الكويت ، ماضيه وحاضره ومستقبله

 


د. سابا شبر

دكتوره هندسة تنظيم المدن والاقاليم

عضو في معهد منظمي المدن الاميركية

مساعد رئيس المهندسين في حكومة الكويت

نشر المقال في تشرين الثاني / نوفمبر 1960 ، الرائد العربي .

تنفرد
الكويت ، القديمة منها والحديث على السواء ، بصفات خاصة تميزها عن مدن العالم ، من نواح متعددة. وربما كانت المنطقة التي تشملها الكويت اليوم ، قديمها وحديثها ، إحدى المناطق غير العادية في تاريخ الانسانية كلها .

أن الحالة في الكويت فريدة في نوعها الى درجة ان كل سلعة تقريباً من السلع التي يستهلكها الناس ويستعملونه ، ما عدا البترول ، هي سلعة مستوردة ، إما عن طريق البر او البحر او الجو . على أن مستوى المعيشة ، اذا ما قيس بتعدد الخدمات وثمنها ، يضاهي أعلى المستويات في العالم .

إن الطريقة التي تقوم بها
الكويت ، بشكل طبيعي ، على الجانب الغربي من الخليج العربي ، عند حافة ما يعرف بخليج الكويت ، تشكل وضعاً فريداً من نوعه . فالمرء لا يستطيع مطلقاً ان يتأكد من اتجاهه عند وصوله الى الكويت ، إذ غالباً ما يخطىء بين الشرق والغرب ، وبين الجنوب والشمال . وان منظر الشمس ، وهي تعكس امامها مشهداً واسعاً للبحر ، قبل أن تنحني إنحناءتها الطبيعية لتغيب في الغرب ، ليذهل المرء حقاً ، علاوة على ذهوله لمجرد مشهد شروقها وغروبها ، وحدهما .

ويجد المرء ، بكل تأكيد ، ان العربي هنا ليس عربياً عادياً ، بل عربياً أنمى في نفسه إنعزالاً في الطبع ، ممزوجاً بتعدد الاتجاهات والنشاطات . فقد حارب الكويتي الصحراء من جهة ، وحارب الصحراء من الجهة الاخرى ، كما غاص في أعماق البحار في اتجاه آخر ايضاً . ولما كان على تاكويتي ان يحارب قساوة الصحراء والبحر معاً ، بالاضافة الى ضراوة الطقس ، فقد إستن لنفسه نظاماً ، نوعاً من " روح الجماعة "، وامانة في التعامل يصعب العثور عليهما في أماكن أخرى من العالم .

لقد بنى الكويتي لنفسه
مدينة الكويت غير العادية ، في الجزء الداخلي من شبه الجزيرة التي تكون خليج الكويت ، كي يتمكن من مقارعة الصحراء والبحر معاً . ففي هذا المكان ، تخف قليلاً حرارة الرياح اثناء مرورها فوق خليج الكويت ، قبل أن تصطدم بالارض الام . وفي هذه النقطة بالذات ، يهدأ البحر عادة لايواء السفن التي بناها الكويتي ليمخر بها عباب البحار ، والذي ما زال يبنيها حتى يومنا هذا .

أما الكويت القديمة فإنها ، كمدينة ، تنفرد في شيء آخر ايضاً ، إذ ربما كانت أصدق المدن العربية طابعاً ، مع شقيقتها " الحفوف " المنحدرة بمحاذاة الساحل . وهي تمثل بذلك ، دون أي مغالطة ، الحكمة القائلة : "الحاجة أم الاختراع " . فقد بني حولها سور من الكلفة ( البحص ) ، ليحميها من هجمات الاعداء والعواصف الرملية اللافحة . فقد بنيت الكويت في موقع ملائم على البحر . فهي تواجه ايران والعراق من جهة ، ولها اتصالات تجارية مع الهند والشرق الاقصى ، من الجهة الاخرى . ولم يبدأ الكويتي العربي الا منذ مدة قريبة في لقاء أخيه العربي القادم من الغرب .

ولما كانت الحياة قاسية على ابن الكويت ، فقد ابتدع صناعات وفنوناً ، ووسائل وأساليب ، تمكنه من البقاء على بقعة هي ، من الناحية الطبيعية ، من أقسى البقع على وجه البسيطة . ونجم عن ذلك ان المدينة لم تنشأ وتبن وتحم بطريقة إستراتيجية فحسب ، بل ان تقسيمها الداخلي ايضاً قد أنشيء بطريقة تجعلها تلبي حاجات الحياة اليومية . فقد بنيت بشكل محكم متراص. ففيها الفجوات والفتحات اللازمة ليدخل الهواء النقي ، ويفيء الظل ، ويتيسر المرور . فهي بذلك آية فنية في نوع التخطيط العضوي الاساسي الذي تطور مع الزمن ليلبي الحاجات الاساسية .

أما البيوت التي أقامها الكويتي ، فقد تطورت هي ايضاً تطوراً عضوياً ناشئاً عن مقتضيات وضع قاس ، إذ بنيت الدور لتلبي المتعارفات الاجتماعية وأحوال الطقس ومدى توافر مواد البناء . ولم تكن هنالك اي رغبة في المظاهر في طريقة تصميمها . فقد بنيت قريباً بعضها من البعض الآخر ، بشكل بسيط ينم عن الوقار ، ويقيها من العواصف الرملية والحر الشديد . ولما كانت تلك الدور تبنى عادة بشكل يتسع لاقامة باحة واسعة ، فقد أصبحت الباحة هي الوحدة التي تدور حولها حياة العائلة الكويتية . ولا تزال البساطة التي بنيت بها الجدران ، وكثافتها ، وإستعمال قرم الخشب لبناء السقوف ، وحجم النوافذ وأمكنتها ، وتجميل الابواب والنوافذ، تتجلى فيها البساطة والذوق المرهف . كل ذلك لا يزال يلفت العين الحساسة التي يزعجها مرأى البهرجة والتقليد الخائب للهندسة الحديثة ، وما أكثر تفشيه اليوم في الكويت وفي كثير من المدن العربية .

يشير منظمو المدن عادة الى المدينة التي تنمو نمواً طبيعياً ومنطقياً بحيث تلائم سكانها وتلبي حاجاتهم ، بأنها مدينة عضوية ، وذلك بعكس المدينة التي تنمو بموجب خطة صارمة ومرسومة من قبل ، سواء أكان شكلها هندسياً أم غير هندسي ، بالنسبة لمقاييس التنظيم الحديث . لذلك ، فإن
مدينة الكويت القديمة هي مدينة عضوية ، شأنها في ذلك شأن الكثير من شقيقاتها العربية مثل دمشق وحلب ويافا وطنجة . أما منظرها ، اذا ما شوهدت من الجو ، فمذهل حقاً . فهناك الجمال في شكلها العام ، والمنطق والعلم في توزيع أجزائها المبعثرة ، والطرافة في تخطيطها الهندسي . وهنالك التنوع غير المتناهي للمشاهد القائمة داخل تلك الوحدة ، التي هي المدينة . فكل متسع ، وكل شارع ضيق ، وكل شكل ، قد نما عبر الزمن ليلبي حاجات معينة . وعندما كبرت المدينة وتشعبت ، أصبحت تعبرعن حضارة معينة : لقد أصبحت تعبيراً عن التجول في البحار، والترحال في القفار ، والغوص على الآلىء ، وأصبحت تعبيراً عن المجتمع الذي يسيطر فيه الرجل ، يهتدي فيه بهدى دينه الحنيف ، الاسلام .

فمن خلال الاسلام ، إكتسب فن العمارة المسجد ، وهو شكل تتجلى فيه قمة الجمال الهندسي . فالتصرف الفني بالقبة والمئذنة والساحة واتساع المكان واستعمال الخصائص العربية للتزوق الهندسي ، كل ذلك يمكن مشاهدته في مدينة الكويت القديمة كلها . وعندما يقترب المرء من المدينة قادماً من جهة الصحراء او البحر ، يرى أن المئزنة تهيء العنصر المعاكس الذي ساعد على تلطيف الشكل المسطح الافقي للمنظر ، وذلك لتزويده معالم عامودية ترتفع فوق مستوى الطبقات الاولى والثانية التي تعم الكويت .

وفي محاذات الشاطىء المواجه لخليج الكويت ، قامت صناعة بناء السفن الصغيرة . ولا يزال باستطاعة المرء ان يشاهد العمال ، حتى يومنا هذا ، يسمرون قواعد السفن الخشبية الجديدة بمطارقهم الصغيرة . وقد مخر الكويتي منذ القدم عباب البحار بهذه السفن ، وأنشأ العلاقات التجارية والبشرية مع العراقي والايراني والهندي وغيرهم . وكلما تنقل المرء اليوم في أرجاء الكويت ، إستطاع ان يشاهد مزيجاً حقيقياً من السكان ، حيث تضفي كل جماعة على البلد لوناً جديداً ، وتسهم في إكسائها صفة جديدة في سرعة تبدلها وتعدد ملامحها .

أخذت البضائع تتدفق بكثرة على شبكة المتاجر المتداخلة في المدينة ، من الميناء القديم الذي جرى استبدله الان بميناء حديث كبير . وعندما يسير المرء عبر اسواق المدينة ، وتعايش قديمها وجديدها معاً ، يذهله جو تلك الاسواق وتنوع البضائع المعروضة فيها . وتتكون لدى المرء صورة عن الصناع والتجار وسكان المدينة، وكيف كانوا منذ مدة قريبة يناضلون من أجل البقاء ، وهم يعيشون ويعملون قرب بعضهم البعض . ولا يسع المار في تلك الاسواق إلا أن يتأثر بتنظيمها العملي وعلاقاتها ، بعضها بالبعض الآخر ، وبالكيفية التي يتعاون السكان فيها على حل مشكلة السوق حلاً حديثاً . واليوم ، نجد منظمي المدن في اميركا واوروبا يعالجون هذه المشكلة ، إذ يوفرون حلولاً بإعادة تنظيم مناطق العمل المركزية على أساس فكرة أن السير يجب ان يستثنى من المناطق التي تكثر فيها السابلة .

لقد كانت الكويت القديمة حتى حقبة من الزمن مضت ، أو ما اليها ، مجرد بلدة عربية فطرية . لقد كان لونها بنياً غامقاً ، وكانت مجمعة في منطقة استراتجية ، يحيط بها سور محزز يمتد من البحر الى البحر . ولا تزال يقايا ذلك السور تشاهد في نقاط أربع حول المدينة ، وتنجلي عنها مشاهد ممتعة تطل على إلانشاءات القائمة حديثاً داخل المدينة القديمة . ويستطيع المرء أن يشاهد ايضاً بعض الاشجار النامية حول الابواب القديمة للمدينة ، وكذلك على طول الاجزاء الوسطى من شوارع المدينة العريضة ، مما يقف شاهداً على الجهود الجبارة التي تنم عن الجلد والصبر التي تبذلها السلطات لادخال الخضرة الى بقعة من الارض هي أشد بقع العالم صعوبة .

لقد صمد أهل الكويت لشدائد الطبيعة ، والحر ، والعواصف الرملية ، وندرة المياه ولبحر يكثر مده وجزره ، حتى لقد أخضع الملاحة الى رحمته . ولا يزال أهل الكويت يذكرون الايام التي كان ماء الشرب يستورد بكميات كبيرة من
العراق ، ويذكرون الايام التي لم يكن فيها تبريد الهواء معروفاً بعد ، كي يلطف من قيظ الصحراء الخانق . واليوم ، يشرب الكويتيون ماء البحر مقطراً ، ويعيشون ويعملون في اماكن مكيفة بالهواء. إنهم يمتلكون ويقودون كل انواع واحجام السيارات التي يمكن تصورها . وفي المطار شركات طيران عديدة، مرهقة بالعمل على نقل المسافرين والبضائع . وحول كل زاوية ، ترى البنايات الجديدة ، بينما تنتشر الاشجار والحدائق في جنبات مدارس المدينة ومستشفياتها ومكاتبها ، وهي مبان تضاهي أحسن وأجمل المباني في بلدان العالم . ويرى المرء عدداً كبيراً من الدوائر الحكومية مشغولة بالتخطيط لتوسيع المرافق العامة ، وكذلك المدينة . كل شيء مثير ، كل شيء يغمره الشعور بالامل ، وكل شيء يتطلب عملاً شاقاً .

يمكن الان مشاهدة المهندسين والاطباء والمقاولين والتجار من كل ركن من اركان المعمور يعملون بجد وانهماك في الكويت . حقاً ، انها لمدينة سريعة النمو والازدهار ، متفجرة الطاقة، حديثة الازدهار . ويقف خلف كل هذا النشاط : النفط والطموح الكويتي .

أما قصة النفط في العالم العربي فإنها لقصة معلومة ، وآثارها في بلدان الخليج العربي ، وبصورة غير مباشرة في بلدان مثل لبنان ، هي ايضاً معروفة . فبينما كان النفط يضخ من حقول النفط ، كانت الواردات تنصب في شرايين اقتصاد معظم البلدان العربية ، مطلقة ازدهاراً اقتصادياً غير مسبوق ولا تعرف له حدود . ولم يقتصر الامر على الكويت وحدها ، اذ شعرت مناطق اخرى ايضاً بأثر واردات النفط ، مثل المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين . غير ان الكويت تأثرت به أكثر من سواها وبدأت قبل غيرها تكيف نفسها لتنسجم مع الوضع الجديد والفورة الاقتصادية والعمرانية التي جلبها النفط مع ظهوره .

إستسلمت المدينة القديمة لضغط التوسع فهدمت الجدران والاسوار وأقيم مكانها " حزام أخضر " سيزداد نمواً على مدى السنين . ويذكرنا هذا الامر بما حدث في مئات المدن الاوروبية العائدة لايام العصور الوسطى ، عندما أخذت أسوارها تستسلم للضغط السكاني والتطور الصناعي وتوسعه .

كذلك إستسلمت الصحراء المجاورة الى شبكة من الطرق الحديثة والواسعة ، التي قسمت المناطق النائية في خارج المدينة الى وحدات متجاورة . وبمقدور المشاهد ان يرى اليوم ، بدلاً من الازقة والمنعطفات المتعرجة الضيقة ، طرقات واسعة تتخللها الساحات الدائرية والشوارع ذات الاتجاهين والدوائر نصف القطرية . حتى ان المدينة القديمة نفسها ، أخذت باسلوب الشوارع الجديدة ، واتسعت شبكة الطرق فيها حتى جمعت القديم والحديث وربطت بينهما . كذلك انتشرت المستشفيات والمدارس ومباني الحكومة والمناطق الصناعية والمساجد ، بسرعة كبيرة داخل المدينة وفي اجزائها الجديدة . وبينما لم يزد عدد سيكان الكويت على الستين الفاً قبل عشر سنوات ، أصبح الان حوالى مئتين وستين الف نسمة .وبينما لم يكن فيها قبل عشر سنوات سوى حفنة من السيارات، أصبح فيها اليوم من السيارات قدر ما يوجد في لبنان كله . فنسبة امتلاك السيارات في الكويت مرتفعة جداً . وما لم يتخذ في القريب العاجل اجراء حاسم لحل مشكلة سير ووقوف السيارات ، فقد تصبح الكويت أشبه بعنق الزجاجة المختنق وتنشل فيه حركة المرور .

كانت
الكويت ، بصورة عامة ، أحسن حظاً من معظم البلدان الاخرى التي ازدهرت ازدهاراً سريعاً . فقد اعتمدت على العلم ، الى حد بعيد ، في تنظيم شؤونها المدنية . وانفقت بسخاء على طرقاتها ومدارسها ومستشفياتها وبيوتها . كما صرفت اموالاً كثيرة لاجتذاب المدربين لتسلم زمام اداراتها ومرافقها الآخذة في الاتساع ، واتبعت سياسة نيرة لتسهيل دخول أولئك الراغبين في المساهمة في بناء الكويت الجديدة . لقد أنفقت الكويت بسخاء على بناء المنافع الحكومية وعلى المستشارين والخبراء والمقاولين ، كما اسهمت من دون تردد لمساعدة البلدان العربية المجاورة ودفعت بعجلة اقتصادها نحو الازدهار . ولا يمكن لاحد ان ينكر ان حكومة الكويت تصرفت في هذه الحقبة بوعي وسخاء ، في ظروف تحكمت فيها الضغوطات من كل لون ومن كل حدب ، وشهدت المفاهيم تبدلاً كبيراً . كل ذلك في جو ومحيط موبوء بضراوة الطبيعة .

واليوم ، إذ يتطلع المرء الى المدينة ، خاصة من الجو ، فانه سيذهل لما سيراه من تطور وتقدم تمكنت الكويت من تحققه خلال الاعوام العشرة الماضية . كذلك سيصاب المرء بالذهول عندما يتصور مقدار ما بقي من عمل ينبغي القيام به كي تصبح الكويت ، بالفعل ، مدينة ذات كفاية عملية ، تتحلى بميزات طيبة وترنو الى اهداف طيبة ايضاً . إن المرء سيدهش إذ يجد انه يجب اعادة بناء قسم كبير من المدينة القديمة ، ليس على الطريقة المتقطعة التي يجري بموجبها البناء الان ، بل بموجب احدث مفاهيم تنظيم المدن . وسيصاب المرء بالذهول ايضاً إن علم كم من مبانٍ يجب ان تبنى لاسكان الناس الذين نقلوا من اماكنهم في البلدة القديمة . كما يذهله عدد المشروعات التي يجب القيام بها لمحو البقاع الناشزة في المدينة والطلبات المتزايدة للاعداد المتزايدة من السكان . وما يذهل كذلك هو هذا الجهد الكبير الذي سيبذل لتوجيه نمو المدينة والاشراف على ذلك النمو ليأخذ اتجاهه الصحيح ، فضلاً عن التشديد في اتباع فنٍ معماري يتلاءم مع احوال الطقس من دون اهمال فن العمارة العربية التي ابتعد عنها المعماريون مؤخراً تحت ضغط السرعة والتسرع . ولا بد من تجميل المدينة واغنائها بالاشجار الخضراء لتكمل جمال البلد وتقي الناس من شر الحر . وسيذهل المرء اذا علم كم كبيرة هي التحديات التي تواجهها السلطات المسؤولة في حل مشكلة المياه الحلوة ، الحيوية جداً لكلا الانسان والنبات معاً . كما يذهله هذا التحدي الذي يفرضه انشاء مركز حكومي وبلدي للكويت . إن تحقيق ذلك كله يتطلب نظرة جديدة وحديثة في شؤون ادارة المدينة . وانه ليعمر قلب المرء شعور قوي بالثقة والامل بان السلطات المسؤولة في الكويت تدرك أهمية كتابة الفصل الثاني يسرعة من تاريخ انشاء الكويت ، وهو فصل لا يمكن كتابته الا بتضامن الجهود لدى مختلف دوائر الحكومة التي عليها ان تتخذ من العلم والتخطيط والفكر الاقتصادي الحديث ، منارات يهديها السبيل في سياسة الانماء .

إزدهر خلال عصر النهضة في اوروبا ما عرف باسم " الدولة المدينة " . فعادت التجارة بالواردات ، والواردات بالانماء ، وبالتالي ازدهرت الفنون والعلوم والآداب . وكم هي الكويت اليوم أشبه ما تكون " بالدولة المدينة " ، وقد أنعم عليها بواردات تمكنها من ان تصبح مدينة النهضة العربية الحديثة ، خصوصاً وان هنالك فرصة فريدة للفن والهندسة والنحت وتخطيط المناظر الطبيعية للازدهار في هذه البقعة الفريدة . وعلى الانسان ان يفكر تفكيراً جريئاً ، وان يفكر تفكيراً كبيراً، اذا ما اراد ان يحقق حلماً كبيراً . يجب عليه ان يضع لنفسه اهدافاً ثم يعمل على حشد موارده لتحقيق تلك الاهداف . ويجب على الانسان كذلك ان ينسق جهوده وهويعمل على تحقيق الاهداف المرسومة ، حرصاً منه على اجتناب الاخطاء والازدواج والضياع في التنفيذ والعمل .

تدخل الكويت الان أكثر مراحلها تحدياً . فالذي حققته حتى الان مدهش حقاً . وما يزال ينتظر التحقيق ، فإنه لا يحير اللب فحسب ، بل يثير الحس ويلهب الخيال . فقد كانت الكويت حتى الان أشبه ما تكون بالشاب الجسور ، فحققت تقدماً مذهلاً ، اذا قيس هذا التقدم من ناحية الكمية وحدها ، وان هذا الشاب الفتى يدخل الان الفترة التي ينتظر منه ان يؤدي فيها اشياء أعظم . إنه يدخل الفترة التي تبدأ فيها قيم حضارية كالفلسفة والفن والعلم ، وهو بحاجة ماسة لهذه القيم .