محافظة القنيطرة

وهي إلى الجنوب الغربي من سورية، عرفت باسم الجولان وتميزت بتضاريسها المتنوعة، من قمة جبل الشيخ التي يبلغ ارتفاعها 2814 م، إلى بحيرة طبريا التي تنخفض 212 م عن مستوى سطح البحر، ففي الوقت الذي يكون فيه الثلج يغطي حرمون نجد السكان يستحمون بمياه الحمة المعدنية.

تشتهر هذه المحافظة بمياهها الغزيرة وينابيعها المتدفقة التي تصب في وادي نهر الأردن واليرموك، سكن الإنسان القديم هذه المنطقة منذ العصر الحجري ووجدت آثاره في مواقع عديدة (جسر بنات يعقوب وتل عكاش).

الجولان

يقع الجولان في الجنوب الغربي من سورية، ويتصل بحدودها الغربية مع
لبنان وفلسطين ومن الجنوب مع الأردن. وبهذا فهو يشكل حجر الزاوية بين هذه الأقطار.

من الناحية الطبيعية والناحية البشرية،لا نرى بين الجولان وحوران فروقا واضحة إذ يتميز الجولان بوضع طبيعي خاص وبغنى تراثي يتمثل بالآثار الموجودة فيه والتي تقع شرق بحيرة طبريا، وتبقى قلعة الصبيبة من أهم المواقع الأثرية.

احتل الصليبيون الجولان أحيانا واستعصت عليهم قلعة الصبيبة، وحرر صلاح الدين هذه المنطقة قبل معركة حطين وذلك لتأمين المواصلات إلى دمشق والأردن وطريق الحج.

سكن الجولان العرب الرحل. وأهم العشائر التي استقرت فيه عشائر آل الفضل وآل النعيم. وأشهر مدن الجولان القنيطرة وفيق وبانياس وفي الجولان 171 قرية.
 

و الجولان من المناطق الزراعية المعروفة بوفرة أمطارها ومراعيها، وتنسب المنطقة الجنوبية، حوران والجولان إلى حوض اليرموك المائي.

ويؤلف نهر اليرموك إلى الغرب من درعا، الخط الفاصل بين الحدود السورية والحدود الأردنية. وفي هذه المنطقة مجموعة من الينابيع، ينابيع المزيريب والبندك والساخنة، وينصب فائضها في مجرى النهر من ارتفاع 600م ليشكل شلالات تل شهاب. ونبع زيزون، يصب في مجرى النهر من ارتفاع 20م كي يؤلف شلالات زيزون وتصب في النهر مجموعة الينابيع الأخرى.

ويشكل نهر الأردن الحد الفاصل بين سورية وفلسطين ويسمى نهر الشريعة. ولهذا النهر ثلاثة مصادر هي نهر بانياس نهر الدان ونهر الحاصباني.  

بانياس

وتدعى بانياس الحولة تمييزاً لها عن بانياس اللاذقية، وهي قرية في الشمال الغربي لقضاء القنيطرة، صغيرة بمساحتها وعدد سكانها لكنها كبيرة بمكانتها من الناحيتين التاريخية والأثرية. يحدها من الشمال وادي العسل الفاصل بينها وبين الحدود اللبنانية، ومن الشرق اراضي قريتي جباثا الزيت وعين قنية، ومن الجنوب عين فيت، ومن الغرب مغر شبعا والمنطقة المجردة بينها وبين الحدود الفلسطينية. تبعد عن القنيطرة 20 كم، وتقع في حضيض الجبل المعروف بالهيش- من أعضاد جبل الشيخ فوقها، وعند منتهى وادي سعار القادم من مجدل شمس للالتقاء بنهر بانياس، وتطل على سهل الحولة الذي في غربها الجنوبي، وهي تعلو عن سطح البحر 329 متراً. وهي في موقع بهيج، فجبل الشيخ يحميها من رياح الشمال، والينابيع والقنوات الدافقة ترطب جوها، وبهذا الدفء تخضر الآكام والمنحدرات المحيطة بها اخضراراً يكاد يكون دائمياً، وتبسق الأشجار المحبة للماء والحرارة، ويظل جوها دافئاً في الشتاء وحاراً مرهقاً في الصيف.

 صخورها من جنس ما في جبل الشيخ- طباشيرية، وتربتها حمراء وسوداء. الجبال والآكام المحيطة بها هي جبل الهيش الذي ذكرناه وجبل قلعة الصبيبة وتل الاحمر وتل العزيزات وتل الفخار. وبعض اراضيها جبلية مرتفعة، كانت مزدانة بكروم العنب وبقايا حراج السنديان، وكثيرها سهلية منخفضة تمتد في اول سهل الحولة. في بانياس نهرها المسمى باسمها وهو أحد ينابيع نهر الأردن، وقد اشتق القدماء منه هناك عدة قنوات لسقي الأرضي، اسماؤها: قناة سد الماء، المكلسة، رأس النبع، الجوزة، والسلطان ابراهيم. وعلى هذه القنوات اقيمت عدة طواحين. هذا بالضافة الى قناة الخشبة التي غربي نبع بانياس، المشتقة من وادي خشبة الهابط من أنحاء جباثا الزيت. وأراضي بانياس السهلية خصبة شأن اراضي الحولة كلها، وتسقى من القنوات التي أحصيناها، وأراضي بانياس كلها كانت اوقافاً ( ماءً وغرساً، بعضها من أوقاف السلطان ابراهيم بن أدهم البلخي المتوفي سنة 361 هـ والمدفون في جبلة اللاذقية. ويظهر ان هذا الرجل الصالح الكثير التنقل مكث مدة في بانياس وله فيها حتى الآن مقام وثلاث أقنية محكمة البناء من قبل عهده، ولا تزال تعرف باسمه وان ضاعت أسماء الذين شقوها ووقفوا أراضيها له). تمتاز بانياس بموقعها الذي وصفناه بأنه خضر جذل، تحيط بها الأنهار والقنوات والغياض والكروم وبقايا الحراج. أهم محاصيل بانياس هو الزيتون الذي له معاصر تدار بالماء، وفستق العبيد والفول والبزلياء والقمح وقليل من الأشجار المثمرة والعنب. وتربى الأبقار في بانياس والقليل من الماعز بحكم وجود الاحراج حيث يعاقب من يرعى قطعانه فيها. أما ماضي بانياس فحافل بكثير من الذكريات القديمة والأوصاف العديدة التي رددها مؤرخو العرب وجغرافيوهم. فقد قال اليعقوبي ( من القرن 8 هـ ) في كتاب البلدان : "بانياس قصبة الجولان وأكثر أهلها قيسيون، وموقعها قرب الغور على حدود الحولة والجبال. وهي كثيرة الخيرات ومستودع ذخيرة دمشق" . وقال المقدسي البشاري ( من القرن 4 هـ ) في كتابه احسن التقاسيم عن بانياس ما يدل على أنها كانت عامرة واسعة الأرزاق، بما يأتيها من غلال الحولة التي دعاها (معدن الأقطان)، قال : "ومدينة بانياس على طرف الحولة وحد الجبل أرخى وأرفق من دمشق (واليها انتقل أكثر أهل الثغور لما آخذت طرسوس وزادوا فيها وهي كل يوم في زيادة لهم نهر شديد الربودة يخرج من تحت جبل الثلج وينبع وسط المدينة وهي خزانة دمشق رفقة بأهلها بين بساتين جليلة غير آن ماءها رديء". وقال شيخ الربوة (من القرن 8 هـ) في كتابه عجائب البر والبحر: "بانياس مدينة قديمة حصينة كثيرة الحوامض (يعني الأشجار الحمضية) وهواؤها وبيء وترابها كذلك وبها مياه غزيرة وآثار لليونان قديمة" . وقال أبو الفداء (من القرن 8 هـ) في تقويم البلدان : "بانياس اسم لبلدة صغيرة ذات أشجار حمضيات وغيرها وانهار وهي على مرحلة ونصف من دمشق (90 كيل) من جهة الغرب بميلة الى الجنوب. والصبيبة اسم قلعتها، وهي من الحصون المنيعة". قال العزيزي: "ومدينة بانياس في حنف جبل الثلج وهو مطل عليها والثلج على رأسه كالعمامة لا يعدم منه صيفاً ولا شتاءً". وقال ابن جبير في رحلته يصف بانياس وقد جاءها من دمشق ماراً ببيت جن وقاصداً عكا سنة 589 هـ: "هذه المدينة ثغر بلاد المسلمين وهي صغيرة ولها قلعة يستدير بها تحت السور نهر يفضي الى احد أبواب المدينة وله مصب تحت أرجاء، وكانت بيد الإفرنج فاسترجعها نور الدين رحمه الله، ولها محرث واسع في بطحاء متصلة يشرف عليها حصن للافرنج اسمه هونين بينه وبين بانياس مقدار ثلاثة فراسخ. وعمالة تلك البطحاء بين الافرنج وبين المسلمين لهم في ذلك حد يعرف بحد المقاسمة فهم يتشاطرون الغلة على استواء ومواشيهم مختلطة ولا حيف بينهما فيها. وذكر الظاهري في كتابه (زبدة كشف الممالك) ان زراعة الرز كانت قائمة في جوارها، قلت: يقصد ابن جبير بكلمة (المحرث الواسع في بطحاء متصلة) سهل الحولة الفسيح. ولكن على غير مشاطرة سوى العداوة وتربص كل فريق بالثاني الدوائر، وجيوش الفريقين منتشرة على الحدود متقلدة السلاح ومتحفزة دائماَ". وخرائب بانياس- على ما انتابها من حوادث الأيام، ولا سيما الزلازل، تدل على عظمة من شاهدوها وحكموها، ففيها أبراج المدينة القديمة، ومدخلها الاثري، وقواعد وابدان وتيجان اعمدة متنوعة، واحجار منحوتة ذات نقوش جميلة، وأمثالها من البقايا، وتكاد تجد هناك مدينة تحت الارض. في داخلها مسجد قديم واحد، وفي خارجها وانت هابط في طريق القنيطرة على مرتفع كنيسة حديثة رمزية بيضاء اللون، ينبت في موقع مرتفع يجله المسيحيون ويدعونه (دير بانياس)، ويعتقدون ان المسيح وقف فيه زمناً على ما سوف نذكره في تاريخها. إن تاريخ بانياس يبدأ من العهد اليوناني، ولو أنها كانت موجودة من قبلهم. فاليونان منذ أن استلموها كرسوا المغارة التي فوق نبع الاردن باسم الاله "بان" حارس الحقول والغابات والمواشي والصيادين، ومنها نشأ اسم المدينة Baneas الذي احتفظ به العرب من بعد فصار (بانياس).

وقد شاد هيرودوس الكبير امام المغارة المذكورة هيكلاً (معبداً وثنياً) على اسم اغسطوس قيصر، لكن بانياس لم تتقدم إلا في عهد ابنه فيليبس رئيس ربع اليطورية (الجيدور). فقد أكمل بناءها وحسنها وجعلها عاصمة ربعه، ودعاها قيصرية اكراماً لطبياريوس قيصر، وأضافها إلى اسمه فصارت (قيصرية فيليبس) تمييزاً لها عن قيصرية هيرودوس (وهي قيسارية على بعد 35 كيل شمالي يافا)، ثم حسنها هيرودوس اغريباس الثاني ودعاها (نيرونياس) اكراماً للقيصر نيرون الظالم.. وفي الروايات النصرانية أن السيد المسيح جاء في أواخر أيامه الى بانياس، وانه هناك اعترف بطرس به فقال لبطرس: أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي ..الخ. وقالت تلك الروايات أيضاً أن بانياس كانت موطن الإمرأة التي شفاها المسيح من نزيف الدم في كفر ناحوم، وأنه ربما صعد من هناك إلى جبل حرمون حيث تجلى. ويظن البعض أن بانياس هي بعل جاد التي وصفت بأنها تحت جبل حرمون، انتهت اليها انتصارات يشوع في اقصى شمالي ارض الموعد. هذا وفي سنة 70م جاءها تيطس واحتفل فيها بانتصار الجيوش الرومانية في معارك فلسطين واستيلائهم على القدس وتخريبها. وأقام إذ ذاك في بانياس ملعباً اجبر فيه أسراه من اليهود أن يصارعوا الوحوش، فهلك بذلك منهم عدد كبير. كما عذبهم أنواع العذاب وقتل منهم كثيرين شر قتلة، ثم دخلت بانياس في النصرانية. وفي القرن الرابع جعلت مركز أسقفية. ومد الرومان وقتئذ من بانياس إلى دمشق أرصفة؛ المشهود منها ذلك الذي يتجه نحو الشمال الشرقي ماراً بمجدل شمس ومزرعة بيت جن وبيت تيما وقطنا ودمشق. وذلك االطريق يتجه نحو الجنوب الشرقي صاعداً نحو بقعاثا واوفانيا وتل دية وسعسع وخان الشيخ وكوكب وداريا ودمشق. وفي سنة 15 هـ فتح المسلمون بانياس حين فتحهم بلاد الشام، وسكتت التواريخ عن ذكرها عدة قرون، ما عرفنا كيف كانت حالتها خلالها إلى أن صارت تذكرها بمناسبة الحروب الصليبية. فقد تعرضت بانياس لغارات مكررة وتداورتها أيدي الصليبين والمسلمين مراراً، وقبل مجيء الصليبين كانت في ولاية الأتابك ظهير الدين طغتكين، صاحب دمشق، الى سنة 520 هـ، وكان في عهده استفحل أمر الإسماعيلية الباطنية في حلب ودمشق، فاضطر طغتكين إلى أن يبعدهم ويسلمهم بانياس دفعاً لشرهم ولتسليطهم على الافرنج . وفي سنة 527 هـ سار شمس الملوك اسماعيل بن بوري بن طغتكين وهاجم بانياس وفتحها. لكن الافرنج عادوا في سنة 544 هـ واستولوا عليها، وشادوا في قلعة الصبيبة اسواراً وأبراجاً جديدة، وجعلوها إحدى معاقلهم الأمامية للدفاع عن ممتلكاتهم في فلسطين تجاه المسلمين. وظلت بانياس وقلعة الصبيبة في يد الافرنج، يغيرون منها على قرى الجولان. ولما تملك نورالدين محمود زنكي في دمشق صار يغادي بانياس ويراوحها فيخفق أول مرة وثانيها، إلى أن وفق لفتحها في سنة 560 هـ، فثبتت من ذلك الحين في أيدي المسلمين، وصارت ثغر بلادهم تجاه البلاد التي كانت في يد الصليبيين، كما قال ابن جبير فيما نقلناه عن رحلته. وفي عهد صلاح الدين الأيوبي أعطاها ولده الملك الأفضل، فبقيت في يده إلى أن استولى عليها عمه الملك العادل سيف الدين أبو بكر، فاقطعها ولده العزيز عثمان. ولما توفي سنة 630 هـ ورثها ابنه الملك السعيد حسن فبقيت في يده. ورمم هذا خلال ذلك الحصون والأسوار، التي كان المعظم عيسى، كما تشهد بذلك الكتابات العربية الموجودة حتى الآن في بانياس، وظلت في يد السعيد حسن إلى أن استخلصها منه الصالح نجم الدين أيوب سنة 644 هـ. ولما توفي الصالح رجع السعيد حسن واستلمها إلى أن قبض عليه الناصر صلاح الدين بن عبد العزيز محمد، وسجنه في قلعة البيرة (على الفرات)، واخذ بانياس سنة 649 هـ. ولما جاء التتر أخرجوا حليفهم السعيد حسن من سجنه وأرجعوه إلى بانياس فبقيت في يده إلى أن جاء الملك الظفر قطز، أول السلاطين المماليك الترك، وهزم التتر في معركة عين جالوت (بيسان) سنة 658 هـ، واخذ السعيد حسن أسيراً وضرب عنقه. لأنه فيما قيل كان على المسلمين أشد من التتر، حتى انه تنصر، تملقاً لزوجة هولاكو ملك التتر، التي كانت نصرانية وحامية للنصارى (حكاه ابن شداد في مخطوطة كتبت سنة 680 في مكتبة لندن). وفي بانياس كتابة ذات عدة أسطر على اسكفة قديمة فيها اسم الملك العزيز، قيل فيها بعد البسملة (أمر بعمارة هذا الحا (لعله الخان) المبارك مولانا السلطان المجاهد المثاغر المرابط العالم العادل عماد الدنيا والدين الملك العزيز عثمان أعز الله انصاره بن مولانا السلطان الملك العادل ابي بكر بن ايوب رحمه الله في ولاية العبد الفقير الى الله جمدية  بن خضرين جينة الملكي العزيز وعمارة العبد إلى أبي الفتح بن نفر في شهور سنة ثلث وعشرين وست مائة . وفي مجموعة (الكتابات الاثرية العربية) منقولة عن الباب الكبير في بانياس تقول: أمر بعمارة هذا الثغر المبارك الامير الكبير الموفق الغازي في سبيل الله ناصر امير المؤمنين سنة سبع وستين وخمسمائة. صنعه أبا الفضل..قلت، ولعل هذا الامير الكبير هو نورالدين محمود زنكي استدلالاً من التاريخ. وقرية بانياس الحالية مبينة في مكان المدينة القديمة. وهذه لم يبق منها سوى بعض قطع من الاعمدة والحجارة والمنحوتة، تجدها مقحمة بين جدران بيوت القريةالحالية، ومبعثرة في حواكيرها. حتى انهم في سنة 1953 حينما فكروا بتحويل نهر بانياس وبدأوا يحفرون عثروا على نقوش بديعة من الفسيفساء وفصوص خواتم على بعضها صور آلهة، منها ديانا آلهة الصيد، وعلى بعضها نقوش عربية كوفية من عهود العرب والصيلبيين. اما القلعة فمشيدة فوق مرتفع مثلث الشكل محصور بين نهري سعار وبانياس قبيل التقائهما. وجدران هذه القلعة متقوضة جداً لم يبق ظاهراً منها الا القليل. والقادم لزيارة خرائب بانياس يبدأ من الجهة الشمالية الغربية. فيرى ثمة على ضفة النهر برجين ضخمين من العصور المتوسطة. وكان برج ثالث على بعد قليل عنهما، إلى الجنوب وغربي الطريق الحالية. وكانت جدران الأسوار مدعومة بأعمدة روابط أقحمت في هذه الجدران، كما هو الحال في كثير من القلاع. وهذه الأعمدة إما من حجر البلاد الكلسي وإما من الحجر المحبب (الغرانيت) الأسود المرقط المجلوب من صعيد مصر. وكلها من بقايا المباني التي كانت في العهد الروماني. وإذا سلك الزائر السكة القديمة يخترق القرية ويبلغ الجسر العتيق الذي كان في الزاوية الجنوبية الشرقية. وكان هذا الجسر محمياً ببوابة قوية اقحمت أيضاً في جدرانها أعمدة روابط من الغرانيت. وترى حتى الآن بعضها ملقى على جانب الطريق وثمة باب له اسكفة ذات كتابة عربية لعلها تلك التي نقلناها آنفاً عن سوفاجية وفيات. وكانت حصون بانياس تمتد على طول ضفة النهر في الشرق والغرب. الا انها الآن خراب بالمرة. والمداميك السفلية في هذه المباني مؤلفة من أحجار ضخمة منحوتة نحتاً بارزاً (صورياً) تدل على عراقتها في القدم. أما المداميك العليا فهي من العهود الإسلامية، كما تشهد بذلك بقايا الجدران المبنية من أحجار كبيرة، مجلوبة من أماكن أخرى، وقطع الأعمدة، والكتابة العربية السابقة الذكر. وإذا رجع الزائر أدراجه وتقدم نحو الجبل، يصل بعد بضع دقائق إلى نبع الأردن الصاخب الجميل، فيجد المياه تسيل بغزارة كلية من حضيض جدار شاهق من الصخر الكلسي. وهذا النبع هو الهدف الأسمى في زيارة بانياس. وفي الجدار الشاهق المذكور يلحظ الناظر وجود غرف عديدة، وخمس كوى منقورة في الصخر، مع كتابات يونانية صعبة القراءة، كانت فيما يظن مخصصة لوضع السمامات. وهنالك أيضاً مغارة طبيعية، قد سد مدخلها بصخور ضخمة، متدحرجة من أعلى الجبل، وجعلت زريبة للغنم والماعز. وفي فصل الشتاء يمتلئ قعر المغارة بالماء، وفي فصل الصيف تجف بالكلية. ويعتقد الأثريون أن هذه هي المغارة التي كانت مكرسة إلى الإله "بان" أو "بانيون" الذي أعطى المدينة اسمه. ونبع الأردن يؤلف حوضاً نصف دائري، صافي الماء رقراقه، هو يتفجر بفوران شديد، وينقسم إلى فرعين ليؤلف نهراً عرضه من 4 -6، أمتار يندفع راغياً مزبداً هادراً في مسيل صخري.