تبنين

لعلّ من الصّعب الحديث عن تاريخ تبنين-جبل عامل بمعزلٍ عن تاريخ قلعتها التّاريخية، بل إنّ شهرة هذه البلدة اللبنانيّة تاريخيًا ارتبطت بشكلٍ أساسيٍ بقلعتها..

أوّل مَن وضع الحجر الأساس لقلعة تبنين هُم الآراميون في منتصف القرن التّاسع قبل الميلاد، عندما أمر حزائيل بن بنجدد ببنائها عام 1850 ق.ب. وقد أطلق عليها إسم "تبنين" وتعني بالآرامية "البناء المُشيّد". وعُرِفَت أيضًا بإسم "طورون" و"طور".

 

تعرّضت القلعة عام 680 ق.م في عهد سنحريب الآشوري للدّمار. وفي مطلع 582 ق.م حاصرها نبوخذنصّر الكلداني أثناء تقدّم قوّاته باتّجاه صور. وأعيد ترميم القلعة في العصر الروماني، وأُهمِلَت في العصر البيزنطي.. ولم تستفق من سباتها العميق إلاّ على وقع حوافر خيول الصّليبيين في مُستهّل عام 1099م.

ذكر المؤرّخ الأوروبّي "وليَم الصّوري"، الذّي عاصر الحروب الصليبية وسجّل وقائعها، أن القلعة شيّدها سنة 1105م "هوغ دي سان أومير" لتكون معقلاً ينطلق منه في شنّ هجماته على صور وناحيتها الشّرقية، وذلك نظرًا لبروز هذا المكان وعلوّه وإشرافه على ما حوله من سهولٍ وبطاح.

وبعد أن كانت قلعة تبنين مركز الثّقل عند الإفرنج في هجماتهم على صور، عادت كذلك عند العرب بعد جلاء الفرنج عنها وتحصّنهم بصور.

وكانت تبنين في تلك العهود مُلتقى القوافل الكبرى من دمشق إلى السّواحل. وكانت تنازعها بذلك مدينة طبريا الفلسطينية نظرًا لقصر الطريق مع وعورتها في الأولى، وطول الطّريق مع سهولتها في الثانية.

تبعد تبنين عن العاصمة بيروت مسافة 110 كلم تقريبًا باتّجاه الجنوب، وعن مدينة صور حوالى 30 كلم شرقًًا، ويبلغ عدد السكان المحلييّن في البلدة نحو 15 ألف نسمةٍ. أمّا اليوم وحسب الإحصاءات فيوجد 4000 نسمة ُمقيمين والباقي يتوزّع بين العاصمة بيروت وبلدان الإغتراب، لاسيما الولايات المتحدة الاميركية وإفريقيا. والجدير بالذكر إنّ هذه النسبة تتّجه إلى الإرتفاع في فصل الصّيف حيث يتوافد أبناء البلدة للإصطياف في ظلّ طبيعتها الخلاّبة ومناخها المُعتدل اللّطيف. أمّا كنى العائلات في بلدة تبنين فيبلغ إثنين وخمسين.

تُعتبر الينابيع في بلدة تبنين من الثروات الفيّاضة التي أصبحت مقصدًا لأهل المنطقة، وأهم هذه الينابيع: عين المزراب، عين الحور، عين الوردة، عين الخان.

وما يُميّز البلدة أيضًا مراكزها الصّحية المجهّزة والمؤهّلة لخدمة أهالي المنطقة وذلك من خلال المستشفى الحكومي الذي يتمّ الآن تحديثه تقنيًا وتطويره بإضافة طبقاتٍ جديدةٍ عليه، ومركز الصّليب الأحمر اللبناني، ومستوصف قوات الطوارىء، إضافةً إلى فتح مراكز لوزارة الشّؤون الإجتماعية فيها.

أهمّ المعالم الأثرية والسياحية التي تفتخر تبنين بوجودها: القلعة والحصن والمنازل القديمة وغابة الصّنوبر (المشروع الأخضر). فإذا وقفنا عند القلعة، نجد أنّ ما يعطيها سمةً خاصةً هو ارتفاعها عن سطح البحر البالغ 750م. أمّا الحصن فهو عبارة عن سكن كبير يقع في الناحية الجنوبية للقلعة ويشرف على النّاحية الجنوبية الغربيّة، ويتألف من أربعة أبراج متّصلة ببعضها البعض. وقد بقي الحصن قائمًا حتى سنة 1965 وكان مقرًا للقوات العسكرية نظرًا لما يتضمّنه من أنفاقٍ. أمّا المنازل القديمة فنرى أنّها ماتزال موجودةً في بعض الأحياء. ومازال أبناء البلدة يحافظون على هذه المعالم بإعتبارها تراثًا قديمًا وكنزًا ثمينًا. أمّا غابة الصنوبر والسنديان فهي المُتنزّه الأفضل في المنطقة، حيث يقصده المتنزهون من القرى المجاورة وقد تمّ تزفيت الطريق بداخله بين الأشجار وبُنِيَت ملاعبٌ رياضيةٌ حديثةٌ ومقاعد خاصة للزّائرين ليتاح لهم الجلوس براحةٍ في مكانٍ ظليل وهادىء جدًا.

لا يمكن لقاصد بلدة تبنين إلاّ أن يمرّ على سوقها المُسمّى سوق الجمعة الشّعبي الجميل، بحيث تظنّ إذا رأيته أنّ البلدة مزينةٌ لإستقبال زائرٍ أو للإحتفال بإحدى المناسبات. وقد كان هذا السوق -وما يزال- مقصدًا لأهالي القُرى المجاورة والبعيدة كافةً باعتبار أنّه يعود إلى عام 1892م، وبات جزءًا لا يتجزّأ من تراث البلدة. إلى جانب ذلك يتوفّر في البلدة العديد من الخدمات لاسيما بعض المؤسّسات التجارية الصغيرة والدوائر الرسمية والعديد من المطاعم والمقاهي.