الشهداء الثلاثة

هشام وطارق وحسام ثلاث أصدقاء، عاشوا طفولتهم معا، وتعلّموا الفروسيّة وركوب الخيل منذ صغرهم. كبرة الثلاثة وصاروا فرسان القبيلة يدافعون عنها، ويحاربون أعداءها.

 

وعندما بدأ الجهاد خرجت جيوش المسلمين تحارب أعداء الدّين، لتفتح البلاد، وتنقذ أهلها من ظلم الفرس والرّوم. انضم الأصدقاء الثلاثة إلى صفوف المجاهدين، واشتركوا في معارك كثيرة... كانوا يحاربون فيها جنبا إلى جنب، ويهزمون العدوّ.

 

وفي أحد أيام الصيف الحارّة دارت المعركة في صحراء واسعة، ليس فيها زرع ولا ماء. واستمر القتال وقتا طويلا، واشتدّت المعركة، وسقط الأصدقاء الثّلاثة جرحى، واحدا بعد الآخر.

 

وبدأالمسلمون هجوما قويا على الأعداء، وأخذ الأعداء يفرّون أمامهم، وراح الجنود المسلمون يطاردونهم... وأخذت المعركة تبتعد قليلا عن المكان.

 

وجد الجرحى الثّلاثة انفسهم ملقين على رمال الصّحراء الحارّة بلا ماء، وجراحهم تنزف، وأجسامهم تضعف، وعطشهم يزيد، وكان كل منهم يسمع أنين صاحبه، فيتألّم لألمه!

 

كان هشام يصيح:ماء! أعطوني بعض الماء. وكان هشام يهمس بصوت ضعيف مرتعش:أنا عطشان.. أريد أن أشرب.

 

سمع طارق أنين صاحبيه، فزحف عدّ خطوات ودمه يسيل على الرّمال الملتهبة، لعلّه يجد الماء، أصاب طارقا التّعب الشّديد، فتوقّف عن الحركة، وأسلم أمره إلى الله.

 

وفي تلك اللحظة أقبل فارس مسلم، وشاهد الجرحى الثّلاثة ما يزالون أحياء، فنزل من فوق ظهر حصانه، وبحث فلم يجد معه غير قليل من الماء لا يكفي إلاّ جريحا واحدا.

 

اقترب الفارس من طارق وقال:اشرب، إنّها شربة ماء، ليس معي غيرها. أشار طارق إلى صاحبيه وقال:هما أحوج منّي إلى الماء.

 

ذهب الفارس إلى هشام، وقدّم إليه الماء ليشرب، فأشار إلى حسام، وقال:ابدأ به؛ فهو أشدّ حاجة إلى الماء منّي.

 

تحيّر الفارس أمام هؤلاء الجرحى الثّلاثة، إذ يفضّل كل منهم زميله على نفسه، فذهب إلى طارق مرّة أخرى، لكنّه فوجئ بأنّه قد مات!

 

فلمّا ذهب الفارس إلى هشام ليقدّم الماء وجده قد فارق الحياة!

 

تركه الفارس وأسرع إلى صديقهما حسام، ورفعه عن الأرض، وأسنده من ظهره حتّى ليشرب، لكنّه – هو أيضا – كان قد لحق بصاحبيه!

 

وهكذا فضّل كل واحد من الأصدقاء الثّلاثة صاحبه على نفسه، في أصعب الأوقات وأصدقها، حتّى لقوا الله شهداء.