قرطاج أو قرطاجنة مدينة اندثرت ولم يبق منها إلا أنقاضها. بناها الفينيقيون على الساحل التونسي سنة 814 ق.م. ويقول التاريخ القديم إن أليسار أو أليسا أو الملكة ديدون ملكة صور اختلفت مع أخيها بغماليون على وراثة العرش. فالعرف المتبع آنذاك في هذه المملكة الفينيقية الصغيرة لم يفرق بين رجل وامرأة في وراثة العرش واكتفى بالقول إن المولود الأول هو الذي يرث الحكم. ولما كانت أليسار هي البكر فقد تبوّأت العرش. فقامت بينها وبين أخيها نزاعات عنيفة انتهت بأن خرجت أليسار مع مؤيديها ليلاً وأبحرت إلى الشواطئ الأفريقية الشمالية وانتهى بها المطاف إلى تونس حيث اشترت من قبائل هناك مساحة من الأرض أقامت عليها مدينتها التي تحولت مع الزمن إلى قوة اقتصادية وعسكرية هددت الامبراطورية الرومانية.
تقع آثار هذه المدينة اليوم على بعد عشرة كيلومترات من تونس العاصمة. وقد نشات قربها بلدة جديدة يقع فيها القصر الجمهوري التونسي. وكان لقرطاج القديمة مرفأ طبيعي ممتاز ساعد أليسار ورجالها وأحفادها على مد خطوط اتصالات واسعة مع الشمال الأفريقي وأوروبا. ولما كان الصوريون القدامى بناة سفن فقد عمدوا فور تأسيس مدينتهم- الدولة إلى بناء أسطول تجاري كبير وسيطروا على البحر بين مدينتهم والجانب الغربي والشمالي من البحر الأبيض المتوسط. وكانت أهم تجارتهم تشمل الفضة والرصاص والعاج والذهب والمجوهرات والأواني الزجاجية والخزفية والحبوب والفاكهة والحيوانات الأفريقية البرية.
واجه القرطاجيون عدوين: الإغريق والرومان. طالت حروبهم مع الإغريق حوالى مئتي سنة انتهت بفوز للقرطاجيين. أما حروبهم مع الرومان والتي عرفت بالحروب الفونية أو البونية فامتدت من 264 إلى 146 ق.م. وانتهت بانتصار الرومان وتدمير قرطاج.
حمل القرطاجيون معهم إلى مدينتهم- الدولة الجديدة تقاليدهم وعاداتهم ولغتهم وديانتهم الفينيقية. فكان الإله بعل كبير الألهة، رغم اقتباسهم تقاليد دينية جديدة من الإغريق وتقبلهم لبعض الآلهة اليونانية مثل ديميتر وبرسيفون. وكان القرطاجيون على عادة أجدادهم في فينيقيا يقدمون القرابين البشرية لآلهتهم.
امتدت سلطة القرطاجيين في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد لتشمل جزيرة صقلية وليبيا والأجزاء الغربية بمصر وغرباً إلى مراكش وإسبانيا فضلا عن جزيرتي سردينا ومالطة.
برز من قادة قرطاج العسكريين هملكار وابنه هنيبعل. وكان الأول قد وصل إلى إسبانيا وأكمل ابنه تقدمه باتجاه روما قاطعاً جبال الألب حتى وصل إلى أبواب روما حيث وقعت بينه وبين الرومان معركة فاصلة انتهت بانكساره وتدمير الأسطول القرطاجي الذي كان قد أبحر من قرطاج لمساندة هنيبعل. ولما فر هذا الأخير عائداً إلى قرطاج ليقود الدفاع عنها لحق به الرومان ودمروا المدينة وأحرقوها وقتلوا أهلها.
استعادت قرطاج بعض حيويتها عندما أسس الإمبراطور الروماني أغسطس سنة 29 ق.م. مدينة جديدة على أنقاضها دعاها "جوليا قرطاغو". ولم يمض وقت طويل حتى ازدهرت هذه المدينة وأصبحت الثانية بعد روما عظمة وغنىً. وفي سنة 439م احتل جنزريك ملك الفندال قرطاج وجعلها عاصمة له. وبعد قرنين من الزمن جاءها العرب في زحفهم نحو الساحل الأفريقي الشمالي ودمروا المدينة التي اندثرت منذ ذلك الحين إلى الأبد.
صنفتها منظمة اليونيسكو مدينة تراثية عالمية عام 1979