جبيل

مرّت على مدينة جبيل اللبنانية حضارات متنوّعة أخذت منها وأعطتها الكثير. تعتبر جبيل من أقدم المدن المأهولة في العالم وهي، كما نعرفها اليوم، تقوم على طبقات عدّة من البقايا والآثار التي تعود الى العصر الحجري.  

يرتبط تاريخ جبيل بشكلٍ وثيق ومُحكم بتاريخ المتوسط. ويعتقد المؤرخون أنّ مجموعة من الصيادين بنوا جبيل قبل ما لا يقل عن 7000 سنة، ثم تبعتهم مجموعات وشعوب أخرى اتخذوها موطناً لهم وجلبوا معهم عاداتهم وأنماط عيشهم وصناعاتهم.

 

وهكذا تحوّلت جبيل الى منطقة تزخر بالآثار القديمة، إذ انه يمكن اليوم رؤية بقايا أكواخ تعود الى العصر الحجري مع أرضياتها الكلسية المسحوقة وبقايا أساسات منازل حجريّة وبقايا هياكل وحصون دفاعية فينيقية.

 

كانت جبيل أيضاً مركزا ً تجاريا مهماً وأصبحت، في عهد الفينيقيين الكنعانيين حوالى 3000 ق.م. أول مدينة فينيقية مرتبطة تجارياً بالمملكة المصرية القديمة. وتعاظمت لاحقاً أهميتها التجارية في شرق المتوسط وراحت تصدّر زيت الزيتون وخشب الأرز والنبيذ وتستورد المرمر والذهب وورق البردى وغيرها من مصر.

 

نجد في مقبرة جبيل الملكية، تسع مقابر تحت الأرض لملوك جبيل.

إنطلق الحرف الحديث والمأخوذ من الكتابة اللفظة الفينيقية من شواطئ جبيل وحمله بحارة وتجار فينيقيا عبر المتوسط الى العالم . وهذا ما تؤكدّه الكتابة المنقوشة على ناووس الملك أحيرام المعروض في المتحف الوطني في بيروت.

 

مع وصول الاسكندر الكبير، وقعت جبيل تحت الحكم الإغريقي فاعتمدت اللغة والثقافة الإغريقية.

 

كان الإغريق أول من أطلقوا على هذه المدينة اسم بيبلوس ومعناه بالإغريقية "الورق" وذلك نظراً للأهمية التي اكتسبتها هذه المنطقة في مجال تجارة ورق البردى.

 

وفي القرن الأول قبل الميلاد، أقام الرومان الهياكل والحمّامات وغيرها من المباني التي لا زالت أطلالها قائمة حتى اليوم، منها: مسرح روماني وأعمدة شارع معمّد قديم ونافورة رومانية .

 

حكم جبيل ايضاً البيزنطيون والعرب. ولكن المواقع الاثرية التي خلّفوها قليلة قياسا بمخلفات من سبقوهم.

 

ثم وصل الصليبيون في العام 1104 واستعملوا حجارة واعمدة الهياكل القديمة في بناء قصر خاص بهم وخندق مائي. وقد رمم المماليك والعثمانيون على التوالي هذا القصر الذي يطلّ اليوم على بقايا مدينة جبيل والبحر .

 

دفنت معالم جبيل تحت التراب لقرون طويلة قبل أن يقوم العلماء في القرن التاسع عشر والقرن العشرين بالتنقيب عنها. وهكذا أزيلت الطبقات والأحجار التي خنقتها لتولد جبيل مرةً أخرى من رحم الأرض والتاريخ وتهب نفسها للسياح ليقوموا بتنقيباتهم الخاصة وليكشفوا النقاب عن الحضارات القديمة التي مرت بها .