جيجل

يعود تاريخ نشأة مدينة جيجل الجزائرية إلى القرن السادس قبل الميلاد حسب أرجح الرّوايات التاريخية. ويعزو المؤرخون بناءها إلى الفينيقيين الذين اتّخذوها مركزًا تجاريًا ومرفاءً آمنًا على السّاحل الشمالي لغرب المتوسط. ومن الآثار التّي تدلّ على الوجود الفينيقيّ بالمدينة مقبرةٌ في قمّةٍ صخريةٍ تُسمّى الرابطة بالجهة الشمالية الغربية لمدينة جيجل ماتزال تحتفظ بمجموعةٍ من القبور المحفورة في الصّخر. والموقع مُصنّف ضمن المعالم الأثرية.

أُعيد بناء جيجل في الفترة الرومانية وِفق التّخطيط الرّوماني. وقد أشارت المصادر إلى أن ساكنيها كانوا من الفرقة السّابعة أو قدماء المُحاربين الرومان. ومعلومٌ أيضًا أنّها ضُمَّت إلى موريتانيا القيصريّة في بداية التقسيم الإداري لشمال إفريقيا ثم أُلحِقَت بموريتانيا السّطيفية في عهد ديوقلتيانوس. يُقال إنّها ضمن المناطق التي شملتها ثورة الزعيم الإفريقي تكفاريناس. وبالمقابل، وأثناء انتفاضة فيرموس عام 372م، تمكّن القائد الروماني ثيودوسيوس من إنزال قواته بميناء جيجل لمواجهة هذه الإنتفاضة.

أمّا عن مدينة جيجل الإسلامية، فإنه في عام 154هـ/771م حلّت فرقة عسكرية إسلامية بمدينة جيجل قادمة إليها من القيروان وهي مدينة على الساحل وتابعة لكتامة. أمّا المُتعارف عليه بالنّسبة لتاريخ المغرب الإسلامي، فإن المنطقة احتضنت الدّعوة الشعبية الفاطمية بقيادة أبي عبد الله الدّاعي. كما تشير المصادر إلى أنّ الكتامييّن بعدها انتقلوا مع الفاطميين إلى مصر وبنوا القاهرة و جامعها الأزهر.

ومع الحمادييّن عَرف ميناء المدينة نشاطًا تجاريًا نشطًا تشير إليه بعض المصادر، بينما في بعضها الأخر تَذكر أنّ المدينة وخلال الفترة الحمادية كانت تحت سيطرة النّصارى النورمانديين، حيث هدمها وخرّبها أمير البحر روجر الصقلي عام 1143م. إلاّ أنّه أشير إلي وجود قصر النّزهة للأمير الحمادي عبد العزيز وُجِدَ على جبل أيوف المُطلّ على المدينة، ممّا يثبّت الوجود الحمادي بمدينة جيجل.

احتلّ الجنويون مدينة جيجل سنة 1260م واتّخذوا منها مرفأً تجاريًا على السّاحل الإفريقي وأقاموا فيها حاميةً لهم. وقد قيل إنّ مدينة جيجل أصبحت أكبر سوق لبيع العبيد على عهد الجنوييّن. وكان بها لكلّ مدينةٍ إيطاليةٍ، دكاكينها وحوانيتها، كمدنتي بيزا والبُندقية اللتين كثيرًا ما ارتبط نشاطهما التّجاري مع مدينة جيجل.

غير أنّه كان للوجود الجنوي تأثير كبيرٌ على ساكني المدينة والمنطقة ككل، تأثيرٌ تجلّى أكثر على المستوى اللّغوي والحِرَفي، حيث ما يزال سكان المدينة حاليًا ينطقون في لهجتهم، الحرف "DI"، ذا الأصل الإيطالي كأن يُقال: "التّاريخ دي". وما يزالون كذلك يمارسون نشاطًا بحريًا مرتبطين في غالب الأحيان بالبحر. ويظهر هذا التأثير الإيطالي بنوعٍ خاصٍ في لباس البحّارة الفضفاض.

اعتُبِرَت المدينة أوّل عاصمةٍ للجزائر في العصر الحديث إلى غاية عام 1527م بعدما تحوّل مركز القيادة إلى الجزائر العاصمة.