وقعت غزوة السويق في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة.
حصلت هذه الوقعة لما رجع أبو سفيان إلى مكة من غزوة بدر فخرج في مائتي راكب فنزل طرف العريض وبات ليلة واحدة في بني النضير عند سلام بن مشكم، فسقاه ونطق له من خبر الناس ثم أصبح في اصحابه وأمر بقطع أصوارا من النخل وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له، ثم كرر راجعا ونذر به محمد فخرج في طلبه والمسلمون فبلغ قرقرة الكدر وفاته أبو سفيان والمشركون وألقوا شيئا كثيرا من أزوادهم من السويق، فسميت غزوة السويق.
جاء في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي قوله:
"سببها أن أبا سفيان حرم الدهن بعد بدر حتى يثأر من محمد وأصحابه فخرج في مائتي راكب إلى أن بقي بينه وبين المدينة ثلاثة أميال فقتل رجلًا من الأنصار وأجيرًا له وحرق أبياتًا هناك وتبنًا ورأى أن يمينه قد حلت ثم ولى هاربا.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في أثره في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار واستخلف أبا لبابة بن عبد المنذر على المدينة فجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون للهرب فيلقون جرب السويق وكانت عامة أزوادهم فأخذها المسلمون فسميت غزاة السويق فلم يلحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف إلى المدينة وكانت غيبته خمسة أيام.
وجاء في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير:
"كان أبو سفيان قد نذر بعد بدر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدًا فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه حتى جاء المدينة ليلًا واجتمع بسلام بن مشكم سيد النضير فعلم منه خبر الناس ثم خرج في ليلته فبعث رجالًا من قريش إلى المدينة فأتوا العريض فحرقوا في نخلها وقتلوا رجلًا من الأنصار وحليفًا له واسم الأنصاري معبد بن عمرو وعادوا ورأى أن قد بر في يمينه.
وجاء الصريخ فركب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه فأعجزهم وكان أبو سفيان وأصحابه يلقون جرب السويق يتخففون منها للنجاة وكان ذلك عامة زادهم فلذلك سميت غزوة السويق.
ولما رجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون قالوا: يا رسول الله أتطمع أن تكون لنا غزوة قال: نعم.
وقال أبو سفيان بمكة وهو يتجهز: كرّوا على يثربٍ وجمعهم فإنّ ما جمّعوا لكم نفل إن يك يوم القليب كان لهم فإنّ ما بعده لكم دول آليت لا أقرب النّساء ولا يمسّ رأسي وجلدي الغسل حتى تبيروا قبائل الأوس وال خزرج إنّ الفؤاد يشتعل فأجابه كعب بن مالك بقوله: إذ يطرحون الرّجال من سئم الطّير ترقّى لقّنّة الجبل جاؤوا بجمعٍ لو قيس مبركه ما كان إلاّ كمفحص الدّئل عارٍ من النّصر والثّراء ومن أبطال أهل البطحاء والأسل".
وجاء في "تـاريخ الأمم والملوك" المجلد الثاني للطبري:
"وهي غزوة النبي صلى الله عليه وسلم بدراً الثانية لميعاد أبي سفيان.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة ذات الرقاع، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجب، ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان حتى نزله، فأقام عليه ثماني ليالٍ ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة، حتى نزل مجنة من ناحية مر الظهران - وبعض الناس يقول: قد قطع عسفان - ثم بدا له الرجوع، فقال: يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عامٌ خصب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن؛ وإن عامكم هذا عام جدب؛ وإني راجع فارجعوا. فرجع ورجع الناس، فسماهم أهل مكة جيش السويق. يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده، فأتاه مخشي بن عمرو الضمري، وهو الذي وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان، فقال: يا محمد، أجئت للقاء قريش على هذا الماء ؟ قال: نعم يا أخا بني ضمرة؛ وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك، ثم جالدناك. حتى يحكم الله بيننا وبينك. فقال: لا والله يا محمد، مالنا بذلك منك من حاجة، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أبا سفيان؛ فمر به معبد بن أبي معبد الخزاعي، وقد رأى مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تهوى به فقال:
قد نفرت من رفقتى محـمـد وعجوةٍ من يثربٍ كالعنـجـد
تهوي على دين أبيها الأتـلـد قد جعلت ماء قديدٍ موعـدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد