توفي 570 م
الحارث بن حِلِّزَة بن مكروه بن يزيد اليشكري الوائلي. شاعر جاهلي من أهل بادية العراق. وهو من عظماء قبيلة بكر بن وائل، وأحد أصحاب المعلقات.
كان أبرص شديد الفخر بقومه حتى صار مضرب المثل في الافتخار، فقيل فيه: أفخر من الحارث بن حلّزة. ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك بالحيرة، ومطلعها:
آذَنَتْنا ببَيْنهِا أَسْماء رب ثاو يمل منه الثواء
جمع بها كثيراً من أخبار العرب ووقائعهم. إلا أنه لم يبق لنا من أخبارالحارث بن حلزة إلا ما كان من أمر الاحتكام إلى عمرو بن هند سنة (554 ـ 569 ) لأجل حل الخلاف الذي وقع بين القبيلتين بكر و تغلب. أنشد الشاعر هذه المعلقة في حضرة الملك عمرو بن هند رداً على عمرو بن كلثوم و قيل أنه قد أعدّها و روّاها جماعة من قومه لينشدوها نيابة عنه لأنه كان به برص و كره أن ينشدها من وراء سبعة ستور ثم يغسل أثره بالماء كما كان يفعل بسائر البرص ثم عدل عن رأيه و قام بإنشادها بين يدي الملك و بنفس الشروط السابقة فلما سمعها الملك وقد وقعت في نفسه موقعاً حسناً أمر برفع الستور و أدناه منه و أطمعه في جفنته و منع أن يغسل أثره بالماء ...
قال عنه أبو الفرج الأصفهاني في "الأغاني": ((هو الحارث بن حلزة بن مكروه بن يزيد بن عبد الله بن مالك بن عبد بن سعد بن جشم بن عاصم بن ذبيان بن كنانة بن يشكر بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار .
السبب في قول قصيدته المعلقة: قال أبو عمرو الشيباني: كان من خبر هذه القصيدة والسبب الذي دعا الحارث إلى قولها أن عمرو بن هند الملك، وكان جباراً عظيم الشأن والملك، لما جمع بكراً وتغلب ابني وائل وأصلح بينهم، أخذ من الحيين رهناً من كل حي مائة غلام ليكف بعضهم عن بعض، فكان أولئك الرهن يكونون معه في مسيره ويغزون معه، فأصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامة التغلبيين وسلم البكريون. فقالت تغلب لبكر: أعطونا ديات أبنائنا، فإن ذلك لكم لازم، فأبت بكر بن وائل. فاجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم وأخبروه بالقصة. فقال عمرو بن كلثوم لتغلب: بمن ترون بكراً تعصب أمرها اليوم؟ قالوا: بمن عسى إلا برجل من أولاد ثعلبة. قال عمرو : أرى والله الأمر سينجلي عن أحمر أصلج أصم من بني يشكر. فجاءت بكر بالنعمان بن هرمٍ أحد بني ثعلبة بن غنم بن يشكر، وجاءت تغلب بعمرو بن كلثوم. فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للنعمان بن هرم: يا أصم! جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وهم يفخرون عليك !. فقال النعمان: وعلى من أظلت السماء كلها يفخرون ثم لا ينكر ذلك. فقال عمرو بن كلثوم له: أما والله لو لطمتك لطمةً ما أخذوا لك بها. فقال له النعمان: والله لو فعلت ما أفلت بها قيس أير أبيك. فغضب عمرو بن هند وكان يؤثر بني تغلب على بكر، فقال: يا جارية أعطيه لحياً بلسان أنثى أي سبيه بلسانك . فقال: أيها الملك أعط ذلك أحب أهلك إليك. فقال: يا نعمان أيسرك أني أبوك؟ قال: لا! ولكن وددت أنك أمي فغضب عمرو بن هند غضباً شديداً حتى هم بالنعمان. وقام الحارث بن حلزة فارتجل قصيدته هذه ارتجالاً، توكأ على قوسه وأنشدها وانتظم كفه وهو لا يشعر من الغضب حتى فرغ منها. قال ابن الكلبي: أنشد الحارث عمرو بن هند هذه القصيدة وكان به وضح ، فقيل لعمرو بن هند: إن به وضحاً، فأمر أن يجعل بينه وبينه ستر. فلما تكلم أعجب بمنطقه، فلم يزل عمرو يقول: أدنوه أدنوه حتى أمر بطرح الستر وأقعده قريباً منه لإعجابه به. هذه رواية أبي عمرو. وذكر الأصمعي نحواً من ذلك وقال: أخذ منهم ثمانين غلاماً من كل حي وأصلح بينهم بذي المجاز ، وذكر أن الغلمان من بني تغلب كانوا معه في حرب فأصيبوا. وقال في خبره: إن الحارث بن حلزة لما ارتجل هذه القصيدة بين يدي عمرو قام عمرو بن كلثوم فارتجل قصيدته:
قفي قبل التفرق يا ظعينا |
وغير الأصمعي ينكر ذلك وينكر أنه السبب في قول عمرو بن كلثوم . وذكر ابن الكلبي عن أبيه أن الصلح كان بين بكر وتغلب عند المنذر بن ماء السماء، وكان قد شرط: أي رجلٍ وجد قتيلاً في دار قومٍ فهم ضامنون لدمه، وإن وجد بين محلتين قيس ما بينهما فينظر أقربهما إليه فتضمن ذلك القتيل. وكان الذي ولي ذلك واحتمى لبني تغلب قيس ابن شراحيل بن مرةً بن همام. ثم إن المنذر أخذ من الحيين أشرافهم وأعلامهم فبعث بهم إلى مكة، فشرط بعضهم على بعض وتواثقوا على ألا يبقي على ألا يبقي واحد منهم لصاحبه غائلةً ولا يطلبه بشيء مما كان من الآخر من الدماء. وبعث المنذر معهم رجلاً من بني تميم يقال له الغلاق. وفي ذلك يقول الحارث بن حلزة:
فهلا سعيت لصلح الصديق |
|
كصلح ابن مارية الأقصم |
وقيس تدارك بكر العراق |
|
وتغلب من شرها الأعظم |
وبيت شراحيل فـي وائلٍ |
|
مكان الثريا من الأنـجـم |
فأصلح ما أفسدوا بينـهـم |
|
كذلك فعل الفتى الأكـرم |
ابن مارية هو قيس بن شراحيل. ومارية أمه بنت الصباح بن شيبان من بني هند فلبثوا كذلك ما شاء الله، وقد أخذ المنذر من الفريقين رهناً بأحداثهم، فمتى التوى أحد منهم بحق صاحبه أقاد من الرهن. فسرح النعمان بن المنذر ركباً من بني تغلب إلى جبل طيئ في أمر من أمره، فنزلوا بالطرفة وهي لبنى شيبان وتيم اللات. فذكروا أنهم أجلوهم عن الماء وحملوهم على المفازة، فمات القوم عطشاً. فلما بلغ ذلك بني تغلب غضبوا وأتوا عمرو بن هند فاستعدوه على بكر، وقالوا: غدرتم ونقضتم العهد وانتهكتم الحرمة وسفكتم الدماء وقالت بكر: أنتم الذين فعلتم ذلك، قذفتمونا بالعضيهة وسمعتم الناس بها، وهتكتم الحجاب والستر بادعائكم الباطل علينا قد سقيناهم إذ وردوا، وحملناهم على الطريق إذ خرجوا، فهل علينا إذ حار القوم وضلوا !. ويصدق ذلك قول الحارث بن حلزة:
لم يغروكم غروراً ولـكـن |
|
يرفع الآل جرمهم والضحاء |
كان أبو عمرو الشيباني يعجب لارتجاله معلقته في موقف واحد، وشرح أبيات منها: وقال يعقوب بن السكيت: كان أبو عمرو الشيباني يعجب لارتجال الحارث هذه القصيدة في موقف واحد ويقول: لو قالها في حول لم يلم. قال: وقد جمع فيها ذكر عدةٍ من أيام العرب عير ببعضها بني تغلب تصريحاً، وعرض ببعضها لعمرو بن هند، فمن ذلك قوله:
أعلينا جناح كندة أن يغ |
|
نم غازيها ومنا الجزاء |
قال: وكانت كندة قد كسرت الخراج على الملك، فبعث إليهم رجالاً من بني تغلب يطالبونهم بذلك، فقتلوا ولم يدرك ثأرهم، فعيرهم بذلك. هكذا ذكر الأصمعي. وذكر غيره أن كندة غزتهم فقتلت وسبت واستاقت، فلم يكن في ذلك منهم شيء ولا أدركوا ثأراً. قال: وهكذا البيت الذي يليه وهو:
أم علينا جرى قضاعة أم لي |
|
س علينا فيما جنوا أنـداء |
فإن عيره بأن قضاعة كانت غزت تغلب ففعلت بهم فعل كندة، ولم يكن منهم في ذلك شيءٍ ولا أدركوا منهم ثاراً. قال: وقوله:
أم علينا جرى حنيفة أم مـا |
|
جمعت من محاربٍ غبراء |
قال: وكانت حنيفة محالفةً لتغلب على بكر، فأذكر الحارث عمرو بن هند بهذا البيت قتل شمر بن عمرو الحنفي أحد بني سحيم المنذر بن ماء السماء غيلةً لما حارب الحارث بن جبلة الغساني، وبعث الحارث إلى المنذر بمائة غلام تحت لواء شمر هذا يسأله الأمان على أن يخرج له عن ملكه ويكون من قبله، فركن المنذر إلى ذلك وأقام الغلمان معه، فاغتاله شمر بن عمرو الحنفي فقتله غيلةً، وتفرق من كان مع المنذر، وانتهبوا عسكره. فحرضه بذلك على حلفاء بني تغلب بني حنيفة. قال وقوله:
وثمانون من تـمـيمٍ بـأيدي |
|
هم رماح صدورهن القضاء |
يعني عمراً أحد بني سعد بن زيد مناة، خرج في ثمانين رجلاً من تميم فأغار على قوم من بني قطنٍ من تغلب يقال لهم بنو رزاحٍ كانوا يسكنون أرضاً تعرف بنطاع قريبةً من البحرين، فقتل فيهم وأخذ أموالاً كثيرة، فلم يدرك منه بثأر. قال: وقوله:
ثم خيل من بعد ذاك مع الغلاق ولا رأفة ولا إبقاء |
قال: الغلاق صاحب هجائن النعمان بن المنذر، وكان من بني حنظلة بن زيد مناة تميمياً . وكان عمرو بن هند دعا بني تغلب بعد قتل المنذر إلى الطلب بثأره من غسان، فامتنعوا وقالوا: لا نطيع أحداً من بني المنذر أبداً! أيظن ابن هند أنا له رعاء !. فغضب عمرو بن هند وجمع جموعاً كثيرة من العرب، فلما اجتمعت آلى ألا يغزو قبل تغلب أحداً، فغزاهم فقتل منهم قوماً، ثم استعطفه من معه لهم واستوهبوه جريرتهم، فأمسك عن بقيتهم، وطلت دماء القتلى. فذلك قول الحارث:
من أصابوا من تغلبي فمطلو |
|
ل عليه إذا تولى العـفـاء |
ثم اعتد على عمرو بحسن بلاء بكرٍ عنده فقال:
من لنا عنده من الـخـير آيا |
|
ت ثلاث في كلهن القضـاء |
آية شارق الشقـيقة إذ جـا |
|
ءوا جميعاً لكل حـيٍ لـواء |
حول قيسٍ مستلئمين بكبـشٍ |
|
قرظـي كـأنـه عـبـلاء |
فرددناهم بضرب كـمـا يخ |
|
رج من خربة المزاد الماء |
ثم حجراً أعني ابن أم قطـامٍ |
|
وله فـارسـية خـضـراء |
أسد في اللقـاء ذو أشـبـالٍ |
|
وربيع إن شنعت غـبـراء |
فرددناهم بطعن كـمـا تـن |
|
هز في جمة الطوي الدلاء |
وفككنا غل امرئ القيس عنه |
|
بعدما طال حبسه والعـنـاء |
وأقدناه رب غسان بالـمـن |
|
ذر كرهاً وما تكال الدمـاء |
وفديناهم بـتـسـعة أمـلا |
|
كٍ كرامٍ أسلابهـم أغـلاء |
ومع الجون جون آل بني الأو |
|
س عنود كـأنـهـا دفـواء |
يعني بهذه الأيام أياماً كانت كلها لبكر مع المنذر، فمنها يوم الشقيقة وهم قوم شيبان جاءوا مع قيس بن معد يكرب ومعه جمع عظيم من أهل اليمن يغيرون على إبل لعمرو بن هند، فردتهم بنو يشكر وقتلوا فيهم، ولم يوصل إلى شيء من إبل عمرو بن هند. ومنها يوم غزا حجر الكندي، وهو حجر بن أم قطام، امرأ القيس وهو ماء السماء بن المنذر، لقيه ومع حجر جمع كثير من كندة، وكانت بكر مع امرئ القيس، فخرجت إلى حجر فردته وقتلت جنوده. وقوله:
ففككنا غل امرئ القيس عنه |
وكانت غسان أسرته يوم قتل المنذر أبيه، فأغارت بكر بن وائل على بعض بوادي الشام فقتلوا ملكاً من ملوك غسان واستنقذوا امرأ القيس بن المنذر، وأخذ عمرو بن هند بنتاً لذلك الملك يقال لها ميسون. وقوله: وفديناهم بتسعة ...، يعني بني حجر آكل المرار. وكان المنذر وجه خيلاً من بكر في طلب بني حجر، فظفرت بهم بكر بن وائل فأتوا المنذر بهم وهم تسعة، فأمر بذبحهم في ظاهر الحيرة فذبحوا بمكان يقال له جفر الأملاك. قال: والجون جون آل بني الأوس: ملك من ملوك كندة وهو ابن عم قيس بن معد يكرب. وكان الجون جاء ليمنع بني آكل المرار ومعه كتيبة خشناء، فحاربته بكر فهزموه، وأخذوا بني الجون إلى المنذر فقتلهم .
قال: فلما فرغ الحارث من هذه القصيدة حكم عمرو بن هند أنه لا يلزم بكر بن وائل ما حدث على رهائن تغلب، فتفرقوا على هذه الحال. ثم لم يزل في نفسه من ذلك شيء حتى هم باستخدام أم عمرو بن كلثوم تعرضاً لهم وإذلالاً، فقتله عمرو بن كلثوم. وخبره يذكر هناك .
قصيدة له دالية: قال يعقوب بن السكيت أنشدني النضر بن شميل للحارث بن حلزة وكان يستحسنها ويستجيدها ويقول: لله درة ما أشعره: صوت:
من حـاكـم بـــينـــي وبـــي |
|
ن الـدهـر مـال عـلـي عـمــدا |
أودى بـســادتـــنـــا وقـــد |
|
تركـوا لـنـا حـلـقــاً وجـــردا |
خيلي وفارسها |
|
وربّ أبيك كان أعز فقدا |
فلو أن ما يأوي |
|
إلي أصاب من ثهلان هدا |
فضعي قناعك إن ري |
|
ب الـدهـر قـد أفـنـى مـعـــدا |
فلـكـم رأيت مـــعـــاشـــراً |
|
قد جـمـعـــوامـــالاً وولـــدا |
وهـــم زبـــاب حـــــــائر |
|
لا تـســـمـــع الآذان رعـــدا |
فعـــش بـــجـــد لا يضـــر |
|
ك الـنـوك مـا لاقـــيت جـــدا |
والـعـيش خــير قـــي ظـــلا |
|
ل الـنـوك مـمـن عـاش كـــذا |
في البيت الأول من القصيدة والبيتين الأخيرين خفيف ثقيلٍ أول بالوسطى لعبد الله بن العباس الربيعي، ومن الناس من ينسبه إلى بابويه.
صوت:
ألا هبي بصحنك فأصبحينا |
|
ولا تبقي خمور الأندرينا |
مشعشعة كأن الحص فيها |
|
إذا ما الماء خالطها سخينا |
عروضه من الوافر. الشعر لعمر بن كلثوم التغلبي. والغناء لإسحاق ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى من روايته. وفيه لإبراهيم ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن عمرو .
المرجع: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني