الحضارة الإسلامية

وُلِدَ الّنبي محمد بن عبد الله في عام 570م، فعاش في كنف جدّه عبد المطلب سيّد بني هاشم، وعرف عنه الصّدق والأمانة والخصال الحميدة والخلق الحسن.

لم يشترك النبي بعبادة الأصنام ولم يحضر مجالس اللهو التي كانت شائعة في أيّامه. وعندما بلغ الأربعين من عمره نزل عليه الوحي داعيًا إيّاه إلى الإيمان بالله الواحد الأحد والدّعوة إلى نبذ عبادة الأصنام، فآمنَت به زوجته خديجة وعلي بن أبي طالب وأبو بكر وعثمان بن عفان والزبير بن العوام. وحين ازداد عدد المؤمنين بالدعوة، جهر محمد بالدعوة إلى الإله الواحد مسفّهًا آل قريش، فاشتدّ أذى قريش، عندئذٍ طلب النبي إلى نفرٍ من المُسلمين الهجرة إلى الحبشة لأن فيها ملكًا لا يظلم عنده أحد.

تحوّلت يثرب إلى معقلٍ للإسلام وسُمّيت بمدينة النّبي. وبعد تنظيم شؤونها كأوّل دولةٍ إسلاميةٍ، وجّه الرّسول اهتمامه لنشر الدّعوة بين العرب الوافدين في موسم الحج، كما كتب إلى ملوك وأمراء عصره رسائل يدعوهم فيها إلى الإسلام.

ومِن تعاليم الإسلام: الصّلاة، الزّكاة، الحج والصوم، بالإضافة إلى الأركان والعقائد الإسلامية.

وضع الرسول الأسُس الأولى لبناء دولة الإسلام ووحّد لأوّل مرةٍ في التاريخ قبائل الجزيرة العربية في كيانٍ أساسه الرابطة الدينية، وفرض عليهم حكم الله في جهاد أعداء الإسلام والعمل في سبيل انتشاره. وقبل وفاته كانت حكومة المدينة تبسط سلطانها على كلّ أنحاء الجزيرة.

في عهد الخلفاء الراشدين الذي استمرّ حكمه من سنة 632 حتى سنة 661، عَرَفت الدولة الإسلامية عهود أربعة خلفاء هُم: أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، ووجّهت حملات عسكرية عديدة لنشر الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية. خاض العرب معركة اليرموك التي انتصروا فيها على البيزنطيين وانفتحت أمامهم أبواب فلسطين وبلاد الشام، ومن ثم مصر. كما هزموا الفرس في معركتَيّ القادسية ونهاوند وقضوا نهائيًا على دولتهم وأقبل الناس في المناطق المُفتتحة على الدخول في الإسلام واتّسعت رقعة الدولة من فارس شرقًا وحتى ليبيا غربًا.

بعد مقتل الإمام علي في الكوفة، وتنازل الإمام الحسن عن الخلافة، بايع المسلمون معاوية الذي نصب نفسه خليفة على المسلمين وأسّس الدولة الأموية (661-750م) التي جعل دمشق عاصمةً لها. واستمرّت الفتوح في عهد هذه الدولة وبلغت جيوش المُسلمين أسوار القسطنطينية عاصمة البيزنطييّن، وتحوّل البحر المتوسط إلى بحرٍ إسلاميٍ واتّسعت حدود هذه الدولة من حوض السّند شرقًا إلى إسبانيا غربًا.

أمّا في العهد العباسي، فقد استمرّ حكم الدولة العباسية من سنة 750م وحتى سنة 1258م، وبلغت أقصى اتّساعٍ لها في عهد هارون الرّشيد، فوصلت جيوش المُسلمين إلى الهند وحدود الصّين شرقًا وإلى شمال إفريقيا غربًا، وانفصلت بلاد الأندلس عن الدّولة الإسلامية في الشرق ونشأت فيها خلافة أمويّة على يد عبد الرحمن الداخل. واعتمد العباسيون عامةً على العناصر الإسلامية غير العربية في تدعيم سلطتهم، فقوي نفوذ الفرس ثم الترك واستأثروا بالسُّلطة. وفي عهود الضّعف نشأت دويلاتٌ في جسم الدولة العباسية منها الدولتان الطولونية والإخشيدية في مصر، كما نشأت خلافة في شمال إفريقيا هي الخلافة الفاطمية التي انتزعت من العباسيين بمصر وبلاد الشام واستمرّت حتى قام صلاح الدين باسطًا سلطانه على مصر وبلاد الشّام.

نشأ التّنظيم السّياسي الإسلامي على أساس الخلافة. والخليفة، بعد مبايعته، يُصبح هو الحاكم الزّمني والروحي.

إلاّ أنّ المُسلمين في عهد الخلفاء الرّاشدين لم يعتمدوا طريقةً واحدةً في اختيار الخلفاء الأربعة، وإن كان اختيارهم قد تمّ ضمن مبدأ الشّورى التي هي أهم مبادئ الحكم الإسلامي. أمّا في عهد الأمويين، فلم يستند المسلمون على مبدأ انتقال الخلافة عن طريق الشورى، بل كانت نتيجة الوضع السياسي والإقتصادي.

وفي عهد العباسيين، استمروا في اعتماد نظام الوراثة كالأمويين، فكان الخليفة يأخذ البيعة لأولاده من أعيان الناس وكبار القادة. واختاروا لولاية العهد وريثًا أو أكثر وأدخلوا على الخلافة مفاهيم جديدةً تتمثّل في مبدأ الحق الإلهي في الحكم. فاستبدوا بالسّلطة وأحاطوا بلاطهم بمظاهر العظمة وقلّدوا في ذلك ملوك فارس وبيزنطة، وغلب على الدولة الطابع الأعجمي بعد أن استمرّ عربيًا في عهديّ الخلفاء الراشدين والأموييّن.

أُدخِلَ منصب الوزارة على نظام الحكم وقد أخذه المسلمون عن الفرس. ويمكن التّمييز بين نوعَين من الوزارة وهُما وزارة التّفويض ووزارة التّنفيذ. وكان للكاتب دَورٌ هام في نظام الحكم. فقد ناب عن الخليفة في تلقّي الرسائل من الملوك والولاة والرّد عليها، حيث كان الكاتب أهمّ أعوان الخليفة بعد الوزير.

اتّسعت الدولة العربية الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين وشملت شعوبًا مُتحضّرةً ذات نُظُمٍ إداريةٍ مُتطوّرةٍ، فاعتمد المسلمون تلك النُّظم بعدما أحدثوا فيها ما جعلها تتوافق مع عقيدتهم الدّينية. وكان النظام الإداري في عهديّ الخلفاء الراشدين والأمويين مُنطلقًا من تقسيم الدولة إداريًا ليُسهل حكمها وللإشراف على مواردها وثرواتها. فقُسّمَت بلاد فارس إلى ثلاث ولاياتٍ، وقُسِّمَ العراق إلى ولايتين وتوزّعت بلاد الشام بين ولايتي حمص ودمشق وفلسطين ولاية قائمة بذاتها، وقُسِّمَت إفريقيا إلى ثلاث ولاياتٍ. ويُعتَبر عمر بن الخطّاب هو أول مَن وضع أسس هذا التنظيم، سواء في الإدارة أم القضاء والجيش والشؤون المالية، واعتمد نظام الدواوين لضبط إدارة البلاد.

"الديوان" كلمة فارسية معناها السّجل أو الدفتر وأطلقت مجازًا على المكان الذي تحفظ فيه السّجلات. كذلك وُضِعَ القضاء ليفصل في الخصومات ويحكم بين النّاس على أساس
القرآن الكريم، وكذلك الحسبة والتي هي فرع من القضاء، وُضِعَ نظامها للأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر والمُحافظة على الآداب العامة. هذا بالإضافة إلى البريد لنقل الرسائل والشرطة لحفظ الأمن والنظام وحماية المواطنين والحرص على سلامتهم من اعتداء الجناة والمفسدين.

لم يكن للعرب في جاهليتهم نظام حربي. فكان كل القادرين من أفراد القبيلة على حمل السلاح يشتركون في حروب قبيلتهم التي كانت كرًا وفرًا، وكانوا مشاة أو فرسانًا وسلاحهم الرّمح والسيف والقوس. وتمّ بناء أول أسطولٍ إسلاميٍ في عهد عثمان بن عفان، حين أذن لمعاوية ببناء الأسطول. وخاض هذا الأسطول معركة ذات الصواري ضد البيزنطيين وأمن سيطرة المسلمين على شرق المتوسط وزادت قطع الأسطول على 1700 سفينة. ومع ازدياد ثقة العرب بقوّتهم البحرية، تكثّفت غاراتهم على بيزنطية صيفًا وشتاءً.

كذلك أنشأ المُسلمون مع قيام أوّل دولةٍ للإسلام في المدينة بيتًا للمال وكلّفوا صاحب بيت المال الإشراف عليه. واشتمل هذا البيت على سجلٍ بالموارد والنّفقات المتنوعة. وتمّ استحداثُ عملةً عربيةً معدنيةً ذهبيةً وفضّيةً هي الدينار والدرهم منذ عهد الدولة الأموية.

عني الإسلام بالعلم وحثّ على تحصيله. وطلب العلم في الإسلام فريضةً. فقد طلب النّبي مِن أسرى بدر ممّن يجيدون الكتابة أن يفتدوا أنفسهم بقيام كلّ منهم بتعليم عشرة من أبناء المُسلمين. كما أنّ الصحابة دعوا إلى تعليم لغات الشعوب الأخرى. وكان من حقوق الأمة على الخليفة نشر العلوم الشّرعية وتعظيم العلم وأهله ورفع مناره ومحله. وقد اتّجهت عناية المسلمين في صدر الإسلام نحو العلوم الدينية ومنها تفسير القرآن والحديث وروايته والفقه والفتاوى الشرعية. وفي العهد الأموي استمرّ الطّابع الدّيني للثقافة العربية، وتطوّر في العهد العباسي إلى الإهتمام بالعلوم الفعلية كالطبّ والرياضيات والفلسفة.

قسّم الكتاب المُسلمون العلوم إلى قسمين: العلوم النقلية التي تتّصل بالقرآن الكريم وتفسيره، والعلوم الفعلية وهي التي عرفها العرب عن غيرهم من الأمم كالطب وعلم الفلك والكيمياء وسواها.

استندت الحضارة العربية الإسلامية على أسسٍ ومقوّماتٍ أهمّها: الدّين الإسلامي، اللغة العربية وانتقال قبائل عربية واستقرارها في البلاد المفتوحة.

كذلك امتاز صدر الإسلام بالشّعر الذي هو وسيلة التعبير الأولى، وتأثّر شعراء هذه الحقبة بالقرآن وأسلوبه. وكانت قصائد الشّعراء تتوجّه نحو مدح الرّسول وتمجيد الدين وهجاء المُشركين. أمّا النثر فلم يصل منه إلاّ القليل في الجاهلية، وكان تعبير العرب شعرًا أكثر اعتمادًا. ولمّا جاء الإسلام وأغنى اللغة العربية بإعجاز القرآن وبلاغة آياته، أصبح التّعبير النثري مُتّسمًا بالإختصار والبلاغة. وبعد اطّلاعٍ العرب على الفلسفة الهلينية بفعل حركة النقل والترجمة، حاولوا التوفيق في كتاباتهم بين الفلسفة والدين، فبرز منهم الفارابي، ابن سينا، الإمام الغزالي وابن رشد.

هذا بالإضافة إلى العلوم المتنوّعة كالطب والصيدلة وعلم الفلك والعلوم الإجتماعية والكيمياء التي كان للعرب فضل السّبق في إرساء قواعدها العلمية المبنية على التجربة العَمَلية. وكان تدوين التّاريخ بسيطًا في صدر الإسلام لقلّة القراء والكتّاب. وارتبط التّدوين بسيرة النّبي والحديث الشريف وأخبار الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين، واعتمد على الرواية المستندة. كذلك تأثّر العرب بعلم الجغرافيا عند اليونان، فأخذوا عنهم وزادوا عليه وطوّروه وأصبح من علومهم العريقة. وساعد على تطور هذا العلم اتّساع البلاد الإسلامية وانتشار التّجار والقوافل بين الأقاليم، كما استهوى حب الإطلاع والمعرفة كثيرًا من الرّحالة الذين أغنوا العلم بمعلوماتهم. كما أنّ بناء المساجد واتّجاه محرابها ناحية مكة للصّلاة دفع باتجاه دراسة المواقع. وكانت الجغرافيا حتّى هذه الفترة وصفيةً تعتمد على المُشاهدة.

تجنّب المسلمون التّصوير لما فيه من شَبَهٍ بعبادة الأوثان والأصنام، ونَهَت بعض الأحاديث النّبوية عن تصوير الإنسان والحيوان، لذلك خلَت مساجد المُسلمين من هذه الصّور، في حين ازدانت جدران القصور وبعض المساجد برسوم النّباتات وأغصانها وأزهارها وبالأشكال الهندسية. واقتصر ابتعاد المُسلمين عن التصوير على عامة النّاس.

بدأ اهتمام العرب ببناء المُدُن في عهد الخلفاء الراشدين. ففي عهد عمر بن الخطاب تمّ بناء البصرة والكوفة في العراق. وفي مصر بنى عمرو بن العاص مدينة الفسطاط. وفي المغرب بنى عقبة بن نافع مدينة القيروان في عهد معاوية أول خلفاء بني أمية. وفي العهد العباسي بُنِيَت مدينة بغداد وبعدها سامراء. كما اهتمّ الأمويون في الغرب بقرطبة التي أحصي فيها ثلاثة آلاف مسجد وثلاثة عشر ألف دار وثلاث مئة حمّامٍ، وسمّاها الأوروبيون جوهرة العالم. وكانت المُدُن تحاط بأسوارٍ مَنيعةٍ وتنقسم في الداخل إلى أحياء تُخصَّص لأهل الحرف. وكان قصر الحاكم والجامع الكبير في وسط المدينة وحولهما دور كبار الموظفين والقادة. وكانت البيوت تتألّف عادةً من طبقةٍ واحدةٍ في وسط فنائها بئر.

يُعتَبَر المسجد الأموي في دمشق مثالاً يبيّن مدى تطوّر فن البناء. وقد أقيم المسجد مكان كنيسةٍ بيزنطيّةٍ وأشرف على تنفيذه عمّال من البيزنطييّن والفرس، وبرعوا في تزيينه من الداخل بصُوَر أشجار وكتابات وفسيفساء اعتُبِرَت على درجةٍ عاليةٍ من الكمال. كذلك أقيم المسجد الأقصى في القدس وقبّة الصخراء التي تُعتَبَر من أقدم وأروع الفنون العمرانية الإسلامية. وأقيمت المآذن إلى جانب المساجد واتّخذت أشكالاً مختلفةً حسب المناطق والبلاد حيث يبدو التأثير المحلّي، في بنائها كمئذنة جامع سامراء الشّبيه ببرج بابل أو مآذن مصر وشمال إفريقيا التي اتخذت شكل منارة الإسكندرية. وكذلك اشتهر العرب ببناء القصور مثل قصر الخضراء في الأردن، وقصر الخلد وقصر الذهب في بغداد.

عرف المُجتمع العربي الغناء منذ العصر الجاهلي فكان عندهم الحداء والنّشيد، كما كانت مواكب الأعراس تُزَفّ بالغناء. كما عرفت مُدُن الحجاز في العصر الجاهلي مجالس الغناء حيث تُغنّي قينة يصحب غناءها عزف على آلةٍ موسيقيّةٍ. كما عرف الغناء في عهد النّبي والخلفاء الرّاشدين وكان عبارة عن أناشيد دينية.

نظّم الإسلام شؤون العبادة للمسلمين كما وضع أسس تنظيم حياتهم الدّنيوية وفرض على المُسلمين السّعي لتحصيل رزقهم انطلاقًا من الحديث "طلب العلم فريضة وطلب الكسب فضيلة". واهتمّ المسلمون بالعمل في الحقول الزراعية والتجارية والصناعية لتحسين مستويات معيشتهم. وكانت الزّراعة مورد الكسب الأول لخصب الأراضي الزّراعية في بلاد ما بين النهرين ووادي النّيل والأراضي الزراعية في بلاد الشام. كذلك نشطت التّجارة وانتقلت قوافل التّجار العرب بين اليمن والشام قبل الإسلام وبعده، وتوطّد الأمن في الدّاخل، فنشطت برعاية الحكّام الذين عملوا على ازدهارها بتأمين الطرق، ومحاربة القرصنة.