عمر بن أبي ربيعة

644 - 711م

هو عمر بن أبي ربيعة وكنيته أبو الخطّاب. ولد يوم مقتل عمر بن الخطاب، في أسرةٍ قريشيّةٍ جَمَعت إلى مجدها العريق ثروةً ضخمةً ومكانةً في المجتمع كريمة.

شبّ الفتى المخزومي على دلالٍ وترفٍ، فانطلق مع الحياة التي تنفتح رحبةً أمام أمثاله مِمَّن رُزِقوا الشّباب والثروة والفراغ. لهَا مع اللاّهين وعرفته مجالس الطّرب والغناء فارسًا مجليًا ينشدُ الحسن في وجوه الملاح في مكة، ويطلبه في المدينة والطائف وغيرهما.

رأى في موسم الحجّ معرض جمال وفتون، فراح يستغله "إذ يعتمر ويلبس الحلل والوشي ويركب النجائب المخضوبة بالحناء، عليها القطوع والدّيباج". ويلقى الحاجّات من الشام والمدينة والعراق فيتعرّف بهنّ، ويرافقهن، ويتشبّب بهن ويروي طرفًا من مواقفه معهن. وشاقته هذه المجالس والمعارض فتمنّى لو أن الحجّ كان مستمرًا طوال أيام السنة:

ليت ذا الدّهر كان حتمًا                علينا كلّ يومين حجة واعتمارا

وظلّ عمر يتقلّب في هذه الألوان من الشعر والحياة، حتى تقدّمت به السّن فأقصر عن اللهو والمجون، وأقلع عن ذكر النّساء إلى أن وافته المنية سنة 93هـ-؛ وقد ترك من نتاجه الفنّي ديوانًا عامرًا بالغزل، لا يعرض لغيره من الفخر والوصف إلاّ لمامًا.

يُعتَبَر عمر رائد القصّة الغزلية الإباحية التي يروي فيها مغامراته مع عددٍ من النساء، وعُرِفَ بتنقّله من امرأةٍ إلى أخرى، يشدّه الجمال إلى الجنس الآخر. ويمتاز شعره بالعذوبة والرّقة والسّلاسة، حتى قيل فيه: "شعره الفُستق المُقشّر".

أشهر قصائده الغزلية، رائيتُه التي مطلعها:

أَمِن آل نعمٍ أنتَ غادٍ فمُكبِرُ                غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمُهَجِّرُ


وعندما سمعها
جرير، أُعجِبَ بها، وقال: "ظلّ هذا المخزومي يهذي حتى قال الشعر".

وورد في "سير أعلام النبلاء": هو أبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة القرشي المخزومي الشاعر المشهور؛ لم يكن في قريش أشعر منه، وهو كثير الغزل والنوادر والوقائع والمجون والخلاعة، وله في ذلك حكايات مشهورة. وكان يتغزل في شعره بالثريا ابنة علي بن عبد الله بن الحارث ابن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف الأموية، وقال السهيلي في " الروض الأنف ": هي الثريا ابنة عبد الله، ولم يذكر علياً، ثم قال: وقتيلة ابنة النضر جدتها، لأنها كانت تحت الحارث بن أمية، وعبد الله ولدها وهو والد الثريا، وهذه قتيلة هي التي أنشدت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عقيب وقعة بدر الأبيات القافية، وكان قد قتل أباها النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، وقيل كان أخاها، ومن جملة الأبيات:

أمحمد ولأنت ضـنء نـجـيبةٍ

 

من قومها والفحل فحلٌ معرق

ما كان ضرك لو مننت وربمـا

 

من الفتى وهو المغيظ المحنق

فالنضر أقرب من تركت وسيلةً

 

وأحقهم إن كان عتق يعـتـق

فقال عليه السلام: لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته؛ وكان شديد العداوة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأسره في يوم بدر، فلما رجع إلى المدينة أمر علي بن أبي طالب، وقيل المقداد بن أسود بقتله، فقتله صبراً بين يديه بالصفراء، وهي مكان بين المدينة وبدر؛ وهذه الأبيات من جملة أبيات مذكورة في كتاب " الحماسة " في باب المراثي.

وكانت الثريا موصوفة بالجمال، فتزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، رضي الله عنه، ونقلها إلى مصر، فقال عمر المذكور في زواجها يضرب المثل في الثريا وسهيل النجمين المعروفين:

أيها المنكح الثريا سهيلاً

 

عمرك الله كيف يلتقيان

هي شامية إذا ما استقلت

 

وسهيلٌ إذا استقل يماني

وهذه الثريا وأختها عائشة أعتقتا الغريض المغني المشهور صاحب معبد، واسمه عبد الملك وكنيته أبو زيد، وسمي الغريض باسم الطلع، ويقال فيه الغريض والاغريض، وإنما سميلنقاء لونه، وقيل إنما سمي به لطراوته.

يروى أن يزيد بن معاوية لما أراد توجيه مسلم بن عقبة إلى المدينة اعترض الناس، فمر به رجل من أهل الشام بترس قبيح، فقال له: يا أخا الشام، مجن ابن أبي ربيعة أحسن من مجنك، يريد قول ابن أبي ربيعة:

وكان مجني دون من كنت أتقـي

 

ثلاث شخوص: كاعبان ومعصر

وهذا البيت من جملة قصيدة، وهي من ظريف شعره، فمن جملتها:

فحييت إذ فاجأتها فـتـلـهـفـت

 

وكادت بمكتوم التحية تـجـهـر

وقالت وعضت بالبنان: فضحتنـي

 

وأنت امرؤ ميسور أمرك أعسـر

أريتك إن هنا عليك ولـم تـخـف

 

رقيباً وحولي من عدوك حضـر

فوالله ما أدري أتعـجـيل حـاجة

 

سرت بك أم قد نام من كنت تحذر

فقلت لها: بل قادني الشوق والهوى

 

إليك وما عين من الناس تنـظـر

فلما تقضى الـلـيل إلا قـلـيلـه

 

وكادت توالي نجمـه تـتـغـور

أشارت بأن الحي قد حان منـهـم

 

هبوب ولكن موعد لـك عـزور

فما راعني إلا منـاد بـرحـلة

 

وقد لاح مفتر من الصبح أشقر

فلما رأت من قد تنور مـنـهـم

 

وأيقاظهم قالت: أشر كيف تأمر

فقلت: أباديهم فإمـا أفـوتـهـم

 

وإما أسل السيف ثأراً فـيثـأر

فقالت: أتحقيقاً لما قال كـاشـح

 

علينا وتصديقاً لما كـان يؤثـر

وإن كان ما لابد منـه فـغـيره

 

من الأمر أدنى للخفاء وأستـر

أقص على أختي بدء حـديثـنـا

 

وما لي من أن يعلما متـأخـر

لعلهما أن يبغيا لك مـخـرجـاً

 

وأن يرحبا سرباً بما كنت أحصر

فقالت لأختيها: أعينا على فتـى

 

أتى زائراً والأمر للأمر يقـدر

فأقبلتا فارتاعتـا ثـم قـالـتـا:

 

اقلي عليك اللوم فالخطب أيسر

يقوم فيمشي بيننـا مـتـنـكـراً

 

فلا سرنا يفشو ولا هو يظهـر

وكان مجني دون من كنت أتقـي

 

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

ومن شعر عمر المذكور أيضاً:

حي طيفـاً مـن الأحـبة زارا

 

بعدما صرع الكرى السمـارا

طارقا في المنام تحت دجى اللي

 

ل ضنيناً بـأن يزور نـهـارا

قلت ما بالنا جـفـينـا وكـنـا

 

قبل ذاك الأسماع والأبصـارا

قال إنا كما عـهـدت ولـكـن

 

شغل الحلي أهلـه أن يعـارا

وكانت ولادته في الليلة التي قتل فيها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وهي ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين للهجرة. وغزا في البحر فأحرقوا السفينة فاحترق في حدود سنة ثلاث وعشرين للهجرة وعمره مقدار سبعين سنة، رحمه الله تعالى، وقال الهيثم بن عدي: مات سنة ثلاث وتسعين للهجرة، وعمره ثمانون سنة، والله أعلم.

وقتل والده عبد الله في سنة ثمان وسبعين للهجرة بسجستان.

وكان الحسن البصري، رضي الله عنه، إذا جرى ذكر ولادة عمر بن أبي ربيعة في الليلة التي قتل فيها عمر، رضي الله عنه، يقول: أي حق رفع؟ وأي باطل وضع؟ وكان جده أبو ربيعة يلقب ذا الرمحين، واسمه عمرو، وقيل حذيفة، وقيل اسمه كنيته.

وكان أبوه عبد الله أخا أبي جهل ابن هشام المخزومي لأمه، وأمهما أسماء بنت مخربة، من بني مخزوم، وقيل من بني نهشل، وهما ابنا عم، يجمعهما المغيرة بن عبد الله.

ويقظة: بفتح الياء المثناة من تحتها والقاف والظاء المعجمة.

المرجع: سير أعلام النبلاء للذهبي

من قصائده:...