حكاية بدندر

 كان في قديم الزمان راعي غنم يعيش من خيرها. قال لزوجته ذات يوم: ضجرت من هذه الشغلة. .. أريد أن أفتش عن غيرها.

 

حاولت زوجته أن تغّير رأيه، لكنها لم تنجح. فباع غنمه بأربعين ليرة ذهبا. وقرر الذهاب إلى بغداد ليبحث فيها عن عمل.

 

وفي الطريق كان يسأل من يقابله عن بغداد.

 

رآه رجل بغدادي محتال فسأله: ماذا تريد من بغداد؟

 

حكى له الراعي قصته، ففكر البغدادي مع نفسه، وقال: هذا غبي... سأحتال عليه وآخذ فلوسه. ثم قال للراعي: أنا بغداد... أطلب ما تريد...أنت الآن تعبان. تعال إلى البيت لترتاح.

 

فرح الريفي ودعا للرجل بأن يحفظه الله، وذهب معه إلى داره. وجلس الاثنان يستريحان في غرفة. وذهب البغدادي بعد ذلك إلى زوجته وقال لها: جلبت لك صيدا سمينا. أحضري سطلا واربطيه بحبل.. وسأجلس أنا والراعي على السطح، وبين فترة وأخرى أنزلي السطل فأقول أني أريد حاجة، فتضعين الحاجة التي أطلبها في السطل وأرفعه أنا. وتفاهم معها على الحاجات التي سيطلبها .

 

جلس البغدادي المحتال مع الراعي فوق السطح يتحدثان، ثم قال البغدادي: "سنتعشى الآن.. اغسل يديك ووجهك قبل العشاء. ثم أنزل السطل من السطح، وقال: يا سطل ... أجلب لنا ماء للغسيل." وبعد برهة رفع السطل وهو مملوء بالماء، فاغتسل الراعي. ثم أنزل المحتال السطل وقال: "يا سطل ... إجلب لنا العشاء". وسحب السطل، فكان مليئا بما لذ وطاب.

 

أخذ الراعي يأكل، وهو مستغرب وحائر من أمر هذا السطل العجيب، ورجا البغدادي أن يبيعه إياه مقابل الأربعين ليرة التي معه.

 

فقال البغدادي: " يبدو لي أنك رجل طيّب وابن حلال.. سأبيعك السطل ... وحاذر أن يأخذه أحد منك. إنه سطل لا مثيل له"..

 

شكر الراعي المحتال، وأعطاه ما معه من الليرات، وعاد إلى أهله سعيداً بالسطل.

 

وفي المساء، دعا جيرانه وأصدقاءه وجلسوا جميعا فوق سطح الدار. وبعد فترة أنزل السطل، وصاح: " قهوة... قهوة ." ثم رفع السطل فإذا هو فارغ..

 

ثمّ أنزله ثانية، وطلب شايا، لكنه رجع فارغا. وهكذا تكرر الأمر عدّة مرات والسطل يعود فارغا. فجلس الراعي يبكي على فلوسه.

 

وفي فجر اليوم التالي، ذهب يفتش على بغداد الذي احتال عليه، ودخل مدينة بغداد، وهو يصيح: "من يدلني على بغداد"؟

 

التقت به امرأة عجوز فسألته: "ماذا تريد من بغداد"؟

 

حكى لها الراعي حكايته. فقالت له: أنا أستطيع أن أمسكه لك وأعيد إليك ليراتك، ولكن بشرط أن تقول لكل من يكلمك أو يسألك " بدندر".

 

وافق الراعي وذهب معها. أخذته إلى الحلاق، فحلق له شعره، واشترت له بدلة جندي، ثمّ ذهبت معه إلى صاحب أكبر محل بيع أقمشة في بغداد وقالت له: "بعثتني سيدتي زوجة الوالي لكي آخذ منك أحسن الأقمشة وأجملها". فرح بائع الأقمشة واختار لها أحسن وأغلى ما عنده فقالت له: "سأريها لسيدتي وسيبقى هذا الجندي هنا حتى أعود".

 

ذهبت المرأة، ومضت ساعات وساعات ولم تعد. فأمسك صاحب القماش بالراعي وسأله عن المرأة ، فقال: "بدندر... بدندر".

 

أخذ بائع القماش الراعي إلى الشرطة. وهناك حكى قصته للشرطي الذي رقّ له قلبه، فأخذه إلى الوالي .

 

حزن الوالي عليه، وأعطاه أربعين ليرة ذهبا، وأعطى بائع الأقمشة ثمن أقمشته. وذهب كل منهما إلى سبيله. وعشتم سالمين