شبعـا

تقع بلدة شبعا ومزارعها في قلب جبل الشيخ، وتنتشر على هضابه وسفوحه وأوديته، وهي في الجهة الجنوبية الشرقية من لبنان، على مُثلّث الحدود اللبنانية-السورية-الفلسطينية. كما إنّها إحدى قرى العرقوب، تتبع إداريًا إلى قضاء حاصبيا. تتّسم بلدة شبعا بالآتي:

- وجودها في قلب جبل الشيخ بما يشبه الحصن المنيع.

- يبلغ امتداد البلدة مع مزارعها أكثر من 25 كلم، أي خمسيّ امتداد جبل الشيخ الذي يبلغ امتداده 60 كلم.

- تنوّع المناخ في نطاق البلدة والمزارع لوجود مناطق يجاوز ارتفاعها عن سطح البحر ألفَيّ متر، ووجود مناطق أقلّ ارتفاعًا ومنخفضة.

- يتنوّع الإنتاج الزّراعي والحيواني في البلدة نتيجة المناخ وطبيعة الأرض واتّساع المساحة. ففي الأعالي كلّ أنواع الأشجار المُثمرة التي تعيش في المناطق الباردة، وفي أواسطها الحبوب على أنواعها والزّيتون والبرتقال والجوز والفستق والحمضيّات.

- توفّر المياه التي تؤمّن احتياجات البلدة ورَيّ الأراضي.

- تُعَدّ البلدة أعلى المناطق المأهولة في جبل الشيخ ومن أعلى القرى المسكونة في لبنان.

- تتّصل بلدة شبعا ومزارعها بأراضي أكثر من ثلاثين بلدةٍ في كلّ من لبنان، فلسطين وسورية.

يُعتَقَد أنّ إسم بلدة "شبعا" لفظةٌ ساميةٌ قديمةٌ، استعملها الآراميون والسّريان والعرب وغيرها من الشعوب السامية، وهي تعني الرقم 7 كما تعني الشّبع أو كثرة الإنتاج والغلال. وكل هذه المدلولات، وإن اختلفت في معانيها، فهي تتوافق مع مواصفاتٍ متوافرةٍ في بلدة شبعا.

انتقلت خلال الحكمين الأمويّ والعبّاسي الكثير من القبائل العربية إلى لبنان وانتشرت في غالبيّة المناطق اللّبنانيّة ونقلت معها الخلاف القيسي-اليمني الذي نتج عنه يقظة الفكرة السّفيانية، لاسيّما بعد أن بدأ الضّعف يدبّ في الخلافة العبّاسية. وهدفت هذه الفكرة إلى إعادة الخلافة إلى البيت الأمويّ وإعادة المكانة إلى دمشق. ظهر في الشّام أبي العميطر وهو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية. ففي خلافة الأمين أعلن أبو العميطر، سنة 811م/190هـ، أنّه ابن شيخي صفّين الإمام علي ومعاوية، ووقف الحزب اليَمني إلى جانبه ووقف الحزب القيسيّ ضدّه ومال اللّبنانيون إلى جانبه وحاربوا معه. وقد تزعّم ضدّه محمّد بن بيهس الكلاّبي وجرت معركةٌ عنيفةٌ بينهم في شبعا والمنطقة المحيطة، حيث مالت الكفّة ضدّ العُميطر. ويُذكَر أنّ هذه الحادثة التاريخية هي من أقدم الأحداث التي يقترن إسمها بإسم بلدة شـبعا. كانت هذه المرحلة بداية النّزاعات التي أضعفت الخلافة في بغداد وأصبحت سُلطة الخليفة إسمية. وقد شهدت المرحلة أحداثًا خطيرةً وزالت الخلافة العربية وانتقلت بشكلٍ نهائيٍ إلى غير العرب. فكان الغزو المغولي الذي اتّسم بالعنف والتّدمير والتخريب والقتل والفتك. ومن أهمّ الأحداث التي وقعت في المنطقة كانت محاربة وطرد الصّليبيّن من البلاد. وفي سنة 1173م، تشجّعت القبائل العربية على أخد دورها في محاربة الصّليبيّن، وأهمّها ما قام به بنو شهاب في منطقة وادي التّيم، إذ توجّه الأمراء الشهابيون من حوران إلى منطقة وادي التّيم وأقاموا في الظّهر الأحمر ومرجعيون. وكان الصّليبيّون يسيطرون على المنطقة وتوطّنوا في حاصبيا. ولما بلغهم نزول القبائل العربية في الظهر الأحمر، بدأ الصّليبيون بالإستعداد، وقد جمعوا خمسين ألف مقاتلٍ وكان عدد الشهابيين العرب أقلّ بكثيرٍ. وقعت الحرب سنة 1173، إذ هاجم الشّهابيّون الصّليبييّن ودارت معارك طاحنة دامت أيّامًا، انتصر فيها الشّهابيون بقيادة الأميرالمُنقِذ وقتلوا ملك الصليبيّين، وأصبحت وادي التيم تحت ظلّ الإمارة الشّهابية العربية وقاعدتها حاصبيا. ومرّت الأيّام ودخل المغول إلى منطقة وادي التّيم في عهد الأميرالشهابي سعد شهاب، فنزح جميع سكّان منطقة وادي التيم وجبل الشيخ هربًا من الوحشية المغولية. وبقيت المنطقة خاليةً من السّكان حتّى مطلع القرن الخامس عشر، إذ بدأ السّكن من جديد في شبعا بعد إنكفاء الغزو المغولي. وقد بنى الأمير نجم الدّين الشهابي قصرًا في أعلى قمم جبل الشيخ للإصطياف وأخذت الحياة تعود إلى شبعا. وتركّز السّكن في المناطق القريبة من الماء، أي العين ونبع القاطع. وكانت الهضاب والتلال المحيطة بالبلدة مكسوّةً بالأشجار الكثيفة من سنديانٍ وملولٍ وزعرورٍ وغيرها. وكانت بعض البيوت القديمة تُبنَى حول شجرةٍ بعد أن يتمّ قصّ أغصانها، بإستثناء الجذع الذي يبقى ليقوم مقام العمود. وبذلك شكّلت هذه المنطقة مكانًا للعيش وملجأً لِمَن يريد أن يرتاح من جور السّلطة الحاكمة وظلمها. وخلال القرن الخامس عشر بدأت تتركّز الأوضاع السّياسية في لبنان، لاسيّما نظام الحكم الذي ارتكز على النّظام الإقطاعي؛ ومنطقة وادي التيم وجبل الشيخ كانت قد أصبحت تحت حكم الأمراء الشهابيين منذ انتصارهم على الصليبيين. وكانت حاصبيّا المقرّ الأوّل لهم.

بدأ القرن التّاسع عشر وكان حافلاً بأحداثٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ وفكريةٍ شملت بلاد الشّام. فشهد مطلع هذا القرن حدثًا مهمًا وهو دخول قوّات محمد علي باشا إلى البلاد الشامية ووصوله إلى حدود تركية. تدخّلت الدول الأوروبّية بالتعاون مع السلطة العثمانية وأخذت تدفع الشعب إلى الثورة ضدّ محمد علي باشا وابنه إبراهيم، فعمّت المناطق وتوالت المعارك بين الأهالي والجيش المصري. وكان في الطليعة أبناء وادي التّيم فحصلت سلسلة معارك بين المصرييّن والدّروز في الشوف وحوران وراشيا، أعقب هذه المعارك معركة جنعم قرب بلدة شبعا، وهي الأخيرة تمكّنت قوات ابراهيم باشا من وضع حدٍ للثورة في وادي التيم بعد محاصرتهم . دخلت مفاوضات الصّلح بين ابراهيم باشا والثوار في شبعا، وانتهت بإصدار عفوٍ عن الثّوار.

اعتبارًا من 30 آب سنة 1920 أصبحت بلدة شبعا بلدةً لبنانيةً، إذ إنّه بعد إعلان دولة لبنان الكبير من قِبَل الجنرال غورو، المندوب السامي الفرنسي، صدر قرار رقم 299 نصّت مادته الأولى على أن تُلحَق إدارياً كلّ من أقضية حاصبيا وراشيا وبعلبك والبقاع بالأراضي اللبنانية. ومن المعروف أنّ هذه الأقضية كانت تابعةً لولاية دمشق. كانت هذه المقاطعات، الأقضية، ألّفت لبنان الكبير وفقًا للقرار 318 الصادر في 31 آب سنة 1920. وقد أثار إعلان دولة لبنان انقسامات بين اللبنانييّن، إذ إن فريقًا كان يطالب بلإلتحاق بالدّولة العربية، حكومة الملك فيصل، في دمشق، والفريق الآخر يُطالب بإقامة دولة لبنان.

بقي التّنظيم الإداري والسّياسي في شــبعا في بداية العشرينات ومطلع الثّلاثينات شبيهًا بالمراحل السّابقة، إذ إنّ وجهاء البلدة يتوافقون على تعيين المختار ويرفعون عريضةً إلى القائمقام للمصادقة عليها. وكان لشــبعا في هذه الفترة عدة مخاتير لعبوا دورًا في حياة البلدة.

تُعتَبر تربية الماشية أحد الأعمدة الإقتصادية المهمة في الحياة القروية لاسيما في حياة أبناء بلدة شبعا، حيث تتوافر مساحاتٌ لابأس بها لرعي الماشية لا سيما الماعز. وكانت أعداد الماعز فيما مضى أكبر ممّا هي عليه الآن. ولكن بسبب الإحتلال الإسرائيلي لمزارع البلدة وسائر قمم جبل الشيخ، فَقَدت شبعا الكثير من المراعي فضلاً عن المُضايقات والقصف الشبه اليومي، ممّا اضطر الرعاة إمّا إلى ترك البلدة أو بيع قطعانهم . وأمّا الأغنام فإن تربيتها محدودة جدًا، وفي عرف الرعاة غير صالحة للجبال الوعرة. لذلك كان اقتناؤها نادرًا جدًا. أمّا الأبقار فقد كانت من الحيونات التي اقتناها أبناء البلدة بشكلٍ واسعٍ وهي تكاد تكون موجودةً لدى جميع أبناء البلدة لإعتمادهم عليها في الفلاحة أو لإنتاج الحليب.

أمّا الزراعة فقد كانت تُشكّل مورد الرّزق الرئيسي لأبناء بلدة شبعا، لذلك اهتمّوا بها وأعطوها ما تستحقّ من الرعاية والعناية.

لقيت شجرة الزيتون عنايةً خاصةً من أبناء البلدة نظرًا لإنتاجها الوفير الذي كان يسدّ حاجة البلدة تقريبًا من الزيت والزيتون. وكان في بعض السّنوات يفيض عن الحاجة فيتمّ بيع قسمٍ منه خارج البلدة.