السفينة وفرق الله شملنا.

 

فلما سمع الآخر بذلك قال: وما كان اسم والدتك يا أخي؟ قال: فلانة قال: وما اسم والدك؟ قال: فلان، فترامى الأخ على أخيه وقال له: أنت أخي. والله حقاً وجعل كل واحد منهما يحدث أخاه بما جرى عليه في صغره والأم تسمع الكلام ولكنها كتمت أمرها وصبرت نفسها، فلما طلع الفجر قال أحدهما للآخر: سر يا أخي نتحدث في منزلي قال: نعم فسارا، وأتى الرجل فوجد المرأة في كرب شديد، فقال لها: ما دهاك وما أصابك؟ قالت: وبعثت إلي الليلة من أرادني بالسوء وكنت منهما في كرب عظيم، فغضب التاجر وتوجه للملك وأخبره بما فعل الأمينان، فأحضرهما الملك بسرعة وكان يحبهما لما تحقق فيهما من الأمانة والديانة ثم أمر بإحضار المرأة حتى تذكر ما كان منهما مشافهة. فجيء بها وأحضرت فقال لها: أيتها المرأة ماذا رأيت من هذين الأمينين؟ فقالت: أيها الملك أسألك بالله العظيم رب العرش الكريم. إلا ما أمرتهما يعيدا كلامهما الذي تكلما به البارحة فقال لهما الملك: قولا ما قلتما ولا تكتما منه شيئاً فأعادا كلامهما. وإذا بالملك قد قام من فوق السرير وصاح صيحة عظيمة وترامى عليهما واعتنقهما. وقال: والله أنتما ولداي حقاً، فكشفت المرأة عن وجهها وقالت: أنا والله أمهما فاجتمعوا جميعاً وصاروا في ألذ عيش وأهنأه إلى أن أتاهم الموت فسبحان من إذا قصده العبد نجا ولم يخب ما أمله فيه ورجا وما أحسن ما قيل في المعنى:

 

لكل شيء من الأشياء مـيقـات

 

والأمر فيه أخي محو واثـبـات

لا تجز عن لأمر قد دهـيت بـه

 

فقد أتانا بيسر الـعـسـر آيات

ورب ذي كربة بانت مضرتهـا

 

تبدو وباطنها فيه الـمـسـرات

وكم مبهمان عيان الناس تشـنـؤه

 

من الهوان تغشية الكـرامـات

هذا الذي ناله كـرب وكـابـده

 

ضر وحلت به في الوقت آفات

وفرق الدهر منه شمل الفـتـه

 

فكلهم بعد طول الجمع اشتـات

أعطاه مولاه خيرا ثم جاء بـهـم

 

وفي الجميع إلى المولى اشارات

سبحان من عمت الأكوان قدرتـه

 

وأخبرت بـتـدانـيه الـدلالات

فهو القريب ولكـن لا يكـيفـه

 

عقل وليست تدانيه المسـافـات